فلسطين وحال الأمة قٌطْرِياً وقومياً..؟!

طه العامري

 

 

كان الرئيس جمال عبد الناصر والكثير من النخب القومية في حزب البعث العربي الاشتراكي وفي المقدمة مؤسس البعث ميشيل عفلق  والمثقفين العرب والمسلمين يدركون الحقيقة التي تقف وراء زراعة( الكيان الصهيوني) من قبل (بريطانيا والغرب الاستعماري) في قلب الوطن العربي (فلسطين) انطلاقا من مخطط (سايكس _بيكو) وإعمالا لنظرية رئيس وزراء بريطانيا (ديفيد لويد عام 1920م)الذي جمع قادة أوروبا واقنعهم ( بضرورة التصالح فيما بينهم وتوحيد مواقفهم، وأنها الخلافات والحروب فيما بينهم مؤكدا أن بلدانهم لن تعرف التقدم والتطور أن هم ظلوا يتقاتلون فيما بينهم، فيما المؤاد الخام والثروات التي تحتاجها دولهم والكفيلة بتشغيل مصانعهم  متوافرة في الشرق الأوسط، وفي قارتي أسيا وأفريقيا )..؟!
فتم على ضوء ذلك اللقاء توحيد الرؤية الاستعمارية  الأوروبية نحو الوطن العربي وقارتي آسيا وأفريقيا واعتبار هذه  المناطق مناطق  نفوذ جيو سياسي ومنطقة اقتصادية للدول الغربية، وكانت استراتيجية الغرب الاستعمارية تتمثل في تفكيك (الدولة العثمانية) من خلال دعم حركة (الثورة العربية) المناهضة للوجود التركي والمتطلعة نحو الاستقلال وتحقيق أهدافهم في قيام الدولة العربية الواحدة، في ذات الوقت الذي راحت فيه بريطانيا والغرب يعملون بطريقة أخرى على تجزئة الجغرافية العربية ودق أسفين بين الأطراف العربية باتجاه تكريس وترسيخ التجزئة وإنشاء أنظمة قطرية عربية  ومنع قيام دولة عربية واحدة، وكان الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917م هو الخطوة الأولى باتجاه تمزيق الوطن العربي وزراعة الكيان الصهيوني حيث بدأت من ذات العام توافد الهجرات اليهودية من دول العالم الغربي برعاية (أسرة روتشيلد) ولم يكن الهدف من اختيار فلسطين( وطنا قوميا لليهود) يندرج في سياق المفاهيم والمبررات المعلنة بأن فلسطين هي (أرض الميعاد) فكل هذه المزاعم الأسطورية لا علاقة لها بالرغبة في احتلال فلسطين، إنما الحقيقة تتمثل في رغبة أوروبا في التخلص من (اليهود) الذين شكلوا بسلوكهم قلقا لأنظمتها من ناحية ومن الأخرى  اتخاذهم من خلال توطينهم في فلسطين رأس حربة لتأمين المصالح  الاستعمارية في المنطقة..!!
بيد أن ثمة دوافع استعمارية أخرى فرضت نفسها حين بدأت حركة التحرر والمقاومة في الدول المستعمرة  تعبر عن رغبتها في التحرر من الوجود الاستعماري في أكثر من منطقة وحيث توجد القوى الاستعمارية فضاعفت الظاهرة من الرغبة الاستعمارية في تأمين مصالحها في الوطن العربي وفي قارتي آسيا وأفريقيا خاصة مع تنامي رغبات الاستقلال والتحرر في هذه النطاقات بدءاً من شبه القارة الهندية مروراً بالصين والوطن العربي وصولا إلى أفريقيا، إضافة إلى القلق الذي سببته (ألمانيا) في الوسط الغربي من ناحية وذالك الذي أحدثته الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وكل هذه العوامل أسفرت إرهاصاتها إلى تفجر  ( الحرب العالمية الثانية) التي خضتها ألمانيا ثأراً لنفسها وكرامتها من بنود اتفاقية (فرساي) التي عدتها ألمانيا بمثابة إهانة لها كدولة وشعب وقد لعبت الجاليات (اليهودية) في أوروبا وألمانيا دورا محوريا في تفجير تلك الحرب وأحسنت استثماراتها في خدمة مصالحها وفيما تظاهرت تلك الجاليات اليهودية في انحيازها للمنظومة الغربية المناهضة لألمانيا (النازية) كانت في الواقع قريبة من القيادة الألمانية التي كان غالبية رموزها من (اليهود) بما فيهم (هتلر) نفسه ورجال الدائرة الملتفين حوله، وقد تمكن (اليهود الصهاينة) من خداع كل أطراف الحرب من الاتحاد السوفيتي الذي تم إيهامه بأن فلسطين ستكون دولة نموذجية إذا ما قام عليها نظام اشتراكي شيوعي يقوده اليهود  الشيوعيون من كل أنحاء العالم بما فيهم اليهود العرب..؟!
فيما دول الغرب وأمريكا كانوا على ثقة بنجاح مخططهم الاستعماري في جعل هذا الكيان حارسا أمينا على مصالحهم، فيما ألمانيا النازية كانت على ثقة بهذه الجماعة التي لم تتردد خلال سنوات الحرب في تزويد ألمانيا بما تحتاجه وينقصها من المعدات العسكرية التي كان اليهود يستوردونها من الاتحاد السوفييتي وأمريكا ويبيعونها للألمان..؟!
ظلت الجاليات اليهودية تلعب هذه الأدوار المزدوجة حتى العام 1943م حين اكتشفت القيادة الألمانية حقيقتها وحين أدركت بالمقابل الجماعات اليهودية أن ألمانيا تتجه نحو الهزيمة على يد الاتحاد السوفييتي الذي بدوره قام باعتقال قيادة الحزب الشيوعي الذي كان مرجحاً له أن يحكم فلسطين ويحقق مجتمع الاشتراكية النموذجية؟!
لذا أقدمت  القيادة الألمانية على فك ارتباطها بالرموز اليهودية التي كانت على علاقة بها والذين تمكن غالبيتهم من الفرار، ومع انتهاء الحرب وسقوط النظام النازي في ألمانيا وتقسيم ألمانيا على يد الاتحاد السوفييتي الذي كان في الواقع هو بطل الانتصار في تلك الحرب وليس البريطانيين والأمريكان، حينها طلعت حكاية الأفران الألمانية واسطورة (الهيلوكست) وهي أكاذيب افتعلها الصهاينة والإعلام الغربي الاستعماري روجها ورسخها في الذاكرة الغربية كثوابت مقدسة، كمقدمة لتنفيذ مخططه الاستعماري في احتلال فلسطين، وليبرر بها النظام الغربي الاستعماري والنظام الأمريكي لشعوبهم قضية احتلال فلسطين ودعم ومساندة الكيان الصهيوني الذي كما يقال في الغرب وأمريكا انهم (ضحوا من أجل الإنسانية في هزيمة النازية)..؟!
وبين أن فلسطين هي( أرض الميعاد لشعب الله المختار) وبين انها منحت كوطن( قومي لليهود) الذين عانوا من النازية، راحت أساطير تبرير الاحتلال الصهيوني لفلسطين  ترسخ في الذاكرة الإنسانية، دون أن يجيب المستعمرون عن سؤال وجيه وهو كيف تكون ألمانيا هي من اضطهدت اليهود؟ وتكون فلسطين هي المكافئة التي منحت لهم..؟!
معادلة مثيرة وتثير ألف علامات استفهام، عن عدالة دولية عرجاء ومخادعة، ومجتمع غربي استعماري يعترف بأن الألمان هم من أجرموا _إفتراضا _بحق (اليهود) لكنه يذهب ليعاقب الشعب العربي في فلسطين فيما الجاني الألماني يكتفي الغرب بإجباره على دفع تعويضات سنوية للصهاينة ليساعدهم على مواصلة احتلالهم وترسيخ نظامهم الاستيطاني العنصري وغير المسبوق في تاريخ البشرية..
يتبع..

قد يعجبك ايضا