صدر عن "سلسلة اليمن الواحد، ومنتدى الحداثة والتنوير الثقافي:

محمد أحمد الرعدي.. عظيم في حياته مثالي في وطنيته

 

 

عرض/ خليل المعلمي
صدر عن «سلسلة اليمن الواحد، ومنتدى الحداثة والتنوير الثقافي» كتاب تحت عنوان «محمد أحمد الرعدي.. عظيم في حياته، مثالي في وطنيته».. وهو عبارة عن مقالات ومواضيع لعدد من الكتّاب والأدباء الذين كتبوا عن شخصية المناضل محمد أحمد الرعدي وأدواره الوطنية في التحديث والتطوير والدفع بعجلة التنمية في بلادنا بعد ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة، واسهاماته في الحركة الوطنية اليمنية منذ الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكذا ذكرياتهم مع الرجل الذي حمل هم وطنه وأبناء بلده فكان نعم الرجل الذي تحمل المسؤولية في العديد من المواقع الهامة في وزارة الخارجية والبنك اليمني للإنشاء والتعمير، وفي مجلس القضاء الأعلى وفي اللجنة العليا للتصحيح وغيرها من المواقع، وفي فترة عصيبة من تاريخ اليمن الجمهوري، كما كان له دور في بارز في العمل الخيري والثقافي والتنويري حتى وفاته في 8 يونيو 2022م.
يأتي الكتاب في 222 صفحة من القطع الكبير، وتنقسم موضوعاته إلى عدة أقسام بدءاً بمقدمة الكتاب لأروى محمد أحمد الرعدي ابنة المرحوم الرعدي والتي تقول فيها:
لا أدري إن كنت سأعطيك حقك في هذه السطور القليلة، بل إنني لن أعطيك ولو جزءاً من حقك عليَّ وعلى أسرتي، ممثلةً بوالدتي وأخواتي، فأنت لم تكن أباً عادياً ككل الآباء، حقاً لقد كنت رجلاً غير عادي، جمعت صفات لا تجتمع إلا عند القليل من البشر، جمعت حُسن الخلق، والحكمة، والبصيرة، وبُعد النظر، بشهادة كلّ من عرفك، كنتَ الأب الحنون والعطوف، ولكنَّك لم تكن شديد اللين، لأنك لم ترد أن تفسدنا بإغداق الحبّ والحنان، ولذلك كنت صارماً وشديداً في مواقف كثيرة، أردت أن تعلمنا دروساً بأنَّ الحياة تتطلب القوة والصلابة، ولن تأتيك على طبق من فضة.. الحياة لا تستقيم بالحب وحده، ولكن لا بد من تدخل العقل والحكمة.
مئات المواقف التي لا يسعني ذكرها، تجعلك يا أبي بطلا في نظري، ليس ككل الأبطال… حبُّك لوطنك ولأبناء اليمن، زرعته في صدورنا، فجعلتنا نرتبط ببلادنا كأجمل بلاد العالم، رغم صعوبة الحياة فيها، كرست حياتك وأنت تخدم هذا الوطن بكل إخلاص وحب.. لم تكن تبخل بالنُّصح والتوجيه والإرشاد لأي شخص قد تصادفه، سواء في المقيل أو في الشارع، سواء كان الشخص معروفاً لديك أو غير معروف، ولسان حالك يقول: تعلموا وتطوّروا سريعاً قبل أن يسبقكم العالم، اتركوا العادات السيئة وتمسكوا بالأخلاق الحميدة، حافظوا على صحتكم وصحة أولادكم، ادَّخروا للمستقبل، فالمستقبل مجهول، وليس هناك ضمانات.
عظيم في حياته
وتحت عنوان «عظيم في حياته.. مثالي في وطنيته» كتب الأستاذ يحيى حسين العرشي عن الصفات التي كان يحملها ويتمتع بها الأستاذ الرعدي وكانت نبراس حياته طوال عقود من الزمن، فقد كان الأستاذ والمربي والأديب والكاتب والمعلم والمفكر والمناضل والمجاهد والزاهد والشريف.
ويقول العرشي: أجزم أن أغلب هذه الصفات تنطبق عليه، وبإجماع كل من عرفه أو تزامل معه طالبا أو مسؤولا أو مشاركاً في الندوات والمهرجانات والمؤتمرات، ومن جاوره في سكنه، أو التقى به في أي مكان وزمان، في الشارع أو البقالة أو مكان الحلاقة، بمن فيهم من عمل لديه في اصلاحات سكنه المتواضع وترميماته الدائمة، ولقد رأيت بعيني كم تعرضت يداه للشدوخ حينما يضطر ليقوم بنفسه بإصلاح عاجل في منزله، شخصيته لا أعتقد أنها ستتكرر في جيلنا بسرعة، وستظل نموذجاً حياً بذاتها، بخصوصياتها، ويصعب على المرء أن يقول إنَّ له مثيلاً إلا ما ندر.
ويضيف: لم يكن الرعدي مجرد طالب علم فحسب، أو أستاذا ومربياً، أو معارضاً للكهنوت في وطنه، أو مقاوماً لأي تدخل خارجي في سيادته، أو مسئولاً قيادياً في عهد النظام الجمهوري منذ قيام الثورة عام 1962م.، بل إنه صاحب فكر ورؤى تمتلك شخصيته أدوات التنوير والتغيير والبناء، لما هو عليه من وعي وإدراك وثقافة واسعة وموضوعية، وواقعية وعفة ونزاهة وزهد يتمتع بذلك ويظهر في مواقفه وسلوكه ونجاحه وإنجازاته، في كل محطات حياته ومناصبه التي تولاها: السياسية والإدارية والدبلوماسية والقضائية.
وسبق له أن قدّم للمكتبة اليمنية والعربيَّة ترجمةً وتقديماً لكتاب من “كوبنهاجن إلى صنعاء» عام 1969م الذي يتناول قصة البعثة العلمية الدنماركية التي قام بها العالم الشهير نيبور، مع أربعة أعضاء أوروبيين شهيرين إلى بلاد اليمن بين عامي 1761-1767م. وكان من سوء حظ هذه البعثة أنه لم ينج من أعضائها الخمسة الذين جاؤوا إلى اليمن سوى شخص واحد تمكن من العودة إلى بلاده حيّاً، هو العالم نيبور، تلك الرحلة المثيرة قدمت لنا الحالة التي كانت عليها اليمن آنذاك رعيَّة ورعاة بين الحياة والموت.
كما صدر له عام 1992م. كتاب «القات.. السلوى والبلوى»، عن مؤسسة العفيف الثقافية، ليطرق بقوة الباب المغلق عن أهم معضلة في حياة اليمنيين، عن سبب من أسباب تعثرهم منذ أكثر من ستة قرون مضت، ومازالت آثاره تنخر في أجسادنا وتحصد أرواحنا.
السيرة الذاتية
تضمن الكتاب مقالاً عن السيرة الذاتية للمرحوم الراحل محمد أحمد الرعدي- كتبها الدكتور عوض محمد يعيش- احتوت على المراحل التي مر بها الراحل منذ طفولته وحتى مراحل دراسته في لبنان ومصر وفرنسا وحياته المهنية، وتقلده العديد من المناصب السياسية والدبلوماسية والقيادية والإدارية، ومما قاله:
عرف الرعدي بالعفة والنزاهة، وبالحرص على المال العام، فقد صُرفت له سيارة أثناء توليه منصب الأمين العام المساعد في التصحيح وسلّمها لأحد الأعضاء الذين كانوا بحاجة لسيارة (أحمد الخاشب)، مكتفياً بسيارته الخاصة التي أحضرها معه من فرنسا، وليست هذه هي المرة الوحيدة التي تتجلى فيها نزاهة صاحب الترجمة وترفعه عن الاستغلال والعبث بالمال العام، فقد أعاد أيضاً سيارة البنك اليمني التي صرفت له بصفته رئيساً للبنك اليمني للإنشاء والتعمير بمجرد انتهاء فترة عمله رئيساً لمجلس إدارة البنك خلال الفترة 1979 – 1982م.
وخلال عضويته في مجلس الشعب التأسيسي، وفي اللجنة الاقتصادية في المجلس كان صوته تحت قبة البرلمان أحد أبرز الأصوات التي كانت تقف صراحةً وبقوة في صفوف نصرة المواطن أكثر من سواه.
وبالإضافة إلى وظيفته البرلمانيَّة، فقد كان منذ 25 مايو 1982م، حتى 1990م، نائباً لرئيس مركز الدراسات والبحوث، بموجب القرار الجمهوري رقم (79) لسنة 1982م. وبعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية تعيَّن مستشاراً لرئيس الوزراء بموجب القرار الجمهوري رقم (99) لسنة 1990م. وخلال الفترة من 1994 – 1997م. عُين سفيرا لليمن في السودان، كما كان صاحب الترجمة أحد الرجال المخلصين الذين عملوا بإخلاص لاستعادة الوحدة اليمنية من خلال عضويته في اللجان الأساسية للوحدة.
لصاحب الترجمة حضور ملحوظ في إطار العمل الخيري والإنساني وفي الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاجتماعية، وأنشطة المنظمات غير الحكومية (منظمات المجتمع المدني، فهو من مؤسسي جمعية الهلال الأحمر اليمني 1970م وهو أول رئيس لها، وهو أيضاً أوَّل رئيس لجمعية الصداقة الفرنسية، وهو عضو في مجلس أمناء مؤسسة العفيف الثقافية، وعضو في مجلس أمناء مدارس آزال التابعة لجامعة صنعاء (1982 – 1992م) وهو نائب لرئيس الجمعية الخيرية لشؤون العائدين، التي شُكلت لمساعدة المغتربين العائدين من السعودية بعد حرب الخليج الثانية عام 1991م.
صاحب الترجمة هو الذي قام خلال الفترة 1966 – 1968م، بترجمة الكتاب التاريخي الرائع من كوبنهاجن إلى صنعاء» لمؤلفه الدنماركي (توركيل هانسن)، وهو الكتاب الذي يحكي قصة أول بعثة علمية جدية بعثتها أوروبا إلى اليمن، والذي قال عنه الدكتور عبدالعزيز المقالح بأنه أستقبل باهتمام كبير من القارئ المتخصص، وكان ظهوره -مترجماً من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية – بمثابة الكشف عن مخطوط نفيس أو نقش نادر، يؤرخ لأوّل حملة علميَّة أوروبية وصلت إلى اليمن، وزارت مصر قبل دخول الحملة الفرنسية الشهيرة بنصف قرن تقريباً. كما قال إن مما يلفت انتباهه إلى ذلك الكتاب “الجانب الذي يتحدث فيه عن أوضاع المدن اليمنية في القرن الثامن عشر وبخاصة مدينة (صنعاء)، هذه المدينة البائسة التي كانت في ذلك القرن خيراً منها في الأربعينيات والخمسينيات،.
مقالات متنوعة
كما احتوى جزء كبير من الكتاب عن مقالات لعدد من أصدقاء ومحبي الفقيد، ومنها المقدمة التي كتبها المرحوم الدكتور عبدالعزيز المقالح لكتاب «من كوبنهاجن إلى صنعاء» الذي ترجمه الراحل الرعدي، والمقدمة التي كتبها المرحوم الأستاذ أحمد جابر عفيف لكتاب «القات.. السلوى والبلوى»، وكذلك من كتبوا عنه بعد رحيله ومن أهدوا إليه خواطرهم بحروف الحزن والأسى لفراقه، وتنوعت هذه الكتابات بين الإشادة والاستقراء، وتناولت حياته ونضالاته وصفاته وثقافته الواسعة ومدنيته الراقية والتقدمية والحضارية.
ويأخذنا الكتاب من خلال هذه المقالات إلى معرفة عميقة لشخصية المناضل الرعدي وحياته وثراء أفكاره ومبادئه وقيمه، وعن قيادته الحكيمة لعدد من المواقع التي كان على رأسها، وتضمن أيضاً بيانات النعي وبرقيات التعازي التي نشرت بعد وفاته والتي عبرت عن خسارة اليمن برحيل مثل هذا الرجل الذي لم يتوان يوماً عن خدمة وطنه وأبناء بلده.
واختتم الكتاب بملحق صور للراحل في فترات مختلفة من حياته.

قد يعجبك ايضا