يعد الإفطار الجماعي في باحات المساجد عادة يمارسها كثير من الصائمين في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية، حيث يحرصون قبل أذان المغرب على أخذ فطورهم واصطحاب أبنائهم معهم إلى المساجد ويفترشون الأرض وأمامهم موائد الإفطار في انتظار صوت أذان المغرب ليبدأوا الإفطار بشكل جماعي.
ولذلك نجد أن اليمنيين يتميزون بعادات وتقاليد فريدة ومتوارثة عن بقية الشعوب العربية والإسلامية لا سيما في شهر رمضان الكريم وتتجلى تلك العادات من خلال الإفطار الجماعي وتلاوة القرآن والتسبيح في المساجد طيلة أيام الشهر الفضيل .
وعادة ما تضم مائدة الإفطار الرمضانية الشفوت وهي وجبة مهمة تتكون من اللحوح (خبز الذرة البيضاء وحبوب أخرى)، يتم خلطها مع الزبادي ( السحاوق ) إلى جانب الماء، والسنبوسة، وكل حسب ما لديه من فطور يخرجه معه، فبعضهم يحرص على إضافة العصائر والتمر والقهوة، وغيرها .
عادة متوارثة
يحرص علي الخولاني على الإفطار الجماعي خلال شهر رمضان في المسجد برفقة أبنائه وأحفاده وأصدقائه وأبناء حارته التي يسكن فيها بصنعاء، حيث يشعر بأجواء روحانية خاصة في السجد أكثر من الإفطار بالمنزل مع عائلته، وقد اعتاد على الإفطار الجماعي منذ سنوات ولا يزال محافظاً على عادته هذه إلى اليوم، فهو -كما يقول- يحث الخطى إلى الجامع قبل حوالي نصف ساعة من موعد الإفطار، وبعد ذلك بربع ساعة يأتي أحد أبنائه حاملا معه وجبة الإفطار .
ويستغل الوقت فيما قبل الإفطار عادة بقراءة القرآن والتسبيح إلى أن يحين موعد أذان المغرب .
فيما يقول صدام حسن الحرثي إن عادة الإفطار الجماعي في المسجد تكتسب روحانية خاصة لديه، وهي مغروسة في ذاكرته منذ أن كان طفلاً، حيث كان أبوه يأخذه بصحبته إلى المسجد في رمضان ليفطر مع الناس بشكل جماعي، وهذا ما جعله جزءاً من سلوكه في كل رمضان .
صدام يحرص على أخذ فطوره معه كل يوم طوال الشهر الكريم إلى الجامع للاستمتاع مع أصدقائه وجيرانه بالإفطار الجماعي وأحيانا يحرص على أخذ كمية أكبر تزيد عن كفايته ليتشارك الأجر مع الصائمين المتواجدين الذين يأكلون من فطوره، ويفرح كثيرا عندما يرى شخصاً أو اكثر بدون موائد إفطار فيدعوهم للإفطار معه .
وبإمكان أي صائم متأخر عن منزله أو مسافر أو عامل أو طالب يعيش في المدينة بلا أسرة أن يذهب إلى اقرب مسجد ليسعد بالإفطار مع الحاضرين الذين يتسابقون على استدعائه إلى موائدهم للإفطار معهم، بل إن البعض يحرص على اقتياده إلى المنزل معه لتنزال وجبة العشاء.
فالعديد من الناس يحرصون على جلب كمية فطور كافية، لعدد من الأشخاص عابري السبيل، والذين يدخلون المسجد للبحث عن فطور مما يقدمه الأهالي في موائد الإفطار الجماعي، والتي في العادة يكون فيها تنوع كبير في النكهات والمذاق، لكونها من أكثر من منزل.
مأوى للصائمين
تعتبر المساجد في اليمن ملاذاً للصائمين وهي أماكن يستريح فيها الناس ويخلون الى أنفسهم في قراءة القرآن والتسبيح منذ ما بعد الظهر حتى بعد صلاة المغرب، بعيدا عن ضجيج الأولاد في المنزل وعن متطلبات البيت التي لا تنتهي، كما تعد ملاذا خاصا لعابري السبيل والباعة المتجولون والفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون.
محمد عبدالله بائع متجول لديه عربية يبيع فيها بعض الفواكه، ويتجول من حارة إلى أخرى، وكل يوم يحل للإفطار في احد الجوامع .. يقول : قبل الإفطار اركن عربيتي بجانب أحد الجوامع وادخل لتناول الإفطار الجماعي مع الناس المتواجدين في فناء الجامع، فما ان يدخل محمد إلى الجامع حتى يسمع العديد من الأصوات تناديه للإفطار معها، وكل يعطيه مما لديه من وجبات الإفطار، حتى تزيد عن كفايته، ويؤكد انه يتلقى العديد من الدعوات من قبل البعض يدعونه ليأتي معهم بعد صلاة المغرب لتناول وجبة العشاء معهم، فأحيانا يلبي دعوة احدهم، واحيانا يعتذر لأنه يشعر انه قد شبع من الإفطار ولم يعد بحاجة لوجبة العشاء.
كرم متأصل
ترتبط الكثير من العادات والسلوكيات الرمضانية الحميدة لدى اليمنيين، فهي تعتبر عادة متأصلة لديهم منذ القدم وخصوصا ما يتعلق بالانفاق ومضاعفة وجبات الإفطار والعشاء لكي يعطون جزءاً منها لجيرانهم أو يتقاسمونها أثناء الإفطار الجماعي في المساجد مع بعضهم، ومع أي شخص غريب أو مسافر يشاركونه وجبتهم.
وإلى جانب الإفطار الجماعي الذي يتشاركه الناس في الأحياء والمساجد، يعمل بعض الميسورين في المال على توزيع وجبات الإفطار على المتواجدين في الجوامع وعلى المارة قبل أذان المغرب، والبعض الآخر منهم يفتح مائدة جماعية سوءً في الجامع القريب منه أو في منزله للفقراء والعمال والطلاب والمسافرين وغيرهم .
أم علي تحرص طوال شهر رمضان على اعداد مائدة فطور متنوعة تحوي الكثير من أصناف وجبة الأكل والشراب من شفوت وسحاوق وعصائر وسنبوسة وباجية وفطائر إلى جانب التمر والليمون أو الماء، وتجهز مائدة كبيرة وترسلها مع زوجها أو أحد أبنائها إلى الجامع القريب من منزل الأسرة، ليتشارك أبناؤها وزوجها الإفطار الجماعي وليعطوا منها للحاضرين في الجامع من أبناء الحي ومن الباعة المتجولين أو المسافرين وغيرهم ممن ليست لديهم وجبات إفطار .
وتؤكد أم علي أنها تشعر براحة نفسية كبيرة عندما تقوم بإعداد هذه الوجبة وخصوصا عندما يتناول منها أي محتاج أو عابر سبيل، كما أنها تطلب من زوجها -كما تقول- ان يصطحب معه أي شخص أو أشخاص غريبين بعد صلاة المغرب ليتناولوا وجبة العشاء في منزلها، فهي أيضا تجهز وجبة عشاء يومية تزيد عن حاجة أسرتها، وعندما لا يأتي احد لتناول وجبة العشاء معهم، تقوم بتوزيع جزء من هذه الوجبة على جيرانها .
وهكذا يجسد اليمنيون واليمنيات أعلى درجات الكرم والبذل في رمضان في إعداد وجبات الإفطار الجماعية في المساجد طيلة أيام الشهر الفضيل، والحرص على تناول وجبة الإفطار الجماعي- في بيت الرحمن كطقس متوارث في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية .