ثقافة المقاومة في فكر إدوارد سعيد.. للباحثة ناهد راحيل
صدر مؤخراً عن دار العربي للنشر والتوزيع 2023، كتاب «ثقافة المقاومة في فكر إدوارد سعيد»، للباحثة والناقدة المصرية ناهد راحيل، التي حصدت عنه جائزة إدوارد سعيد في الفكر والتنوير ونقد الفكر الاستشراقي عام 2021م، وتسعى الكاتبة من خلال الكتاب إلى محاولة استقراء اشتغالات إدوارد سعيد حول المثقف وعلاقته بالسلطة.
ويتناول الكتاب الاستراتيجيات التي تبناها إدوارد سعيد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية الغربية، خاصة بعدما تخلت الثقافة عن ارتباطها بالنخبة وغدت مساحة للتثاقف والتداخل، ويؤسس لأفكاره عبر قسمين رئيسين: «الثقافة ودور المثقف» و»استراتيجيات المقاومة».
تتناول المؤلفة في القسم الأول وعنوانه «الثقافة ودور المثقف»، مقاربة سعيد لسؤال الثقافة ودحضه لشمولية الثقافة وخطابها النخبوي، وبيان دور المثقف المقاوم والذي تحدد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية، فيما اختصّ الثاني، الذي حمل عنوان «استراتيجيات المقاومة»، بعرض أساليب تقويض الهيمنة الثقافية للغرب من خلال نقد الخطاب الاستشراقي وتفكيك الرواية الإمبراطورية التي لازمت المشروع الاستعماري عبر المقاومة بالسرد المضاد.
وتقول الباحثة: «في دعوة سعيد للمثقف لتبنّي مواقف ملتزمة، نجده يشير إلى ضرورة تجاوز فكرة الالتزام السياسي وتبنّي مفهوم الالتزام الإنساني؛ بأن يكون المثقف منشغلا بقضايا الإنسان ورافضا كل أشكال الهيمنة والسيطرة، وهنا نشير إلى النموذج الثالث من المثقفين الذين ذكرهم سعيد في معرض حديثه عن صور المثقف –ولو بشكل لمحي – هو مفهوم المثقف الملتزم الذي أسس له جان بول سارتر في كتابه دفاع عن المثقفين».
تشير نهاية الدراسة إلى حديث سعيد عن التحدي الأكبر الذي يمكن أن يحد من دور المثقف، والذي أسماه بـ»التفادي» أو التخلّي عن الثبات وعدم الالتزام تجاه القضايا الإنسانية المصيرية، ومن ثم تحييد «العادات الفكرية» التي هي مصدر الفساد لدى المثقف بلا منازع، فلا هناك «ما هو أجدر بالاستهجان ممّا يكتسبه المثقف من عادات فكرية تنزع نحو ما يسمّى التفادي، أي النكوص أو التخلي (الذي يمارسه الكثيرون) عن الثبات في موقفه القائم على المبادئ، على صعوبة ذلك، وهو يعلم علم اليقين أنه الموقف الصائب ولكنه يختار ألا يلتزم به، فهو لا يريد أن يظهر في صورة من اكتسب لوناً سياسياً أكثر مما ينبغي له، وهو يحاول ألا يظهر في صورة من يختلف الناس عليه».
سبق لراحيل أن فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة محمد عفيفي مطر، وصدرت لها العديد من الكتب مثل: الشعر والفنون، وعتبات النص في شعر محمد عفيفي مطر، وتفكيك النص، ولها مساهمات نقدية في العديد من الدوريات والصحف المختلفة.
كتابٌ حول البعد الحجاجي في الشعر العربي الحديث
صدر حديثاً للباحثة د. كميلة زعيم كتاب بعنوان «البعد الحجاجي في الشعر العربي الحديث»، عن دار خيال للنشر والترجمة بالجزائر، وتحاول من خلاله أن ترسم للباحثين والطلبة نهجاً واضحاً لفهم النصوص الشعرية بالاعتماد على نماذج تطبيقية تخصّ مجال التداولية والأدب والشعر بصفة خاصةً، وقد اجتهدت الباحثة، في استخدام مراجع ومصادر مختلفة، لإثراء الخلفيّة النظرية والتحليلية لهذا الكتاب.
وتؤكد مؤلّفة الكتاب أنّه عندما يكون للأدب وجهات نظر، ورغبة في تغيير واقع المتلقّي وإحساسه، بمساءلته وبناء وعيه أو جعله يعايش تجارب معيّنة تُكسبه نظرا مختلفا للأمور، فإنّه يتوسّل طرقا خفيّة ومضمرة تتبرّج بزينة الّلغة وخروقاتها، وسحر الصّور وجماليّاتها، ومتعة الخوض في الخيال وتحريك العواطف، وتلعب الذّوات دورًا مهمّا في ذلك حين يصوّرُ المبدعُ ذاته، ويرسم صورًا مختلفة لمتلقّيه، تجعله يذعن ويتأثر، كما تلعب خصائصُ الخطاب نفسه الدّور المزدوج؛ فهي تجمّل وتنقل المعنى في الوقت ذاته.
وتشير الباحثة إلى أنّ هذا البحث اضطلع بكشف الخصائص التي يمكن أن تحمل في الخطاب الشعري الحجاج المضمر، وسعى إلى أن يبيّن من خلالها أنّ الشعر يُؤثّر في تغيير واقع المتلقّي من خلال بناءٍ وتعديلٍ يطال معارفه وإدراكه ووعيه، وبعدِّه خطابا يطبع نشاطه في هذا العالم من خلال طرق تلفّظه الخاصّة، فهو من بين الخطابات الصّانعة والمؤثّرة، وإن كان ذلك يتمّ بطرق أكثر خفاء وإضمارا من غيره من الخطابات، وهي ما يشكّل مواطن قوّته وتأثيره.
وقد احتوى الكتاب على أربعة فصول، بعد مقدمة توضّح مفاتيح البحث ومداخله، وتُحدّد مفاهيمه المفصليّة التي يهتدي بها، جاء الفصل الأوّل نظريا بعنوان «النظرية الحجاجية، «المجال المفاهيمي وحدود النظرية»، اضطلع بعرض مختصر لأهمّ النظريات الحجاجية وعلاقتها بالخطاب الشعري، وما ارتضاه البحث منها تبعا لنوع الخطاب.
ومُهِّد الفصل الثاني التحليلي بعنوان «صور الذات مُحاجّة» بعرض ضروري يحدّد المفهوم وتحوّلاته وأهميته، كمدخل يكشف عن جانب من جوانب تأثير الخطاب الشعري في الآخر، فهو مفهوم بلاغي وحجاجي وتداولي ولغوي واجتماعي، ومصطلح مهمّ من مصطلحات تحليل الخطاب عموما، ويخصّ المبدع أو المرسل بصفة عامّة، رُدِف بتحليل نماذج شعريّة تبيّن بُعده الحجاجي، وأُتبع بمفهوم آخر يكشف جانبا من جوانب الحجاج الضّمني للشعر وهو السينوغرافيا بِعدِّها المشهد التلفّظي للقصيدة، ووُضّح دورها في التأثير بنماذج شعريّة.
واهتمّ الفصل التحليلي الثاني بجانب آخر يُعدُّ مهمّا في التأثير في الآخر، وهي العاطفة، أو «الحجاج العاطفي»، كما وُسِم، وركّزت الباحثة فيه على مظاهر عدّة تُسهم في التأثير في عواطف المتلقّي خاصّة، من خلال السخرية، وتأسيس مواضع عاطفيّة شعريّة، ودحض العاطفة أو العمل على استبدالها.
وتخصُّ الاستراتيجيات الأخيرة الخطاب نفسه من خلال الفصل التحليلي الثالث الذي تناول «صور الحجاج الضمني الخاصّة بالخطاب نفسه»، وقد اختارت المؤلفة منها الصّورة كحجّة، وحجاجيّة التناص كذلك بعدِّه حجّة سلطة، أو شاهدا، أو إعادةَ بناءٍ للثقافة المشتركة.
وعرض الكتاب أخيرا أهمّ استراتيجيات الحجاج الضمني في الشعر الحديث من خلال بعض نماذجه، مع محاولة تحديد بعض ميزات وخصائص الشعر الحديث، حين يحمل وجهة نظر يصبو إلى نقلها أو إثارتها للمساءلة لدى المتلقّي.
»عقيدة الحقيقتين«
يطرح الباحث والمترجم المغربي محمد كزّو في كتابه الأخير “عقيدة الحقيقتين”، السؤال الذي يراه مشروعًا حول جدوى قراءة جاليليو جاليلي عربيًّا، محاولاً الإجابة عليه من خلال استلهام التجربة الثّوريّة الغربيّة في العالَم العربيّ، وبالتالي استحضار سياق حياة جاليليو الإنساني والفكري والعلمي بوصفه “ضربةٌ موجعةٌ أيقظت الذهن البشري بعامّة”.
ويؤكد كزو في كتابه الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، أن إعادة قراءة هذا المفكر والعالم الكبير تمكّننا اليوم من فهم الجذور العِلميّة للحداثة الغربيّة، التي أفضت إلى حتميّة ما يسمّى “العَلمانيّة” بما هي فصل الدّين عن الدّولة، مّا يعني أنّها لم تكن أبداً اختياراً، بل ضرورة مُلحَّة فرضت نفسها بقوّة المُتغيِّر العِلميّ الحداثيّ الغربي، كما تمكّن من اكتشاف أقنعة أخرى للعالِم الفيزيائيّ جاليليو جاليلي غير معروفة في شخصيّته وتستحقّ الوقوف عندها.
ويقرأ كزّو هذه الشخصية ويحللها من خلال رسالة جاليليو إلى الأميرة الدّوقة كريستينا، حيث خاض فيها في الكتاب المقدّس وتأويلاته، وترتّب على ذلك وجود خصوم شرسين له عملوا على إبطاء مساره في العِلم والفيزياء، حجّتُهم في ذلك عدم الخروج على الطّرح الأرسطيّ الذي تتبنّاه الكنيسة، إلّا أنّ كياسة جاليليو وقوّة شخصيّته في الجدال والمشاكسة مكّنتاه من الرد عليهم بالأسلوب نفسه، ليخلص إلى كون الحقيقة واحدة وليست متعارضة؛ فجاءت هذه الرّسالة لشرح توافق النّصّ الدّينيّ مع الاكتشافات العِلميّة الحديثة، ولإظهار نواحي أخرى من شخصية جاليليو القويّة المؤمنة بما اكتشفه وأعلنه.
يؤكد الكتاب عبر محاوره الأربعة التي تناولت شخصية جاليليو جاليلي (الأديب، والجارح، والعالم، واللاهوتي)، أن هذا العالم لم يكن مجرّد مكتشِف اجترّ معرفة مَن سبقه وأعاد صياغتها بشكل أو بآخر، بل مثّل ثورة فكريّة شاملة زعزعت الجمود الفكريّ في العقول الممتلئة بالعقيدة الأرسطيّة البطليميّة.
ويشير كزّو إلى أن جاليليو كان مُحاوراً مشاغباً ومشاكساً، طويل النّفَس، لا يُغلَب بالجدال، يدافع عن نظريّة لم تكُن من اكتشافاته؛ إذ كان حافزه العِلم والمعرفة، ليعطي الأجيال اللاحقة درساً في التّجرّد والموضوعيّة والبحث عن الحقيقة والشّجاعة في الدّفاع باستماتة عنها.
ويوضح أن جاليليو رغم نبوغه وعلمه ودفاعه عن أفكاره، لم يتمكن من تجاوز العقول المتحجّرة آنذاك، وسقط في شباك المؤامرة المُحكمة التي نُصبت ضدّه، باتّهامه بالهرطقة وهو في السّبعين من عمره. وبعد الحكم عليه بالسجن المؤبد خُفِّف الحكم عليه وقُرّر وضعه في الإقامة الجبرية بمدينته فلورنسا، حيث عمل على نشر كتابه “حوارٌ بين عِلمَين جديدَين” الذي يتحدث عن التّماسك والسّرعة الثّابتة وحركة القذائف.
يذكر أن محمد كزّو، حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب، وإجازة في الدّراسات الإسلاميّة من جامعة القاضي عياض كلّية بني ملال، وهو أستاذ باحث في الفكر الإسلاميّ والفلسفة.