خسارة أي طرف ستكون بطعم الهزيمة: “حرب الربيع” هل تقود لمواجهة عسكرية بين روسيا و”الناتو”؟

 

وفقا لتقديرات الخبراء العسكريين فإن أسابيع قليلة فقط تفصل العالم عن تداعيات كبيرة في الحرب المندلعة في أوكرانيا مع الاستعدادات التي تبديها روسيا وحلفاؤها من جهة وأوكرانيا والحلفاء الغربيين من جهة ثانية، لعمليات عسكرية يخطط كل طرف بأن تقلب المعادلة العسكرية، في ظل مخاوف من أن تقود إلى توسع خطير للحرب قد يتجاوز أوكرانيا إلى دول حلف “الناتو”.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله

كل التقديرات تشير اليوم إلى حرب كبيرة ستندلع خلال أسابيع قليلة، وهي الحرب التي يفضل أطراف الصراع على تسميتها بـ “حرب الربيع” خصوصا بعد رفض الغرب مبادرات التفاوض التي أعلنها الرئيس الروسي في ديسمبر الماضي، والتي تحدث فيها عن استعداد روسيا للتفاوض مع أوكرانيا والغرب بشأن الحلول المقبولة لإنهاء الصراع، ناهيك بتأكيده أن رفض الجانب الآخر التفاوض لن يثني روسيا عن الدفاع عن مصالحها الوطنية ومصالح شعبها.
ومنذ مطلع يناير الماضي لم تتوقف العواصم الغربية على القول إن القوات الروسية على وشك شن هجوم كبير من كل محاور القتال وأنها صارت تحشد أكثر من ربع مليون جندي لشن هذا الهجوم الذي قد لا يقتصر على المحاور “التقليدية” وسط توقعات بأن تدخل في الحرب جبهة أو جبهات جديدة، وخصوصاً من جهة بيلاروسيا، من خلال حركة التفافية استراتيجية للقوات الروسية تمكنها من محاصرة العاصمة كييف في ظل الحديث المتزايد عن اقحام بيلاروسيا رسميا كطرف بالحرب من طريق ترتيبات انضمامها إلى الاتحاد الروسي.
وفي الجانب الآخر ظهرت العديد من التقارير تتحدث عن استعدادات أوكرانية لعملية عسكرية كبيرة كانت كييف تعد لها منذ فصل الشتاء الماضي، وحشدت لها الكثير من القوات العسكرية المدربة في عواصم أوروبية عدة، معززة بسلاح ثقيل ومنظومات دفاع جوية ومقاتلات عسكرية متطورة، في ظل توقعات أمريكية لجولة الحرب المرتقبة أفصحت عنها وزارة الدفاع الأمريكية التي توقعت أن تشن القوات الأوكرانية هجوما واسع النطاق ضد روسيا خلال فصل الربيع.
زاد من ذلك دعوة سفارات أمريكا وفرنسا وكندا والبرازيل ودول أوروبية أخرى، مواطنيها إلى مغادرة روسيا في أسرع وقت ممكن، بالتوازي مع استعدادات وحالة تعبئة عسكرية شهدتها العديد من العواصم الأوروبية، في ظل التوقعات التي تُرجح بأن تقود العمليات العسكرية الكبيرة من جانب روسيا وأوكرانيا إلى توسع رقعة الصراع ولا سيما في حال كان ضمن أهداف العملية العسكرية الروسية قطع طرق إمداد أوكرانيا بالأسلحة الغربية الثقيلة من أراضي دول مجاورة.

استعدادات حرب
كان من اهم الاستعدادات التي ظهرت على السطح مؤخرا حشد روسيا قوات كبيرة على الحدود مع أوكرانيا حيث أنشأت معسكرات بالقرب من كورسك وفورونيج على غرار التكتيك الذي استخدمته بداية الحرب، فضلا عما شهدته الأيام الماضية من تحريك جماعي ومفاجئ للسفن الحربية والغواصات الروسية من مناطق تمركزها المعتادة باتجاهات غير معروفة وهي تحركات غير مألوفة للترسانة البحرية الروسية عززت من التكهنات باستعدادات لعمليات عسكرية كبيرة.
هذه التطورات ترافقت مع تصعيد سياسي أيضا عبر عنه إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير بأن روسيا ” نقاتل الناتو في أوكرانيا” وهو بداية فعلية لانتقال الحرب المندلعة في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، تتسم بتصاعد حدة التوتر بين روسيا والغرب وخصوصا بعد الانتصارات التي حققها الجيش الروسي ومجموعة فاغنر الروسية في سوليدار والذي افضى إلى زيادة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.
على الجانب الآخر كانت الحشود الأوكرانية غير اعتيادية بعد إعلان وزير الدفاع الأوكراني، حشد بلاده ما يصل إلى 700000 جندي في الجيش الأوكراني، وما يصل إلى 60.000 في دائرة حدود الدولة، وما يصل إلى 90000 من قوات الحرس الوطني، وما يصل إلى 100.000 من قوات الشرطة الوطنية.
تزامنت هذه الحشود مع تصعيد كبير في سلاسل التوريد الغربية للسلاح، والتي أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أنها تمضي بصورة كبيرة عبر مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية المعنية بضمان حصول الجيش الأوكراني على المعدات العسكرية والذخيرة والإمدادات لتكون قادرة على إحداث الفارق داخل ساحات المعركة” وهو التصريح الذي تلاه آخر للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي الذي أكد مؤخرا حصوله على وعود بتزويد بلاده طائرات مقاتلة.
أما على المستوى الأوروبي فقد بدت الاستعدادات واضحة في الاتفاق الذي وقعه وزراء دفاع دول حلف “الناتو” القاضي بزيادة إنتاج الذخائر وتعزيز الاستثمار الدفاعي على المدى الطويل، بالتوازي مع تكثيف دعم القدرات الدفاعية لجورجيا ومولدوفا التي يتوقع أن تكونا رأس حربة في أي مواجهات واسعة بين روسيا وحلف “الناتو”.
في مقابل الاستعدادات لـ “حرب الربيع” تتضاءل فرص المفاوضات السلمية في ظل عدم استعداد أيا من طرفي الصراع للتراجع عن هذه الجولة من الحرب والتي يراهن كلا الجانبين الروسي والأوكراني أن تقود إلى انتصارات من شأنها قلب المعادلة العسكرية.
ولعل التحذيرات التي أطلقها الرئيس بوتن كانت كافية لتوقع ما سيحدث خلال الأسابيع القادمة، بعد أن أعلن استعداده التفاوض مع أوكرانيا والغرب، وهي التصريحات التي لم تجد أي صدى من الجانبين، وأنتجت ظروفا مشابهة لتلك التي كانت سائدة قبل العملية العسكرية، حيث أدى رفض أوكرانيا والغرب تلبية المطالب الروسية إلى اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا.

أهداف مباشرة
من الجانب الروسي فإن لدى موسكو أهدافاً واضحة يتصدرها تحييد الدعم الغربي أو كبحه كليا في الساحة الأوكرانية بما سيعنيه ذلك من رسالة للغرب أن ما فعلوه خلال الشهور الماضية لن يؤثر في المعادلة العسكرية، في حين تسعى كييف إلى إحداث تغيير على الأرض يدفع موسكو إلى إعادة ترتيب أولوياتها العسكرية وتحسين الأوراق الأوكرانية لأي مفاوضات محتملة.
ولا يبدو أن هناك توافقاً في الأهداف بين القيادة الأوكرانية وقيادة حلف “الناتو” فالحلف ومن خلال تصريحات قادته يسعى لفرض معادلات جديدة في مسار الحرب تمكن الجيش الأوكراني من استعادة مناطقه الخاضعة لسيطرة الجيش الروسي وزيادة الكلفة على روسيا من خلال رفع مستوى الدعم العسكري الكبير المقدم لأوكرانيا والذي شمل مؤخرا الدبابات الغربية المطورة وينتظر أن يشمل كذلك أنظمة الدفاع الجوي.
ومن الواضح من خلال تصريحات القادة الأوروبيين والحلف الأطلسي أن الدعم الغربي لأوكرانيا يستهدف حتى الآن على الأقل، تكبيد روسيا خسائر كبيرة تستنزف مواردها العسكرية بما يفقدها السيطرة على المناطق الأوكرانية في الجنوب الشرقي بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
ومع ذلك فإن من غير المستبعد تصاعد وتيرة الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا بما في ذلك -بحسب الرئيس زيلينسكي- الصواريخ بعيدة المدى التي رفضت واشنطن وحلفاؤها الغربيون تقديمها لكييف خلال الشهور الماضية.
وأكثر التقارير الأوروبية تشير إلى أن هذا الدعم لم يعد في قائمة المحظورات، في ظل المساعي الأمريكية الهادفة إلى عدم السماح بحدوث انتصار روسي في أوكرانيا كون تحقق ذلك سيعني هزيمة لواشنطن ورضوخها الكامل لقواعد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وتبدو روسيا واثقة بأن الولايات المتحدة وحلف “الناتو”، وخلافا لما يعلنونه بشأن عدم التورط في حرب مباشرة مع روسيا، يستعدون “لحرب الربيع” أو ما يسمونه “العدوان الواسع على روسيا” وهو ما عبرت عنه تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين الذي ربط بين التحركات التي تقوم بها واشنطن للحفاظ على استقرار دول حلف “الناتو” عبر ملف الطاقة والضغوط التي تمارسها على العواصم الغربية يندرج في إطار “الاستعداد للعدوان على روسيا” وهو أمر جعل بعض المحللين يتوقعون توسع رقعة الأهداف الروسية في هذه الحرب.

سيناريوهات مرجحة
لا تختلف تصريحات القادة الغربيين وحلف “الناتو” بشأن ما يريدونه في الحرب الأوكرانية، فكلها تتطابق مع الواقع وهي عدم إعطاء المبرر لروسيا لتوسيع الحرب إلى خارج الحدود الأوكرانية، أو دفع روسيا على استخدام أسلحة دمار شامل.
وعلى خلاف التقديرات التي تتوقع شن عمليات روسية واسعة، تفضي إلى سيطرة روسية على مناطق جديدة في أوكرانيا بما فيها العاصمة كييف، ثمة تقديرات ترجح استمرار الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين في حلف “الناتو” بسياستها بدعم الجيش الأوكراني لاستنزاف مرحلي تدريجي للموارد الروسية وجعل الموارد الأوكرانية كافية لحرب طويلة.
على ذلك يمكن التقدير أن العملية العسكرية التي يستعد لها الجيش الأوكراني بدعم من الغرب، لا تستهدف هزيمة روسيا، بل استنزاف قدراتها العسكرية، وهو ما عبرت عنه دعوة أمين عام حلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ الأخيرة لدول الحلف الى الاستعداد لمواجهة طويلة محتملة مع روسيا يمكن أن تستمر لسنوات عديدة، فضلا عن إعلانه إنشاء الحلف مجموعة تنسيق خاصة في مقر حلف الناتو لحماية البنى التحتية الحيوية تحت الماء في خطوة تأتي استعدادا على ما يبدو لأي رد فعل روسي محتمل على التقارير الأخيرة التي اتهمت واشنطن بتفجير انابيب الغاز الروسية “نورد ستريم” المسؤولة عن تزويد الدول الأوروبية بالغاز الروسي.
وخلافا للولايات المتحدة لا يبدو أن الغرب يفكر حاليا بهزيمة روسيا، فلدى القادة الغربيين مخاوف جدية من أن هزيمة روسيا في أوكرانيا سيؤدي حتما إلى دفعها نحو استخدام ترسانتها النووية، وهو احتمال وارد، قد يجعل غبار الحرب ينتشر في كل سماء أوروبا.
وعلى أن الترتيبات الأوكرانية الغربية قد وضعت روسيا أمام مواجهة كبيرة، فإن المرجح أن يتلافى الروس شن عملية مشابهة للسيطرة السريعة على المدن الأوكرانية الكبيرة والمحصنة، كون ذلك سيؤدي إلى خراب واسع وخسائر فادحة تبدو غير مقبولة للكرملين سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، ما يعزز التقديرات أن تكون العملية الروسية محدودة لمواجهة ترسانة السلاح الغربي ومنع تحقيق أي تقدم للقوات الأوكرانية.
هذه المعطيات تؤكد أن الغرب لن يشجع أوكرانيا على انهاء الحرب حتى نهاية العام الجاري على الأقل، ولن يخضع لمفاوضات نتيجتها تكريس الانتصار الروسي، أو تحقيق أهداف عملياتها العسكرية ويعني أيضا أن ما يريده هو أن تستمر أوكرانيا بالحرب لاستنزاف القدرات الروسية إلى أقصى حد لضمان بقاء روسيا في وضع عسكرة لاقتصادها ومنع الاقتصاد الروسي من الإفلات من سلاح العقوبات أملا في أن يقود ذلك إلى انهيار الدولة الروسية.

قد يعجبك ايضا