استراتيجية الإهانة !

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

 

منذ قيام الجمهورية العربية اليمنية في سبتمبر 1962، دخلت اليمن مرحلة جديدة في علاقاتها مع الخارج . خرجت من عُزلتها وتحررت من أسرة حميد الدين، لكنها وقعت أسيرة في أيدي الخارج، تماماً كما يقول المثل المصري ” أطلع من حفرة أقع في دحديره ” .
حكومة الجمهورية التي كانت ثمرة لما سمي ” تنظيم الضباط الأحرار ” زجَّ بها عبدالناصر في السجن الحربي بالقاهرة لأكثر من عام .
فالثورة والجمهورية والاستقلال والحرية والديمقراطية التي دفعت قيادات يمنية للاعتراض على سياسة الحليف المصري في اليمن، كانت كلها ” هبة من عبدالناصر” ولذلك لم يتردد في قرار حبس الحكومة اليمنية.. يعني: ناصر جاب، ناصر خَذْ، الله عليه العوض .
بعد ستين عاما، لا يزال حلفاء اليمن من دول الجوار يتعاملون مع القيادات السياسية والعسكرية والاجتماعية اليمنية، بنفس طريقة عبدالناصر المهينة . ومع الفارق في نوعية السجن والخدمات المقدمة، قضى هادي وحكومته سبع سنوات في قصور وفيلات سعودية ينفذون توجيهات الحليف ضد شعبهم وبلدهم مثل روبوتات، في ظل رقابة تُحصي عليهم أنفاسهم .
النماذج والأمثلة كثيرة، ولا يزال مصير العكيمي والزبيدي وبن بريك والعرادة مجهولاً، رغم تفانيهم وإخلاصهم في تقديم الخدمات للحليف السعودي والإماراتي .
تطبيق ” استراتيجية الإهانة ” التي يمارسها من يعتبرون أنهم ” أصدقاء اليمن وحلفاؤه ” في علاقتهم السياسية مع السلطات المتعاقبة في بلادنا لم تتوقف طوال ستين عاماً. وهي استراتيجية سلبت اليمن كرامته وصادرت كل معاني الحرية والاستقلال، وجعلت منا بلداً تابعاً خانعاً ذليلاً، ودفعت بنا إلى أسفل القائمة العالمية في مؤشرات التنمية والاقتصاد والصحة والتعليم وغيرها، حتى بات اسم اليمن مرادفاً للتخلف .
اليمن لا ينقصه شيء ليكون بلداً متقدماً ومؤثراً في المنطقة والعالم، ينعم شعبه بالرخاء والسعادة، فلدينا كل المقومات الاقتصادية والبشرية، ولدينا إرث تاريخي خلَّده القرآن، يؤكد ريادتنا في المنطقة، وما نعاني منه هو بسبب سوء إدارة السلطات اليمنية التي تعمل وفقاً لاستراتيجية ” الحلفاء والأشقاء” . فما الذي يمكن انتظاره من سلطة أو قيادات يمنية وصلت إلى السلطة بدعم ” الحليف الخارجي ” وقد تجد نفسها فجأة في السجن الحربي المصري، أو في سجن “الملز” مهما حاولت الخروج عن المسار الذي حدده الحليف ؟.
في كثير من الأحيان تتحول الأوضاع والحالات الشاذة والطارئة بمرور الزمن وغياب الوعي وتزييف التأريخ إلى واقع يسلم به الناس ويتعايشون معه كقاعدة وليس استثناء ينبغي انتقاده والعمل على تغييره . وهذا ما يفسر مواقف البعض ممن يرفعون شعارات ” شكراً سلمان أو إمارات الخير “. أمثال هؤلاء لم يعودوا يدركون المعنى الحقيقي للحرية ولا معنى وقيمة أن يتمتع وطنه بالسيادة والاستقلال .
في ظل هذه الاستراتيجية، اختلط الحابل بالنابل، تغيّر معنى الكثير من المفاهيم، يتقنع الديكتاتور بالديمقراطية، ويفقد البعض التمييز بين الخائن العميل والمناضل الوطني، بين الحر والعبد، ويتحول الفاسد إلى شاطر وأحمر عين، مثلما تتحول جحافل المرتزقة إلى ” جيش وطني ” والأحرار الشرفاء الذين يتصدون للغزاة المحتلين مليشيا ومتمردين !.
وفي ظل هذه الاستراتيجية، انطلق العدوان على اليمن، استُبيحت أرضه وبحره وسماه، احتلت مدنه وجزره وتنهب ثرواته، وقُتل اليمنيون أطفالاً ونساء وشيوخاً في بيوتهم وفي أسواقهم، وحوّلت طائرات العدوان صالات أفراحهم إلى أتراح، وبقذائف الفوسفور الأبيض أحرقوا المئات من اليمنيين في صالة عزاء، ولم تسلم حتى حظائر الأبقار والدجاج .
استراتيجية الإهانة، جعلت دماء اليمنيين رخيصة، فعلى الرغم من أعداد الضحايا وهول المأساة التي يعيشها اليمنيون طوال ثمان سنوات، لا حليف لنا ولا بواكي، سوى الحلف الفاجر اللدود، الحلف الذي يرى مطالبتنا بمرتباتنا مطلباً تعجيزياً يصعب تنفيذه، مع أنه سيُصرف من موارد اليمن وخيرها وليس من خزائنه .
في أبوظبي ينشئون ” وزارة للسعادة ” وفي الرياض ” هيئة للترفيه ” وبكل وقاحة يَحرمون اليمنيين من مرتباتهم، وهو حق أساسي لتلبية حاجات أساسية في حياة المواطن وعائلته وليس لحاجات ترفيهية يمكنهم الاستغناء عنها .
لا يزال الوفد العماني، يتردد على صنعاء، وقد زارها مرتين خلال نصف شهر، ويبدو أن العقدة لا تزال في بند تسليم مرتبات اليمنيين، البند الذي يعتبره الطرف الآخر ” تعجيزياً “. يبدو أن معركتنا مع هذا الحلف، أكبر مما يتوقع البعض، أهدافها لا تقتصر على الحصول على المرتبات وحلحلة الملفات الإنسانية. ولن تنتهي بتحرير الأراضي والجزر المحتلة وخروج القوات الغازية، فلن يكون النصر كاملا إلا بتوقف هذا الحلف عن استخدامه “استراتيجية الإهانة” في علاقته مع اليمن. وقد تم التعبير عن هذا في شروط صنعاء التي حملها الوفد العماني في زيارته السابقة بـ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية ” .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا