في التربة.. منتزة »السكون« أيقونة المدينة

ليس هناك ما هو أشد من الظلمة سوى القلب الممتلئ سواداٍ.. والنظر إلى تلك المدينة المسكونة بالهم اليومي بذاك القلب لن يزرع فيها الأمل.
على الدوام ظلت تعز في مخيلة المرضى الواقع الذي يفرض ما يجب أن يكون.. الضوء ينير الظلمة.. والابتسامة النابعة من قلب المدينة ينجز السواد إلى آخر الحرف المنتصب خلف نافذة الممكن.
استبدال الفسحة في عالم يضيق بك لا يكون من فعل الدولة في الغالب.. ربما يكون من الإنسان الذي لا يرى يديه من ضوء النافذة لكنه يحاول أن يجد ثغرة للابتسامة في هذا الوادي أو ذاك الشاهق الممتلئ بخضرة الصيف.. وتحسينات الذائقة التي ترى الجمال وتحاول أن تزيده إبهاراٍ ليست عديمة.
المدينة المكتظة بالبسطاء تخنق الشوارع.. لا مكان للتنفس.. الشوارع تتحرش ببعضها.. السيارات تصرخ كما لو أنها في مهمة حرب مع عدو افتراضي.
الهروب من الضجيج إلى الريف ممكن لكنها في كل الأحوال رحلة تطول.. سنوات مرت والمعلم الوحيد في المدينة (يفسر الماء بالماء) قلعة القاهرة (الرئة) الوحيدة للمدينة تعاملت معها الجهات الرسمية كنافذة للفساد.. سنوات للترميم جعلت الناس تحاول الاستعاضة بمكان آخر ربما يكون منفذاٍ لرؤية الحياة بصورة مختلفة.. واكتفت القلعة أن تلوح بيديها للجميع.. ناموا.. ربما الغزاة قادمون.
منتزه (الشيخ زايد) بات البديل المثالي للباحثين عن الاستجمام.. في ذاك المرتفع أو ما يسمى بـ(حصن العروس) قد تجد في الحياة ما يستحق التأمل ونجد ما يستحق الحياة أيضاٍ كأي مدينة عبثت الجهات الرسمية بحصونها التاريخية فاستعاض الناس بالواقع عن التاريخ وراحوا يبحثون عن تمويل لتشييد واقع سياحي جديد ربما يكون البديل عن المعالم الأثرية.
تشكيل العالم الأثري على يد إنسان هذا العصر.. في الغد سيتحدثون عن هذه اليد التي تحاول جاهدة أن تنحت في الصخر لإنشاء منتزه.. كما هو حال منتزه (السكون) في منطقة التربة (قرية حصيرة).
في هذه المنطقة المسماة بـ(شرف الحنان) والمطلة على المقاطرة وجد أحد أبنائها أنه بالإمكان إنشاء منتزه من العدم.. التضاريس مهيأة والمال في متناول اليد.. ليس هناك ما يمنع من فعل ذلك.
بدأ محمد سيف حميد العمل في قمة جبل قرية (حصيرة) ذاك المنتزه.. نحت في الصخر.. شق الممرات وبنى المدرجات والفندق.. حتى صار في المكان ما يتسحق التأمل.. غداٍ سيكون هذا المعلم تاريخياٍ.. غداٍ سيكون من المعالم الأثرية وسيتحدثون عنه كما نفعل اليوم عندما نتحدث عن المعالم التاريخية المنسية في هذه الأرض المضطربة.
منتزه السكون يقع إلى الجنوب من مدينة تعز قبل الوصول إليه لا بد من التأمل قليلاٍ في وديان الضباب الممتلئة بالخضرة طوال العام.. المساحة إلى الوادي (ثلاثة)كم من مدينة تعز.. في المكان يتفيأ الناس.. يشتركون لساعات ثم ينتشرون في المساحات الممتعة من التلال الجبلية يقع الضباب في مديرية (المواسط) يحيطه جبلين من الشرق مديرية (المسراخ) صبر ومن الغرب (جبل حبشي) على وديانه يجري (غيل) يبدأ منبعه من جبل حبشي وينتهي هناك وفي الصيف يزيد هذا المجرى.
الضباب كغيره من الأماكن الجاذبة للسياحة الداخلية على مدار أيام الأسبوع تجد الناس في زيارة المكان.
وفي يوم الأحد يكون السوق الأسبوعي الذي لا يزال يضج بالبشر كما كان في السابق.
لا زلت أتذكر عندما كان يصطحبني إلى الضباب نعم لا زلت أتذكر حجم المياه المتدفقة من الغيل وهي تشق السوق إلى نصفين.. لا زالت حتى اليوم تجري بنفس القوة في موسم المطر.. المياه تصنع من المياه أيقونة جميلة.. أيقونة للاستمتاع وحسب.
من الضباب إلى التربة حيث منتزه السكون (40)كم إلى الجنوب من تعز.
الإنسان يصنع التاريخ أو الأحداث في مجملها تتحول إلى تاريخ أيضاٍ سيؤول العالم يوماٍ إلى ركام وأحداث تروى للقادمين من العدم.
منتزه (السكون)فنتازيا في عالم السياحة الداخلية وهي بالتالي مبادرة مبكرة لمن يحب الجمال..
يرجو كل يمني أن تتكرر هذه الأماكن التي تتخذ من الطبيعة (حلماٍ) يمر في الخيال في لحظة ما لم يكن صاحبها قد استيقظ على هذا الواقع.
يأخذ المنتزه مساحة كبيرة في قرية (حصوة). التشكيل الهندسي يشبه إلى حد ما تلك الحدائق التي نحت أصحابها الصخر وشكلوا كل شيء منه حتى الأبواب.
الضباب جبل صبر منتزه السكون كلها أماكن بديلة عن المعالم التاريخية التي تمتلئ بها تعز ولم تجد الاهتمام الكافي بها.. بالفعل صارت البديل الممكن للكثير من السكان الذين لا يجدون مكاناٍ للتنفس والحياة للحظات خارج الضجيج.
الصورة أكثر تعبيراٍ مما نكتب ولدي اعتقاد أن هناك من سيعمل على تقليد هذا الجمال المجاور للطبيعة المليئة بالحب.
هناك يدان عندما تغيب الدولة: يد تبني من أجل الناس كما هو حال هذه المدينة ومدن أخرى ويد تقتل الناس في الغياب الدائم.

قد يعجبك ايضا