مصانع تهدد حياة المواطنين

يصف العالم المدن التي تبنى فيها مصانع وشركات تجارية واستثمارية بـ «المدن المحظوظة» لما ستخلقه تلك المنشآت الصناعية في المدينة من تحولات إيجابية في الكثير من مجالات الحياة منها: تحسين مظهر المدينة الجمالي وتشغيل الأيادي العاطلة عن العمل وإيقاظ شوارع المدينة من السبات لنقل الحركة المرورية فيها.. والعديد من الإيجابيات التي تصنعها وتنشئها من خلال تنفيذ المشاريع الوطنية والاستثمارية.
لكن اليمن مختلف عن العالم أجمع.. إذ إن الأحياء والمدن التي يتواجد فيها مصانع توصف بـ (المدن المنكوبة والمغضوب عليها) لما ستخلقه تلك المصانع للمدينة وأبنائها من سلبيات وسيئات في شتى مجالات الحياة, فقد تصل نتائج تلك المصانع إلى التسبب بوفاة أشخاص وإصابة آخرين من المواطنين المجاورين له بالعديد من الأمراض الخطيرة والفتاكة القادمة من مخلفات ذلك المبنى الصناعي..
ولا يقتصر هنا على إصابة المواطنين بالأمراض عبر الهواء فحسب, وإنما عبر المياه التي يعتقد بأنها صالحة للشرب وأنها أكسير الحياة بينما هي في الواقع بمثابة الموت البطيء والمتدرج لهم, وكذا عبر الفواكه والخضروات وكل ما يزرع في الأراضي الزراعية المجاورة للمصنع والتي لم تعد صالحة للزراعة أي تدمير للبيئة والحياة.
وبالرغم أن اليمن تفتقر للمصانع إلا أن العدد البسيط والمتواجد حاليا بمختلف المناطق والمحافظات يجبر اليمنيين على رفع شعار «كفانا مصانع» كونها غدت مصانع للموت المجاني والبطيء للمواطنين.. ومن خلال الواقع المعاش والتقارير الرسمية والتحقيقات الصحفية, فإن الأحياء والمنازل الواقعة بالقرب من أي مصنع يعاني سكانها ويصابون بالكثير من الأمراض دون أن تسعى الجهات الرسمية وذات العلاقة إلى إنقاذهم ووضع حد لما تخلقه تلك المصانع من أمراض وخسائر بشرية ومادية على الحكومة والمجتمع.
محافظة تعز وتحديدا «قرية الربيعي» التابعة لمديرية التعزية إحدى المناطق التي يشكو أهلها ويناشدون الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بوضع حد لما لحق بهم من أضرار صحية وزراعية ناتجة عن مخلفات المصنع الوطني للطلاء الواقع على طريق تعز ـ الحديدة, والذي أضحى يهدد حياتهم وينذر بمزيد من الأمراض والإصابات الخطيرة التي أجبرت البعض على التفكير بالرحيل والنزوح من المنطقة حفاظا على أرواحهم.
وكشف تقرير صادر عن فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة تعزـ حصلت الثورة على نسخة منه ـ عن وجود أحواض ترسيب (برك ماء) مفتوحة وتابعة للمصنع, تسببت في انتشار البعوض وتفشي الأمراض وكذا تسرب المخلفات من هذه الأحواض إلى الأراضي الزراعية بالإضافة إلى أن المصنع يمثل للمواطنين مصدرا للإزعاج والضوضاء الناتجة عن المولدات الكهربائية وكذا معاناتهم من الدخان الناتج عن حرق المخلفات الجافة.. إلى جانب معاناتهم من رمي المخلفات الصلبة في الأراضي التي تختلط بالتربة وتتسبب بكارثة بيئية.
وأكد التقرير الميداني أن هناك إهمالا في عملية جمع وتصريف الزيوت الحارقة « زيوت المحركات» والتابعة لمولدات الكهرباء, وتراكم العديد من إطارات الشاحنات في نطاق المصنع مما يشكل ذلك بؤرا لتكاثر وانتشار البعوض خاصة أثناء موسم الأمطار.
وأوصى التقرير بضرورة قياس الأمن الهيدروجي (bH2) لمياه أحواض الترسيب مع مراعاة ردم ونقل الرواسب وفقا للشروط البيئية المحددة لها, وكذا تزويد محطة إنتاج الطاقة الكهربائية بكاتم صوت وعكس اتجاه الأضواء المواجهة لمنازلهم ونقل المحرقة من مكانها الحالي بعيدا عن المخازن والمساكن واستخدامها لحرق المخلفات القرطاسية المكتبية فقط, ومع مراعاة اتجاه الرياح.. بالإضافة إلى الحرص في عملية جمع الزيوت الحارقة من حدوث أي تهريب أو تسريب وإعادة تدويرها وتسليمها إلى متعهد يحمل ترخيصا بيئيا وإعادة تدوير إطارات الشاحنات التالفة عبر تسليمها أيضا لمتعهد يحمل ترخيصا بيئيا ووضعها في هنجر أو إحاطتها بسياج حديدي.
وشدد التقرير على إدارة المصنع على عدم رمي أي مخلفات صلبة مثل مخلفات أكياس البودرة أو سائل سواء داخل أو خارج حزام المصنع حتى وإن كانت الأراضي المجاورة ملكا للمصنع وكذا ضرورة تقديم خطة بيئية متكاملة تساهم في وضع حد
لانتشار الملوثات.
وأكد المواطنون هناك أن التلوث البيئي أدى إلى موت عدد من الحيوانات والمواشي التي يملكونها بسبب مياه الشرب وتلوث الزرع.
ليس ذلك إلا نموذجا واحدا… فهناك الكثير من المصانع التي يعاني منها الكثير من المواطنين والتي أصبح ضررها أكثر من نفعها.

قد يعجبك ايضا