“السلام” أُمنية اليمنيين في العام الميلادي الجديد

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

تاريخ اليمن مليء بالصراعات والحروب الداخلية قبل الإسلام وبعده والمشاركة في ما يعرف بعد الإسلام بالغزوات أو الفتوحات الخارجية، مما يعطي الانطباع بأن اليمنيين ميالون للحروب، فهل هذا صحيح وكيف يتم الخروج من الحال الذي نعيشه؟؟
محاولة الإجابة تستوجب دراسة تاريخية واسعة ومعمقة لبيان أسباب الحروب التي خاضتها اليمن ودور العامل الخارجي فيها ، ومساحة اليوميات لا تسمح بالتوسع في محاولة الإجابة إلا بما يلامس أسباب الدخول في ما نحن فيه ، ومن المعلوم أن أي بلد متعدد التضاريس والمناخ والأعراق والانتماءات كاليمن بيئة مناسبة للخلافات تتحول إلى حروب إذا لم توجد قيادات حريصة على الخطاب الجامع واتخاذ قرارات تهدف بإخلاص لتوحيد البلاد وفق رؤية مقنعة لا تسمح باستخدام الكيانات القبلية، وكل التساؤلات مشروعة ما دام هدفها البحث العلمي لتشخيص المشكلات والعمل على حلها وليس لإدارة البلدان بالحروب والأزمات فالعلم هو طريق الدول القوية لاكتشاف عوامل القوة في تاريخها وكيفية المحافظة عليها ومراكمة أسبابها وليس التعامل مع مؤسسات الدولة كميراث شخصي، الحرص على المصلحة العامة هو عنصر القوة الأساس لأي دولة والاعتماد على الموالين المنافقين سبب رئيس لانهيار الدول والحضارات لأنهم إنما يوالون مصالحهم الشخصية لا المصلحة العامة ولا حتى مصلحة الحاكم لأن كل حاكم زائل مهما طال حكمه، والمنافقون سريعو التلون والأمثلة على هذا كثيرة لمن يعتبر، والعلم يوصل إلى اكتشاف أسس بناء وعي وطني يعزز وحدة أي بلد على أسس وطنية متينة وبأدوات نظيفة صادقة هدفها السلام الداخلي أولاً والسلام مع العالم ثانياً لأن العلم قد قصَّر المسافات ولا مجال للانعزال، وعلى سبيل المثال لم يعد لسور الصين العظيم الأهمية التاريخية التي أنشئ من أجلها والتي تعكس رغبة من بناه في صد العدوان، ومع ذلك أصبح معلماً سياحياً وتاريخيا يدر على الصين دخلاً وصار مع الصين قوة لا يستهان بها ومع ذلك ليست عدوانية.
ومن يتمعن في تاريخ الحروب في اليمن يجدها حروبا دفاعية أي أن نزعة العنف عند اليمنيين إنما هي نزعة وافدة يغذيها باستمرار العامل الخارجي، وهو ما يُعد أهم أسباب كون اليمن مقبرة الغزاة، فعوامل الاستقرار الداعية للسلام متوفرة على عكس الدول والكيانات التي نشأت إلى جواره، وهذا ليس ادعاءً إنما هي حقائق تاريخية أكدها مؤرخون ثقاة منهم المؤرخ العراقي المعروف د. جواد علي رحمه الله الذي ذهب في أجزاء من كتابه المكون من عشرة مجلدات المعروف (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) إلى أن آثار اليمن التي تعرضت لكثير من الاعتداءات لو كشف عنها بأمانة فستقلب ما اعتبره بعض المؤرخين حقائق تاريخية رأساً على عقب، أما الكيانات الأخرى التي نشأت في أجزاء واسعة من الجزيرة العربية والتي كانت تعيش على السلب والنهب وعدم الاستقرار فتنزع للحروب العدوانية، وليس من المفيد استمرار التغني بأمجاد التأريخ، إنما المهم قراءته والاستفادة منه والتعرف على كيفية بناء الدول القوية، ومعرفة أسباب الحروب لتجنبها والبحث عن وسائل الدفاع الحديثة لصد أي عدوان، واليمن تتعرض لحروب واعتداءات معلنة وغير معلنة تشنها السعودية منذ تكوينها قبل أقل من تسعين عاماً بدعم بريطانيا التي مكنتها من احتلال أجزاء واسعة من اليمن مثل جيزان وعسير ونجران وغيرها ومحاولة شرعنة هذا الاحتلال بدءاً بمعاهدة الطائف عام 1936 ثم معاهدة جدة غير الشرعية لمخالفتها الدستور اليمني عام 2000، والتدخل المستمر في شؤون اليمن لتغذية الحروب الداخلية والنزاعات ومنها حرب السبع السنوات التي بدأتها مع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 لمساعدة الملكيين دعما لعدم الاستقرار في اليمن وليس دعماً لأحد، ولعبت في ما عرف بثورة الربيع العربي دوراً واضحا في اختطاف الحلم بالثورة بالمبادرة السعودية المسماة بالخليجية بوضعها السم في مائدة الحوار وهندسة الوصول إلى الفراغ السياسي الذي اعتبرته بإخراج سخيف مبرراً لعدوان وحصار هو الأبشع في التاريخ والمستمر حتى اللحظة تستثمره مع المشاركين في الصراع الداخلي، ومن المحزن سماع بعض المحسوبين على السياسة والإعلام يناشدون المملكة مراعاة مصالح اليمن، فالتجارب تؤكد أن استقرار اليمن وتحقيق مصالحها لا يتحققان إلا على أيدي اليمنيين ووصولهم إلى قناعة بأهمية السلام والتعايش في ما بينهم، وعلى الأطراف الإقليمية إدراك خطورة استمرار تدخلهم والكف عن دعم بؤر الانقسام وتغذية أمراض المناطقية أو المذهبية أو غيرها، فأمن ووحدة واستقرار اليمن فيه أمن واستقرار للمنطقة، ودعم الكيانات والعصابات المسلحة والتطييف السياسي يؤدي إلى مزيد من الدمار والخراب، ومن المؤكد أن إدراك الجوار لهذه الحقائق مهم إلا أن الأهم هو إدراك اليمنيين لأهمية الإسراع في إنقاذ وطنهم.
فقط ينبغي التحلي بقدر من الصدق مع النفس والإحساس بالمسؤولية تجاه معاناة الشعب والبدء بعملية حوار جادة تكون فيها مخرجات حوار موفنبيك منطلقاً قابلا للتعديل بما يزيل السم الذي لا يخدم سوى عدم الاستقرار وبناء الثقة بأهمية الوحدة الوطنية الحقيقية وإعادة النظر في تقسيم الأقاليم بما يحقق التكامل وينزع الفخاخ التي أوجدها التدخل الخارجي والتي تمثل إهانة بالغة لكل من أيد التدخل بالقول أو بالفعل أو بالسكوت.
نداء مستعجل:
اليمن مهدد وفي خطر عظيم وما جرى ليس سوى تمهيد لسيناريو أقذر يهدد وحدته ووجوده، والخطوة الممهدة لمبادرة وطنية جادة يمكن أن تكون مدخلاً لإنقاذه تبدأ بتوقف كل الأطراف عن أعمال القتال وأن يتقدم الطرف الذي استخدمه المتدخلون ذريعة معلنة للتدخل بمناشدة علنية للأمم المتحدة بوقف العدوان والحصار وتشكيل لجنة مكونة من دول محايدة غير مشاركة في التحالف وإيجاد آلية ترعى حوارا يمنيا يوصل إلى انتخابات حرة نزيهة مباشرة تفرز سلطة شرعية تُسلِّم إليها جميع المليشيات كافة الأسلحة وتضمن حق اليمنيين في التداول السلمي للسلطة وتجرِّم الاستيلاء عليها بالسلاح تحت أي مبرر، أما الهدن المتقطعة فالهدف منها تمكين أطراف الصراع من استعادة أنفاسهم واستمرار العدوان والحصار والحرب واستكمال مشروع شرذمة اليمن والتهامه، والسلام .
السلام هو الله
وهو الطريق المؤدي إليه وليس الدماء.

قد يعجبك ايضا