يعد وادي دوعن في محافظة حضرموت من أجمل وأعرق الأماكن تجتمع فيه كافة مقومات الجمال وتسكن أرجاءه الحضارة ويستوطنه التاريخ وأبرز صفاته جمال الطبيعة وعظمة المعمار الطيني ذي النقوش والزخارف متعددة الألوان والأشكال نخيل يعانق السماء ومبانُ وقصورا شامخات تتطاول في البنيان أسرار وخفايا كشفت جوانب منها والباقي مايزال الوادي يخبئها .. وفي بداية الوادي تستقبلك واحدة من أجمل وأقدم المدن التاريخية في الوادي واليمن بشكل عام مدينة الهجرين بوابة وادي دوعن الواقعة على سفح أحد الجبال قليلة الارتفاع من الوادي والمدينة أشبه بتاج جميل من الماس الطيني بيوت وقصور متلاصقة مع بعضها بانسجام تام نقوش وزخارف بديعة الهجرين مدينة منسجمة مع بعضها باستثناء مبنى لا ينسجم تماماٍ مع الطابع المميز والمنسجم مع نفسه والبيئة المحيطة ما هو هذا المبنى ولماذا أنشئ بهذه الصورة وابرز مميزات الهجرين وما تحتاج إليه بالإضافة إلى وضع مبانيها التاريخية ومعالمها.. معلومات نستوضحها من المعنيين والمختصين في الحفاظ على المدن التاريخية.
موطن العمالقة
ليس بخافُ على الكثيرين المكانة التاريخية لمدينة الهجرين فقد كانت موطناٍ لواحد من عمالقة الشعراء العرب الذين استطاعوا أن ينحتوا شهرتهم في صدور الأجيال جيلا بعد آخر إنه الشاعر امرؤ القيس وبهذا نكون قد أكدنا مدى عراقة وأصالة هذه المدينة التاريخية التي يقول المهندس جميل شمسان رئيس الجهاز الفني في وزارة الثقافة والرئيس السابق للهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية حيث أوضح أن المدينة قديمة جدا يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام والدليل أن الاكتشافات الأثرية التي قامت بها البعثة الفرنسية اكتشفت قبورا عديدة حول المدينة اتجاهها نحو بيت المقدس وهذا يدل على أنها تعود إلى ما قبل الإسلام.
وأشار إلى أن الكثير من المصادر التاريخية أوضحت أن هذه المدينة كانت ذات شأن كبير قديما ومدينة استراتيجية في تاريخ اليمن القديم في عهد الدولة الحميرية.
أعمال صيانة
وقال: الحالة المعمارية لمباني المدينة جيدة إلا أنها تحتاج إلى تدخل سريع في أعمال الصيانة والترميم التي لابد وأن تكون دورية وذلك لأنها مبان من الطين تحتاج وبصورة دورية إلى أعمال صيانة كذلك لابد من الحفاظ على مقومات المدينة وخصائصها الفريدة فهي تحتوي على مبان غاية في الجمال مبانيها متلاصقة ومتقاربة مع بعضها بشكل مرتب وتنسجم مبانيها مع طبيعة الجبال حولها ولونها وكانت قديما تصنع مواد البناء في الأماكن المحيطة بها وبعدها تنقل إلى المدينة على ظهور الإبل.
ومن الأشياء التي تميز هذه المدينة بحسب شمسان هي أنها تقع في محيط يحوي الكثير من المواقع الأثرية منها كهف أثري في منطقة القزة الذي تقول المصادر التاريخية أنه يعود إلى العصر الحجري كذلك توجد إلى الشمال من المدينة مستوطنة تحمل الكثير من المعلومات التاريخية والأسرار عن الحياة الاجتماعية في الهجرين.
استغراب
من جهته يستغرب المهندس نبيل منصر نائب رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية عدم تسجيل مدينة الهجرين ضمن قائمة الانتظار لدخول قائمة التراث العالمي حيث قال: في العام 2002م تم تسجيل عشرة مواقع يمنية في قائمة الانتظار لدخول لائحة التراث العالمي وهذه المواقع باتت شبه جاهزة للدخول ولا يحق للدولة المطالبة بتسجيل موقع خارج هذه المواقع العشرة والتي فقط تحتاج من الحكومة اليمنية تجهيز ملفاتها بشكل مناسب كونها مستوفية لكافة شروط الدخول في القائمة العالمية ومدينة الهجرين تمثل أنموذجا فريدا للمدن التاريخية المستحقة ليس لدخول قائمة الانتظار ولكن لدخول القائمة نفسها.
وعن دور هيئة الحفاظ على المدن التاريخية في هذه المدينة أوضح أن الهيئة دورها فني فقط ولديها فرع في وادي حضرموت يعد من أكثر الفروع نشاطا كما أن أهالي وادي حضرموت بشكل عام حريصون جدا على تاريخهم وتراثهم ولكن هيئة الحفاظ على المدن التاريخية ينبغي عليها زيارة الفروع والمعالم والمواقع والمدن التاريخية وحصرها والاطلاع على حالتها حتى يكون هناك إلمام كامل بما هي عليه ولكن للأسف الشديد لا تتوفر لديها إمكانيات تعينها على العمل.
وهذا يعني أن المعلومات لدى الهيئة (الديوان) قليلة عن المدينة فكان لزاما علينا استيضاح الأمر من فرع الهيئة في وادي حضرموت حيث أكد الأخ حسن عيديد طه عيديد مدير عام هيئة الحفاظ على المدن التاريخية بشبام ووادي حضرموت أن مدينة الهجرين التي تنقسم إلى قسمين كلاهما تاريخي الأول المناظرة والثاني الهجرين تعاني عددا من التشوهات المعمارية التي لا تنسجم أبدا مع طابع المدينة التقليدي لعل أبرزها وأخطرها على الإطلاق هو البناء الحديث (الأسمنتي) الذي تم استخدامه لبناء مسجد على واجهة المدينة المطلة على الوادي والذي شوه المنظر العام للمدينة وأدى إلى عدم تجانسها مع بعضها فضلا عن وجود تشوهات بسيطة هنا وهناك منها في السوق القديم.. وقال: كانت المدينة بحاجة ماسة إلى شبكة للصرف الصحي وفعلا تم الانتهاء من تركيبها وتم معالجة هذا الجانب كذلك المدينة الآن بحاجة ماسة إلى مشروع رصف لشوارعها وأزقتها فلم يتم رصف شارع أو زقاق من هذه المدينة التاريخية كذلك بعض المباني التاريخية والقصور فيها بحاجة إعادة تأهيل ناهيك أن المدينة بحاجة ماسة إلى توفير خدمات البنية التحتية.
مسح للمباني التاريخية
وأشار إلى أن فرع الهيئة وقبل بدء مشروع شبكة الصرف الصحي قام بعمل مسح كامل للمباني التاريخية وعمل على تصنيفها بحسب عمرها الزمني ومن هذه المباني تلك التي ارتبطت بشخصيات كان لها إسهام بارز في الحركة الدينية والعلمية في الهجرين.
وأضاف: قمنا في العام 2011م بإعداد ملف متكامل للمدينة ورفعناه إلى ديوان الهيئة بطلب من وزارة الثقافة لغرض تقديمه لليونسكو ولا نعلم ماذا تم هل فعلا تم تقديمه أم لا والمدينة تتوفر لها كافة المقومات التي تمكنها من دخول القائمة العالمية دون عناء ولكن القصور من الجهات الرسمية في اليمن ربما حال دون وصولها إلى القائمة ولهذا يعمل فرع الهيئة في وادي حضرموت على محاولة الحفاظ على مقومات الهجرين التاريخية والتقليل قدر المستطاع من التشوهات والخروقات المعمارية حتى تظل المدينة محافظة على مقوماتها وأيضا عدم إحداث ما يجعل موقفها حرجاٍ لدى اليونسكو عند تقديم ملفها وما حدث من تشويه معماري في بناء أحد المساجد يعد من الأشياء المشوة والمؤثرة على هذه المدينة الرائعة.
مازالت باقية
ولفت عيديد إلى أن المدينة مازالت محافظة أيضا على حرفها التقليدية حيث تشتهر المدينة بدرجة أساسية بتجارة الخشب والزخرفة بيد أن سوقها القديم باتت مكانته تتراجع يوما بعد آخر والخشية أن يصل به الحال ليصبح كسوق زبيد وهو يعد من أبرز مقومات المدينة وينبغي على الجهات المعنية التنبه لهذا الجانب قبل فوات الأوان وسرعة تدارك أشياء كثيرة في الهجرين قد تفقدها المدينة.
كما فقدت الكثير من أرباب مهنة البناء الطيني الجميل والصيانة ولعل الأشياء التي يمكن للمدينة أن تفقدها تعد ذات أهمية كبيرة وجزءاٍ هاماٍ من مقومات جمالها وعراقتها منها السوق وكذا منازل وقصور ضخمة وكبيرة.
وذكر عيديد مواقع أثرية بالقرب من مدينة الهجرين أبرزها المشهد والقزة والخربة وجميعها تثري المدينة وتجعل منها مزاراٍ سياحياٍ يؤمه كل الزوار ويجدون فيه كل ما يشاؤون من جمال الطبيعة في الوادي إلى أطلال الحضارات السالفة وعظمة البناء الطيني في الهجرين وفرادته.