في تجربة هي الأولى في اليمن تميَّزت بالشفافية ومعايير الكفاءة والجدارة الوظيفية
الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تنظم اختبارات الكفاءة للمتقدمين للوظائف القيادية العليا
يعاني شباب الوطن المتفوقون وأصحاب الكفاءة في الحصول على وظيفة حكومية تتوج سنوات تفوقهم الدراسية في المدرسة والجامعة وتبعث فيهم الأمل بمستقبل أفضل تحل فيه الكفاءة والتخصص مكان الوساطة والمحسوبية التي حاربت أحلامهم وحرمت الوطن من حصيلة علمهم وتفوقهم للنهوض بالوطن ومؤسساته الحكومية، كما كانوا متألقين ومعيدين في جامعاتهم وتخصصاتهم، وفي سبيل الحد من هذه الظاهرة السلبية، قدمت الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تجربة فريدة من نوعها تقام للمرة الأولى في اليمن وصار من الضروري تطبيقها في جميع المؤسسات الحكومية.
الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتي تتبع رئاسة الجمهورية وتأسست بقرار رئاسي مطلع العام 2021م، دشنت اختبارات الكفاءة للمتقدمين للوظائف الإدارية والقيادية العليا، بما فيها الوكلاء ومدراء العموم ضمن مشروع الاستقطاب والتعيين وفقاً لمبدأ الكفاءة والجدارة الوظيفية، حيث حضرت النزاهة والشفافية في اختبارات القبول التي تم إعدادها بمعايير متطورة توافق أفضل المعايير الدولية المتبعة في هذا الجانب وعبر مراحل مختلفة، حيث تقدم لتلك الاختبارات العديد من أصحاب الكفاءات الذين أبدوا ارتياحهم وإعجابهم بهذه التجربة، آملين أن تكون حاضرة في جميع الوظائف الحكومية لينال الأكفأ والأجدر فرصته في خدمة هذا الوطن الذي عانى لعقود من الزمن من غياب الكفاءات وأصحاب التخصص وتواجد الشخص غير مناسب في مرافق الدولة والأماكن الحساسة.
“الثورة” واكبت الاختبارات التحريرية في يومها الأخير للمتقدمين والتقت قيادة الهيئة وعدداً من المتقدمين للوقوف أكثر على هذه التجربة وخرجت بالحصيلة التالية:الثورة / أحمد السعيدي – عبدالقادر عثمان
قيادة الهيئة كانت حاضرة في الاختبارات التحريرية التي أقيمت في قاعة الاختبارات المؤتمتة بكلية طب الأسنان في جامعة صنعاء، فخلال خمسة أيام ظل كل من الدكتور منير القاضي -رئيس الهيئة ونائبه الدكتور عبدالعزيز الحوري يتنقلان بين القاعات للاطلاع على سير الاختبارات للمتقدمين.
حيث يقول رئيس الهيئة القاضي: “منذ تدشين أعمال الهيئة في العام 2021م جاءتنا الكثير من التوصيات بتعيين أشخاص في مناصب قيادية في الهيئة لكننا أجبنا بأن لدى الهيئة مشروعاً خاصاً لاختيار الكفاءات على المستوى الوطني وبإمكان الجميع التقدم والمنافسة على المناصب، لأننا لا نريد اختيار أجدر من نعرفهم، بل نتيح الفرصة لكوادر جديدة لنخلق تجربة فريدة تؤسس لمنظومة وطنية متكاملة”.
ويضيف القاضي: “هذا المشروع امتداد لعدد من المشاريع الاستراتيجية التي تتبناها في البناء المؤسسي، إذ يأتي بعد عام ونصف من عمر الهيئة كامتداد لمشاريع سابقة، حيث قمنا في بادئ الأمر بتشكيل فريق من الخبراء لإعداد استراتيجية الهيئة بعد مسح عدد من الاستراتيجيات على المستوى العالمي ومحاولة تطبيقها وتعديلها، بما يتوافق وخصوصية البلد ومنها أعددنا اللائحة والهيكل التنظيميين، ثم دليل الوصف الوظيفي الذي يحدد مهام ومعايير الكادر الكفؤ الذي تسعى الهيئة لاستقطابه وتعيينه”، ويؤكد بالقول: “رأينا أن أنسب وسيلة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب هي أن تتيح الهيئة الفرصة لكافة الكوادر المؤهلة في البلد للتقدم لشغل الوظائف وفقاً لمعايير الكفاءة والجدارة بعد مراحل اختبار نظري وآخر عملي ومقابلة شخصية وفترة تجربة تطبيقية”.
وفي إطار الحديث عن المشروع، يقول الدكتور منير القاضي: “بدأنا المشروع منذ سبعة أشهر، وأعددنا خطة المشروع وفق معايير دولية ومحلية ناجحة، وبدأنا التنفيذ في الإعلان عن الشواغر ومن ثم تقييم ملفاتها واختيار المناسب منها للانتقال إلى مرحلة الاختبارات التي أجريناها الأسبوع الماضي، ولدينا مراحل أخرى نستطيع من خلال نتائج اختباراتها تحديد مهارات وقدرات وسلوكيات كل متأهل واختيار الأنسب ليكون ضمن كادر الهيئة”.
وعن أبعاده، يرى رئيس الهيئة أن “هذا المشروع يحدد مصير الهيئة العليا للعلوم لعشرين سنة قادمة، لأن أكبر مشكلة تعانيها المؤسسات الرسمية تتمثل في حالة التضخم الإداري وافتقارها للكفاءات، والهيئة تنطلق في مشروعها من محددات توجيهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وبما يتناسب مع المحاضرة السابعة من محاضرات السيد القائد التي ألقاها عن عهد الإمام علي -عليه السلام- لمالك الأشتر، وكذا توجيهات القيادة السياسية ممثلة برئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط، وانطلاقاً من الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة”، وفق حديثه لـ«لثورة».
بدوره يشرح لـ«الثورة» نائب مدير الهيئة عبدالعزيز الحوري عن طبيعة هذه التجربة قائلاً: “الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا الابتكار تنفذ مشروع التوظيف عبر تجربة هي الأولى من نوعها في اليمن، حيث يتم تعيين وكلاء ومدراء عموم وقيادات عليا في مؤسسة حكومية من خلال المنافسة بين المتقدمين وإتاحة الفرصة للجميع، حيث بلغ عدد المتقدمين للتوظيف بعد مرحلة الإعلان والتسجيل ما يقارب 2,000 متقدم في مختلف الوظائف المعلن عنها والذي تبلغ 32 وظيفة، حيث يتفاوت العدد من وظيفة إلى أخرى”.
آلية متطورة
وحول الآلية التي يتنافس بموجبها المتقدمون, أضاف الدكتور الحوري: ” بدأت لجان الاختبارات بفرز وتقييم ملفات المتقدمين في المرحلة الأولى ثم في المرحلة الثانية تم إعداد وتجهيز الاختبارات التحريرية التي استمرت لمدة شهرين وخلال هذه الفترة قامت اللجنة بتجهيز الاختبارات النظرية لكافة التخصصات، ثم قامت اللجنة الفنية بمراسلة المتقدمين المتأهلين من المرحلة الأولى، وكانت الرسائل تتضمن موعد الاختبار ومكانه وكذلك الكود الخاص بدخول الاختبار، بعد ذلك تم تقسيم المتقدمين إلى أربع مجموعات حسب الأعداد المتاحة من أجهزة الحاسوب، ثم بدأت الاختبارات يوم السبت وتم استقبال المجموعة الأولى التي فيها حدود 9 وظائف وكذلك يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء، كما تشاهدون يتم اختبار المجموعة الأخيرة من المتقدمين الذين بلغ عددهم أكثر من 500 متقدم وبعد هذه المرحلة بإذن الله تعالى سيتم إعلان النتائج وإرسال رسائل خاصة إلى جميع المتقدمين، سواء الذي تأهل أو لم يتأهل، المتأهلون سيتم إبلاغهم بتأهلهم للمرحلة القادمة وغير المتأهلين ستصلهم رسالة اعتذار بأن هناك فرصة في مراحل قادمة وبياناتهم محفوظة لدى الهيئة وبعد الاختبارات التحريرية تأتي مرحلة الاختبارات العملية عن بعد ليتم تجهيزها لكل وظيفة من الوظائف المحددة على حدة، ومن ثم يتم الإعلان عن المتأهلين إلى المرحلة التي تليها وهي مرحلة المقابلات ثم مرحلة بيئة العمل ومن خلال هذه المرحلة سيكون العدد أقل وستتم إتاحة الفرصة لهم للعمل في ظروف حقيقية ومشابهة للوظيفة وكأنهم يؤدون الدور الحقيقي في الوظيفة من خلال اختبارهم في فترة تجريبية ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر حسب القوانين المعمول بها في اليمن أو غير اليمن ومن خلال عملهم وتقييمهم يتم اختيار الشخص المؤهل لشغل الوظيفة المناسبة”.
توجيهات القيادة الثورية والسياسية
وحول السبب الذي دفع قيادة الهيئة لإقامة هذه التجربة، أكد نائب رئيس الهيئة أن ذلك يأتي استجابة لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في محاضراته التي ألقاها عن عهد الإمام علي –عليه السلام- لمالك الأشتر، وفيها أكد السيد القائد على ضرورة أن يكون التوظيف عبر الوضوح وإتاحة الفرصة للجميع وأن يكون الاختيار حسب معيار الكفاءة وتطبيق مبدأ الشفافية والنزاهة، حيث انه سيتم في نهاية اختبارات القبول في الوظائف المعلن عنها الرفع بالمتأهلين في المناصب القيادية إلى رئاسة الجمهورية لإصدار قرار بتعيينهم.
وفي ختام حديثه أوضح الدكتور الحوري أن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد تم تطبيقها في أكثر من دولة حول العالم والهيئة بعون الله قررت تطبيقها في اليمن كأول جهة أو مؤسسة حكومية تنفذ هذه التجربة على أرض الواقع، متمنياً أن تتجه بقية الجهات والمؤسسات الحكومية إلى تطبيق هذه الآلية في التوظيف.
لكل مجتهد نصيب
“الثورة” التقت عدداً من المتقدمين الذين كانوا بين شباب وكبار في السن ونساء واستطلعت آراءهم حول هذه التجربة الجديدة والفريدة من نوعها، ومن هؤلاء المتقدمين عبدالوهاب العزب- محاسب خريج جامعة صنعاء 2014م، الذي قال: “قدمنا في وظائف الهيئة المعلن عنها وشاركنا في اختبارات القبول بسبب تميز هذه التجربة التي تعطي كل مجتهد نصيباً وفيها من الشفافية والنزاهة الشيء الكثير رغم أن عدد المتقدمين كبير، لكن التوفيق من الله والأهم هو الوضوح في هذه الامتحانات فالتجربة نادرة ومميزة وفريدة، حيث أنها موجودة في بعض الجهات الحكومية، لكن للوظائف العادية وليس القيادية والعليا ولكن تميزت هذه التجربة في الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا أن المنافسة على الوظائف القيادية كوكلاء ومدراء وليس الوظائف العادية وغير الهامة كما يحدث في بعض الجهات الحكومية والخاصة عموماً”.
مواكبة متطلبات العصر
من جانبها أكدت المتقدمة ألطاف محمد زيدان، أن هذه التجربة هي الطريق الصحيح نحو مؤسسات دولة تتواجد فيها الكفاءات وأصحاب التخصص وكفيلة أيضاً بإتاحة فرصة للمتفوقين عبر تنافس شريف بكل شفافية ونزاهة على الوظيفة الحكومية… ألطاف كغيرها من المتقدمين قدمت عبر موقع الهيئة العليا، ثم تم التواصل معها لحضور اختبارات المفاضلة في وظيفة مدير الحسابات كونها خريجة محاسبة، حيث شكرت القائمين على هذه التجربة والتنظيم الأكثر من رائع الذي تميز بالأتمتة وجعل الوظيفة الحكومية ليست حكراً على أصحاب الجاه والمنصب بل طاقات شبابية جديدة قادرة على تطوير العمل بخبرة ونظرة معاصرة تواكب متطلبات العصر.
أمل للشباب ومحاربة الوساطة
بينما يرى المتقدم عثمان العماد- محاسب، أن هذه التجربة كفيلة بالحد من ظاهرة الوساطة والمحسوبية في الوظائف الحكومية، واعتبرها ممتازة بشرط واقعيتها، كما تمنى أن يتم تطبيقها في أكثر من جهة حكومية، لأنها تجعل الوظيفة للأجدر وتبعث الأمل في حياة الشباب المتقدمين للوظائف تنسي المتقدم الدراسة والتعب والتفوق ثم يأتي غيره بالوساطة ليتوظف والأجمل في التجربة أن الفرص متساوية للجميع ويحصل على الوظيفة الذي يمتلك الكفاءة اللازمة.