هكذا فعلوا فحكموا أمريكا وانتزعوها من سكانها الأصليين.. سيطر اليهود على الاقتصاد فالقرار
تحكَّموا بالاقتصاد عن طريق إنشاء بنك مركزي وسيطروا على المناجم والتجارة والمصانع
تشكل البنية الحضرية والمشهد البشري للولايات المتحدة الأمريكية -كدولة وشعب- على سواعد المهاجرين من كل أصقاع الأرض، لتغدو القوة المهيمنة عالمياً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ومالياً، رغم أن عمرها لا يصل إلى الـ250 عاما منذ قيام ثورة جورج واشنطن في 1776م.. فكيف تقاطر اللوبي الصهيوني الثري من أصقاع أوروبا إلى هذا الحاضن العالمي للمهاجرين ومن وقت مبكر.. وكيف استحوذ على مفاصل المؤسسات الإنتاجية والمالية مستغلاً بثرائه الطاقات والعقول البشرية القادمة من شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وغيرها.؟ وما علاقة هذا الحضور الاقتصادي بجماعات الضغط اليهودية التي غدت تتحكم بدوائر صناعة القرار الأمريكي..؟ أو بالأحرى وما علاقة اليهود بمشروع النظام العالمي الجديد المعروف بالعولمة التي يقف وراءها ما يعرف بالقطب الواحد (أمريكا)..؟
هذه الأسئلة ما سنجيب عنه في الحلقة الثانية من حلقات الإجابة كيف أصبح اليهود يتحكم بالاقتصاد العالمي؟ لكن قبل ذلك سنتوقف مع ما حذر منه، ونبه له الشهيد القائد حسين بدر الحوثي –رضوان الله عليه – في محاضرة تاريخية بعنوان: “اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا” التي ألقاها بتاريخ 24 /1 /2002م… إلى التفاصيل:الثورة / إعداد/ إدارة التحقيقات
يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي- رحمه الله: ((نحن نسمع كلمة: [التنمية] كل سنة، وكل أسبوع، وكل يوم [تنمية، تنمية] ونحن نرى نمو الأسعار، أليس كذلك؟ ما الذي يحصل؟ هل هناك نمو فيما يتعلق بالبنى التحتية الاقتصادية؟ أو أن هناك نمواً في الأسعار؟ أليس هناك غلاء؟ أليس هناك انحطاط في النفوس والقيم؟)).. نافياً أن تكون هناك تنمية لا في واقع النفوس، ولا في واقع الحياة، وإن كانت تنمية فهي مقابل أحمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن.
وأضاف الشهيد القائد: ((التنمية من منظار الآخرين: هي تحويلنا إلى أيدٍ عاملة لمنتجاتهم، وفي مصانعهم، تحويل الأمة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم، أن لا ترى الأمة، أن لا يرى أحد، وليس الأمة، أن لا يرى أحد من الناس نفسه قادراً على أن يستغني عنهم؛ قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم، هل هذه تنمية؟.. فنحن نقول: نريد التنمية التي تحفظ لنا كرامتنا، نريد نمو الإنسان المسلم في نفسه، وهو الذي سيبني الحياة، هو الذي سيعرف كيف يعمل، هو الذي سيعرف كيف يبني اقتصاده بالشكل الذي يراه اقتصاداً يمكن أن يهيئ له حريته واستقلاله، فيملك قراره الاقتصادي، يستطيع أن يقف الموقف اللائق به، يستطيع أن يعمل العمل المسؤول أمام الله عنه)).
وتساءل الشهيد القائد قائلا: “الآن أليس الناس كلهم يخافون من أن يعملوا شيئاً ضد أمريكا أو ضد إسرائيل؟ بل يخافون متى ما سمعوا أن هناك تهديداً لشعب آخر؛ لأنه ربما يحدث غلاء في ما يتعلق بالحبوب، وفي ما يتعلق بالحاجيات الأخرى فيسارعون إلى اقتناء الحبوب بكميات كبيرة، أليس هذا هو ما يحصل؟)).
ما تطرق إليه الشهيد القائد هو الإشكال الاقتصادي الذي يعيشه عالمنا العربي والإسلامي والعالم، ولا غرابة في أن يكون خلف هذا الإشكال وصول اليهود إلى التحكم بالاقتصاد أوروبياً ثم أمريكاً ثم عالمياً، ولأن أمريكا هي القطب الأقوى، فإنها كانت تسعى لتحقيق أهداف وأطماع الصهيونية العالمية وبالأخص إسرائيل، فكيف سيطر اليهود على الاقتصاد الأمريكي ؟.
خلفيات تاريخية
شهدت القارة الأمريكية الشمالية التي تشكل معظمها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية، الاحتلال الهولندي، ثم البريطاني، وفي طلائع هذا الاستعمار الأوروبي كان أثرياء اليهود يتسابقون بصمت شديد على تكديس وجمع الثروات بحكم سيطرتهم على مفاصل القرار في القوى الاستعمارية، حتى قيام ثورة جورج واشنطن في الـ 4 من يوليو عام 1776م التي أنهت تاريخ الاحتلال البريطاني لمعظم الأراضي الأمريكية التي كان سكانها الأصليون هم الهنود الحمر (وفق تسمية كريستوفر كولمبس) لتتشكل على تلك الأراضي دولة فتية من قوميات وعوالم مختلفة، إذ مثلت وجهة للمهاجرين من مختلف دول العالم، ومع هذه البدايات وما يلوح في مستقبلها من النجاح المرتكز على السواعد العاملة القادمة من أصقاع الأرض؛ أدرك اليهود -الذين تسللت أموالهم مع سفن المستعمرين الأوروبيين إلى تلك الأراضي والتجمعات البشرية- مبكراً أهمية تحقيق السبق الاستحواذي على فرص الاستثمار المفتوح على مختلف المجالات، وسط حراك التشكل الديموجرافي، ليكونوا مجتمعا يهودياً يتحدرون أساساً من يهود أشكناز الذين هاجروا من وسط وشرق أوروبا مؤسسين نسلهم المولود في أمريكا بعد ذلك، كما توجد أقلية من كل التسميات العرقية اليهودية الأخرى، بما فيهم اليهود السفرديم، واليهود المزراحيون وعدد من المتحولين وغيرهم من اليهود الذين تقاطروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليؤسسوا مداميك حضورهم وخلفيات تحكمهم بالاقتصاد الأمريكي ثم تبعاً لذلك بالقرار.
ومن يقرأ الخلفيات التاريخية لصعود اليهود الاقتصادي، في أمريكا الشمالية أو بالأحرى الولايات المتحدة الأمريكية سيجد أن الأسر الثرية نفسها في أوروبا كأسرة روتشيلد التي أوردناها في الحلقة السابقة، قد كانت سباقة إلى فرص الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية العملاقة، من سكك حديدية وشركات مقاولات وتشييد واتصالات وغيرها من المجالات التي مكنتها في أوج طفرة النهوض الأمريكي من التحكم بمفاصل مؤسسات الإعلام ودور النشر، والقطاعات المصرفية والأوراق المالية، ففي هذا السياق يقول رائد صناعة السيارات في أمريكا، هنري فورد في كتابه The International Jew على لسان أول يهودي يتحكم في الاقتصاد الأمريكي “ماير آمشيل بوير” مؤسس إمبراطورية روتشيلد المالية، التي تتحكم في الاقتصاد العالمي بالتشارك مع جماعة من البنوك التابعة لليهود والشركات الصهيونية العالمية الأخرى منها لازارد: «أعطني (اليهود) السيطرة على مال الأمة، ثم بعد ذلك لا يهمُّني من يضع القوانين».
مأسسة الوجود اليهودي
هذا التوغل المبكر في تركيية المجتمع الأمريكي، من وقت مبكر أتاح لليهود مأسسة وجودهم في أمريكا، عبر كيانات مؤسسية تبدأ بالقواعد الشعبية والمحلية وصولاً إلى كيانات التحكم بصناعة القرار والاستثمار والسياسة الاقتصاد، إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية في واقع الحال محكومة بما عُرف باللوبي الصهيوني المشكَّل من جماعات يهودية مؤثرة مالياً في كل المجالات، اقتصادياً وسياسياً، وقضائيا وعلمياً وترفيهياً، وحتى على مستوى الإفساد الأخلاقي صار لليهود حضور مؤسسي لصناعة كل ما يهدم الأخلاق مثل مؤسسات الإنتاج الفني الهابط كالإباحية وغيرها، وكل هذا الانفتاح القذر يستهدف جمع الأموال والثروات والتحكم بالقرار خدمة للصهيونية العالمية، ومن ورائها إسرائيل تحديداً.
وتؤكد الأبحاث والدراسات أن اللوبي المؤيّد لإسرائيل مسجّل رسميّاً لدى وزارة العدل الأمريكيّة باسم اللجنة الإسرائيليّة الأمريكيّة للشّؤون العامّة، بعبارة صريحة أنّه لوبي مؤيّد لإسرائيل. وقد تبلور نشاطه بشكل ملحوظ في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية، حيث كانت الولايات المتّحدة أوّل دولة اعترفت بالكيان الصّهيوني ومارست ضغطاً دوليّاً لقبوله بشكل شرطي عضواً في هيئة الأمم المتّحدة. وتبدو أهميّة دور اللوبي الصّهيوني في التّأثير على السّياسة الأمريكيّة من ثلاث زوايا، أولاها: تغلغل اليهود في عصب الاقتصاد الأمريكي، وثانيها عدم انخراط اليهود في أيّ من الحزبين (الجمهوري والدّيموقراطي) وبقاؤهم على الحياد يرجّحون كفّة الحزب الّذي يلتزم بمصالح الصّهيونيّة العالميّة، أما ثالثاً فارتكاز كل تحركات اللوبي الصهيوني على ضمان وحدة المصالح الأمريكيّة والصّهيونيّة.
أما بنية اللوبي الصّهيوني في الولايات المتّحدة فيرتكز على شبكة واسعة من المنظّمات تزيد عن (300) منظّمة و(230) اتّحاداً محلّيّاً وصندوقاً للرّعاية وجمعيّة للعلاقات العامّة، وأكثر من (500) محفل ومعبد، وأبرز هذه المنظّمات الّتي تشكّل حاليّاً العمود الفقري للوبي الصّهيوني، والتي منها :(جمعيّة الدّعوة اليهوديّة الموحّدة: أكبر التّجمّعات اليهوديّة في أمريكا، وتهتم بجمع التّبرعات وتنظيم الاحتفالات والمهرجانات وترتيب اللقاءات مع القادة والزّعماء. الرّابطة اليهوديّة الأمريكيّة: وهي جمعيّة ترعاها الحكومة الإسرائيليّة. جمعيّة “بناي بريث”: وهي مؤسسة يهوديّة تتمتّع بتنظيم دقيق ومحكم، وتعمل على اتّهام كل من يخالف المصالح الإسرائيليّة بمعاداة السّامية. الجمعيّة اليهوديّة الأمريكيّة: وهي تعنى بشؤون اليهود في العالم، وخاصّة في مجال إحكام التّرابط والتّنسيق بينهم. اللجنة الأمريكيّة الإسرائيليّة للشّؤون العامّة “ايباك”: وتضم في عضويّتها عدّة منظّمات صهيونيّة مثل بناي بريث، اللجنة اليهوديّة الأمريكيّة، الكونغرس اليهودي الأمريكي وغيرها من الكيانات التي تفضي باليهود إلى السيطرة على مفاصل القرار الاقتصادي.
البرجوازية اليهودية في أمريكا
وبالنظر إلى المرجعيات التاريخية لتشكُّل واتساع التحكم اليهودي بالاقتصاد في الدولة الأمريكية الفيدرالية المكونة من 53 ولاية، تجدر الإشارة إلى أنّ البرجوازية اليهودية عشر امتلكت مواقع ثابتة في الحياة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن التاسع، وهي ليست كتلة معزولة ومنطوية على نفسها، وإنما تؤلف جزءاً لا يتجزأ من البرجوازية الاحتكارية الأمريكية، وبهذا تتداخل مصالح الرأسماليين اليهود الكبار مع مصالح الرأسماليين الأمريكان تداخلاً وثيقاً جداً، وتصبح أهدافهم بالتالي أهدافاً واحدة. والخاصية الأساسية للصهيونية الأمريكية، هي ولاؤها للأيديولوجية الصهيونية وللمصالح الإمبريالية الأمريكية في وقت واحد.
وتقول المراجع الديموغرافية: إن أكبر كتلة عددية من الرأسماليين اليهود في العالم، موجودةٌ في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشكل أصحاب الملايين اليهود حوالي 20 % من مجموع أصحاب الملايين الأمريكان، وهم يهيمنون على الكثير من المراكز المالية الهامة، كشركات الضمان والمصارف، وصناعات الذهب والألماس واللحوم ومشتقاتها، كما يسيطرون على إدارات الكثير من الشركات الهامة وعلى أرباحها، فنسبة عدد اليهود بين مديري شركات البترول الأربعة الهامة في أمريكا، وما يحصلون عليه من أرباحها هي: شركة ستاندرد أويل كاليفورنيا 37 % مديرون ونسبة الأرباح 60 %. شركة ستاندرد أويل نيوجرسي 30 % مديرون ونسبة الأرباح 55 %. شركة تكساس للبترول 40 % مديرون ونسبة الأرباح 63 %. شركة موبيل 55 % مديرون ونسبة الأرباح 70 %.
وحسب تلك المراجع، فإن هناك إحصائية منذ عام 1950، تقدم صورة واضحة مقرونة بالأرقام عن مدى تغلغل اليهود في الأعمال المهمة وعزوفهم عن غيرها حيث يشكل اليهود في أمريكا نحو 70 % من المحامين، و69 % من الأطباء، 77 % من التجار، و43 % من رجال الصناعة، و38 من موظفي الدولة.0.1 % من المزارعين، و2 % من عمال القطاع الصناعي، وبقية النسبة المكملة لنسب اليهود في تلك المجالات للشعب الأمريكي المكون من المهاجرين من كل شعوب العالم، غير أن المفارقة الأهم أنه رغم أن نسبة اليهود بالنسبة لتكوين الشعب الأمريكي تمثل 3.3 % إلا أنه لا يوجد عامل يهودي واحد كادح أو عاطل عن العمل، إذ تؤكد دراسة البطالة أن 100 % من العمال الكادحين والعاطلين عن العمل من الشعب الأمريكي.
ورغم نسبة اليهود الضئيلة في الشعب الأمريكي إلا أنهم يحصلون على حصة كبيرة عند تشكيل أي إدارة أمريكية، فالرئيس جيمي كارتر –مثلاً- عين في حكومته ثلاث وزراء يهود، ورونالد ريغان أربعة يهود وهكذا بالنسبة إلى كل حكومات الولايات المتحدة تقريباً، فإنه لا بد أن يكون لليهود حصة في الحكومة، وكذلك في هيئة السفراء الذين يُختارون من قبل رئيس البيت الأبيض يوجد من بين 149 سفيراً أمريكياً في أنحاء العالم 20 سفيراً يهودياً، موزعين على أهم دول العالم، ونتيجة لهذه القوة التي تتمتع بها الصهيونية داخل النخب الأمريكية تمارس ضغوطاً على الإدارة الأمريكية لكي تكون سياستها الخارجية في خدمتها وخدمة إسرائيل بالدرجة الأولى.
وليس غريبا أن تستميت أمريكا دفاعاً عن إسرائيل في كل ما تفعل وتمارس، وتستخدم حق الفيتو بهدف إبقاء إسرائيل خارج المساءلة الدولية، فمرجع ذلك يعود إلى اللوبي اليهودي (الصهيوني) المكون من جماعات قوية وعميقة الجذور في جميع مجالات الحياة الأمريكية بما في ذلك القرار السياسي والاقتصادي وسواء عبر الشعب أو الرأي العام الأمريكي، إلى الحد الذي يتيح له التحكم والسيطرة على كل شيء يدخل الولايات المتحدة (الاستثمارات – رؤوس الأموال)، وهذا يعني أنه قادر على امتصاص أية منافسة تواجهه داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وصار من الصعب على عرب ومسلمي أمريكا أو غيرهم تشكيل لوبي منافس له داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
اليهود وعولمة النظام العالمي
يقف اللوبي الصهيوني وراء قضية العولمة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية وفق مشروع شامل يجعل العالم بما فيه من حضارات وأمم خاضعا لسيطرة القطب العالمي الواحد الخادم للصهيونية العالمية، الرامية إلى التحكم في الاقتصاد العالمي وإخضاعه لمصالح الدول الكبرى عن طريق حرية السوق والتعامل المشترك بين الدول، وتأمين مزيد من الأسواق للاستهلاك، ومزيد من الثروات للاستيلاء عليها. وبالتالي الوصول إلى سوق عالمي مفتوح بدون حواجز أو فواصل جمركية أو إدارية أو قيود مادية أو معازل عرقية أو جنسية أو معنوية أو عاطفية بل إقامة سوق متسع ممتد يشمل العالم كله ويشمل كل قطاعاته ومؤسساته وأفراده على أن يكون الرابح الوحيد من هذا السوق هو القطب الواحد من ورائه اللوبي الصهيوني.
ولا مجال لتحقيق هذه العولمة الاقتصادية التي يبتغيها اليهود إلا الوصول إلى التذويب الحضاري لسائر الحضارات التي تحمل قيماً مضادة لقيم الحضارة الغربية وعلى رأسها الحضارة الإسلامية باعتبارها المحرك الأول لمقاومة الحضارة الغربية، وبما يفضي إلى نظام عالمي اقتصادي جديد غير أن التحدي الكبير أمام مشروع العولمة هو الإسلام وقيمه الثابتة والراسخة والمحفوظة بالقرآن الكريم، وخلف هذا التحدي عوامل مشاريع الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي هذا يقول الكاتب الأمريكي “ صموئيل هنتنجتون”: “ إنه لا مجال ولا إمكانية للتعايش مع الحضارة الإسلامية لأنها تختلف عن الحضارة الغربية، وإن المواجهة التي انتهت ضد الحزب الشيوعي تركت الفضاء مفتوحاً أمام مواجهة جديدة لا تكون إلا مع الغرب وقيمه، والإسلام الذي هو غير قيم الغرب؛ بل هو مغاير للحضارة الغربية، ولحقوق الإنسان، ولسيادة الحق والنظم الديمقراطية يجب مقاومته “. وهذا ما صرح به “نيكسون” في كتابه “ الفرصة الأخيرة “:”إنه بعد سقوط الشيوعية لم يعد هناك عدو سوى الإسلام”. فيجب القضاء على التعصب الديني والقومي والإقليمي ومزج الأمم في الحضارة الغربية.
وهذا الطرح المنطلق من واقع مجريات الأحداث والسياسة الأمريكية في العالم خصوصاً في الشرق الأوسط، هو ما أشار إليه الباحث والمؤرخ محمد حسين الفرح في كتابه “الصراع مع أهل الكتاب”، ففي الجزء الثاني من الكتاب وتحت عنوان فرعي أسماه : “أهداف العولمة والنظام العالمي الجديد” لفت الفرح إلى تشكيل النظام العالمي المالي المندرج تحت المظلة الرأسمالية الغربية والتي يحكمها الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، مسعاه الأول يتمحور حول تقديم انتصار النظام الرأسمالي كدليل على صلاحيته وإنه أفضل صيغة يمكن للعقل البشري أن يصل إليها، ولا يمكن لدول العالم أن تخرج من تخلفها إلا بدخولها في المنظومة الرأسمالية.
وأضاف الفرح، أن من أهداف عولمة النظام العالمي الجديد الذي تريده أمريكا ومن ورائها الصهيونية العالمية؛ جعل العالم قرية كونية صغيرة ومحاولة ربط الإنسان بالعالم لا بالدولة والتي تعني القضاء على سلطة الدولة والمشاعر الوطنية، ودمج العالم في وحدة إعلامية واحدة تنطلق من منطلق معلوماتية واحدة. تنمية الاتجاه نحو إيجاد لغة اصطلاحية واحدة تتحول بالتدريج إلى لغة وحيدة للعالم يتم استخدامها وتبادلها سواء بالتخاطب بين البشر، أو بين الحاسبات الإلكترونية، أو ما بين مراكز تبادل البيانات وتخليق وصناعة المعلومات.
وحسب الفرح، فإن هذا الهدف لوحده سيفضي إلى الهيمنة السياسية على ما يسمى بدول العالم الثالث، واستعمار ممتلكاتها وخيراتها. بحيث يتم التعامل وفق نظرية داروين “البقاء للأصلح” فلا بقاء للضعيف؛ بل يجب إقصاؤه حتى ينقضي ويفنى، فالضعيف مهمش ويجب أن ينبذ عن الطريق “اصطفاء الأنواع”.. موضحاً أمريكا التي يحركها اللوبي الصهيوني تسعى بخطى حثيثة لإعادة بناء هيكليات أقطار العالم السياسية في صيغ تكرس الشرذمة والتشتت الإنساني، وتفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزعات قبلية عرقية أو دينية طائفية أو لغوية ثقافية، بغية سلب أمم العالم وشعوبها القدرة على مواجهة الزحف المدمر للرأسمالية العالمية والتي لا تستقر إلا بالتشتت الإنساني وبالتالي تصل البشرية إلى حالة من الضعف التي تمكن إسرائيل من إقامة مملكة داوود العالمية.
ويقول الفرِح في هذا السياق: إن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل العولمة تعمل على “حشْد تحالُف دولي مؤيِّد لها على جانبِ إعادة صياغة دور الأُمم المتحدة؛ لتصبحَ أداةً لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، مع العمل على عزْل أو حِصار القوى الأخرى التي تهدف إلى إيجادِ مكان لها على قمَّة النِّظام العالمي؛ وذلك في المجال الاقتصادي للسيطرة على مصادر الطاقة في العالَم التي يُمكنها مِن خلالها السيطرةُ على المستوى الإنتاجي العالَمي بحيث يُصبح للولايات المتحدة اليد الطُّولَى في ذلك، وفي المجال العسكري التفوُّق المطلَق في تطويرِ نُظم التسليح والقِيادة والسيطرة التي تحقِّق لها تنفيذ مهامها بكفاءة تامَّة ضدَّ أيَّة قوى مناوئة أخرى”.
أخيراً
الأخطر في سياق الحديث عن أمريكا كقوة دولية عظمى هي الأولى عالمياً، يتمثل في أن اللوبي الصهيوني وأذرعها في كل المجالات هو محرك قوتها ونهجها المسيطر على توجيه الرأي العام العالمي وأساليبها في بث الفتن والطائفية وزرع عوامل استدامة الحروب والتوازنات الكفيلة بذلك، ولم يكن اللوبي الصهيوني لينجح في كل ذلك وهو مختف خلف حُجُب الثروات وستار المال والغناء الفاحش، لو لم يسيطر على وسائل الإعلام العالمية، وشركات الإنتاج الفكري والثقافي المفتوح على تعدد الأجناس الفنية، من سينما ومسرح وأفلام ودور نشر بكل اللغات.. فما هي الخلفيات التاريخية التي عبرها سيطر اليهود على الإعلام، ولماذا الإعلام ؟ ومنهم أثرياء العالم من اليهود الذين يقفون خلف المؤسسات الإعلامية العالمية..؟ كل ذلك ما سنتطرق له في الحلقة القادمة.