كثيرة هي المؤشرات التي تدل -اليوم – على إننا نتعاطي مع ديننا وتشريعاته وقيم وأخلاقيات رسولنا الكريم وسنته وتعاليمه، بطرق عابرة وسطحية، ولهذا نعيش في آتون هذه المحن والأزمات التي تجسد حقيقة أننا مسلمون بالشعارات وحسب، ولا علاقة لنا بقيم وأخلاقيات وتشريعات ونواميس الإسلام الحنيف، ونجاهر بالتعصب لسيدنا النبي الخاتم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ونحن ابعد ما نكون عن سيرة ومسيرة وأخلاقيات هذا المعلم العظيم الذي حمل نور الله لعباده، فالله سبحانه وتعالى يؤكد في كل حرف من كلامه في كتابه الكريم الذي جاء به رسول الحق والعدل والحرية والكرامة، أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وان تمسكنا بقيم وتشريعات ديننا وسنة نبينا من أهم عوامل انتصارنا وتقدمنا ووحدتنا، وان التزامنا بأوامر الله سبحانه وتعالى وأتباعنا لمنهج رسولنا ما يجعلنا أعزاء كرماء محصنين من كل ظواهر الاختراق، وان أبرز ظواهر تمسكنا بديننا هو إعلاء العدالة وترسيخ قيمها واختفاء كل المظالم وظواهرها..
إن ديننا لم يكن يوما دين التعصب والحقد والكراهية والانتقاص من الآخر وان اختلف معنا، والإسلام دين المحبة والرحمة والتسامح، ودين الحق والعدل، جاء ليعلي من قيمة الإنسان وليحرر الإنسان من عبودية أخيه الإنسان ويحقق العدل والمساواة بين بني البشر في المكانة الاجتماعية والحياتية وان ميز سبحانه بين البشر بالأرزاق. وكما أوجد سبحانه المسلم والكافر أوجد الغني والفقير وفضل بعضنا على بعض، وجعل بعضنا سخرية لبعض، ليس انتقاصا من البعض، وليس تبجيلا للبعض بل لحكمة الله في عباده وهو سبحانه من فضل (البشر) وفيهم الطغاة والعصاة على (الملائكة) الذين يسبحون الله ويعظمونه ولم يغفلوا عن عبادته لحظة، لكنه سبحانه وحد بين عباده في عبادته مؤكدا أن لا فرق بين أعجمي على عربي إلا بالتقوى، والتقوى هي غاية الله ولأجلها بعث رسالته ورسله، وجعل معيار العدل الاجتماعي قاعدة امتحان بين عباده ومدى التزامهم بها..
إن الإسلام الدين والشريعة، هو أكبر وأعظم مما نمارسه من طقوس باسمه، إذ أن كل ما نمارسه في حياتنا اليومية كمسلمين لا صلة له بقيم وأخلاقيات ونواميس ديننا ولا لأجل ما نحن فيه بعث الله نبينا الخاتم المصطفى محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، نعم ليس لما نحن فيه بعث الله رسله وأنبياءه وشرائعه، وليس لما نحن فيه بعث خاتم الأنبياء الذي قال سبحانه وتعالى إنه بعثه رحمة للعالمين، كما أن دين الحق والعدل والحرية والكرامة الذي وصفه الله بالنور الذي انزله وامرنا بأتباعه، ليس هو الذي نمارسه ونخوض فيه، أن دين الله هو دين الوحدة والتوحيد، وهو دين الحق والعدل، فأين نحن إذاً من عظمة هذا الدين، على خلفيات ممارسات تمارس باسمه ولا علاقة لها بقيمه وجوهره وتشريعاته غير القابل للابتسار..!!
إن الله سبحانه وتعالى ونبيه المصطفى قد وعدوا بنصر المسلم وإعلاء شأنه ومكانته إن هو التزم بما أمر به الله ورسوله واتبع أوامرهم وانتهى عن ما نهوا عنه.. والله ورسوله لن يخلفوا ما وعدوا به، وان كان سبحانه قد أكد إنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأنه سبحانه إذا أراد أن يهلك قرية آمر مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرها تدميرا، فإن ما نحن فيه يدل على أننا ابتعدنا عن الدين وعن سنة الرسول الكريم، وان الدنيا أخذتنا في طريق غير مستقيم، ولذا صرنا عالة على أعدائنا نستجدي منهم كل مقومات الحياة، بل صرنا نخضع لأوامرهم وننفذ تعاليمهم ونستجدي رضاهم عنا، وهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، وهكذا حالنا ممزقين نخوض صراعات دامية فيما بيننا، ونرى من ينتمون للإسلام يقتلون بعضهم ويتآمرون على بعضهم ويكّفرون بعضهم ويلعن بعضهم بعضا..!
حدث أن تبرز -باسم الإسلام- طوائف وجماعات سلاحها (الساطور) تمارس جرائمها علنا وتتفاخر بذبح البشر بذريعة انهم كفار، والحقيقة تقول ان الكافر هو الذابح وليس المذبوح الذي يعد شهيدا عند الله، وان قاتله هو المجرم الذي خالف كل شرائع الله ورسالته وخالف قيم وأخلاقيات الرسول المصطفى الذي لم يبعثه الله ليوحد البشرية على دين واحد، ولم يبعثه لإجبار البشر على اتباع الدين الذي جاء به، وإنما بعثه هاديا لمن يريد الله أن يشرح صدره للإيمان، وبعثه ليبلغ البشر رسالة ربهم، وبعثه ليخاطب أصحاب العقول، ولم يبعثه الله لغير هذا، وهو القائل سبحانه “لا إكراه في الدين”، وقال :”من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له”، وان المسلم لا يسلم إلا بأمر الله، وهو من أصحاب العقول التي تفكر وتهتدي، والله سبحانه وتعالى كان قادرا على جعل البشر أمة واحدة وعلى دين واحد، ولكن لحكمة أراد سبحانه أن يبتلى عباده ويختبر قدراتهم وقوتهم وإرادتهم في كل شيء بدءا من الحياة والرزق إلى الدين ونواميسه وهذه حكمة الله، التي لم نستوعبها للأسف، لنجد أنفسنا وكأننا من أولئك الذين وصفهم الله بقوله ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) صدق الله العظيم.
يتبع…