أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلى إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَالشُهَدَاءِ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَــــوَات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه المجيد القرآن الكريم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: الآية23]. صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيم.
في الذكرى السنوية للأخ العزيز الرئيس الشهيد/ صالح علي الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه”، نستذكره- وهو الحاضر في وجداننا، وفي وجدان شعبنا، وفي مسيرة عملنا وجهادنا- نستذكره نموذجاً إيمانياً يجسِّد هوية شعبه، والانتماء الإيماني لشعبه، نموذجاً للصدق والوفاء، ونموذجاً للصبر والتضحية والعطاء، نموذجاً في سعيه الدؤوب لما فيه مرضاة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والخدمة لشعبه، والمناصرة لقضايا أمته.
الشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه” ما قبل موقعه ومسؤوليته في الرئاسة، وأثناء تحمله لهذه المسؤولية، كان منطلقه إيمانياً، ولذلك ما بعد وصوله إلى موقع المسؤولية هو ذلك الشخص الذي كان- وهو في موقع الرئاسة- يحمل روحية الجندي مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومع شعبه، ومع أمته، ويرى في ذلك الموقع موقعاً لتحمل المسؤولية ما بينه وبين الله أولاً، وما بينه وبين شعبه وأمته ثانياً، فكان ينطلق وهو يستشعر أنه في موقع مسؤوليةٍ عمليةٍ يخدم فيها شعبه، وليس في مقامٍ معنويٍ يستغله للمكاسب الشخصية، أو الأهداف الشخصية، أو التوجهات الشخصية، ولذلك كانت وتيرته في العمل لخدمة شعبه وقضايا أمته، وكان أسلوبه في أداء مسؤوليته أسلوباً مميزاً وراقياً، يتميز بالإخلاص، بالتفاني، بالثبات، بالصبر، بالعمل الدؤوب، بالاستعداد العالي والجهوزية الدائمة للتضحية، وهو الذي كتب وصيته مراراً.
وهذا النموذج يختلف عن شكليات أخرى، عن آخرين ممن كانوا إذا وصلوا إلى مثل هذا الموقع، وتبوأوا هذه المسؤولية، يتصرفون بطريقةٍ مختلفة، ممن كانوا يقدمون أنفسهم كرموز وطنية، وكانوا يرون في موقع الرئاسة موقعاً للتسلط، وللظلم، وللإثراء، وللحصول على المكاسب المادية، ومن خلال ذلك الموقع أصبحت لهم أرصدة ضخمة، حتى في البنوك الخارجية في دول الخارج، أصبحت لهم شركات ضخمة تجارية، أصبحت لهم استثمارات، عمروا حتى المدن في بعض الدول، وخرجوا من ذلك الموقع وهم يحملون أوزاراً كبيرة، عندما كان إثراؤهم واستغلالهم لموقعهم ذلك على حساب معاناة شعبهم، وظلم شعبهم، واضطهاد شعبهم، ونهب ثروات شعبهم، والتفريط في قضايا شعبهم، وانكشفوا في خيانتهم لشعبهم، ومؤامراتهم على هذا الشعب لمصلحة أعدائه، في الوقت الذي كانوا يقدمون أنفسهم رموزاً وطنية، يتحدثون في وسائلهم الإعلامية عن الوطن وعن الوطنية كثيراً، ويقدمون أنفسهم كحماة للوطن، وكمدافعين عن مصالح هذا الشعب، فإذا بهم في مرحلة من أخطر المراحل وأصعب المراحل على هذا الشعب، ليس فقط يخذلونه، ويتخلون عنه، ويتركونه وهو يواجه التحديات الكبيرة، والمخاطر الكبيرة، ويتصدى لأعدائه، في الوقت الذي يحاولون أن يسيطروا عليه، وأن يحتلوا وطنه؛ إنما يتآمرون مع الأعداء، ويفتحون جبهات حربٍ على هذا الشعب من وسط العاصمة صنعاء، ويثيرون الفتن، ويحاولون أن يعملوا على شق الصف الوطني من الداخل، وفيما بعد ذلك يصبح لهم جبهات أساسية، ويتجندون علناً وبكل وضوح مع تحالف العدوان، ويجيشون لصالحه، ويصبحون جبهات أساسية من جبهاته، ضد شعبهم وضد وطنهم.
المنطلق الإيماني هو الذي يبنى عليه الثبات الحقيقي، والمصداقية في كل المراحل والظروف؛ لأنه منطلقٌ مبنيٌ على أساسٍ صحيح، وعلى مبادئ وقيم راسخة وثابتة؛ أمَّا العناوين المخادعة، التي تهدف إلى خداع الناس والاستغلال لهم، فهي تنكشف مع المتغيرات، مع الأحداث، ومع الاختبارات الحقيقية، التي يتجلى فيها الصادق عن الزائف المخادع.
فالشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه” تميز بوفائه، بثباته، وفي المرحلة الصعبة، والتحديات الكبيرة، كان حاضراً بشكلٍ أكبر، ومتفانياً، وباذلاً لجهده في الأولويات المهمة، وأولها: التصدي للعدوان، في مرحلة من أكبر المراحل في التصعيد من تحالف العدوان، وحملاته الهادفة إلى السيطرة على محافظة الحديدة، فكان الشهيد “رِضوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” حاضراً، في تحشيد الشعب، في تفعيل كل القدرات الرسمية والشعبية، والدفع بها نحو التصدي للعدوان، في تلك الحملة والحملات الأخرى.
تحالف العدوان كان يلحظ في الشهيد الصَّمَّاد ثلاث نقاط مهمة:
سعيه بتفعيل القدرات والإمكانات الرسمية، في التصدي للعدوان، وفي خدمة الشعب.
وعلاقته القوية في الوسط الشعبي، والتي يُفَعِّلُهَا بشكلٍ تام في التعبئة الشعبية، ضمن هذه الأولوية الأساسية.
وقدرته الفائقة في عملية توحيد الصف الداخلي والوطني، وجمع المكونات بمختلفها، والتيارات بمختلفها في هذا الشعب، في إطار الاهتمام بهذه الأولوية.
فكان يقلق من هذا الدور الفاعل في الاتجاهات الثلاث: في تفعيل الإمكانات والقدرات والجهات الرسمية والشعبية، والسعي للحفاظ على الجبهة الداخلية، والتأثير الإيجابي في ذلك، والدور الفاعل للشهيد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه” في ذلك، فكان يسعى إلى استهداف الشهيد لهذا الدور؛ استهدافاً منه لهذ الدور الفاعل له، والدور المهم والإيجابي، والذي يمثل إسهاماً كبيراً في التصدي للعدوان، وفي دعم القضية العادلة للشعب، والدفاع عن هذا البلد، ولذلك كان من أهدافه الأساسية هو الاستهداف للشهيد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه”، وركز على هذه النقطة بشكلٍ كبير.
كل الحملات التي كان ينفذها تحالف العدوان، ومنها الحملة الكبيرة لاستهداف محافظة الحديدة، كانت تتم بإشراف أمريكي، واستهداف الشهيد الصَّمَّاد كان أيضاً بدافعٍ أمريكي وتوجيهٍ أمريكي، وهذه نقطة تأكدنا منها من خلال تحريات، ومن خلال تحقيق، ووصلنا إلى نتيجة مؤكدة في هذه النقطة: أن الأمريكي وهو الذي أعلن مراراً وتكراراً عن أن واحداً من أهم الأدوار التي يقوم بها بشكلٍ مباشر في عدوانه على بلدنا، هو: تحديد الأهداف، الأمريكي تحدث عن هذا الدور له، أنه يقوم بتحديد الأهداف التي تقصف، التي تستهدف، والأهداف التي يتم التركيز عليها عملياتياً، فالعمليات على مستوى الجغرافيا في السعي لاحتلال محافظة، أو استهداف جبهة، أو الاستهداف بالقصف، لأهداف تستهدف بالقصف، هذا الدور هو للأمريكي؛ لأن الدور الأمريكي هو دور إشرافي في العدوان على بلدنا، هو دورٌ إشرافي، وهو الدور الأعلى، الذي يخطط، ويرسم، ويوجه، ويأمر؛ أمَّا الدور السعودي والدور الإماراتي فهو دور تنفيذي، هم كأدوات ينفذون ما يمليه عليهم الأمريكي، ويرسمه لهم، فالأمريكي هو الذي حدد للسعودي وأن يستهدف الشهيد الصَّمَّاد كهدف أساسي، ضمن استهدافه للدور المهم الذي يقوم به الشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه”، ويوظف فيه كل قدراته، وطاقاته، وإمكاناته، وتأثيره الإيجابي في الوسط الشعبي والرسمي والجبهة الداخلية، في خدمة شعبه والدفاع عن بلده. هذه نقطة نرى أهمية لفت النظر إليها.
وكان يؤمل الأمريكي، ومن ورائه أدواته الإقليمية، وعملائه من أبناء البلد، أن مثل هذه الخطوة في استهداف الشهيد الصَّمَّاد سيكون لها تأثيرٌ يكسر من إرادة هذا الشعب، ويوهن من عزمه، ويضعفه، ويهيئ لتنفيذ عمليات على مستوى أوسع في الاحتلال لهذا البلد، ولكن النتيجة كانت معاكسة تماماً، ونحن بكلنا عندما نستذكر تلك المرحلة، نرى كيف كان وقع تلك الجريمة من جانب تحالف العدوان، التي استهدفوا بها هذا الرجل المجاهد العظيم والعزيز، كيف كان الأثر في وجدان هذا الشعب، كيف كان تفاعله، كيف كان مدى التأثير لذلك في تفاعله مع قضيته أكثر، في عزمه وإبائه واستعداده للتضحية أكثر، بلغ من وقاحة تحالف العدوان، ومن إفلاسه الإنساني والأخلاقي والقيمي، ومن وحشيته، وإجرامه، وطغيانه، وغطرسته، وسوئه، وقبح تصرفاته، أنه استهدف حتى مراسم التشييع، باستعراضٍ جوي، وسعيٍ- آنذاك- لإرباك مراسم التشييع، في حركة الطيران على أجواء العاصمة صنعاء، وما نفذته من غارات في صنعاء، ومن عمليات في صنعاء، بهدف حتى منع مراسم التشييع، ولكن في تلك الأجواء نفسها كان الزخم الشعبي كبيراً جداً في مراسم التشييع، والحضور الشعبي المتفاعل، والذي يدرك أن هذا الشهيد استشهد وهو يدافع عن هذا البلد، في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في التمسك بالقضية العادلة، في سعي للتحرك الجاد في مواجهة حملات الأعداء وعدوانهم وتصعيدهم، ففشلت مساعي الأعداء في كسر إرادة هذا الشعب، لا من خلال تلك الجريمة في استهداف الشهيد الصَّمَّاد، ولا غيرها من الجرائم الوحشية بالاستهداف الجماعي لأبناء هذا البلد، في مختلف مناسباتهم الاجتماعية، وفي مختلف تجمعاتهم في الأسواق، والمساجد، والمدارس، وغيرها، كل أشكال الإجرام من جانب تحالف الإجرام.
ونحن في هذا المقام نشيد بالموقف الشعبي الصامد والمتماسك، في تلك المرحلة الحرجة والظرف العصيب، ونشكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي منه كل العون، وكل التوفيق والتثبيت، وهي مرحلة من أخطر المراحل التي مرَّ بها شعبنا.
في ذكرى الشهيد الصماد، وهو عنوانٌ للصمود، والتضحية، والثبات الذي كان عليه، والذي عليه شهداء بلدنا الأعزاء، الذين انطلقوا من المنطلق الإيماني وهم يتحلون بالثبات والمصداقية والوفاء، وجماهير هذا الشعب، وأبناء هذا الشعب، وأسر الشهداء والجرحى، والمرابطون في الجبهات، نستذكر أيضاً بمظلوميته وشهادته مظلومية شعبنا العزيز.
عندما بدأ هذا العدوان ومن اللحظة الأولى، وفي كل المراحل وفي ظل استمراره على شعبنا العزيز، اتصف هذا العدوان بالوحشية والإجرام، وبالتغطرس والكبرياء والجبروت، فكانت الممارسات من قبل تحالف العدوان من بداية العدوان وإلى اليوم كلها ممارسات إجرامية، ووحشية، وبشعة، ومتجردة من كل المشاعر الإنسانية، وهذا أمرٌ معترفٌ به دولياً، أسوأ صيت وأسوأ سمعة في الإجرام والوحشية هي لتحالف العدوان، أصبح هذا شيئاً معروفاً في الوسط العالمي بكله.
وحجم الجرائم بحق شعبنا مهول ورهيب، جرائم رهيبة جداً في مختلف المدن، قصف وإبادة جماعية للناس، قتل بطريقة وحشية للمجتمع اليمني في المساكن، والمنازل، والأسواق، والمساجد، والمدارس، والطرقات، وبشكلٍ جريءٍ جداً؛ نتيجةً للغطاء الأمريكي، والدفع الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني بالنزعة الوحشية والإجرامية لهم، وقبح الأدوات المنفذة وسوئها، والنزعة الإجرامية لديها.
حجم المظلومية الكبيرة جداً لشعبنا، وحجم الجرائم، وتفاصيل تلك الجرائم، من أهم الأمور التي يجب التذكير بها، والحديث عنها، والإبراز لها؛ لأنها مظلومية كبيرة جداً لشعبنا العزيز، ما حصل ليس شيئاً بسيطاً، ما فعله تحالف العدوان في بلدنا ليس شيئاً هيناً، أو بسيطاً، أو عادياً، جرائم رهيبة جداً، قتل لعشرات الآلاف من أبناء شعبنا العزيز، قتل للأطفال بالآلاف، قتل للنساء بالآلاف، استهداف للمدنيين وللناس في بيوتهم، في منازلهم، في قراهم، في مدنهم، في مساجدهم، في أسواقهم، في الطرقات، استهداف بالقتل الجماعي والإبادة الجماعية، استهداف بالتدمير الممنهج للإضرار بهذا الشعب، وبهدف إلحاق أبلغ الأذى والظلم والضرر لهذا الشعب، تدمير للخدمات والمصالح العامة، للجسور والطرقات، حتى لخزانات المياه، استهداف لكل معالم الحياة في هذا البلد، حتى الآثار، حتى المقابر، استهداف لكل شيء.
فالمظلومية كبيرة جداً، واستذكار هذه المظلومية، واستذكار تفاصيلها، وإبراز هذه التفاصيل، والتذكير المستمر بها مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، في الأنشطة الإعلامية، والأنشطة التوعوية، وأنشطة التعبئة في الوسط الشعبي والرسمي، والأنشطة التثقيفية والتعليمية، هذا شيءٌ مهمٌ جداً، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك؛ لأن هذا يترتب عليه مسؤوليات مهمة، ولأن هذا- بحد ذاته- كافٍ في إسقاط كل الدعايات والتبريرات الزائفة، التي تروج لهذا العدوان، وتبسط هذا العدوان، أو تحاول أن تشرعن هذا العدوان، أو تحاول أن توجد له قابلية، وأن تجعل له عناوين هنا أو هناك.
لا شيء أبداً يمكن أن يكون مبرراً حقيقياً لتلك الجرائم الفظيعة والرهيبة والوحشية، ولا شيء يمكن أبداً لا أن يبررها، ولا أن يشرعنها، ولا أن يجعل لها قابلية في النفوس أبداً، وحدهم المتوحشون والمجرمون والسيئون والظالمون من يمكن أن يقبلوا التبرير لها، أو التغاضي عنها واعتبارها عملاً عادياً؛ أمَّا كل من يمتلك الضمير الحي، من يمتلك الشعور الإنساني، من يمتلك القيم الإنسانية والإيمانية والفطرية، فلابدَّ أن يكون له موقفٌ تجاه تلك الجرائم الوحشية، وتجاه من ارتكبها بحق هذا الشعب من تلك الدول، ومن تلك الأدوات الإجرامية والوحشية.
تحالف العدوان منذ بداية العدوان وإلى اليوم كانت ممارساته ممارسات إجرامية بشعة، على مستوى القتل والتدمير والحصار، الذي ألحق معاناة كبيرة جداً بشعبنا العزيز في واقعه المعيشي، وصولاً إلى التجويع للملايين من أبناء هذا الشعب، وإلحاق ضائقة معيشية شديدة جداً بهم، أو على المستوى الصحي، من أسوأ ما عاناه شعبنا العزيز نتيجةً للحصار والحرب عليه والعدوان عليه المعاناة الكبيرة جداً في الجانب الصحي، معاناة كبيرة للغاية، وأودت بحياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء والكبار والمرضى؛ نتيجةً لانعدام الرعاية الصحية والخدمات الصحية والطبية، وأي شخص يمتلك الوعي والإحساس بالمسؤولية والضمير الحي لابدَّ أن يتحرك، وأن يكون له موقف، وهذا مما دفع بالشهيد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه”، والشهداء وأحرار هذا البلد للتحرك الجاد، والاستعداد التام للتضحية، والتحرك في مواجهة العدوان والتصدي له بكل جهد، فكان الشهيد رحمة الله تغشاه نموذجاً في الصدق مع الله، والوفاء لشعبه، والتحرك الجاد ضمن الأولوية في التصدي للعدوان.
أيضاً كان “رحمة الله تغشاه نموذجاً راقياً في أداء المسؤولية، مثلما كان نموذجاً في التضحية والوفاء لشعبه، والمصداقية مع الله ومع شعبه، فهو أيضاً كان نموذجاً راقياً في أداء المسؤولية، ولمنطلقه الإيماني أهميةٌ أساسيةٌ في ذلك، هو انطلق في أداء المسؤولية من منطلق إيماني، لم يكن لديه رغبة في أن يصل إلى موقع مسؤولية الرئاسة كمنصب كبير، وكموقع مهم على المستوى السياسي والاعتباري، أو موقع للاستغلال الشخصي لتحقيق المكاسب الشخصية المادية والمعنوية، كما هو هم الكثير من الناس، همهم في أن يصلوا إلى أي موقع يستطيعون الوصول إليه، أي منصب؛ ليحققوا لأنفسهم مكاسب شخصية مادية ومعنوية؛ أمَّا هو فكان منطلقه منطلقاً إيمانياً، ولذلك هو قَبِل في الأخير بتحمل هذه المسؤولية من منطلقٍ إيماني، لم يكن طالباً ولا ساعياً لهذا المنصب، ولهذه المسؤولية، ولهذا الدور، بل تقبله بإلحاح، بدافعٍ إيماني، بدافع الشعور بالمسؤولية، ولذلك لم تتغير روحيته ونفسيته بعد أن وصل إلى هذه المسؤولية.
البعض من الناس إذا وصل إلى أي منصب، ولو منصب بسيط، أو محدود، أو في نطاق محدود، تتغير نفسيته تماماً عمَّا كان عليه سابقاً، يصبح إنساناً متكبراً، متغطرساً، تصبح سلوكياته سلوكيات سلبية، تحدث منه ممارسات في إطار توجهاته التي تختلف عمَّا كان عليه سابقاً، هذا يحصل للكثير من الناس.
أمَّا الشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه” فهو ذلك الرئيس الذي دائماً يحمل روحية الجندي، وروحية المواطن البسيط، وروحية من يشعر بأن مسؤوليته هي الخدمة لشعبه، أن يكون خادماً لأبناء شعبه، لأبناء بلده، ولم تتغير هذه الروحية بالنسبة له، فاتجه بكل جد، بكل اهتمام لأداء هذه المسؤولية وهو لا يتغير، يحمل التواضع بشكلٍ مستمر، يحمل الاهتمام بأداء مسؤوليته والعمل، ويتحرك في إطار العمل النشط ليلاً ونهاراً، وليس فقط وقت دوام محدود، بل يهب كل وقته لأداء هذه المسؤولية ولهذا العمل.
ومما يتميز به هو ذلك الاهتمام، والعمل النشط والدؤوب في خدمة شعبه، في متابعة القضايا المهمة، في الاهتمام بالتصدي للعدوان، في تكثيف اللقاءات بالناس، اهتمام وعمل نشط ليلاً ونهاراً.
مما تميّز به كنموذج في أداء المسؤولية هو سعة صدره، وموقع المسؤولية كلما كان أعلى، كلما كان يتطلب سعة الصدر بشكلٍ أكبر، الإنسان في موقع المسؤولية كلما كبرت مسؤوليته، كلما واجه الكثير من التحديات، والصعوبات، والمشاكل، وحمل الكثير من الهموم، مع ما يواجهه من لوم، من عتاب، من انتقاد، من إساءات، كم يواجه الإنسان في موقع المسؤولية، والمسؤوليات الحساسة يكون الإنسان فيها- عادةً- أكثر عرضةً لذلك، أن توجه إليه الإساءات، الانتقادات، أن يواجه الصعوبات والتحديات، أن يتحمل الكثير من المشاكل، أن يحمل الكثير من الهموم، مما هو- عادةً- يؤثر على نفسية الإنسان، وعلى سعة صدره.
فموقع المسؤولية، وبالذات كرئيس يحتاج إلى سعة صدر، إلى تحمل كبير، تحمل لكل ذلك: ما تواجهه من هموم، ما تواجهه من مشاكل، ما تواجهه من تحديات، ما تواجهه من صعوبات في الواقع العملي، والصعوبات في الواقع العملي كثيرة، في ظروف كتلك الظروف التي أتى الشهيد الصَّمَّاد ليتحمل المسؤولية أثناءها، في وقت ذروة التصعيد على بلدنا، شدة الحصار على بلدنا، المعاناة الكبيرة لشعبنا، الوضع الرسمي المتردي، والذي هو متأثر بشكلٍ كبير جداً بكل تأثيرات الماضي في داخله، ما فيه من العوائق، ما فيه من التحديات، والصعوبات، والتعقيدات، واقع تعقيداته كثيرة، إن جئت إلى مؤسسات الدولة، فهي في الواقع ليست مؤسسات بما تعنيه الكلمة، شكلياً هي مؤسسات شكلياً، هي بشكل مؤسسات، لكن كيف هو نظامها؟ كيف الواقع بالنسبة للكثير من كادرها والموظفين فيها، ممن يتأثرون بتأثيرات الماضي في اهتماماتهم، في ولاءاتهم، في مواقفهم؟ كيف هو حجم الصعوبات في الواقع المادي والإمكانات (إمكانات الدولة)، والوطن المحتل منه مساحة شاسعة، بالذات منابع الثروة في الوطن، من أول ما ركَّز عليها الأعداء، وحرصوا على احتلالها، والسيطرة عليها، ونهبها، وحرمان الشعب منها، فهذه التعقيدات الكثيرة والمشاكل الكثيرة التي يواجهها من هو في ذلك الموقع مع المؤسسات الرسمية نفسها، التي لها شكل المؤسسات، وفي داخلها الكثير من التعقيدات والاختلالات، وفيها الكثير ممن لا تزال لديهم أجندة، أو ارتباطات، أو علاقات، أو تأثيرات سلبية تؤثر على الأداء، ومن يسعى منهم لإعاقة أي عمل أو نجاح… إلى غير ذلك، حجم العدوان، وهو تحالف دولي إقليمي محلي، وضغطه الكبير على البلد، وعلى كل شيء في هذا البلد، الواقع في مثل هذه الظروف التي فيها أيضاً تعقيدات كثيرة في الوضع الداخلي، والحاجة إلى جهود كبيرة للحفاظ على الصف الوطني، ففي ظل كل تلك التعقيدات عادةً ما تتأثر نفسية الإنسان في مستوى التحمل، في مستوى سعة الصدر، في مستوى طبيعة وطريقة التعامل مع الناس، لكن الشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه” كان معروفاً لدى الجميع بسعة صدره، بحسن خُلُقه، بجميل أسلوبه في التعامل والمنطق والاحترام للناس، بالقرب من الناس، بالقرب من المجتمع، بالقرب من المسؤولين، بعلاقاته الواسعة والإيجابية، بلقاءاته وأنشطته المكثفة والواسعة، وهذه ميزة كبيرة في سعة الصدر، وسعة الأفق، والاستيعاب للناس، والقرب منهم، والتعامل معهم بالاحترام والتكريم، وهذه ميزة كبيرة جداً.
مما كان يتميَّز به كنموذج في أداء المسؤولية، هو: سعة صدره، وأيضاً نزاهته المالية، وعفته، نزاهة تامة، هو حرص حتى في الكثير من أموره الشخصية، ألَّا يكون لها أي تمويل من الميزانية العامة، أو أن يقتطع لنفسه أي شيءٍ أبداً؛ ولذلك كان نزيهاً في الجانب المالي بشكلٍ تام، نزاهة تامة، البعض من المسؤولين إذا تقلَّد أي مسؤولية، أو منصب ولو كان بسيطاً، يسعى إلى الحصول على المكاسب المالية.
عندما نستذكر البعض ممن كانوا يقدِّمون أنفسهم رموزاً وطنية فيما سبق، كيف كانوا فيما يتعلق بهذا الجانب، إلى الآن لا تزال أرصدتهم في البنوك الخارجية أرصدة ضخمة جداً، هي من حق هذا الشعب، هي أموال هذا الشعب، جزءٌ منها عليه حظر الآن، ونحن في هذا المقام نطالب بإعادة هذه الأموال للشعب؛ لأنها حقٌ له، وهو في أمسِّ الحاجة لذلك الحق، ليست حقوقاً شخصية لشخصٍ هناك أو هناك، هي حقوق لهذا الشعب، وهو محرومٌ منها.
الشهيد الصَّمَّاد كان مثالاً ونموذجاً رائعاً في النزاهة المالية، في العفة، في صون نفسه من الفساد المالي، في أن يبحث لنفسه وأن يعتمد على إمكاناته الشخصية، وإمكانات أسرته، وإمكانات أصدقائه حتى في احتياجاته الضرورية، بعيداً عما كان بإمكانه الحصول عليه حتى في المستوى العادي، حتى في المستوى العادي، في الاحتياجات الشخصية، نزاهة عالية جداً.
ومما يميِّزه أيضاً، ومما كان يتحلى به كنموذج: مواصلته للاهتمام بشكلٍ مستمر بأولوية التصدي للعدوان بشكلٍ مكثف، على مستوى- كما قلنا- تفعيل الجهات الرسمية بكل ما يستطيع، التعبئة الشعبية الواسعة والنشطة جداً، والمساندة المستمرة، والاهتمام المستمر بالجيش واللجان الشعبية آنذاك، والدعم الكبير المعنوي وبكل ما يستطيع للجبهات، فكان لذلك النشاط فاعلية ملموسة من تحالف العدوان، وهو مما أغاظهم، ومما زاد من حقدهم عليه، ومما كانوا يتصورون من خلاله أنهم لو استهدفوه، فإن ذلك سيترك فراغاً كبيراً يمكنهم من تحقيق أهدافهم وآمالهم، لكنهم فشلوا، فشلوا على كل المستويات: على مستوى الوضع الرسمي ما بعد استشهاده بقي هذا الوضع متماسكاً كل التماسك، وعلى المستوى الشعبي، وعلى مستوى الجبهات، وتحوَّل استشهاده إلى حافزٍ ودافعٍ مؤثرٍ بشكلٍ إيجابي في الدفع بالجميع لمواصلة المشوار، وهم يستشعرون هذا الإرث للشهيد وبقية الشهداء من أبناء هذا الوطن، بقية الشهداء من أبناء هذا الشعب، الذين استشهدوا والكل من بعدهم، كل الأحرار يستشعرون حجم المسؤولية في الحفاظ على إرثهم، إرثهم الكبير، إرثهم المعنوي، الأخلاقي، القيمي، المبدئي، وهو مواصلة المشوار في التصدي للعدوان، في الدفاع عن القضية العادلة لهذا الشعب، في مواصلة الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والعمل على تحقيق الانتصار في مواجهة العدوان.
الإرث المهم الذي يبقى مستمراً لدينا جميعاً، هو: أولوية التصدي للعدوان، وضرورة العمل المستمر والدؤوب في مقابل التحديات الكبيرة، ما تم الحفاظ عليه في كل المراحل الماضية بمثل تلك الجهود الكبيرة للشهيد الصَّمَّاد، للشهداء الأبرار، الذين استشهدوا في مختلف الجبهات وهم يتحركون بكل جهد، بكل جد، وبتضحية كبيرة، وبنشاط، وباهتمام كبير، ما تم إنجازه هو شيءٌ مهمٌ جداً، بالرغم من حجم العدوان، وإمكانات تحالف العدوان، وحجم الهجمة المعادية على بلدنا، التي كانت على كل المستويات: على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على المستوى العسكري، والحرب الاقتصادية… وفي كل المجالات.
ما تم إنجازه هو شيءٌ مهم، هو الحفاظ على العمق الاستراتيجي لهذا البلد، فيما مضى في أحداث كبيرة في الاستهداف لبلدنا في مراحل تاريخية، كان الغزاة يتمكنون من احتلال كل هذا البلد، وصولاً إلى صنعاء، وكان أبناء شعبنا يبذلون جهداً كبيراً فيما بعد ذلك، ويحتاجون إلى وقتٍ كبير حتى يتمكنوا من تحرير هذا الوطن، وطرد المحتلين الغزاة منه.
الهجمة التي حصلت من جانب تحالف العدوان على بلدنا هي أكبر هجمة، إذا جئنا لنقارن بينها وبين ما مضى، من حيث العدة، والإمكانات، وحجم القصف، وحجم الجيوش التي تحركت لاحتلال هذا البلد، مع ملاحظة التعقيدات والظروف الصعبة التي يعاني منها شعبنا بالتزامن مع ذلك، ومع ذلك كان أقوى مستوى من الصمود في مواجهة الغزاة المحتلين هو في هذه المرحلة، وهذا أمرٌ إيجابيٌ لشعبنا العزيز، أنَّه في هذه المرحلة التاريخية قدَّم للأجيال من بعده نموذجاً عظيماً في الصمود، والتضحية، والتصدي للغزو الأجنبي، ومحاربة الأعداء الذين يسعون إلى السيطرة عليه، واحتلال أرضه، فبقيت مساحة مهمة هي تمثل العمق الاستراتيجي والجغرافي في البلد بقيت محفوظةً من الاحتلال، وعجز الأعداء عن احتلالها، وعن السيطرة عليها، هذه نعمةٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن مظاهر التأييد الإلهي والمعونة الكبيرة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لشعبنا العزيز، ولتضحياته الكبيرة، ثمرة لتضحياته الكبيرة ولصبره، كانت التضحيات، وكان الصبر، وكان الصمود له هذه الثمرة المهمة جداً.
أيضاً في تماسك الدولة في تماسك الشعب على المستوى الداخلي، وفي بناء القدرات العسكرية، التي اتجهت نحو الأفضل والأكبر على مسار الزمن والمراحل منذ بداية العدوان وإلى اليوم.
كلما سعى تحالف العدوان أن يضعف شعبنا أكثر، ليتمكن من السيطرة عليه، وأن ينهي قدراته العسكرية بشكلٍ تام؛ كانت القدرات العسكرية تزداد أكثر، وكان شعبنا يقوى أكثر، وكانت القوة العسكرية من جديد تتشكل وتنتظم بشكلٍ أفضل، والوضع اليوم مقارنةً ببداية العدوان، وبمراحل ماضية في السنوات الماضية، وضع واضح، هناك فارق كبير جداً في مستوى القدرات العسكرية، في بداية العدوان، في وسط الأعوام الماضية، في المرحلة الراهنة، هناك فوارق واضحة، فهذا أيضاً علامة مضيئة لثمرة التضحيات والجهود، هذا لم يكن شيئاً تلقائياً، هو بتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وثمرةً للجهود، للعطاء، للتضحية، للصبر، للعمل الدؤوب.
التماسك الشعبي- أيضاً- هو شيءٌ أساسي، كان ركيزة من الركائز الأساسية لأن تتحقق هذه الثمرة، وأن يتحقق هذا الإنجاز إلى اليوم، ونحن معنيون في هذه المرحلة، وما بعد اليوم (في المستقبل)، إلى أن نواصل جهودنا في التعبئة، في الحفاظ على الإرادة الشعبية، والإرادة بشكلٍ عام أن تبقى إرادةً قويةً، وأن نواصل الاهتمام، وألَّا نغفل، وأن يستمر التوجه، التوجه نفسه في التصدي للأعداء، في السعي لتحرير كل بلدنا، في التصدي لكل التحديات التي نواجهها كشعبٍ يمني، في العناية بالجبهات، في الاهتمام بالقدرات العسكرية، في التصدي لمحاولات الأعداء المستمرة بكل الوسائل لكسر إرادة شعبنا ومعنوياته، وصرف الاهتمام عن أولوياته الكبرى، هذه مسألة في غاية الأهمية.
هذا هو من الإرث الذي علينا أن نواصل المشوار فيه، نتحمل هذه المسؤولية كشعبٍ يواجه كل هذه التحديات؛ لأن التحديات مستمرة، الأعداء مستمرون في احتلال مساحة واسعة من هذا الوطن، وفي ظلم هذا الشعب، وفي حصاره، مستمرون في الاستهداف له، مستمرون في مؤامرات كبيرة لتمزيق نسيجه الاجتماعي، لتقطيع أوصال هذا الوطن، يحتلون الجزر، يحتلون المياه الإقليمية، يحتلون منابع الثروات، يسيطرون على المنشآت الهامة في هذا البلد… على أماكن كثيرة؛ ولذلك المسؤولية مستمرة، المعركة مستمرة، التحديات مستمرة، المسؤولية مستمرةٌ كذلك وقائمة علينا بالفعل.
ثم فيما يتعلق بالوضع الرسمي، المسؤولية مستمرة، على المسؤولين، علينا جميعاً أن نسعى لإصلاح الوضع الرسمي في كل مجالاته، إصلاح القضاء، وما يتعلق به، وفيه اختلالات كثيرة، وهناك خطط مهمة لإصلاحه، يبقى أن تنفَّذ بفاعلية، باهتمام؛ حتى تكون النتيجة ملموسة، السلطة التنفيذية كذلك وما يتعلق بها من خطط لإصلاح وضعها… ثم بقية المجالات، على مستوى تصويب الأداء للكادر الرسمي، ومعالجة الاختلالات، وتنفيذ الأولويات المرسومة لذلك.
ثم أيضاً في الأولوية الثالثة المتعلقة بالوضع الداخلي على المستوى الاجتماعي، والحفاظ على حالة الاستقرار في الواقع الداخلي، وإطفاء نيران الفتن والمشاكل بين أبناء المجتمع، وحلِّ المشاكل بطريقة أخوية، وودية، وقانونية، بطريقة صحيحة وسليمة، والدفع بأن تبقى حالة الوئام والإخاء والتعاون هي السائدة في الوسط الشعبي، ثم على مستوى المكونات السياسية، أن تبقى حالة التعاون، التآخي، التفاهم، الاهتمام بالأولويات والقضايا الأساسية هي السائدة، ألَّا ينصرف البعض نحو الاهتمامات الفئوية، أو الحزبية، أو الشخصية، بعيداً عن القضايا الجامعة، والأولويات الأساسية والمهمة، وأن نسعى جميعاً لترسيخ الهوية الإيمانية لأبناء وطننا؛ لأنها هوية جامعة لكل أبناء هذا الوطن، ولأنها في إطار وسام الشرف الكبير، الذي حظي به شعبنا، ويبنى على أساسها: القيم، والمبادئ، والمواقف، والحضارة في مفهومها الصحيح والراقي.
هذا هو الإرث الذي علينا أن نتحرك فيه كمسؤولية تجاه كل الشهداء، الذين هم نموذج لنا في اهتمامهم، في صبرهم، في عطائهم، في تضحياتهم، في اهتمامهم، في وفائهم، في مصداقيتهم مع الله ومع شعبهم.
أمَّا فيما يتعلق بالمرحلة الراهنة، مرحلة فيها خفضٌ للتصعيد، فيها- كما قلنا في كلمة سابقة- انفراجة محدودة، على مستوى حركة الميناء والمطار، وفيها أيضاً عمل لمنع نهب الثروة الوطنية النفطية، وبيعها، ونهب قيمتها وأثمانها.
المرحلة الراهنة فيها حوار بوساطة عمانية، وتحالف العدوان يسعى إلى أن يماطل تجاه الاستحقاقات والالتزامات التي لابدَّ منها؛ لأنه يتحملها، هي بالنسبة لشعبنا استحقاق بكل ما تعنيه الكلمة، وهي بالنسبة لتحالف العدوان هي وزرٌ عليه، هو يتحمَّل المسؤولية تجاهها بواقع أنه المعتدي على هذا الشعب، والذي يحاصر، والذي يرتكب الإجرام، وهو الذي قام بهذه الحرب الظالمة على شعبنا العزيز، واحتل جزءاً كبيراً من هذا الوطن.
نحن نلحظ خلال كل هذه المرحلة من الحوارات، أنَّ للدور السلبي الأمريكي تأثير في مماطلة تحالف العدوان، الأمريكي هو المشرف على العدوان أساساً، وهو يسعى دائماً إلى أن يكون مستفيداً، إمَّا أن تستمر الحرب، وهو مستفيد من الحرب- كما استفاد منها في كل السنوات الماضية- استفادة كبيرة جداً، نسبة كبيرة جداً من المبالغ المالية حظي بها الأمريكي، ومن بعده البريطاني، ثم في المرحلة الثالثة بعض الدول الأوروبية، قيمةً للسلاح والقنابل التي قُتِلَ بها أبناء شعبنا في مختلف المدن والقرى.
الأمريكي استفاد من الحرب كثيراً، على مستوى ما حصل عليه من مكاسب مالية ضخمة، وصفقات هائلة في الأسلحة، واستفاد أيضاً على مستوى أهدافه وأجندته في المنطقة، في تدمير شعوبنا، واستهداف أمتنا، وما يلحقه بشعوبها، ويستفيد من جوانب متعددة؛ لأنه يسعى إلى احتلال هذا البلد، لكن من وراء تلك الأدوات، مثلما حصل في المحافظات المحتلة، يأتي السعودي والإماراتي ومعهم عملاؤهم من البلد المرتزقة والخونة، ليكونوا هم من يقاتلون في الصفوف الأمامية، وإذا تمكَّنوا أن يسيطروا على محافظة هنا أو محافظة هناك، يأتي الأمريكي فيما بعد، ويأتي البريطاني فيما بعد ليضع له قاعدة عسكرية، وليبدأ في تعزيز حضوره العسكري بالتدريج، كما فعل في حضرموت والمهرة، وله بعض الحضور في عدن أيضاً، وكما هو تركيزه على الجزر، وبالذات في الأماكن الاستراتيجية والمهمة.
الأمريكي يحاول أن يعرقل المساعي العمانية، وأدواته هي طيِّعة، وهي سيئةٌ كذلك، هي لا تحمل النوايا الحسنة، اتجاهها في الأساس هو عدواني، هذا واضح بالنسبة للنظام السعودي والإماراتي، كلٌّ منهما اتجاهه في الأساس عدواني، ولكن يأتي الأمريكي ليوجههم، وهم طيِّعون، ومطيعون، ومنفذون، ولا يترددون.
الأمريكي يحاول أن يعرقل الجهود العمانية الحالية في ثلاث نقاط أساسية:
أولها: هو يحاول أن يبعد التحالف عن أي التزامات تترتب على أي اتفاق أو تفاهم، ويحاول أن يحوِّل المسألة وكأنها مسألة داخلية بحتة:
وهذا مما لا يمكن القبول به أبداً، النظام السعودي قدَّم نفسه منذ بداية العدوان وإلى اليوم بصفة القائد للتحالف، وهو على المستوى التنفيذي فعلاً القائد، الدور الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي إشرافي ومن الخلف، الدور المباشر، والصفة التي أعلنها السعودي لنفسه هي صفة القائد للحرب على اليمن، ونحن نعرف- والأدلة تثبت ذلك- أنَّ عملاءهم في البلد عرفوا لاحقاً، وانضموا لاحقاً إلى الحرب على وطنهم، والعدوان على بلدهم وشعبهم، والكثير منهم استقطبوا فيما بعد، تختلف المسألة: بعضهم في العام الأول، بعضهم في العام الثاني، بعضهم في العام الثالث، على حسب مستوى الاستقطاب لهم، لكن الذي شن هذا العدوان على بلدنا، وبدأ الحرب على بلدنا، وأعلن الحرب على بلدنا، هو السعودي، ومعه الإماراتي، ومرتزقتهم الذين لحقوا بهم من مختلف البلدان، بإشرافٍ أمريكيٍ وبريطاني ودور إسرائيلي وراء ذلك، فلا يمكن أن يتنصَّل التحالف بقيادته المعروفة، الرسمية، المعلنة، عن أي التزامات تتعلق بأي اتفاقات أو تفاهمات؛ لأنه هو الطرف المحارب، هو الطرف المعتدي، هو الطرف الذي يقود الموقف على بلدنا، الحرب على بلدنا، العدوان على بلدنا، وهو الذي يحاصر، وهو الذي كان حاضراً على المستوى السياسي، سواءً في مجلس الأمن، في الأمم المتحدة… على كل المستويات، هو الطرف الذي دفع المال، والطرف الذي جيَّش الجيوش، هو الطرف المحارب أساساً، طائراته هي التي قصفت وقتلت أبناء شعبنا، ودمَّرت البنية التحتية في بلدنا، ودمَّرت المنازل والمنشآت في بلدنا، فهو الطرف الذي يتحمل كافة الالتزامات المترتبة على ذلك في أي اتفاقيات أو تفاهمات، ولا يمكن أن نقبل بغير ذلك، لا يمكن أن نسمح له بأن يتهرَّب من تلك الالتزامات بحيلة، نحن لسنا سذجاً ولا أغبياء، ولا يمكن أن نعفيه من التزامات هي عليه أساساً، وهي استحقاقات مشروعة لشعبنا العزيز المظلوم المعتدى عليه، فليعلم الأمريكي ذلك، وليعلم البريطاني ذلك، وليعرف السعودي والإماراتي ليعرفا ذلك: عليهم أن يتحملوا التزاماتهم والاستحقاقات التي هي استحقاقات مشروعة لشعبنا، لا يمكن أن يحوِّلونا إلى بعضٍ من المرتزقة الذين يوظِّفونهم هم، وهم معهم مجرد جنود بسطاء.
النقطة الثانية التي يحاول الأمريكي أن يعرقل فيها أي تفاهمات أو اتفاقات، هي: نقطة المرتبات والاستحقاقات التي لشعبنا العزيز من ثروته الوطنية:
الثروة الوطنية اليوم هي محتلة من التحالف، مارب محتلة من التحالف، بالنسبة للمدينة، بالنسبة لما تبقى من المحافظة، المناطق المحتلة هناك ومنابع الثروة فيها (النفط، الغاز) محتلة من التحالف، بقية المنشآت ومنابع الثروة في شبوة، في حضرموت، في المحافظات المحتلة، المنافذ هناك في المحافظات المحتلة هي محتلة من التحالف، التحالف في سيطرته عليها يتخذ أحياناً قرارات بمنع حتى مرتزقته من التواجد فيها، أحياناً يمنع الخونة في عدن من العودة إلى عدن، لا يتواجدون في عدن، أو يتواجدون في مارب، من هم قادةٌ معه، وظَّفهم كقادة معينين أو مسؤولين معينين معه، لا يتواجدون في تلك المحافظات إلَّا بإذنه، يخرج من يشاء منهم، حتى من الموقع أو التواجد كحماية لتلك المنشآت في ظله، وكجنود معه، ويبدلهم بمن يريد، يخرج قوة ويبدلها بقوة أخرى، يتخذ قراره بطرد البعض، والإتيان بالبعض الآخر، وهذا شيء معروف، فعملياً هو يحتل ويسيطر على تلك الثروة الوطنية، وهو المسؤول هو (تحالف العدوان) عن نهب تلك الثروة الوطنية، وحرمان الشعب منها على مدى كل هذه السنوات الثمان، ما يمكن أن يكون قد توفر لشعبنا منها ما لو كانت متاحةً له معروف: مبالغ كبيرة جداً، إيراداتها التي كان يمكن أن يحصل عليها شعبنا على مدى ثمان سنوات للمرتبات، للخدمات العامة، للصحة، للتعليم، للموظفين كلهم، لمنتسبي مؤسسات الدولة والقطاع العام بكلهم، هو شيءٌ معروف على مدى ثمان سنوات، فالتحالف هو الذي يتحمل المسؤولية تجاه حرمان شعبنا من ثروته النفطية، وهو الذي يتحمل اليوم المسؤولية في أن يتيح لشعبنا الاستفادة منها، مع تعويضه فيما قد حرم منها على مدى السنوات الثمان.
ونحن نقول: بالنظر إلى ذلك، وبالنظر إلى الوقت الحاضر، وبالنظر إلى المستقبل، فيمكن لشعبنا أن يتوفر له منها ما يستفيد منه لتغطية الالتزامات المتعلقة بالمرتبات، أو الخدمات العامة: في الصحة، والتعليم… وغير ذلك، هذا شيء ممكن ومتاح، بقية الاستحقاقات، بقية الخدمات: الكهرباء مثلاً من المحطة الغازية في مارب… وغير ذلك.
فتحالف العدوان يبقى هو المتحمل للمسؤولية تجاه ذلك، والالتزام تجاه ذلك، لا يمكن أن تتحول المسألة مشكلة مع صغار المرتزقة، مع مرتزق هنا أو مرتزق هناك، ليس إلَّا مجنداً معهم، مع تحالف العدوان، ليس إلَّا مجنداً معهم، ولا يمكن أن يتحول دور من قدَّم نفسه من بداية العدوان وإلى اليوم بصفة قائد للتحالف، قائد للحرب، منفذ للعمليات الهجومية على بلدنا، طائراته هي التي تقصف، وتدمّر، وتقتل، وكأنه مجرد وسيط بين أطرافٍ هناك، ذلك الذي تسمونه بطرف هو مجرد جنود تجندوا واستقطبوا كمرتزقة وخونة دفعت لهم أموال، أو أغروا بمكاسب معينة، أو بعضهم بدافع الحقد بالانتقام من شعبنا العزيز، تحرَّكوا معكم بناءً على ذلك، وهذا أمر معروف، حتى أعلى مستوى من الخونة، من يسمون أنفسهم بمجلس قيادي رئاسي، استدعوا إلى السعودية، لم يعرفوا ما الذي طلبوا من أجله، وعندما وصلوا هناك، قيل لأحدهم: [أنت رئيس، وهؤلاء أعضاء، وأنتم مجلس رئاسة]، هم لا صلة لهم أبداً بإرادة هذا الشعب، ولا بتمثيل هذا الشعب، وليسوا طرفاً يعبِّر عن أبناء هذا البلد وعن هذا الشعب.
من النقاط الأساسية التي يلعب فيها الأمريكي لعبته، هي: مسألة انسحاب القوات الأجنبية من البلد:
الأمريكي يحاول أن تكون هذه الخطوة خطوة مؤجلة إلى ما بعد، إلى أجلٍ غير مسمى، ويريد أن يبقي التواجد العسكري في بلدنا، هذه مسألة بالنسبة لنا مسألة جوهرية، لا يمكن أن نقبل باستمرار الاحتلال في بلدنا، والقوات الأجنبية في بلدنا، هذه مسألة جوهرية بالنسبة لنا، ولا يمكن أن يكون هناك حل للمشاكل الداخلية في البلد في ظل وجود حالة الحرب على البلد، أو حالة الحصار، وهي جزءٌ من حالة الحرب على البلد، ولا وجود احتلال للبلد، وجود أيٍّ من هذه الحالات: الحرب العسكرية، أو الحصار الاقتصادي، أو الاحتلال بتواجد قوات أجنبية غازية محتلة في بلدنا في أي محافظة من المحافظات أو الجزر، لا يمكن أن نقبل أبداً أن يأتي في ظل ذلك وفي إطار ذلك حلول للمشاكل السياسية في البلد؛ لأن المسألة في ظل وضعٍ كهذا هي مسألة ابتزاز، مسألة استغلال، مسألة تعزيز لسيطرة المحتل الأجنبي، وتدخل مباشر منه في شؤون بلدنا، وفي وضعه الداخلي، هذا ما ليس له حقٌ فيه، فليعرف الأمريكي وأدواته ذلك، ولتكن الصورة واضحة لشعبنا العزيز فيما يتعلق بهذه المسألة المهمة.
من القضايا الأساسية التي نصرُّ عليها، ونؤكِّد عليها، ونتمسك بها في الحوارات والمفاوضات، هي: أولوية الملف الإنساني والمعيشي لشعبنا، هذه مسألة تمثل أولوية بالنسبة لنا، وهي- كما كررنا كثيراً- استحقاق إنساني وقانوني، حتى بحسب القانون الدولي، الذي يحتجون به، وينتمون إليه، هو حجةٌ عليهم في ذلك، هي استحقاق لشعبنا العزيز، لا مبرر لهم في الحصار، لا مبرر لهم فيما يقومون به من مضايقات كبيرة لشعبنا العزيز، وهذا أمرٌ نصرُّ على التمسك به، نصرُّ على التمسك باستقلال البلد وانسحاب القوات المحتلة الغازية، ومنها: الأمريكية والبريطانية.
أن يأتي الأمريكي خلف أدواته لينشئ له قواعد عسكرية في حضرموت، سواءً في مطار الريان، أو في المكلا، أو في المهرة، أو أن يأتي البريطاني بقوة عسكرية بأي مستوى، هذا بالنسبة لنا يعتبر احتلالاً وعدواناً على بلدنا وعلى شعبنا، ومشاركة مباشرة في العدوان على بلدان، وفي الاحتلال لبلدنا، وأمرٌ غير مقبول، ولنا الحق في التعامل معه بناءً على ذلك؛ باعتباره عدواناً، وباعتباره احتلالاً لبلدنا، سواءً كان في جزيرة من الجزر، أو في أي مكان، في أي محافظة، في أي مطار، في أي منشأة في بلدنا، نحن لا نسمح بذلك، ولا نقبل بذلك، وعلى الأمريكي أن يدرك أنه بالنسبة لنا في موقع المعتدي المحتل، وأنَّ عليه أن يرفع جنوده، وأن يبعدهم من أي قاعدة في بلدنا، هذا غير مقبول أبداً، عليه أن يرحل، ارحل، ارحل من بلدنا، من أرضنا، أنت محتل، وأنت معتدٍ، ارحل من الريان، ارحل من المكلا، ارحلوا من كل محافظات بلدنا، ارحل يا سعودي، ارحل يا إماراتي، ارحل يا بريطاني، ارحلوا أنتم كلكم محتلون في أي محافظة، في أي منشأة، في أي قاعدة، في أي جزيرة، في أي مكانٍ من مياهنا الإقليمية في البحر.
نحن نتمسك بحقوقنا المشروعة، هي حقوق مشروعة لبلدنا، ونحن نتمسك بقضيتنا العادلة، ولا نقبل، ومن حقنا ألَّا نقبل لا باستمرار الحصار، ولا باستمرار الاحتلال، كل هذا ظلم وعدوان، ولا مشروعية له أبداً، لا مشروعية له على الإطلاق في استهداف بلدنا، ونحن نسعى لدحر هذا العدوان، سواءً كان في الجزر، أو في البر، أو في البحر، وكل ما يمثل انتهاكاً لاستقلال بلدنا وسيادته جواً أو براً أو بحراً، وسنستمر في كل جهودنا وأعمالنا، وبكل الخيارات، بكل الجهود في كل المجالات، للوصول إلى تحقيق الهدف المنشود في نيل الحرية الكاملة، والاستقلال التام لشعبنا، وتطهير كل أرجاء وطننا من كل احتلال، ومن كل سيطرةٍ أجنبية، هذه أولوية لنا جميعاً في هذا البلد.
في ختام هذه الكلمة نتحدث عن تطورات الأحداث في فلسطين:
ما حدث بالأمس من عدوان إسرائيلي وإجرام إسرائيلي كبير في فلسطين، ونتج عنه عدد كبير من الشهداء والجرحى، هو أمرٌ مؤلمٌ لنا ولكل أحرار هذه الأمة، لكل الأحرار في شعوبها.
الشعب الفلسطيني هو جزءٌ من أمتنا الإسلامية، نحن نعيش معه همه، وآلامه، ومعاناته، مهما كانت ظروفنا، مهما كان واقعنا، مهما كانت معاناتنا، ولأننا نحن كشعبٍ يمني نعاني أيضاً من العدوان على بلدنا، من الحصار، من الاحتلال، لكن في كل الظروف، وفي أصعب الأوقات لا نزال دائماً نحمل همّ شعبنا الفلسطيني، ونشعر معه بالألم، وندرك أن قضيته قضيتنا جميعاً، وأننا معنيون كموقفٍ مبدئيٍ بمناصرة هذا الشعب، والوقوف إلى صفه.
ما يحصل على الشعب الفلسطيني في كل المراحل، منذ بداية الاحتلال الصهيوني وإلى اليوم، هو أولاً فضيحةٌ كبيرة للغرب، وشاهدٌ كبير على حقيقة الدور الأمريكي والبريطاني والغربي، ومن يسمون أنفسهم بالمجتمع الدولي، مظلومية الشعب الفلسطيني مظلومية كبيرة جداً، شعبٌ بأكمله منكوب، ويعاني من الاضطهاد والظلم بشكلٍ يومي، القتل بشكلٍ يومي، الاعتقال، والسجن، والاختطاف، والظلم، والأسر، بشكلٍ يومي، المعاناة على مستوى نهب الأراضي، والاعتداءات على المزارع، الاعتداءات بكل أشكالها بشكلٍ يومي، مظلومية كبيرة جداً، وهذه المظلومية يشارك الأمريكي مع الإسرائيلي بشكلٍ مباشر في الاستهداف للشعب الفلسطيني، الكيان الصهيوني يعتمد بشكلٍ أساسي على الدعم الأمريكي المفتوح، وعلى المساندة الغربية بشكلٍ واضح، وضاعت كل العناوين أمام مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته، أين هي حقوق الإنسان التي يتحدث الأمريكي عنها، ويتشدق بها، ويجعل منها غطاءً عندما يسعى لإثارة فتنة في بلد، أو يستهدف شعباً معيناً، أو جهةً معينة، يأتي بعنوان حقوق الإنسان… يأتي بعناوين أخرى: الحرية، الديموقراطية؟!
الشعب الفلسطيني شعبٌ يحاول الأعداء أن يصادروا حقوقه المشروعة، في مقدِّمتها: الحق في الحرية والاستقلال، والأمريكي هنا تضيع هذه الحقوق وهذه العناوين: لا حرية، ولا حقوق إنسان، ولا حقوق مرأة، ولا حقوق طفل، كل الحقوق يسعى الأعداء لحرمان الشعب الفلسطيني منها، كل حقوقه المشروعة، والأمريكي له الدور الكبير في ذلك، وهذه فضيحة له كبيرة، وشاهد كبير على خداعه، على زيف العناوين التي يتحدث بها، وعلى دوره الإجرامي في ظلم الشعوب، ودرس لكل شعوبنا كعالمٍ إسلامي، ولبقية البلدان الأخرى.
أيضاً هي فضيحة وخزي للمطبعين والمتعاونين مع العدو الإسرائيلي، وللمتخاذلين، الذين يطبِّعون مع العدو الإسرائيلي من الأنظمة العربية، أصبحوا في الواقع متعاونين مع العدو الإسرائيلي، وداعمين له في كل ما يفعله بالشعب الفلسطيني، دورهم لم يعد فقط خذلاناً للشعب الفلسطيني، بل مساندة للعدو الإسرائيلي، فأصبحت تنطلق منهم مواقف مؤيِّدة حتى على مستوى الدعم الإعلامي، الدعم والمساندة بأشكال متعددة، التطبيع مع العدو الإسرائيلي هو دعمٌ له في ظلمه للشعب الفلسطيني، في اعتداءاته على الشعب الفلسطيني، وإسهام مباشر في الظلم للشعب الفلسطيني، وفي حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة؛ ولذلك فهي فضيحة وخزي وعار عليهم.
وسعي- في نفس الوقت- لصرف بقية الشعوب عن الاهتمام بهذه القضية، عندما تحاول بعض الأنظمة العربية أن تتبنى نفس الموقف الإسرائيلي والأمريكي في صرف اهتمام الأمة بكل شعوبها، وبكل حكوماتها، عن نصرة الشعب الفلسطيني، عن دعمه في مظلوميته الواضحة، عن الموقف من العدو الذي هو عدوٌ للجميع، وهو العدو الإسرائيلي، وتحويل العداء نحو إيران، نحو أحرار الأمة، هذا انحرافٌ كبير، ومغالطة كبيرة.
إسرائيل احتلت شعب فلسطين، بلد فلسطين الذي هو عربي، ظلمت الشعب الفلسطيني الذي هو عربي، اعتدت على لبنان، وسوريا، والأردن، واعتدت على مصر، كلها بلدان عربية، أول من ظلموا، وأول من استهدفوا، وأول من احتلت أراضيهم من جانب العدو الإسرائيلي هم العرب، الإسرائيلي قتل العرب أولاً، احتل أرضهم أولاً، اعتدى عليهم بكل أشكال الاعتداء أولاً، انتهك أعراضهم أولاً، تواجده في المنطقة على حسابهم، على حساب اقتطاع أراضيهم، نهب ثرواتهم، التآمر عليهم، الاستغلال لهم، الصهاينة كثيراً ما ينادون بشعار: [الموت للعرب]، المناهج الدراسية الإسرائيلية كلها تعبئة عدائية للعرب أولاً، فالعدو الإسرائيلي هو عدوٌ للمسلمين جميعاً، وعدوٌ للعرب أولاً، أول ضحايا الاستهداف الإسرائيلي وإنشاء الكيان الإسرائيلي هم العرب، فهو بالدرجة الأولى وفي المقدِّمة عدوٌ للعرب، قَتَل منهم مئات الآلاف، جَرَح منهم مئات الآلاف، يأخذ أراضيهم، ينتهك أعراضهم، يستغلهم، يستهدفهم، فأن تقدَّم المسألة أنَّ العدو للعرب هو إيران، وأنَّ الصديق هو الإسرائيلي، هذا من أكبر الأكاذيب المفضوحة، من التضليل والخداع المكشوف، الذي لا ينخدع به إلَّا من هو مستحكم الغباء، أو هو يريد أن يتبناه، ليس لأن المسألة من قبيل الانخداع؛ وإنما من قبيل دوافع أخرى، يريد أن يتبنى هذا العنوان كعنوان حتى ولو كان واضحاً أنه عنوان غير صحيح، لا صحة له، فالإسرائيلي هو عدوٌ للعرب، يستهدفهم، يشكِّل تهديداً خطيراً على كل بلدانهم، يستغلهم، وحتى من يتجهون للتطبيع معه، والعلاقات معه، هو لا يتعامل معهم بصداقة حقيقية، بل الواقع هو كما قال الله في القرآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، هو يتعامل معهم على أساس الاستغلال لهم.
الإمارات اليوم يستغلها الإسرائيلي، يستغلها لمصالحه الاقتصادية، بل أصبحت أكبر بؤرة للمافيا الإسرائيلية حتى باعتراف الإعلام الإسرائيلي، هو يشكِّل خطراً عليها في وضعها الداخلي، في أمنها الاقتصادي، في وضعها بكله، وحتى ما يقوم به المطبِّعون من خطوات تجاه العدو الإسرائيلي، على المستوى الإعلامي، وعلى مستوى المناهج الدراسية، لا يقابلها الإسرائيلي بخطوات كذلك، المنهج الإسرائيلي هل اتجه الإسرائيليون إلى تعديله، ليتحدث عن العرب بإيجابية، وباعتبارهم أصدقاء، أم هو لا يزال معبأ بكل عبارات وكل مضامين التعبئة العدائية، والاحتقار للعرب، واعتبارهم ليسوا حتى في مستوى البشر، والتحريض عليهم، والتربية والتعليم في إسرائيل هي تربية على العداء للعرب في المقدمة؟! بينما يأتي الإماراتي ليغيِّر مناهجه الدراسية، ويقدِّم صورة مختلفة عن الصهاينة.
الحالة بالنسبة للعدو الإسرائيلي هو عدوٌ للعرب، وعدوٌ للمسلمين جميعاً، وعدوٌ للجمهورية الإسلامية في إيران، هو عدوٌ للجميع، فأن يأتي البعض ليقدِّم المسألة وكأنها مسألة صراع بين إسرائيل وإيران، وأنَّ مصلحة العرب في أن يكونوا في صف إسرائيل ضد إيران، هذا من أكبر أشكال الاستغباء والاستحمار، والاستغلال السلبي، وإهانة للعرب، للعرب الذين هم قبل غيرهم أول من قتلهم الإسرائيلي، وأول من تضرروا من الإسرائيلي، وأرضهم هي المحتلة من جانب الإسرائيلي، وأول من عانوا من الإسرائيلي، ثم ماذا عن المقدسات: عن المسجد الأقصى والمقدسات؟ أليست مقدَّسات إسلامية وهي في حالة خطر؟ أليس هناك مسؤولية عليكم أنتم أيها العرب، علينا نحن العرب، مسؤولية تجاه تلك المقدسات؟ بلى، فلذلك يجب أن تكون الصورة واضحة، الإسرائيلي الذي فعل كل شيءٍ عدائيٍ بالعرب، من: قتل، واحتلال، وأسر، واستهداف بكل أشكال الاستهداف هو العدو، وهناك قضية الكل معنيون بها، والكل عليهم مسؤولية تجاهها، وليست مسألة إسرائيل وإيران.
موقف الجمهورية الإسلامية هو موقف مشرَّف، هي أكبر داعم ومساند للشعب الفلسطيني، وهذا مما يقلق الإسرائيلي تجاهها، مما يجعله يدرك أنَّ دورها دور مهم وكبير وأساسي في التصدي لخطره وشره على العرب، على العرب في المقدِّمة، وعلى الشعب الفلسطيني في المقدِّمة، وعلى الدول العربية في المقدِّمة، الجمهورية الإسلامية في إيران كانت هي الداعم الأساسي للشعب اللبناني، وللمقاومة في لبنان، ووقفت إلى جانب سوريا، وكان على العرب أن ينظروا إليها كسند لهم في مواجهة العدو الإسرائيلي، هذه هي الرؤية الصحيحة، والفهم الصحيح، هو التعامل الصحيح مع الوقائع والحقائق، لا أن يتبنوا نفس المنطق الإسرائيلي، الذي هو منطق كاذب، ومخادع، ومستغل، لا ينبغي أن يتبناه عاقل.
في النقاط الختامية في هذه الكلمة:
نؤكِّد تضامننا مع الشعب الفلسطيني، ووقوفنا معه، وموقفنا المبدئي والأخلاقي في ذلك، وثباتنا على هذا الموقف مهما كانت الظروف التي نعيشها في بلدنا، ومهما كان حجم العدوان على بلدنا، ونحن ندرك أن جزءاً من أسباب استهداف بلدنا وشعبنا هو تبني هذا الموقف؛ لأنهم يريدون لبلدنا أن يكون محتلاً، وأن يكون فيه صورة شكلية لسلطة تتبنى كل توجهات الأعداء في القضايا الإقليمية والدولية والمحلية، وتنفِّذ أجندتهم في البلد وفي الإقليم.
من النقاط المهمة التي أتوجه بها إلى شعبنا العزيز: نحن في ظروف معروفة على المستوى العالمي والإقليمي والدولي، هذه مظلومية الشعب الفلسطيني أمامنا، لابدَّ لنا أن نتوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن نراهن عليه، وأن نثق به “جَلَّ شَأنُه”، وأن نطمئن إلى وعده بالنصر، وإلى معونته، وعلينا أن نأخذ بأسباب النصر، والأسباب التي نحظى معها بتأييد الله ومعونته، وأن نأخذ بكل عناصر القوة، وأسباب وعوامل القوة:
بدءاً بالحفاظ على وضعنا الداخلي، والتماسك، والتعاون، وتظافر الجهود نحو الأولويات المهمة، ومنها: مواصلة الاهتمام بالتعبئة، والجهوزية، والاستعداد على المستوى العسكري، وأن ندرك حجم الأخطار والتحديات التي تحيط بنا، فلا نتهاون، ولا نهمل، ولا نفرِّط، ولا نغفل.
أن نهتم على مستوى الوضع الاقتصادي بالزراعة؛ لأنها العمود الفقري، الذي يمكن أن نستفيد منه في دعم وضعنا وتماسكنا في الجانب الاقتصادي، سيّما تجاه الحصار، وتجاه المعاناة الكبيرة في دخول الأشياء الضرورية، ووصولها إلى البلد، وارتفاع الأسعار، كلما كان هناك اهتمام أكثر بالزراعة؛ كلما كان لذلك أهمية كبيرة في تماسكنا اقتصادياً، وفي توفر الاحتياجات الأساسية والضرورية والغذاء من خلال المحاصيل والإنتاج الزراعي.
نحن في هذه المرحلة في موسم التشجير، وأيضاً سنقدم على مواسم مهمة على المستوى الزراعي، ينبغي أن نهتم بشكلٍ كبير بهذا الجانب، وأن نكثف نشاطنا، وأن ننظم هذا النشاط، وأن نوسِّع دائرته بالشكل المطلوب.
على مستوى المبادرات الاجتماعية في المجالات الخدمية، والتعاون بين الجانب الرسمي والشعبي، هذا شيءٌ مهم جداً، يجب أن نكثِّفه، وأن نطوِّره، وأن نحسِّن آلياته، وأن نوسِّع دائرته، وهناك محافظات قدَّمت النموذج في ذلك، كما هي محافظة حجة، التي هي من أول المحافظات اهتماماً بالمبادرات الاجتماعية، وحققت نتائج جيدة في ذلك، يمكن أن تستفيد بقية المحافظات من تجربتها، وأن يتعزز هذا النشاط في الاهتمام بالسدود، والحواجز المائية، والطرقات، والمستشفيات، والمدارس… والأشياء الخدمية الأساسية، هناك مجال مفتوح في هذا الجانب، وإذا بذلت الجهود بالتوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ تتحقق نتائج مهمة.
أدعو شعبنا العزيز للخروج غداً خروجاً واسعاً في مسيرات ومظاهرات حاشدة، مسيرات الوفاء للشهيد الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَاه”، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتوجيه رسالة التحذير لتحالف العدوان، والتأكيد على تمسكنا بقضيتنا العادلة.
ونكتفي بهذا المقدار…
الرَّحْمَةُ وَالمَجْدُ وَالخُلُود لِلشَهِيدِ الصَّمَّاد، وَلِلشُهَدَاءِ الأَبْرَار.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛