كأنما أُمّةٌ في شَخصِكَ اجتمعتْ

أمة الملك قوارة

حيث خصائص المجد اكتملت فيه، عطاءً وصموداً، تضحيةً وإباءً، وهويةً قُدست، ومنهجاً ربانياً كان منبعاً للانطلاقة، وفي ظل أحداث عاتية، كان الاستبسال والشجاعة هما الرائدين، إذ انطلق الفارس ممتطياً صهوة جواده قاصداً الشهادة أو النصر في خضم اشتداد وطأة الحرب وجبروتها، متخذاً من القرآن زاداً وغذاء، إنه الشهيد الصماد ..
عاش الأحداث المأساوية وتجرع من كأس الظلم الذي تجرعته محافظته في عدة حروب متتالية، ثم لتنال الحرب من وطنه فيما بعد، فيكتوي قلبه من جبروت الطغاة وبطش الجبابرة وقسوة المجرمين، عندها يصمد مناضلا ومتحركا في سبيل الحق، وعلّنا نستطرق جزءاً من بداية مسيرته حيث كان مدرساً يستنشق الأجيال من عبير صموده وشجاعته وتمسكه بالحق والدفاع عنه ، ومع اندلاع الحرب الثالثة على صعدة يظهر عنفوان الشهيد وشدة بأسه ليفتح جبهة بمفردة وليخفف الضغط على الجبهات الأخرى.. ما ذكرناه كان نموذجا بسيطاً لسيرة عظيمة كانت تفاصيلها الاستماتة في سبيل الحق مع شدة البأس وغلبة الشجاعة و قوة الحنكة والتحلى بالصبر قاصدا بذلك الوصول إلى حلمه المتمثل في بناء وطنه والحفاظ على سيادته
ينطلق لسانه بعد صقله بالقرآن وتقوى حجته بالتدبر في آيات الله ويبرز برهانه بعد تمسكه بمنهجية الحق، فكانت كلماته كالسهم الثاقب في ميدان الحوار والسياسة وليتخذ من فصاحته سبيلا لإقامة العدل والسعي إليه، فخاض في عمق الأحداث لا يساوم باطلا ولا يرضخ لمنكر، فشاءت حكمة الله أن تُفتح له الأبواب ليتولى مناصب يمثل فيها شعباً بأكمله، فصدح من خلالها بمظلومية الشعب ووقف أمام من استهوتهم أنفسهم الانسياق وراء مخططات العمالة والارتزاق والارتهان للخارج، وكان أبرز مثالٍ على ذلك موقف الشهيد الصماد في مؤتمر الحوار الوطني، حين بيَّن أهمية أن يكون الحوار وطنياً وطنياً وألا يتدخل أحد في شؤون اليمن داخليا، ولأن منطقه حكيم وموقفه شريف ومنهجه عظيم؛ فلقد نال احترام جميع المكونات والأطياف السياسية، فترأس المكتب السياسي لأنصار الله وفي نفس التوقيت تم تعيينه مستشارا للرئيس هادي آنذاك ، ثم عضوا في المجلس السياسي الذي كوَّنته حركة أنصار والمؤتمر الشعبي العام، ثم لتتوالى الأحداث ويسقط القناع لأكبر من كانوا يدعون الوطنية ويُظهر الرئيس عفاش هدفه ويعلن الفتنة فيسقط في بؤرتها قتيلا ! ليواصل الصماد بعد ذلك رئاسة المجلس السياسي، فتبدأ مسؤوليته في المضي بالشعب نحو الاستقرار ويجسد معنى الرئاسة في مضمونها ومسؤوليتها، كان ذلك الهدف الأول له في خضم وقع الحرب وتدهور الأوضاع..
قاد الشهيد الصماد الشعب نحو الاستقرار الداخلي، فبدأ بترميم ما خلفته الحرب من صدوع في جانب الأمن، ثم ليشق الطريق رغم المعوقات والصعوبات نحو البناء واستنهاض الهمم والتركيز على جوانب التنمية المختلفة، فكان مشجعاً لها من ناحية وداعماً لها من ناحية أخرى، واضعاً نصب عينيه هم وطن بأكمله وهم الارتقاء به وهم الحفاظ عليه، فلم تثنه الظروف ولم تخفه ضربات الأعداء وتهديداتهم بين الفينة والأخرى ولم توقفه قسوة الحرب وشدة وطأتها، وقد كان الهم عظيماً، برز ذلك أثناء اندماجه في أوصال المجتمع وتلمسه احتياجاته وتذوقه معاناة الناس، فكان يرى نفسه واحداً منهم يضع نفسه مكانهم ويتألم لألمهم، فكان يعاني كما يعانون ويشعر كما يشعرون، ولقد أظهرت خطاباته مدى حلمه ورؤيته وهدفه الكبير في الوصول بالوطن إلى الحرية والنهضة الحضارية، مستسيغا شروط ومبادئ وأسس كل ذلك من المنهج الإلهي «القرآن الكريم»، فعَلّم الجميع كيف يكون النجاح والنهوض من عمق الهوية ومن منطلق الإيمان الراسخ بالله، فأحدث تغييراً ملحوظا مع بداية توليه للرئاسة واستمر في المسير ليحقق تغييرات كبيرة في واقع الحياة، فأطلق شعاره العظيم «يدٌ تبني ويدٌ تحمي» وقد كان ذلك الشعار مواكبة للأحداث التي ظهرت آنذاك والتي لازالت عالقة خلف ستار المستقبل، فاشتدت الجبهات وبرز نضال الشعب المستميت للحفاظ على العرض والكرامة، متخذاً من قائده قدوة له، ولم يزل الصماد يصدح بأهمية الجهاد والنهوض بالوطن، فتارة يقطع الجبال والوديان متجها نحو الجبهات ليثبت المجاهدين ويقوي عزائمهم وليذكرهم بفضل الجهاد وأهميته وجزاء الشهداء وتارة في ميدان التنمية يدعم مجالات التصنيع الحربي ويشجع على الاكتفاء الذاتي، ويُعد الخطط ويفتتح المشاريع المختلفة، متحركاً في سبيل ذلك بكل حرية وإباء، غير آبهٍ بتحركات الأعداء الذين أُشتعلت النار في صدورهم متأثرين مما قام به في سبيل وطنه وما حققه رغم الحرب والدمار ..
خاف تحالف العدوان كثيراً من تلك الشخصية التي أثبتت مدى ثقلها ووزنها في خضم الاحداث، ومن تحركاته وثقل إنجازاته، فبدأ الأعداء يعدون العدة للتخلص منه فالحرب لن تؤتي أكلها في ظل قائد مثله واحتضانه لتلك الرؤية وتلك الأهداف التي مثلها، فاستهدفوه ولم يستهدفوا شخصاً عادياً بل استهدفوا شعباً بأكمله ورجلاً بحجم وطن ، عندها ظنوا أنهم أماتوا حلمه وقضوا على رؤيته، إلا أنهم بذلك صنعوا مليون صماد، وخط الشعب من جرحه العميق خارطة الصمود ولوحة التضحية وجَعل من قائده الشهيد قدوة يُحتذى به في كل الميادين والمجالات، فبرز شعب يمشي على نهجه ويشق الطريق على دربه ..
وفي ذكرى استشهاد الرئيس صالح الصماد ، تلوح من بين بواطن الذاكرة منهجية القدوة لكل رئيس ،حين حفر الشهيد معنى الرئاسة الحقيقية الخالية من براثن زيف المناصب الكاذبة والمظاهر الخاوية، فلقد اندمج في شعبه ،فكان هو الراعي والرعية، وجسد النزاهة والانصاف والمسؤولية في أبهى صورها وصار القدوة لكل محاربٍ وقائد شريف في كيفية الاستبسال والذود عن وطنه، فمثَّل صدق الهوية ومتانة المبدئ وعمق القضية وصدق الولاء لله وللوطن ،ذلك هو الشهيد الرئيس الصماد، صدق في وعده وتوكل على ربه واستمات في سبيل شعبه ووطنه، فلم تغره دنيا ولم يضعف من قوته جبروت الظروف ولم تخفه حروب الطغاة ولقد شق الطريق نحو ربه وعشق الشهادة حتى نالها، فالسلام عليه ما ربقيت سيرته فينا وما حَفر في التاريخ من بصمة إباء، وللأعداء: لقد غذيتم الصمود فينا بدمائه التي أزهقتموها وظننتم أنكم قتلتموه، ولكنكم بذلك أحييتم أمة! …

قد يعجبك ايضا