التقارب الروسي – الصيني.. هل هو البداية لنظام عالمي جديد؟

 

إسكندر المريسي
اعتبر مراقبون أن التقارب الصيني – الروسي في الظرف الراهن يعد بداية لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأن ذلك التقارب جاء في ظروف وأجواء سياسية معقدة تشهدها العلاقات الدولية، أبرزها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما نتجت عنها من تداعيات ألقت بظلالها على مواقف الدول الكبرى .
حيث أكّدت بكين دعمها القوي لموسكو في توقيت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تقاربا يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها.
وشددت الصين على أنها ستدعم روسيا من أجل تعزيز موقعها كقوة عظمى، في رسالة غير مباشرة للغرب لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.. وزير الخارجية الصيني وانغ يي أكد في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف أن بلاده ستدعم روسيا للتغلب على الصعوبات وتعزيز مكانتها كقوة عظمى.. يي شدد أن أي محاولة لمنع البلدين من المضي قدما محكوم عليها بالفشل، مشيرًا إلى أن للبلدين حقوقا مشروعة في تحقيق التنمية بما يتماشى مع اتجاه العصر.
بدوره، أكد لافروف أن بلاده مستعدة لتعزيز التواصل مع بكين على جميع المستويات.. هذه المواقف جاءت في أعقاب شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، هجوماً حاداً على الغرب، لا سيما أمريكا التي اتهمها باستخدام العقوبات الاقتصادية “والثورات الملونة” سلاحا لتحجيم خصومها، لأنها لا تستطيع التنافس بشكل عادل مع القوة الاقتصادية والسياسية المتنامية لآسيا، وفق تعبيره، كما اعتبر أن الدول الغربية “تخلت عن أعراف” الشؤون الدولية من أجل الحفاظ على هيمنتها وإخضاع ما تراه “حضارات من الدرجة الثانية”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد أن العلاقات الروسية الصينية تتطور في ظل تعاونهما الاستراتيجي رغم تعقيد الوضع الدولي.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء عن بوتين قوله “تتطور العلاقات الروسية الصينية بشكل ديناميكي من خلال الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، وعلى الرغم من تعقيد الوضع الدولي، نتعاون بنجاح في مجموعة متنوعة من المجالات”.
وشدد الرئيس الروسي على ضرورة “بناء نظام عالمي أكثر ديمقراطية وعدالة لمواجهة التهديدات والتحديات الحديثة”.
واجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، في منتصف الشهر الماضي على هامش قمة دول منظمة شنغهاي للتعاون بمدينة سمرقند بأوزبكستان، حيث أكد بوتين على أن التوافق بين موسكو وبكين “يلعب دورا رئيسيا في ضمان الاستقرار العالمي والإقليمي”، مثمنا بصورة كبيرة موقف الصين الذي وصفه بـ” المتوازن بشأن الأزمة الأوكرانية”.. فيما شدد جين بي نغ على أن الصين مستعدة للعمل مع روسيا لتقديم دعم قوي في القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية لكل منهما.
كما اتفق البلدان خلال الشهر الماضي على زيادة التعاون الدفاعي بين البلدين، مع التركيز على إجراء التدريبات والدوريات المشتركة، بالإضافة إلى تعزيز الاتصالات بين هيئة الأركان العامة في البلدين.
حسابات الهيمنة
ويعيد هذا التحالف الحالي بين الصين وروسيا، إلى الأذهان التحالف الصيني – السوفيتي أثناء الحرب الباردة، ولكن في الوقت الحالي من الواضح أن الصين وروسيا لم تنخرطا في أي عمل على نطاق يذكرنا بأهوال الحرب العالمية الثانية، ولكن كلا البلدين يعبران بوضوح عن استيائهما من النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لأن النفوذ الأمريكي يقطع الطريق أمام سعيهما لكسب المزيد من السيطرة على الشأن الدولي، ولأن المبادئ الليبرالية المكرسة في النظام العالمي الحالي تتناقض بشكل جذري مع الأنظمة غير الليبرالية التي بناها بوتين وجين بينغ في بلديهما، وربما تكون الصين وروسيا بصدد تحقيق أجندات مختلفة، ولكن تقارب البلدين يمثل تحديا شاملا للتوازنات الجيوسياسية في أوراسيا والعالم بأسره.
فشل الابتزاز النووي
وفي إطار سباق التسلح النووي، أكدت الصين أن “المراجعة الخاصة بأمريكا بشأن موقفها النووي لعام 2022م”، والتي أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية، تنبثق بشدة من ‏الحرب الباردة وعقلية المحصل الصفري.‏
وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، في إفادة صحفية، على أن المراجعة الأمريكية “تزيد من حدة المنافسة بين القوى الكبرى ومواجهة الكتلة، وتستخدم الأسلحة النووية كأدوات لتعزيز أجندة أمريكا الجيوسياسية”.
وقال: “من الواضح أن هذا يتعارض مع رغبة العالم في منع نشوب حرب نووية أو سباق تسلح نووي”، مؤكدا أن “الصين لديها القدرة والثقة لحماية مصالحها الأمنية، ولن ينجح ابتزاز الولايات المتحدة النووي مع الصين”.
وحثت الصين أمريكا على “التخلي عن عقلية الحرب الباردة ومنطق الهيمنة، واتباع سياسة نووية عقلانية ومسؤولة، والوفاء بمسؤوليتها الخاصة والأولية في نزع السلاح النووي، والمساهمة في الاستقرار الاستراتيجي العالمي، والسلام والأمن العالميين”.
وذكرت استراتيجية الدفاع الجديدة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن الصين لا تزال تمثل التحدي الأمني الأكبر للولايات المتحدة على الرغم من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وسيحدد التهديد من بكين كيفية تجهيز الجيش الأمريكي وتشكيله للمستقبل، كما حذرت من أن الصين تعمل على تقويض التحالفات الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ.

قد يعجبك ايضا