لا يمكن تفسير الظهور الأمريكي في السواحل الشرقية اليمنية بأكثر من كونه رعونة، وتعمّدا بإدخال المنطقة في حالة ملتهبة، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل هُدَن الأمم المتحدة الكسيحة.
الظهور الأمريكي لا يبدو عفويا أو من باب الصدفة، وليس فقط كخطوة تالية لما تحدث عنه البيت الأبيض بشأن ضبط سفينة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى اليمن – حسب زعمه – وإنما أيضا كان دافعه رغبة أمريكية صرفة لكسر حالة الجمود لجهة تهريب النفط والغاز اليمني، الذي توقف منذ بدأت صنعاء تفعيل معادلة حماية الثروة قبل أشهر.
لا يزال الأمريكي -كما يبدو- يراهن بأن ظهوره على الأراضي اليمنية كفيل بأن يخلق الرعب أو يحول دون التحرك ضده، وهو المؤشر البارز على الرعونة الأمريكية التي لا تستبين الأمور ولا تقرأ دلالات المعطيات السابقة للقوات المسلحة بالشكل السليم.
إنما الأمر يبدو هذه المرة مختلفا خصوصا وأنه يأتي وقد زادت حركة الرفض للتواجد الأجنبي داخل المحافظات الجنوبية ومنها تحديدا محافظة المهرة، فضلا عن حالة التأهب الكاملة لدى القوات المسلحة اليمنية لوضح حد لحالة المماطلة وترحيل الاستحقاقات ومحاولات إفشال الجهود العمانية في المشاورات، كما الرفض التام لأي تواجد أجنبي على الأراضي اليمنية تحت أي مبرر كان، كما أعلن ذلك وأكد عليه قائد الثورة في خطابه الأخير.
تهدف أمريكا من خلال تحركاتها الأخيرة إلى إعادة تموضع قواتها على السواحل اليمنية الجنوبية الشرقية، حيث المناطق الغنية بالنفط والغاز ومحاولة فرض تواجد دائم يرعى مصالحها، كما هو الحال بالنسبة للإمارات والسعودية اللتين تحاولان تحقيق مكاسب استراتيجية تتيح لهما السيطرة على المنافذ وتحركات اليمنيين تجاه استغلال الثروة، وهو ما يتسق مع الحالة الخلافية القائمة بين أبو ظبي والرياض، حيث الصراع يتنامى على المصالح في اليمن، فالإمارات سبق وأن أبرمت في ديسمبر الماضي مع اتباعها ما تسمى بـ”الاتفاقية الأمنية” ، التي تتيح لقواتها التدخل في البلاد ورسم الخطط الأمنية، في مسعى لتوجيه الواقع لخدمة هدفها الأوفر خدمة والمتمثل بـ”الإبقاء على موطئ قدم لها في الساحل الجنوبي اليمني، وتوجيه موارد القوة إلى البحر الأحمر”، كما أشارت إلى ذلك وول ستريت جورنال قبل يومين، بينما السعودية لا تزال تسعى إلى هدفها القديم بتأمين مد أنابيب النفط إلى جانب الهدف الحديث اليوم وهو وقف هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ عليها من اليمن والتي أصبحت همّا مؤرقا لها كفيل بأن يهز مكانتها الاقتصادية العالمية ويحيلها إلى جغرافيا غير مؤهلة للاستثمار.
أما عنوان مكافحة التهريب الذي حمله الفريق الأمريكي هذه المرة عقب الحبكة التي قامت قبل أيام بصياغتها بمشاركة بريطانية، بشأن ما قالت إنها ضبطت سفينة إيرانية وزعمت أنها كانت محملة أسلحة إلى صنعاء، فإنها تأتي في ذات السياق التبريري لذر الرماد على العيون وتعزيز ادعائها بمكافحة التهريب، ورغم ضعف المبرر إلا أنه لقي قبولا لدى المتعاونين وأخذوا به وتعاملوا على أساسه.
عنوان مكافحة الإرهاب أو مكافحة التهريب الذي اعتادت أمريكا تصديره عند أي عمل عدواني أو احتلالي، باتت مثل هذه العناوين مستهلكة وتتعارض مع إجراءاتها إلى جانب بريطانيا وباقي مجموعة التحالف على الأرض، بدليل اختلاف هذه العناوين وفقا للزمن والمكان وماهية الدافع، وبالأمس القريب مثلا حين قام وفد عسكري أمريكي بزيارة ميدانية لمديرية بروم الساحلية بحضرموت في أغسطس الماضي، كان العنوان المبرر أن هذا التواجد هو لمناقشة ما أسموها الجوانب الأمنية والعسكرية والخدمية ودور المنظمات الدولية المانحة، وتقديم الخدمات والمساعدات وتذليل الصعوبات التي تعرقل سير العمل في شتى المجالات، وحديث من هذا القبيل الفضفاض يخفي خلفه النوايا الحقيقية لتعزيز التواجد الأمريكي وتغلغله وتحكمه في مفاصل الدولة.
في واحدة من المظاهر التي تؤكد أن هؤلاء القادمين بزعم مساعدة اليمنيين وانه ليس احتلالا أو محاولة سيطرة وتواجدا مستداما، يكفي النظر إلى داخل مطار الغيضة في محافظة المهرة، المكان الذي عقد الفريق الأمريكي لقاءه، حيث تبدو كل التفاصيل منتمية إلى دول الاحتلال، حتى صور ابن سلمان وأبيه اعتلت فوق المجتمعين وكأنك في مرفق سعودي.