فلسطين وحال الأمة قُطْرِياً وقومياً ” 6 “

طه العامري

لعبت الأنظمة الرجعية العربية المرتهنة لواشنطن ولندن دوراً في قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، وترسيخ وديمومة هذا الكيان الاستيطاني، ويعد النظام السعودي في طليعة هذه الأنظمة التي لم تكتفي بأنها تواطأت في قيام هذا الكيان، بل راحت تٌسخر كل قدراتها لضرب كل من يحاول التصدي للنظام الصهيوني وحلفائه من قوى الاستعمار، وهذا ما قام به تحديداً النظام الرجعي السعودي ونظاما المغرب والأردن وهذه الأنظمة تحديداً لعبت دوراً محورياً في إحباط كل المشاريع الوحدوية العربية والمشاريع القومية بصورة أو بأخرى غير أبرز الأدوار التامرية جاءت من قبل نظام آل سعود الذي ذهب ينفذ المخطط الاستعماري فعمل على ضرب الفكر القومي العربي ب (الوهابية الإسلامية)، حيث اتخذ من الإسلام ذريعة لمحاربة الفكر القومي وحارب فكرة الوحدة العربية بذريعة ( الوحدة الإسلامية) التي لم يؤمن بها ولم يسعى لها ملوك آل سعود وإن صرح بعضهم زوراً وكذباً وتظليلاً عن أمنياتهم (الصلاة في المسجد الأقصى)..!!
كان لظهور (النفط) في منطقة الخليج دور في تكريس وترسيخ النزعة القطرية بثقافتها الانعزالية وشيوع ثقافة أن القومية والوحدة ما هما إلا ذرائع، الغاية منهما رغبة فقراء الأمة في نهب ثروات الأغنياء ومقاسمتهم( الرزق الذي كرمهم به الله) ومع بزوغ فجر العمل القومي العربي وانتشار ثقافة الحرية ومناهضة الاستعمار، زاد ذلك من ارتهان الأنظمة الرجعية مع القوى الاستعمارية وزادت أهمية الكيان الصهيوني في حسابات هذه الأنظمة باعتباره يحول دون وحدة الأمة وهذا يخدم الأنظمة الرجعية في ديمومة بقائها، نظام آل سعود وحين شعر بخطورة المد القومي العربي وتلاشي الوجود الاستعماري بكل أشكاله من الوطن العربي خاصة بعد اندلاع الثورة اليمنية شمالا ضد النظام الأمامي وجنوبا ضد الاستعماري البريطاني، تزامنا مع نمو واتساع دور مصر عبد الناصر وامتداد تأثيرها في الوطن العربي وفي آسيا وأفريقيا، وموقفها من الوجود الصهيوني في فلسطين ودورها في إسقاط الأحلاف الاستعمارية وتبنيها فكرة قومية المعركة والتحرير، كل هذه العوامل أرعبت نظام آل سعود وحلفائه من المستعمرين، الأمر الذي دفع نظام آل سعود إلى الطلب من واشنطن والكيان الصهيوني وضع حدا لهذا المناخ خاصة بعد دور نظام آل سعود في إسقاط وحدة مصر وسورية عام 1961 م لكن إسقاط الوحدة لم يقلص ولم ينهي الفكر القومي العربي، بل زاد هذا الفكر توهجا وحضورا وخاصة في سورية التي أسقط التيار القومي فيها  (التيار) الذي قاد عملية الانفصال، وفي العراق استولى التيار القومي على السلطة في لحظة تاريخية برزت فيها منظمة التحرير الفلسطينية لقيادة العمليات الفدائية ضد العدو الصهيوني، كل هذه الإرهاصات دفعت نظام آل سعود إلى أن تطلب من أمريكا تكليف الكيان الصهيوني للقيام بضربة عسكرية خاطفة وسريعة تحتل بموجبها (غزة، والقدس، وسيناء المصرية، والجولان العربي السوري) بحسب ما حملته رسالة الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز المؤرخ في 15 ديسمبر 1966 م التي حدد فيها المناطق التي يجب أن تحتلها إسرائيل ..؟!
في تلك الرسالة أيضا  شكى ملك السعودية فيصل من عبد الناصر وإذاعة صوت العرب التي تحرض على نظامه، وهو يخشى أن يستجيب شعبه والشعوب الخليجية لتلك الثقافة التي تبثها (إذاعة صوت العرب من القاهرة)؟!
وطالب باحتلال مرتفعات الجولان العربية السورية (لتربية القوميين في سورية)، كما ورد في رسالته التي نشرتها الخارجية الأمريكية، ويمكن لأي مهتم الاطلاع عليها عبر شبكة النت ؟!
وأكدا فيصل برسالته للرئيس الأمريكي حينها إنه وبعد أن تقوم (دولة إسرائيل) كما ورد برسالته بهذه المهمة، فإنه سيقوم بتقديم بعض المساعدات لمصر عبد الناصر من باب (أعينوا ذليل قوم ٍ هُزم)..؟!
كانت خطة فيصل وأسياده من الصهاينة والأمريكان، ترى أن هزيمة عبد الناصر بضربة عسكرية خاطفة كفيلة بكسر إرادة عبد الناصر ومن ثم انصياعه لمفاوضات سلام مع الصهاينة برعاية سعودية _أمريكية، وفعلا حدثت نكسة حزيران يونيو 1967 م وجاءت بحسب ما طلبه الملك فيصل الذي دفع تكاليف تلك الحرب للصهاينة ووزع مكارمه للقادة الصهاينة الذين نفذوا له طلبه بالصورة التي أرادها..؟!
لينعقد بعدها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، وكان أمل فيصل هو أن يسمع من عبد الناصر قبوله بالمفاوضات مع الصهاينة برعاية السعودية وأمريكا، ولكن فيصل سمع (لاءات عبد الناصر الثلاث) التي عرفت ب (لاءات الخرطوم) وهي (لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف مع العدو)..!!
فبدا المشهد وكأن المهزوم هو الملك فيصل وحلفاؤه وليس عبد الناصر..!!
وصف عبد الناصر ما حدث في حزيران يونيو 1967م ب (النكسة) وقال خسرنا حربا ولم نخسر المعركة، لأن المعركة بيننا وبين العدو لا تنتهي إلا بإزالة هذا العدو من كل فلسطين، وكان صادقا ولا يزل حاضرا بمواقفه من العدو وسيظل كذلك.. غير أن هناك من اعتبر – للأسف – تلك (النكسة) وكأنها نهاية الأمة والقومية والوحدة والوجود العربي، وغذّت الأنظمة الرجعية هذا الشعور الاستلابي القاصر والضيق، ولم يتوقف أصحاب هذه القناعات أمام سنوات حرب الاستئنزاف وأمام الأدوار البطولية للمقاومة العربية الفلسطينية التي خاضت ملاحم بطولية أذهلت الكيان الصهيوني وقادته، فيما مصر التي خاض أبطالها حرب السنوات الثلاث مع العدو، عملت بذات الوقت على إعادة ترتيب أوضاعها وأعد عبد الناصر الجيش العربي المصري لخوض معركة التحرير الكبرى، والمفترض أنها كانت ستكون في العاشر من أكتوبر عام 1970م، لكن الموت غيب القائد العربي الذي بغض النظر عن كل ما قيل فيه يبقى القائد الخالد في ذاكرة الأمة وأجيالها المتعاقبة.
يتبع،،

قد يعجبك ايضا