احتلال العملاء الإقليميين لجزر ومنافذ اليمن خطوة تمهيد تسبق تسليمها للأمريكي والبريطاني

كيف يحاول غزاة الأمس إعادة تدوير أدواتهم وأساليبهم الاستعمارية في الجنوب: الـ 30 من نوفمبر كابوس يخيّم على عقول المحتل وأدواته الإقليمية والمحلية

 

الثورة /حمدي دوبلة
المتابع للأحداث في اليمن يدرك بسهولة أن الاحتلال البريطاني القديم الذي كتب اليمنيون نهايته في الـ 30 نوفمبر من العام 1967 يحاول من خلال أدواته ومرتزقته الإقليميين والمحليين العودة من جديد ولكن بشعارات أخرى وتحت ذرائع ومبررات غير التي استخدمها في العام 1837 عندما زعم أن صيادين يمنيين قاموا حينها بنهب  سفينة هندية ترفع علم بريطانيا وكانت راسية بالقرب من ساحل عدن، ووضعت لندن سلطان لحج «محسن بن فضل العبدلي» أمام خيارين: إما التعويض أو تمكينها من السيطرة على ميناء عدن، فاختار «العبدلي» الخيار الأول، لكن بريطانيا سرعان ما تراجعت عن قبول التعويض، وأصرت على ضرورة احتلال مدينة عدن، فوافق «العبدلي» في 22 يناير 1838 على تسليم عدن مقابل شطب ديونه البالغة نحو 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، وبقاء وصايته على رعاياه، وفي 16 يناير 1839 هجمت السفن الحربية الإنجليزية على عدن، واحتلّتها بعد ثلاثة أيام من القصف العنيف، بعد أن وفر لها «العبدلي» الغطاء الشرعي.

الأطماع القديمة المتجددة
يعود اهتمام الاحتلال البريطاني بعدن والمناطق الساحلية اليمنية إلى العام 1609، في اطار المنافسة التجارية الأوربية، حيث بدأت شركة الهند الشرقية في إرسال أولى رحلاتها إلى عدن والبحر الأحمر، وتأسيس وكالة تجارية بريطانية في المخا، وظلت تمارس من خلالها أنشطتها في المنطقة إلى أن تمكنت من احتلال مدينة عدن في 19 يناير 1839، والتي تم التمهيد لها بعقد معاهدة تجارية مع «العبدلي» في العام 1802، بموجبها أصبح ميناء ثغر اليمن الباسم مفتوحاً أمام البضائع الإنجليزية، وضمنت فيها توفير الحماية الخاصة لرعاياها وتأسيس وكالة تجارية.
وخلال الفترة «1802 – 1837» اتسعت رقعت نفوذ بريطانيا بعدن، ونجحت في تكبيل السلطان «العبدلي» بالديون، وبالتالي فبركة قصة نهب السفينة «دريا دولت»، واستخدامها كذريعة لاحتلال عدن والمناطق اليمنية الجنوبية والشرقية، ومع مرور السنين نجحت في تكبيل سلاطين السلطنات المجاورة لعدن، باتفاقيات ومعاهدات بعناوين وتسميات مختلفة، هدفت من ورائها إلى إحكام القبضة على كامل المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، وإدارتها من خلال شركة الهند الشرقية، والتي كانت تتخذ من «مومباي» مقراً لها، ليتم في 1 أبريل 1937 فصلها عن «مومباي»، وإلحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية، ومعها بدأت بممارسة نوع جديد من السياسات الاستعمارية في المناطق اليمنية المحتلة، لضمان تثبيت بقائها، وضمان الاحتفاظ بالنفوذ والمصالح بعد جلائها.
ومثلما كانت السفينة «دريا دولت» ذريعة بريطانيا لاحتلال عدن قبل 181 عاماً، ها هي أذيال الاستعمار البريطاني في الخليج العبري اليوم تعاود احتلال اليمن انطلاقاً من عدن، بذريعة إعادة شرعية الرئيس المنتهية ولايته والفار من وجه العدالة العبدلي الجديد «عبدربه منصور هادي»، ومن المفارقات العجيبة، أن «العبدلي الجديد» وشقيقه «ناصر» كانا قبل ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة من أهم المقربين للحاكم العسكري البريطاني في السلطنة الفضلية، ما دفع الرئيس الراحل «سالمين» في مطلع السبعينيات من القرن العشرين إلى الاعتراض على تعيينه مديراً للكلية العسكرية في عدن، بحجة ارتباط عائلته بالاستعمار البريطاني.
وها هو وريث صنيعة الإنجليز «رشاد العليمي» ينافح اليوم وللسنة الثامنة على التوالي وبأريحية مخزية من أحد فنادق الرياض عن الحرب التي تشنها السعودية والإمارات على بلاده، خدمة لأسيادهم في لندن والبيت الأبيض وتل أبيب، وتمكينهم من تحقيق أطماعهم القديمة في إحكام السيطرة على سواحل اليمن وجزره ومنافذه ومضائقه البحرية، وهي ما تتجلى اليوم في ممارسات الاحتلال الإماراتي العبثية في مضيق باب المندب وجزيرة ميون الاستراتيجية القابعة في وسط المضيق وكذلك في أرخبيل سقطرى ومختلف جزر وشواطئ اليمن بما تتميز به من موقع استراتيجي وما تمتلكه من ثروات وموارد غنية يسيل لها لعاب المحتلين الجدد وأسيادهم في لندن وواشنطن.

إعادة تدوير الوسائل الاستعمارية
فيما مضى حرصت السياسة البريطانية بالمناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، وتلغيم حياتهم بسموم الكيانات والكانتونات المناطقية المتنافرة والمتصادمة من سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات، وها هي عاصفة عدوان أذيال الاستعمار البريطاني تعيد اليوم إنعاشها من جديد، مع تغيير مسمياتها وشعاراتها دون أي تغيير في مراميها وأهدافها القديمة.
عنوان» فرّق تسد» كانت هي المنهجية المعتمدة في سياسة لندن، ونجحت قديما إلى حد كبير في تكريس الفرقة والصراعات بين اليمنيين وتمكنت من إحكام سيطرتها على الجنوب لعقود من الزمن، كما أحدثت اختراقا على صعيد سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن، عن هويتها التاريخية والجغرافية، من خلال تغليب الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوة الخلافات والصراعات البينية، بهدف طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتكبيل ووأد أي هبّة شعبية تحررية، وتفخيخ مستقبل الأجيال بألغام العنصرية المناطقية والعشائرية والفئوية. وهو ما نراه اليوم بوضوح في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة
لقد أدرك المحتل البريطاني أن قوة وجوده واستمراره ومقومات بقائه واستقراره، متوقفة على تجزئة المجتمع اليمني، وإغراقه في الخلافات والصراعات البينية، لكنه رحل منهزما رغم كل تلك الأساليب والوسائل القذرة التي يعيد تدويرها اليوم على أيدي وكلائه ومرتزقته على أمل أن يحقق من خلالهم على ما فشل فيه قبل عقود من الزمن.
سياسات بريطانيا القديمة أثناء احتلاله للجنوب قوبلت بالرفض الشعبي والغضب المتصاعد الذي تفجرت أولى شراراته في الـ 14من أكتوبر عام 1963 قبل أن يستسلم ويأخذ عصاه ويرحل مذموما مدحورا ويغادر آخر جنوده في مثل هذا اليوم الأغر من العام 1967 وهاهي موجات الغضب اليماني تتشكل اليوم منذرة بثورة عارمة تجتث الغزاة والمحتلين وتطردهم بعيدا عن أرض اليمن الطاهرة.

ما بين الاحتلال القديم والحالي
عند مقارنة الاحتلال البريطاني القديم وما يجري حاليا في المحافظات الجنوبية والشرقية نجد تطابقا كبيرا مع بعض الاختلافات وخاصة على صعيد الوسائل والتكتيكات والأدوات..
المستعمر الجديد يستخدم وكلاء وعملاء محليين بدرجة رئيسية وخاصة من قبل المحتل الأمريكي، باعتباره الوريث للاستعمار البريطاني، والذي لا يحبذ الدخول المباشر لبسط نفوذه من خلال قواته، وإنما يعتمد – كما يرى المراقبون – سياسة الدفع بعملاء إقليميين ومرتزقة محليين لاحتلال الجزر والمنافذ البحرية وإنشاء قواعد عسكرية ومدن وانشاءات سكنية وبنيوية تحت شعارات مختلفة على غرار ما تقوم به القوات الإماراتية في جزيرة ميون بمضيق باب المندب وفي مناطق عديدة بأرخبيل سقطرى ، فهذه القوات لا تمتلك المقومات للبقاء طويلا في هذه المناطق ولكن دورها المرسوم بعناية يقتصر على التمهيد فقط لتسليمها في وقت لاحق إلى الأمريكي والبريطاني.
اليوم وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على استقلال جنوب اليمن في الـ 30 من نوفمبر والذي تخلص فيه اليمنيون من الاحتلال البريطاني عاد المحتل القديم في عباءة جديدة متسلحاً بأدوات وأساليب عمد إلى استنساخ بعضها وإعادة تدوير البعض الآخر إضافة إلى العمل على إنشاء تيارات سياسية ومليشيات مسلحة تدّعي الوطنية لكنها تعمل كأداة رخيصة لفرض الوصاية على الشعب اليمني وتنفيذ أجندة ومخططات المحتل الحقيقي ومساعيه لنهب ثروة الشعب والتحكم في مصيره وسيادة قراره الوطني.. لكن الشعب اليمني على وعي عميق بهذه الأساليب والتكتيكات التي خبرها لعقود طويلة خلال الاحتلال في نسخته القديمة، وكما انتصر عليها وأفشلها في ذلك الزمن فهو يمتلك الوعي الكافي والإرادة الصلبة والعزيمة التي لا تلين وكل ذلك كفيل بتحقيق النصر وطرد المحتل وأدواته الإقليمية والمحلية من كل شبر في أرض اليمن وقهر المعتدين وإفشال مخططاتهم ومشاريعهم الرخيصة وكل أشكال تطفّلهم على مقدرات اليمن وحياة شعبه الحر العظيم.

قد يعجبك ايضا