الثورة / سبأ
منذ سنوات يشهد اليمن حراكاً كبيراً في سبيل النهوض الزراعي الشامل، وتعزز ذلك الحراك المحمود عندما ترافق الجهدان الرسمي والمجتمعي لاستنهاض كافة المقومات الممكنة لدعم قطاع الزراعة عموماً وزراعة البن على وجه الخصوص.
ولن يكون من الصعب ملاحظة أن هناك تناغماً ما بين مختلف الجهود في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة للنهوض بزراعة البن في اليمن، ومردّ هذا التناغم حسب العديد من المراقبين أن البن “كشجرة وكمحصول” ارتبط بالثقافة اليمنية منذ قرون وصولاً إلى عصرنا الحالي.
ومن الواضح أن تلك المساعي عملت على إحداث ثورة في زراعة وإنتاج وتصدير البن اليمني من خلال حشد كافة الجهود في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة إلى جانب منظمات المجتمع المدني، انطلاقاً من حقيقة مفادها أن اليمن عُرف تاريخياً بإنتاجه أشهر وأجود محاصيل البن.
هذه الحقيقة ساهمت إلى حدٍ كبير في بلورة عدد من الأفكار الساعية إلى إعادة الاعتبار للبن اليمني، وفي هذا السياق كان هناك حراك حكومي تجاه البن “زراعة وإنتاجاً وتصديراً”، من خلال حظر استيراد البن وقشوره وغلاته، الذي أُصدر بقرار مشترك من وزارتي الصناعة والتجارة والزراعة والري في العاشر من نوفمبر 2019، في مسعى حكومي يهدف إلى حماية زراعة وتجارة محصول البن، وتلا ذلك الحظر قرار آخر من وزارة الزراعة، اعتبر تاريخ الثالث من مارس من كل عام يوماً للاحتفال بالبن.
وحسب العديد من المختصين، فإن القرارات السابقة اعتبرت بمثابة البداية الصحيحة في سبيل دعم المنتج الوطني لمواجهة المنتج الخارجي الذي يغزو السوق المحلي منذ سنوات طويلة، إضافة إلى ما سبق فقد أكدت الحكومة على المضي باتجاه العمل على تنفيذ جملة من الخطط والبرامج الهادفة تطوير وتحسين زراعة وإنتاجية البن كمحصول ذات مردود اقتصادي ونقدي مهم.
كان الحراك الحكومي يتسارع يوماً بعد آخر، لا سيما مع حرص رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط وكبار مسؤولي الحكومة على المشاركة في افتتاح معرض صنعاء للقهوة والمهرجان التسويقي للبن اليمني في العاصمة صنعاء.
وخلال زيارته، حث الرئيس المشاط على الاهتمام بزراعة البن ودعم المزارعين بالشتلات وتحفيزهم على زراعة هذا المحصول النقدي المهم، لما له من دور في رفد الدخل القومي بالعملة الصعبة ..
وأوضح أن البن اليمني منتج أصيل عُرف بجودته العالية وارتباطه بحضارة اليمن .. مشيراً إلى أن البن اليمني اشتهر على مستوى العالم عبر تصدير كميات كبيرة إلى مختلف بلدان العالم من ميناء المخا والذي عرف عالمياً باسم “موكا كوفي”، مؤكداً في ذات السياق دعم المجلس السياسي الأعلى لجهود وزارة الزراعة والري والجهات ذات العلاقة في زراعة الأشجار المثمرة، بما فيها التوسع في غرس أشجار البن في كافة المحافظات اليمنية.
وفي ما يمكن وصفه بالحشد من قبل كبار مسؤولي الحكومة تجاه تعزيز الاهتمام بالبن، زار عضو المجلس السياسي الأعلى، سلطان السامعي – ومعه رئيس مجلس الوزراء، الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، إلى جانب عدد من المسؤولين – معرض صنعاء للقهوة والمهرجان التسويقي للبُن اليمني للاطلاع على معروضات الشركات والجهات المشاركة في المعرض.
وخلال الزيارة أكد بن حبتور أهمية المعرض والمهرجان، وما يمثلانه من تظاهرة سنوية للترويج للبن اليمني، واطلاع المجتمع على أنواعه المتعددة وميزاته الكبيرة مقارنة بالأصناف المستوردة، ولفت رئيس الوزراء إلى أهمية المعرض، الذي ينسجم وتوجهات قيادة الدولة بشأن الاهتمام بهذا المحصول النقدي الهام الذي تميز واشتهر عالميا باسم “موكا كوفيه”.. مؤكداً أهمية تضافر مختلف الجهود لتطوير زراعة البن وتوفير مقومات النهوض به وحمايته.
وأعلن نائب وزير الزراعة والري – نائب رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا الدكتور رضوان الرباعي خلال الزيارة، عن الانتهاء من تنفيذ برامج ومشاريع الاستراتيجية الوطنية الأولى للبن التي تُمهد الطريق مع شركاء التنمية للعمل على إطلاق الاستراتيجية الوطنية الثانية للبن.
يشار إلى أن الاستراتيجية الوطنية الأولى أطلقت خلال الفترة الماضية، من أجل النهوض بشجرة البن “زراعة وإنتاجاً وتصديراً” وتتضمن في تفاصيلها:
زيادة المساحات المزروعة ورفع إنتاجيتها، خلال الفترة 2019- 2025م، إنتاج وزراعة 13 مليون شتلة بما يعمل على زيادة المساحة نهاية الفترة بمقدار خمسة آلاف و200 هكتار.
زيادة حجم الإنتاج من 19 ألفاً و286 طناً حالياً إلى 50 ألفاً و424 طناً بحلول العام 2025م.
رفع مساحة زراعة البن من 34 ألف هكتار إلى 43 ألفاً خلال الفترة نفسها، كما سترتفع الصادرات من ثلاثة آلاف طن إلى 40 ألف طن بحلول 2025م.
إنتاج مليون شتلة سنوياً وتوزيعها على المزارعين في مناطق زراعة البن.
إعادة وتأهيل وصيانة البرك والمدرجات الزراعية في مناطق زراعة البن.
تعميم ونشر التقنيات الحديثة في زراعة المحصول.
تشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية المتخصصة في تنمية إنتاج البن وتنمية القدرات التنافسية التصديرية في الأسواق الخارجية.
المشاركة في المعارض الدولية والاجتماعات الدورية لمنظمة البن العالمية.
إنشاء الإدارة العامة للبن التي تعمل على تنفيذ كل برامج الاستراتيجية وإعداد مسح شامل لمناطق زراعة البن في مختلف المحافظات.
إطلاق مؤتمر سنوي عن البن وسبل رفع الإنتاجية وتحسين الجودة.
إعادة تأهيل المشاتل القائمة وتوفير ما يلزمها من مستلزمات الإنتاج سنوياً.
بناء وتشييد خزانات مياه وحواجز مائية لحصاد مياه الأمطار وتوفير شبكات ري تكميلية لمحاصيل البن.
إعادة وتأهيل وصيانة البرك والمدرجات الزراعية في مناطق زراعة البن.
تأسيس مركز بحوث البن وتدريب المزارعين على استخدام الطرق الحديثة في معاملات محصول البن وطرق مكافحة الآفات والتسميد لرفع الإنتاج وتحسين الجودة.
إنشاء مراكز إعداد صادرات البن في أربعة مراكز بالتنسيق مع القطاع الخاص، إضافة إلى تشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية المتخصصة في تنمية إنتاج البن.
يضاف إلى ما سبق، سعت الحكومة من خلال اللجنة الزراعية والسمكية العليا إلى توحيد كافة الجهود والمبادرات الوطنية لتنمية قطاع البن في اليمن وتسويقه والترويج له بأسعار عادلة ومنافسة أسوة بالأنواع العالمية الفاخرة، من خلال تدشين “المزاد الوطني الأول للبن اليمني”.
وفي سياق الحرص على توصيف وحفظ الصفة الوراثية للبن، نظمت الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي خلال فبراير الماضي، مؤتمراً صحفياً، حول برنامج توصيف وتصنيف وحفظ المادة الوراثية للبن اليمني وإنشاء المدخرات الوراثية الوطنية وتسجيل المؤشر الجغرافي لأصناف البن.
وترافقت الجهود الحكومية خلال المرحلة الماضية مع حراك مجتمعي مُلفت من خلال تبني منظمات المجتمع المدني فكرة أن يكون هناك يوم وطني للاحتفال بالبن، وهو ما تحقق عندما تم إقرار الثالث من مارس من كل عام يوماً وطنياً، ويشير عدد من المهتمين إلى أن القرار جاء كنتيجة طبيعية للجهود المكثفة التي قام بها الناشطون من أجل التأكيد على أن الضرورة تستوجب زراعة شجرة البن على نطاق واسع في البلد، ومع استمرار تلك الجهود المجتمعية الحميدة تبلورت فكرة أن يكون هناك يوم “عيد وطني” لشجرة البن “عيد موكا”، تيمنا بالشهرة الواسعة للقهوة اليمنية التي عُرفت عالميا بـ موكا كوفي “Caffe Mocha”.
الجدير بالذكر، أن تسمية “موكا كوفي” ارتبطت بمدينة المخا ومينائها الذي تم من خلاله تصدير محصول البن خلال الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلادي، ويرجح العديد من الباحثين أن قهوة الموكا “الموكاتشينو” أخذت الاسم من ميناء المخا القريب من مضيق “باب المندب” الاستراتيجي.
ختاماً.. الحديث عن ارتباط البن كشجرة ومحصول باليمن يبعث الكثير من الفخر والاعتزاز لدى أبناء الشعب اليمني، هذه الحقيقة يمكن من خلالها وضع رؤية شاملة تسهم في تحويل وتطوير ذلك الاعتزاز والفخر إلى استفادة مادية، عبر تحويل البن “شجرة ومحصولاً” إلى صناعة ورافد اقتصادي يسهم بفعالية متزايدة في دعم الاقتصاد الوطني، بعائدات كبيرة وبالعملة الصعبة.