لعبة الفساد بين الاستيراد والتصدير

 

يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي
يبدو أن المشكلة الأساس في حياة الإنسان وبالذات الإنسان الذي ما تزال علاقته بالتراث وبالبحث عن مفهوم جامع للهوية علاقة غير واضحة أو مضطربة ما يبقي المشكلة كامنة في عدم الاستعداد والرغبة الجادة في المواءمة بين المنقول والمعقول وهذه المواءمة تحكمها وتتحكم بها دائماً تجاذبات المغالبة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ، فلا توجد مشكلة إذا ما بقيت هذه التجاذبات في حدود العقيدة والفكر والرأي وحرية التعبير عنها ، ولكنها تصبح مشكلة معقدة في حالة وجود سلطة سياسية لا تهتم بحرية الاعتقاد والفكر والرأي ولا تعيرها اهتماما بل وأحيانا تكفر صاحب الرأي المخالف وتستهدفه وتتقصده وتضيق عليه ، متجاهلة أهمية حرية العقيدة والرأي في بناء العقول وليس العجول ومتناسية ما عانته أو ما زعمت أنها عانته قبل وصولها إلى السلطة ، وهذا حال غالبية السلطات التي وصلت إلى الحكم ومن الغريب أن بعض المجتمعات كلما تغيرت وجوه الحكام ترحمت على من سبق وكأن السلطة تُغيب وعي من يصل إليها وتنسيه العبرة مما عاناه ، بما يوحي بأن نظام الفساد والاستبداد حلقات متصلة ببعضها.
ومن المعلوم أن مؤسسات الحكم لها الدور الأساس في المواءمة بين المنقول والمعقول وبين النظرية والتطبيق عند صياغة موجهات العمل السياسي وضبط إيقاع التجاذبات بين مصلحة الفرد والمجتمع ، ولن ينتهي هذا الاختلال وتتم المواءمة في ضبط الإيقاع إلا بواسطة سلطة وطنية حقيقية يصنعها مجتمع حر يمتلك كامل وعيه وإرادته ويوقف السباق المحموم على السلطة ويحد من جعلها أداة مستمرة لكبت الحريات واستهداف الأحرار بشتى الوسائل والأساليب، أما مجتمع القطيع فلن يكون سوى أداة طيعة في أيدي الطغاة والمستبدين يستجيب ويلبي لكل رغباتهم مهما كانت أضرارها وآثارها السلبية ، ومن المؤكد أن قوى الاستبداد المحلي جزء من الشعب (القطيع) ولن تكون بمنأى عن الضرر الناجم عن هذا الاختلال الذي تديره أو تنفذ سياساته أي أنها متضررة بقدر ما هي ضارة لأن الاستبداد مرض يعاني منه المستبد كما يعاني منه الشعب (القطيع) الواقع تحت نير الظلم والاستبداد والفساد ، ويبدو أن قوى الاستبداد والفساد العالمي والمحلي قد توحدت رغم اختلاف مستوى وعي الشعوب لأن السرَق كما يقول المثل الشعبي إخوة ، ولكن قلوب المستضعفين الواقعين تحت الاستبداد شتى وبينهم دائما منافقين همهم السعي إلى السلطة ولو بممارسة الاستقواء بالخارج والكذب والتضليل وادعاء تقوى الله ، وهذا من أهم عوامل استمرار هيمنة الفساد العالمي والاستبداد ، ويتبع الاختلاف الثقافي بين الشعوب اختلاف بين الدول وهو اختلاف نسبي من أبرز مظاهره أن قوى الفساد في الدول المتقدمة تنتج الفساد وتصدره ، في حين أن الدول المتخلفة المستهلكة تستورد الفساد وتنفذ سياساته بما في ذلك إنشاءها لما يسمى هيئات مكافحة الفساد في الدول المتخلفة المستوردة للفساد بحجة أن ذلك مطلب دولي وبذلك تصبح وظيفتها من حيث تعلم أولا تعلم التشويش على أي جهود جادة تهدف إلى تصحيح أوضاع السلطة القضائية وإعطائها الاستقلال الحقيقي والإمكانيات الضرورية لأداء واجبها على النحو الذي يحفظ لها مكانتها ويعزز من دورها في تحقيق العدالة وتصفية بؤر الفساد باعتبار القضاء هو حارس مبدأ سيادة القانون والسلطة القضائية القوية لا تقبل أبداً أن تكون مطية لتصفية حسابات الأنظمة السياسية المتعاقبة كونها ضامنة لتحقيق العدالة للجميع في كل الظروف لا تتأثر بأي تغييرات سياسية إلا بما يعزز استقلالها وتطوير أدائها كسلطة للعدالة وليست سلطة بيد الحكام أو قلعة يتحصن بها وفيها القضاة الفاسدون بدعوى استقلال القضاء.
وحين أكرر الحديث عن ضرورة إيجاد رؤية وطنية لمكافحة الفساد عن طريق قضاء مستقل وعدم الاندماج في اللعبة الدولية التي تدعو و تدعي مكافحة الفساد لا أقصد بذلك الدعوة للقطيعة مع العالم وإنما هي دعوة لنا جميعاً لمحاولة فهم ما يدور في العالم وأهمية العلاقة السوية معه مع فهم إمكاناتنا فنحن جزء من العالم ولا يمكن أن نبقى معزولين عنه ، وهذا المنهج يوصلنا إلى نتيجة مؤداها بأن الاختلاف بين مستويات الدول يتضمن كذلك تنوعا واختلافا داخل كل دولة منها اختلاف الثقافة ومستوى الوعي حيث تختلف الصورة بين صانع الاستبداد ومصدره وبين المستورد ومنفذ السياسات المطيع بعلم منه أو بغير علم وقدرة كل منهما على ممارسة التضليل الإعلامي في الداخل والخارج وهذا لا يعني أن لأي منهما فضل على الآخر أو ميزة تميزه عنه لأن كارثة الفساد العالمي ماثلة للعيان ، ولا ينقذ العالم سوى استشعار قوى الخير في العالم لأهمية البحث عن نظام عالمي أكثر عدلاً ورحمة ومسؤولية وإدراكا لمخاطر التوحش في العلاقات على كل المستويات والمحاولات الهوجاء في إبعاد الإنسان عن البحث عن طريق أكثر وعياً نحو تشكل هوية إنسانية تنقذ العالم من ويلات الصراع العبثي الأهوج ومنع استحلال الدماء وفق أي دعوى وتحت أي مسمى فقد عانى العالم كثيراً من ويلات الصراع والحروب الاستثمارية الأكثر وحشية تحت مختلف الرايات والأيديولوجيات المتخمة بالغفلة والغيبوبة عن لغة العصر مما ساعد قوى الفساد والاستبداد العالمي على التفنن في صنع الأزمات الاقتصادية والحروب بكل أنواعها واستثمارها.
تمر بك الكائنات سراعاً إلى …
حيث تغدو الحقيقة سابحة في الفضاء
وتصبح نهب الأكاذيب والشائعات
والعقل ألعوبة المترفين
فلمن سوف يذهب كأس البطولة؟!.

قد يعجبك ايضا