الضربة التحذيرية.. ثروات اليمن وموانئه محمية بالقوة ولم تعد مستباحة

 

تحذيرات القوات المسلحة ستتبعها ضربات عسكرية نوعية تُلحق خسائر فادحة بالشركات التي ستحاول النهب
منذ بدء العدوان نهبت ثروات تزيد قيمتها عن 13 مليار دولار كافية لصرف المرتبات وتغطية ميزانية الدولة
عائدات الثروات تذهب إلى البنك الأهلي السعودي فيما يُحرم اليمنيون من رواتبهم

يكتفي الحليم بالإشارة، في قواميس الفهم والإدراك، غير أنها معقدة بالنسبة لأعداء اليمن، إذ لو كان لديهم شيء من الإدراك لكانوا استوعبوا الدروس التي تلقوها في اليمن طوال ثمان سنوات.. اليوم وبعد أقل من شهر على إصدار التحذيرات الرئاسية للشركات النفطية التي تعمل على نهب الثروات اليمنية، تسللت إحدى السفن خفية إلى ميناء الضبة لتطاردها أبابيل اليمن مجبرة لها على العودة بخُفَّي حنين في رسالة واضحة على تغيّر استراتيجية اليمن في تلقين الدروس لقاصري الفهم.

تقرير/ عبد القادر عثمان

منذ بدء العدوان على اليمن في مارس من العام 2015م، استغل تحالف العدوان بسط نفوذه على منابع الثروات الطبيعية ليحولها إلى مغنم يغذي من خلاله خزائن الحرب التدميرية على أكثر من 30 مليون يمني، في الوقت الذي يحرم فيه أبناء الأرض من الاستفادة من ثرواتهم في صرف مرتبات الموظفين والانتفاع بعوائدها في عملية البناء والتطوير للبلد.
ومع مرور الوقت واستمرار التطور العسكري اليمني أصبحت صنعاء تمتلك عناصر توازن الردع بأنواعها المختلفة، فبات بإمكانها استهداف أي نقطة في مياه اليمن الإقليمية من أي مكان في اليمن، ما دفعها مؤخرا إلى إصدار التحذيرات من اللجنة الاقتصادية العليا بتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط إلى الشركات النفطية، لحثها على التوقف عن نهب ثروات اليمن.
قياس النبض
وعلى الرغم من ظهور مؤشرات الاستجابة من قبل بعض الشركات لتحذيرات صنعاء الصادرة مطلع ربيع الأول الجاري، بحسب مصادر في اللجنة الاقتصادية العليا، إلا أن هناك محاولات لاختبار مدى جدية الأخيرة في قراراتها، ما دفع السفينة NISSOS للمجيء إلى ميناء الضبة عصر أمس الجمعة بغرض نهب مليوني برميل من النفط الخام.
ما أن وصلت السفينة ميناء الضبة حتى باشرتها القوات المسلحة اليمنية بطائرات مسيرة تحذيرية أسمتها بـ “الضربة التحذيرية البسيطة” أجبرتها على العودة من حيث جاءت وهي تجر أذيال خيبتها للمرة الأولى بعد ست سنوات من النهب المستمر للثروات اليمنية التي تصب عائداتها إلى البنك الأهلي السعودي.
ما بعد التحذير؟
المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، قال في بيان عسكري يوم أمس، إن القوات المسلحة “نفذت ضربةً تحذيريةً بسيطة، وذلك لمنعِ سفينةٍ نفطيةٍ كانت تحاولُ نهبَ النفطِ الخامْ عبرَ ميناءِ الضبّةِ بمحافظةِ حضرموتَ بعدَ مخالفتِها للقرارِ الصادرِ عنِ الجهاتِ المختصةِ بحظرِ نقلِ وتصديرِ المشتقاتِ النفطيةِ السياديةِ اليمنية” مؤكدًا أن “القواتِ المسلحةَ اليمنيةَ لن تترددَ في القيامِ بواجبِها في إيقافِ ومنعِ أيّ سفينةٍ تحاولُ نهبَ ثرواتِ شعبِنا اليمني وأنها بعونِ اللهِ قادرةٌ على شنِّ المزيدَ من العملياتِ التحذيرية دفاعا عن شعبِنا العظيمِ وحمايةً لثرواتِه من العبثِ والنهبِ” بحسب البيان.
وجدد سريع “التحذيرَ لكافةِ الشركاتِ المحليةِ والأجنبيةِ بالامتثالِ الكاملِ لقراراتِ السلطةِ في العاصمةِ اليمنيةِ صنعاء بالابتعادِ عن أيِّ مساهمةٍ في نهبِ الثروةِ اليمنيةِ”، وهي قرارات تقول اللجنة الاقتصادية العليا أنها تستند إلى القوانين اليمنية النافذة والقوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
يقول محللون سياسيون إن الجيش اليمني حرص أن تكون عملية الضبة تحذيرية، ليتسنى له في حال لم يتوقف تحالف العدوان عن نهب وسرقة ثروات اليمن الضرب بيد من حديد، خاصة أن الرئيس المشاط كان قد قال في الخطاب الذي ألقاه أمام العرض العسكري “وعد الآخرة” إن القوات المسلحة يمكنها ضرب أي نقطة في مياه اليمن الإقليمية من أي نقطة في اليمن وليس من السواحل فحسب.
أرقام منهوبة
خلال سنوات العدوان على اليمن عمدت دول العدوان إلى نهب ثروات اليمن بشكل مستمر، وبالعودة إلى تصريحات وزير النفط والمعادن في حكومة الإنقاذ أحمد دارس فإن إنتاج اليمن من النفط في عام 2018م بلغ 18 مليونا و80 ألف برميل نفط خام، وفي عام 2019م أكثر من 29 مليونا 690 ألفا و750 برميلا وفي 2020 أكثر من 31 مليونا و627 ألفا و250 برميلا وفي 2021 31 مليونا و587 ألفا و500 برميل نفط خام”.
وبحسب دارس فإن “إجمالي ما تم إنتاجه من النفط المنهوب خلال الأربع السنوات الماضية بلغ 116 مليونا و150ألفا و199 برميل نفط خام”، لافتا إلى أن القيمة الإجمالية للنفط المنهوب من قبل دول التحالف “في كل القطاعات النفطية منذ عام 2018م إلى شهر فبراير من العام 2022م بلغت 8 مليارات و202 مليون و424 ألف دولار”، فيما تقدر قيمة الأضرار التي مست القطاع الغازي والمعدني نتيجة العدوان على اليمن بنحو 60 مليار دولار” وهو ما أعلن عنه رسميا، إلا أن الخبراء يعتقدون أن ما يتم سرقته يتجاوز هذا المبلغ بكثير.
وتسيطر دول تحالف العدوان على حقول النفط في المحافظات اليمنية المحتلة منذ 2015م، وتتقاسم مع مرتزقتها الكميات المنهوبة، وإن كان مرتزقتها لا يجنون سوى الفتات، حيث تسيطر على حقول النفط في شبوة وحضرموت ومارب وتعمل على تصديره إلى وجهات مختلفة، يرى مراقبون أن أغلبها تصل أسواق شرق آسيا.
نهب يومي
خلال رصدها لعملية تقاسم السعودية والإمارات ثروات اليمن، تقول صحيفة “الأخبار” اللبنانية إن الإمارات سيطرت على مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، في أبريل من العام 2016، بذريعة مكافحة الإرهاب، لكنها سرعان ما وضعت يدها على منابع النفط واستأنفت عملية الإنتاج في منشآت المسيلة (بترو مسيلة) التي تنتج 36 ألف برميل يومياً، وتقوم بترحيل تلك الكميات يومياً إلى ميناء الضبة النفطي الواقع تحت سيطرة مليشيات موالية لأبو ظبي في المكلا، وتُباع من قبل شركات إماراتية من دون أي تدخل من حكومة هادي.
وبحسب الصحيفة فإن الإمارات لم تكتف بذلك، بل استأنفت إنتاج النفط الخام من حقول شبوة الإنتاجية، بمعدل 17 ألف برميل يومياً، من قطاع العقلة النفطي الذي يُعدّ ثاني أكبر القطاعات النفطية في المحافظة، بواسطة شركة OMV النمساوية، كما يضيف التقرير الذي لفت إلى أن ذلك تزامن مع انتهاء شركة «أوريون غاز» الأميركية من إنشاء أنبوب نفط يربط حقول العقلة بميناء النشيمة (بطول 13 كيلومتراً)، الذي أنشئ هو الآخر مطلع 2018، من قبل الشركة نفسها، بحماية إماراتية، ولتوسيع عملية التصدير أنشأت الإمارات ميناءً آخر شرقي ميناء بئر علي في المحافظة.
كما عملت على تحويل ميناء بلحاف إلى ثكنة عسكرية من خلال مليشيات النخبة الشبوانية؛ لتنفرد بالسيطرة على أكبر ميناء للغاز المسال في اليمن، ولتتمكن من إيجاد حلول وبدائل لاستيراد الغاز من قطر والذي يشكل عليها عبئا كبيرا، كما تستطيع من خلال السيطرة عليه مد أوروبا بالنفط اليمني في ظل أزمة الوقود الخانقة التي خلقتها الحرب الروسية الأوكرانية.
في هذا الشأن كانت الإمارات قد عقدت صفقة مع ألمانيا لمدها بالغاز المسال والديزل لعامي 2022 و2023م، أثناء زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز لأبوظبي، للتعويض عن شحنات الغاز الروسي التي ستنفد قريبا، فيما تستعد أوروبا لمواجهة شتاء صعب وسط نقص في الإمدادات. وبما أن الإمارات بلد غير مصدر للغاز، فإن المراقبين يرجحون أنها استندت في الاتفاقية مع ألمانيا إلى بسط سيطرتها على ميناء بلحاف النفطي في اليمن.
صفقات دون أصول
منذ بدء الهدنة في اليمن تطالب صنعاء بتخصيص عائدات النفط والغاز اليمنيين لصالح مرتبات الموظفين والمتقاعدين في مختلف الوظائف، لكن الطرف الآخر يصر على أن مطالب صنعاء مستحيلة، فيما يستمر في نهب الثروات وعقد الصفقات مع الدول الأوروبية للاستفادة منها سياسيا في عقد اتفاقات وعلاقات جديدة وإيجابية من جهة وتغذية حسابات الحرب في بنوك المملكة من جهة أخرى.
ومع الفشل الذريع في التوصل إلى اتفاق يمدد الهدنة اليمنية لشهرين إضافيين على الأقل، كانت صنعاء قد أعلنت تحذيراً نارياً لكل الشركات التي تعمل على نهب الثروات، مؤكدة أن المخاطبات التي وجهت للشركات والكيانات المتورطة بنهب الثروة اليمنية، تستند إلى النصوص الدستورية والقوانين اليمنية النافذة، ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة، وعلى رأسها المادة رقم 19 من الدستور اليمني، التي تلزم الدولة وجميع أفراد المجتمع بحماية وصون الثروات الوطنية.
مخاطبات أعقبها تصريح للمتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، نبّه فيه الشركات الملاحية التي لها وجهات إلى دول العدوان والشركات التي تعمل في الأراضي اليمنية “لمتابعة التحذيرات والتعليمات” ومراقبة مدى الاستجابة لها.. محملا تلك الشركات مسؤولية تجاهل ما سيصدر عنها خلال الساعات المقبلة، مع التأكيد على كامل “الاستعداد والجاهزية لأي تطورات”.
في ما مضى من سنوات الحرب كان الشعار الذي يردده الآلاف من الأحرار في اليمن وخارجه أن “سماء اليمن ليست للنزهة”، اليوم وبعد أن أثبتت القوات المسلحة قدرتها على منع التنزه والسرقة في مياه اليمن ويابسته أصبح الشعار يحمل أبعادًا جيوستراتيجية واسعة؛ فلم تعد السماء وحدها محرمة على المتنزهين، بل أصبحت سماء وبحار وبراري اليمن ليست للنزهة، كما أن موانئه وثرواته ليست غنيمة.

قد يعجبك ايضا