مالك بن الأشتر النخعي

 

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج، لُقِّب بالأشتر لأنَّه تلقَّى ضربة على رأسِهِ في معركة اليرموك فسال قيح جُرحِهِ على عينه فشُترتْ عينُهُ، كان فارساً من فرسان العرب ومقاتلاً من الأشداء، وقد روى بعضًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وقد عُرفتْ عن الأشتر بعض أبيات الشعر، ومنها:
بَقَّيْتُ وَفْرِي وَانْحَرَفْتُ عَنِ العُلَا
ولَقِيتُ أَضْيَافِي بِوَجْهِ عَبُوسِ
إِنْ لَمْ أَشُنَّ عَلَى ابْنِ هِنْدٍ غَـاَرةً
لَمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ ذِهَابِ نُفُوسِ
ناصر الإمام علي بن أبي طالب (ع) بعد مقتلِ عثمان وكان من المقربين جدًّا منه، وكان من جنود جيشه في معركة الجمل، ومن قادته البواسل في صفين.

دوره في معركة صفين
كان مالك الأشتر من أبرز قادة جيش أمير المؤمنين عليه السلام ولمّا لاحت أمارات القهر والغلبة، ودلائل النصر والظفر وضحت وأشرف الأشتر على معسكر معاوية ليدخله فعدل الخوارج عن القراع إلى الخداع ورفعوا المصاحف، وكان ذلك برأي عمرو بن العاص.
وقد حصل ذلك عقيب ليلة الهرير المعروفة، فانطلت الخديعة على طائفة كبيرة من جيش الإمام عليه السلام يقدر عددهم بعشرين ألفاً، أحاطوا بمقر الإمام طالبين منه أن يرجع الأشتر والقبول بالتحكيم، ولم ينفع معهم نصح الإمام وبيان وجه الخديعة، فلمّا أصروا أرسل عليه السلام إلى الأشتر يزيد بن هاني أن ائتني، فأتاه فأبلغه، فقال الأشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي، إنّي قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني إلى الإمام علي عليه السلام فأخبره، في تلك الأثناء ارتفع الرهج، وعلت الأصوات من قبل الأشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام.

فقال القوم لعلي عليه السلام : والله، ما نراك إلا أمرته بالقتال! قال: أرأيتموني سيرت رسولي إليه؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية، وأنتم تسمعون؟
قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا – فو الله – اعتزلناك. فقال: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إليّ فإنّ الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره، فقال الأشتر: أبرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافاً وفرقة، إنها مشورة ابن النابغة يعني ابن العاص. ثم قال ليزيد بن هانئ: ويحك ألا ترى إلى الفتح؟ ألا ترى إلى ما يلقون؟ ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا؟ أينبغي أن ندع هذا، وننصرف عنه؟ فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ههنا وأن أمير المؤمنين بمكانة الذي هو فيه، يفرج عنه ويسلم إلى عدوه؟! قال: سبحان الله – لا والله – لا أحب ذلك.
قال ابن هانئ: فإنهم قد قالوا له، وحلفوا عليه: لترسلن إلى الأشتر، فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا، كما قتلنا عثمان، أو لنسلمنك إلى عدوك. فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم، فصاح يا أهل الذل والوهن! أحين علوتم القوم، وظنوا أنكم لهم قاهرون، ورفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟ وقد – والله – تركوا ما أمر الله به فيها، وتركوا سنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم، أمهلوني فواقاً، فإني قد أحسست بالفتح، قالوا: لا نمهلك…وكان مالك من المعارضين للتحكيم .

ولايته على مصر
بعد أن انتهت معركة صفين عاد الأشتر إلى الجزيرة، فلمّا اضطربت الأوضاع في مصر قرّر أمير المؤمنين عليه السلام تعيين الأشتر والياً على مصر لمعالجة الوضع المضطرب هناك. فلمّا علم جواسيس معاوية بذلك كتبوا إليه نبأ انتصاب مالك الأشتر والياً على مصر من قبل أمير المؤمنين عليه السلام ، حينها شعر معاوية بصعوبة الموقف فيما إذا وصل الأشتر إلى مصر التي كان معاوية يروم السيطرة عليها في عهد واليها محمد بن أبي بكر، فبعث معاوية إلى رجل من أهل الخراج في القلزم يثق به، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر فان كفيتنيه – وقضيت عليه – لم آخذ منك خراجاً ما بقيت، فاحتل في هلاكه ما قدرت عليه. فاحتال هذا القلزمي في أن تظاهر له بحبّ علي عليه السلام، وأتاه بطعام حتى إذا طعم سقاة شربة عسل قد جعل فيها سماً، فلمّا شربها مات.
وقد دُفن مالك بن الحارث في قرية اسمها الألج، والتي هي اليوم واحدة من أحياء المرج في مدخل مدينة القاهرة الشمالي الشرقي.
قال عنه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حين بلغه خبر وفاته: جزى الله مالك خيراً، كان عظيما مهابا، أكبر من الجبل، وأشد من الصخر، والله لقد تزلزلت بموته عالم وأمة، وفرح بموته عالم وأمة، فلمثل مالك فلتبكي البواكي.

مالك الأشتر في كتب العلماء
لقد ذُكر مالك بن الحارث في غير موضع في كتب العلماء، ففي سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي قال: “مَالِكُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ وَالأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ، ، وَكَانَ شَهْمًا، مُطَاعًا، زَعِرًا، أَلَّبَ عَلَى عُثْمَانَ وَقَاتَلَهُ، وَكَانَ ذَا فَصَاحَةٍ وَبَلاَغَةٍ، شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ، وَتَمَّيْزَ يَوْمَئِذٍ، وَكَادَ أَنْ يَهْزِمَ مُعَاوِيَةَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ عَلِيٍّ لَمَّا رَأَوْا مُصْحَفَ جُنْدِ الشَّامِ عَلَى الأَسِنَّةِ يَدْعُوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَمَا أَمْكَنَهُ مُخَالَفَةُ عَلِيٍّ، فَكَفَّ .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلِمَةَ المُرَادِيُّ: نَظَرَ عُمَرُ إِلَى الأَشْتَرِ، فَصَعَّدَ فِيْهِ النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مِنْ هَذَا يَوْمًا عَصِيْبًا، وَلَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ مِنْ مَوْقِعَةِ صِفِّيْنَ، جَهَّزُ الأَشْتَرَ وَالِيًا عَلَى دِيَارِ مِصْرَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ مَسْمُوْمًا، فَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدًا لِعُثْمَانَ عَارَضَهُ، فَسَمَّ لَهُ عَسَلًا”.
وقال عنه ابن حجر في كتابه الإصابة: “وكان رئيسَ قومِهِ، وذكر ابن حبّان في ثقاتِ التّابعين أنَّهُ شهد اليرموك، فذهبتْ عينُهُ، قال: وكان رئيسَ قومِهِ، وقد روى عن عمر، وأبي ذرّ، وعليّ، وصحبِهِ، وشهد معه الجمل، وله فيها آثار، وكذلك في صفّين، وولّاه عليّ مصر بعد صرف قيس بن سعد بن عبادة عنها، فلمَّا وصل إلى القلزم شرب شربة عسل فمات، فقيل: إنَّها كانت مسمومةً، وكان ذلك سنة ثمان وثلاثين.

قد يعجبك ايضا