بــوابـة الـــعزلة الاجتمــاعيـــة


> تربويون: الإنترنت سبب رئيس لتسرب أطفال المدن من المدارس

> دراسات: نسبة الاستخدام الخاطئ للانترنت والفضائيات وصل إلى 70%

> باحثون اجتماعيون : وسائل الاتصال الحديثة أصابت المجتمع في مقتل فكرياٍ وأخلاقيا

● إحباطَ مللَ ضيق حالاتَ نفسيةَ ومشاكل أسرية ومجتمعية وتجاذبات سياسية مذهبية عقائدية فكرية وجماعات إرهابية متطرفة وأخرى مادية إباحية كل ذلك وأكثر في الجانب المظلم من وسائل الاتصال الحديثة (الانترنت ـ الفضائيات ـ الهواتف الذكية )والتي أدمن عليها مجتمعنا وبلا هوادة فالطفل يهرب من حضن أمه إلى الفيسبوك وآخر من المدرسة إلى ألعاب الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وشباب وفتيات يداعبون تلك الوسائل “أناء الليل وأطراف النهار” … والنتيجة نسبة الاستخدام السيئ لهذه الوسائل في اليمن 70% ـ حسب دراسات متخصصة وبناءٍ على ذلك اعتبر باحثون وأكاديميون تلك الوسائل أنها وسائط تربوية قد تصيب المجتمع في مقتل فكرياٍ وأخلاقياٍ وتقحم الأجيال في جحيم المشاكل إذا لم يحسن استخدامها … إلى التفاصيل:

الأولى عالمياٍ
فيسبوك تويتر واتساب منتديات مواقع هواتف ذكية وفضائيات كل تلك الوسائل لم تكن سوى عوامل ” دفع رباعي” للعالم نحو التطور السريع واللامحدود وعلى الرغم من أن تلك الوسائل تعتبر سلاحا ذو حدين إلا أن العالم استخدمه كعامل مساعد في بتر المعوقات والصعوبات التي تعترض طريق التطور .. أما نحن في اليمن ـ كعادتنا ـ نسير في الاتجاه المعاكس باستخدامنا لتلك الوسائل كمعاول للتخلف والهدم الفكري والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي وإضاعة الأوقات ولم نطرق العامل الإيجابي لتلك الوسائل إلا نادراٍ ففي الوقت الذي يدمن فيه أطفالنا وشبابنا وبناتنا على مواقع الشبكة العنكبوتية والفضائيات اللامحدودة بمسلسلاتها وأفلامها الهدامة تشير إحصائيات شركة جوجل للعام 2013م إلى أن اليمن احتلت المرتبة الأولى عالمياٍ في تصفح المواقع الإباحية علماٍ بأننا حصلنا على المرتبة الثانية عالمياٍ في العام 2012م بذات التخصص ما يعني أن هناك تطوراٍ ملموساٍ في الاستخدام السيئ لوسائل تكنولوجيا العصر .
وعلى الرغم من أن اليمن تعتبر حديثة عهد بوسائل الاتصال الجديدة بأنواعها غير أنها شهدت انتشاراٍ كبيراٍ لتلك الوسائل إذ لا يكاد يخلو منزل من إحدى الوسائل الثلاث ” الإنترنت أو التلفاز أو الهاتف الذكي” وغالباٍ ما توجد الوسائل الثلاث في منزل واحد كما هو الحال في المدن كل ذلك كان على أمل أن تكون التكنولوجيا فاتحة خير وبداية انطلاقة تطور لشعب ظل حبيس الشائعات المغرضة والشعوذة والخرافات الأخرى غير أن ما يذكره الباحثون والمتخصصون في مجال التكنولوجيا خيب كل التوقعات حيث ذكرت بعض الإحصائيات أن نسبة الاستخدام الخاطئ لتلك الوسائل وصل إلى 70% ولم يقتصر التأثير السلبي لتلك الوسائل على فئة محددة من المجتمع فالكل أخذ حظه ونصيبه من أطفال قصر ويافعين وشباب وفتيات ونساء ورجال مع تفاوت بسيط من فئة لأخرى ومن جنس لآخر.
أطفال مدمنون
ما رصده كاتب التحقيق في الحلقة الأولى عن الأطفال ومدى تأثرهم بتلك الوسائل لاسيما الانترنت كان كفيلا بتوضيح ملامح المشكلة التي تهدد النسيج الاجتماعي حيث تم تتبع عدد من مقاهي الإنترنت لمدة أسبوع في بعض أحياء أمانة العاصمة بالتعاون مع بعض الناشطين وذلك من الصباح الباكر وحتى وقت الظهيرة وتبين أن حوالي 60% من مرتادي هذه المقاهي كانوا من طلاب المدارس وأن أغلب هؤلاء الطلاب هم من المرحلة الابتدائية والإعدادية ما يعني أن هناك تسرباٍ لبعض الطلاب بصورة شبه مستمرة من المدرسة مستغلين إهمال إدارات مدارسهم وغفلة أسرهم كما تبين ـ من خلال الرصد ـ أن نشاط هؤلاء الطلبة في تلك المحلات انحسر في ثلاثة اتجاهات الألعاب والفيسبوك ومشاهدة الأفلام وشكلت نسبة المشتغلين بالألعاب حوالي 40% فيما جاء الفيسبوك في المرتبة الثانية بنسبة 35% وأخيرا مشاهدة الأفلام بنسبة 25%.
أم محمد كان ابنها أحد هؤلاء الفارين من المدرسة إلى الانترنت اكتفت بالدعاء على من علم ابنها ما أسمته بلغتها الدارجة الخاصة بـ ” البسبوك” تعني الفيسبوك تقول أم محمد ــ ونبرات صوتها تترجم مدى حزنها على انحراف ابنها وإهماله للمدرسة ـ ” لا أدري كيف أتعامل مع ابني الذي لم يتجاوز عمره العاشرة¿ فمنذ الساعة السادسة صباحا وهو أمام التلفاز حتى يذهب إلى المدرسة والتي يخرج منها في منتصف الوقت فاراٍ إلى الانترنت وفي العصر يجلس أمام الألعاب والمسلسلات حتى بدأت ألاحظ تراجعاٍ كبيراٍ في مستواه العلمي وكذلك في تصرفاته ولهجة خطابه والتي غالبا ما تطفي عليها الألفاظ السيئة مع أنه كان من الأطفال المثاليين سواء داخل البيت أو خارجه “.
خطورة الإدمان
الباحث الاجتماعي حسين النوري أعطى صورة مفصلة عن الوسائط التربوية المتمثلة بوسائل الاتصال الحديثة ومدى خطورتها على التنشئة الاجتماعية حيث قال ” مما لا شك فيه أن وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت والفضائيات تحمل في طياتها الكثير من الخير والشر والمتأمل إلى طبيعة المجتمع اليمني سيجد أن له خصوصيات تختلف عن كثير من المجتمعات الأخرى فهو محافظ دينيا منفتح اجتماعيا يختزل في طياته الكثير من الاتجاهات السياسية والفكرية والعقائدية ويعاني من مشاكل اقتصادية وثقافية وتعليمية فنصف سكانه تقريبا أميون والنصف الأخر لم يكن تعليمه بالشكل المطلوب ويشير إلى أن انتقال مجتمع كهذا إلى عالم مفتوح لا تحده الحدود هو عالم الانترنت بخيره وشره والفضائيات باتجاهاتها وفلسفاتها والهواتف الذكية بخدماتها المتجددة كان له عامل التأثير السلبي في المجتمع أكثر من التأثير الإيجابي فمثلا ما تبثه القنوات الفضائية من أفلام ومسلسلات وثقافات واتجاهات فكرية وعقائدية مختلفة أنشأت مجتمعاٍ متشظياٍ متفكك خيالياٍ رافضاٍ للواقع وهذا ما نلمسه اليوم في الكثير من الأسر فمثلا الإدمان على متابعة المسلسلات والأفلام أعقبه محاولة تقليد ومحاكاة للثقافات التي تفرزها تلك المسلسلات التي لا تناسب مجتمعنا مما أدى إلى نشوب خلافات أسرية لا حصر لها انتهت الكثير منها بالطلاق وطبقاٍ للإحصائية ـ غير الرسمية فإنه قد ـ حدث 100 حالة طلاق بسبب مسلسل واحد أيضا ما نشاهده اليوم من انفلات أخلاقي في الكثير من الفتيات لم يكن سوى إحدى ثمار المسلسلات ” وتابع الباحث قائلا ” أما بالنسبة للأطفال فهم الأكثر تأثراٍ بوسائل الاتصال الحديثة فمن خلال إدمانهم على الانترنت بما فيها مواقع التواصل الاجتماعية يجعلهم يندمجون ـ تلقائيا ـ مع جماعات قد تكون إرهابية أو متطرفة وأحيانا تشدهم التجاذبات السياسية والفكرية والعقائدية الموجودة اليوم على الساحة الوطنية وبناءٍ على ذلك يكون المجتمع قد ضمن مستقبلاٍ خالياٍ من الود والمحبة والتسامح “.
الطبيب النفساني حمدي عبيد تحدث بدوره عن المشاكل الصحية التي يسببها الإدمان على وسائل الاتصال الحديثة والاستخدام السيئ لها حيث قال ” لقد حاول كثير من الأطباء النفسيين والباحثين والعلماء دراسة مدى تأثر الإنسان صحياٍ بالإدمان على وسائل الاتصال الحديثة والاستخدام السيئ لها وكانت النتائج مخيفة للغاية وعن الحالات اليمنية في هذا السياق يقول هذه الأضرار في المجتمع اليمني فسنجدها بالتأكيد أكثر خطورة نظراٍ للواقع الذي يعيشه اجتماعياٍ واقتصادياٍ وثقافياٍ فالإدمان على تلك الوسائل على اختلافها يخلق نوعاٍ من عدم الرضا بالواقع ويصاب الشخص المدمن بالإحباط والملل والضيق وبالحالات النفسية التي تؤثر على سلوكه وتعامله مع محيطه الاجتماعي والأسري ومن أكثر الفئات المجتمعية تأثرا الأطفال فمثلا عند متابعتهم لمسلسلات رعب تنشأ لديهم حالة نفسية تقودهم إلى تطبيق ما تابعوه وقد حدث الكثير من هذه الحالات في اليمن.
ختاماٍ
فيسبوك واتساب ومواقع أخرى لا حصر لها مسلسلات وأفلام بفضائيات لاحدود لأفكارها وأهدافها والنتيجة أننا حصلنا على المرتبة الأولى عالميا في تصفح المواقع الإباحية وبلغت نسبة الاستخدام السيئ لتلك الوسائل 70% و أطفال وشباب وقعوا في أتون الصراعات العقائدية والفكرية والسياسية المتعصبة وشدتهم الجماعات الإرهابية إضافة إلى جملة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأسرية والتعليمية … فهل عمِ خير التكنولوجيا والعولمة على بقية دول العالم واقتصر شرها على مجتمعنا ¿ إن كان كذلك فما الأسباب ¿ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الحلقة الثانية من هذا التحقيق.

قد يعجبك ايضا