مدير عام مؤسسة إكثار البذور المحسنة عبدالله الوادعي في حوار مع »الثورة «: ثورة 21 سبتمبر.. عنوان التحدي للخطوط الحمراء للمحتكر الدولي في إنتاج الغذاء

 

الزراعة تحتل الركن الأساسي والعمود الفقري للاقتصاد الوطني
الثورة الزراعية جعلت في مسار المشاركة المجتمعية الواسعة الرهان الأكبر في إحداث النهوض الزراعي وتحقيق التنمية المستدامة
المؤسسة تواكب متطلب المرحلة بوفر ذاتي وجهود طوعية قهراً لتحديات العدوان وحصاره

أكد مدير عام مؤسسة إكثار البذور المحسنة عبدالله الوادعي أن الزراعة تحتل الركن الأساس والعمود الفقري للاقتصاد الوطني منذ فجر ثورة الـ 21 من سبتمبر الخالدة، بعد أن توقفت جميع اقتصادات البلاد نتيجة لما تعرضت له اليمن من عدوان غاشم وحصار جائر، وبرغم ما نال قطاعاته من استهداف تدميري رصدت خسائره المباشرة وغير المباشرة بأكثر من 111 مليار دولار، إلا أن القطاع الزراعي قاوم ونهض من تحت الركام وحقق خطوات جبارة على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي وسد الفجوة في بقية الاقتصادات بصفر الإمكانيات.
وتناول الوداعي في حوار أجرته معه «الثورة» القضايا المرتبطة بإنتاج البذور المحسنة، والمشكلات والمعوقات التي تواجه المؤسسة في هذا الجانب، كما تناول قضايا علاقة المجتمع الدولي وتواطء حكومات ما قبل الـ 21 من سبتمبر 2014م في إحباط المشروع الزراعي في اليمن عبر تنفيذ أجندات ممنهجة.
وفي اللقاء معلومات قيمة عن إنتاج وإكثار البذور المحسنة، فإلى الحصيلة:

حاوره/ يحيى الربيعي

في البداية، نود أن نتعرف من خلالكم على هوية مؤسسة إكثار البذور المحسنة؟
– المؤسسة بدأت كمشروع لإكثار البذور في السبعينيات إلى عام 1997م، حيث صدر قرار جمهوري بإنشاء مؤسسة إكثار البذور المحسنة، ومن حينها بدأت المؤسسة في ممارسة نشاطها.. أنجزت بعضا من المهام إلا أنها لم تكن بمستوى المسؤولية المناطة بها، وظلت تعمل لعقود بصورة نمطية، وكانت هذه الصورة تحظى برضا القيادات حينها، لأن المطلوب كان مجرد سد فجوة شكلية لاستكمال ديكور هياكل مؤسسات وهيئات القطاع الزراعي، وتلك الصورة النمطية عكست غياب الاهتمام الرسمي بالجانب الزراعي بصفة عامة، بل إن الزراعة في اليمن من ستينيات القرن الماضي إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014م، حوربت بصورة ممنهجة وبمؤسساتها وهيئاتها وإداراتها التي مارست كل أشكال استبعاد وتهميش أية بوادر من شأنها تحقيق أي نهضة زراعية على مستوى اليمن الطبيعي من صعدة إلى المهرة، بل لم يعط للزراعة أي أولوية في خطط واستراتيجيات الحكومات السابقة على مدار 5 عقود باستثناء فترة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي التي لم تتجاوز سنتين و7 أشهر على الأرجح، حققت فيها اليمن قفزة كبيرة، لا تزال روائحها الزكية تشتم حتى اللحظة وخاصة ذلك النجاح الذي حققته التعاونيات الزراعية، وحسنة يتيمة في قرار حكومة الارياني في الثمانينيات منع استيراد الفواكه والخضروات، وهو قرار منع بمقابله اليمن من زراعة القمح وأنواع من الحبوب والبقوليات لخمسين عاما باتفاق موقع.
نهوض من تحت الركام
وكيف تقيمون الوضع في ظل ثورة 21 سبتمبر المجيدة؟
– الزراعة تحتل الركن الأساسي والعمود الفقري للاقتصاد الوطني منذ فجر ثورة الـ 21 من سبتمبر الخالدة، فقد توقفت جميع اقتصادات البلاد نتيجة لما تعرضت له اليمن من عدوان غاشم وحصار جائر عدا الجانب الزراعي، وبرغم ما نال قطاعاته من استهداف تدميري رصدت خسائره المباشرة وغير المباشرة بأكثر من 111 مليار دولار، إلا أن القطاع الزراعي قاوم ونهض من تحت الركام ليقاوم ويحقق خطوات جبارة على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي وسد الفجوة في بقية الاقتصادات بصفر الإمكانيات.
وإلى ماذا تعزون هذا الصمود، وخاصة في مجال نشاط “مؤسسة إكثار البذور المحسنة”؟
– المزارع اليمني إلى ما قبل 5 عقود كان مكتفيا ذاتيا من الحبوب والفواكه، بل ويصدر.. كان مكتفيا في الوقت الذي لم تكن هناك وسائل ولا تقنيات حديثة؛ لم يكن هناك آبار ارتوازية، ولا تقنيات ري، ولا حراثات، ولا حصادات، ولا وسائل نقل، وكانت كل مراحل الإنتاج بالجهد العضلي، كما أن الاحتفاظ بالبذور لم يكن حدثا وليد الصدفة، ولا حديث الساعة، وإنما تقليد زراعي توارثته الأجيال، فالمزارع اليمني سباق إلى الحفاظ على بذوره منذ القدم.
أما فيما يخص دورنا في مؤسسة إكثار البذور المحسنة، فلا يزيد عن كونه يمثل عاملا مكملا أو مساعدا في مسار تحسين جودة أصناف البذور، حيث نقوم بتطوير بعضا من آليات انتخاب وزراعة البذور، حيث يتم زراعة البذور في حقول تجريبية على شكل خطوط مستقيمة A وتتكون منا 200 – 400 تأخذ سنابل من أفضل السلالات وكل سنبلة تزرع في خط إنتاج منفرد تنتج بذور تسمى ببذور ما قبل البذور “الأساس” في المربعات B؛ ومنها إلى قطع C التي تنتج البذور المعتمد 1 لتسليمها إلى مزارعين متعاقدين مع المؤسسة لإنتاج “البذور المحسنة” بكميات تجارية يتم بيع محصولها كبذور على مزارعي الإنتاج للمستهلك، وذلك وفق دراسات جدوى نحرص أن تأتي نتائج معينة للمزارع على زراعة البذرة السليمة والمناسبة لظروف تربته وكميات المياه سواء بالري أو الزراعة المطرية وتراعي تكيف البذرة مع الظروف المناخية في منطقة الزراعة.
لكن الملاحظ أن معظم هذه التقنيات التي تحدثتم عنها دخلت اليمن، واحدثت أثرا سلبيا؟
– لا ننكر أن تطورات الميكنة الزراعية قد دخلت اليمن، ولكن نتساءل: ما الذي حدث؟ للأسف، نجد أن الحاصل هو تدهور الوضع الزراعي في اليمن، فقد تراجعت إنتاجية اليمن إلى حد بات اليمن، بكل ما يمتلك من مقومات زراعية، لا يغطي سوى ما بين 10 – 15 % من احتياجاته من المواد الغذائية الأساسية من الحبوب والبقوليات، وبالتالي تضخمت فاتورة الاستيراد إلى أكثر من 5.5 مليارات دولار سنويا.
تدمير ممنهج
وما السر في ذلك، ألم نكن نسمع عن خطط وبرامج زراعية ومشاريع لا حصر لها من إنشاء السدود ومشاريع اقراض ميكنة زراعية وبذور محسنة، ووووإلخ، أين ذهب ذلك كله؟
– عمد النظام الدولي عبر المنظمات والبنوك العاملة تحت يافطات مساعدة وإسناد الجانب الزراعي في اليمن، وبتواطئي من الحكومات المتعاقبة لـ 5 عقود سبقت ثورة المسيرة القرآنية إلى تنفيذ أجندات ممنهجة- لا يتسع المقام للخوض في تفاصيلها، طالت قطاعات الجانب الزراعي بالتدمير الشامل.
وما الجديد الذي أتت به ثورة 21 سبتمبر؟
– ثورة 21 سبتمبر أولت الجانب الزراعي اهتماما كبيرا، وانتهجت مسار التشجيع بالدعم التحفيزي من خلال ما جاء من مبادئ وسياسات ومنهجيات الثورة الزراعية في موجهات الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، سلام الله عليه، وفي خطابات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، وتوجيهات المجلس السياسي الأعلى، والحكومة قد أعطت الجانب الزراعي جل الاهتمام، وسخرت له كل ما هو متاح من الإمكانيات والجهود الرسمية، بل وجعلت في مسار المشاركة المجتمعية واسعة الرهان الأكبر في إحداث النهوض الزراعي الحقيقي وإحداث تنمية مستدامة قائمة على هدى الله، من خلال بناء وتنمية الاقتصاد المجتمعي مع الاحتفاظ بالاقتصادات الحكومية والمختلطة والخاصة، وتركز على ضرورة السير في منهجية التعاونيات والعمل التعاوني الذي يجب أن يسارع إلى تكوين مؤسساته الاستثمارية ممثلة في “الجمعيات”، التي يعول عليها إدارة عجلة الإنتاج والتسويق الزراعي والصناعات التحويلية ورعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والأصغر، على طريق التنمية المستدامة القائمة على خفض فاتورة الاستيراد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.
مسارات تصحيحية
المواطنون يقولونها صراحة: «نقرأ ونسمع ونشاهد ضجيجا إعلاميا» لكن لا نلمس على الواقع شيئا من الإسناد؟
– لا تخلو الحياة من المنغصات، ولا السير في أي طريق معاكس للسائد والمألوف لعقود من الفساد والمؤامرة.. وإن صح التعبير، فإن مسار الجانب الزراعي لن يكون مزروعاً بالورود.. لدينا تركة كبيرة من المفاهيم والمصطلحات الهدامة وهي بحاجة إلى تغيير، ومن ثم توطين مبادئ وسياسات ومنهجيات تساعد على تحقيق النهوض.. ونمر حاليا بمرحلة انتقالية حرجة.. وبالتأكيد لابد من حدوث أخطاء وسوء فهم هنا أو هناك، وربما اختلالات، وتحدث معالجات وتلافٍ وتصحيح مسارات.. هذه أشياء طبيعية وبصبر وثبات المخلصين من الرجال في التنازل- بالضرورة- عن معارك تحقيق الانتصارات الشخصية مقابل توسيع دائرة العمل الجماعي، لابد أنه سيتحقق الهدف المنشود.
تتحدثون عن وجود اختلالات، ممكن توضحون أكثر؟
– نقدر نقول، إن صح التعبير، يمارس غبن غبر مبرر على بعض المؤسسات، ومنها مؤسسة إكثار البذور المحسنة، فقد غاب عنها الدعم الذي يمكنها من الاضطلاع بكامل دورها في توفير البذور، باستثناء ما قدمته اللجنة الزراعية والسمكية العليا مشكورة من دعم في مجال تجديد البنية التحتية بمبلغ 400 مليون ريال، والذي لم تتح لنا فرصة لاستغلال سوى 150 مليون منه، والباقي احتجز بسبب عراقيل المالية، رغم أن الدعم لا يغطي القدر اليسير من احتياجات مرحلة من مراحل إنتاج وزراعة البذور.
جهود طوعية
وكيف تقدم المؤسسة خدماتها للمزارع، حاليا؟
– المؤسسة مقرها الرئيسي في مدينة ذمار، ولها عدة فروع في سيئون.. في مارب.. في المناطق الشمالية الشرقية، صنعاء والجوف وما جوارهما.. في الحديدة.. في يريم.. وفي تعز.. هذه الفروع، وبسبب العدوان والحصار، توقفت جميع أنشطتها عدا القليل من أعمال الغربلة التي كانت تقوم بها غرابيل الإدارة العامة للمؤسسة.
وفي منتصف العام 2018م، بدأنا بما تمتلكه المؤسسة من كادر متمكن بكفاءة عالية بتفعيل جميع أقسام المؤسسة، في المقر الرئيسي- (وبجهود طوعية من الكادر، لتوقف صرف الأجور والمرتبات بفعل حركة نقل البنك المركزي وامتناع حكومة مرتزقة العدوان عن صرف المرتبات)- ثم أعيد افتتاح فرع زبيد وتشغيله، وتم توسعة فرع يريم، وتضاعفت الطاقة الإنتاجية لعملية الغربلة إلى 120 %، كما تم تنشيط مزرعة الجرابح وزيادة قدرتها الإنتاجية، بالإضافة إلى التوسع بفتح فرع في محافظة الجوف، كان للمؤسسة، من خلاله، الفضل الكبير في إنجاح الموسمين الأخيرين لزراعة القمح في الجوف، حيث ساهم طاقم كامل في عملية الصيانة وعملية الاختبار وعملية التقييم للبذور، وانزلت 6 حصادات أسهمت في تخفيض 30 – 40 % من التكاليف، كما تم إنزال آلة غربلة للجوف، وتم إعادة تشغيل فرع صنعاء، وصار يغطي إلى صعدة، وما جاورها من المناطق.
ولدى المؤسسة ثلاث مزارع نموذجية؛ مزرعة قاع شرعة 117 هكتارا، ومزرعة الجرابح 350 هكتارا، ومزرعة الخير (تم نهبها قبل 2011م)، المزرعتان لم تكونا قبل ثورة 21 سبتمبر تعملان بأكثر من 25 – 30 % من طاقتهما الإنتاجية، وفي ظل الثورة المباركة تم تزويدهما بـ 9 منظومات شمسية، وهذا ساهم في إحداث قفزة كبيرة في مضاعفة القدرة الإنتاجية للمزرعتين؛ قبل مارس 2022م كان عمل المؤسسة على مواسم الأمطار وموسم واحد، ومع المنظومات صار العمل على مدار العام، وهناك خطة لإدخال أصناف جديدة إلى مزرعة الجرابح، وهذا كله سيساعد على تحقيق قفزات كبيرة في المستقبل القريب بعون الله.
خطة إنتاج
ما الرقم المحقق في مسار توفير البذور؟
– كانت المؤسسة تعمل على محصول القمح المحسن، وقليل في الذرة الشامية، وفي تهامة في مجال الذرة البلدي والدخن والسمسم، ومن أربع سنوات توسع عمل المؤسسة بالتدريج حتى صرنا الآن قادرين على إنتاج بذرة بجودة عالية وتصل إلى المزارع في الوقت وبالسعر المناسبين، وهذا أحدث خفضا في كلفة الإنتاج، لأن سلسلة القيمة تبدأ من البذرة، فالبذرة الممتازة وذات الجودة العالية والمقاومة للأمراض يترتب عليها إنجاز مراحل متعاقبة بنجاح، والعكس يحصل به الخسائر الكثيرة.
توصلنا في المؤسسة، ولأول مرة، من إنتاج 20 طنا من البذور الأساس درجة أولى سيتم توزيعها على المزارعين المتعاقدين مع المؤسسة خالية من الشوائب والكسر والخزق، بحيث نتمكن بذلك من الحصول على كميات مضاعفة في السنوات القادمة، كانت التعاقدات لا تغطى احتياجات أكثر من 50 هكتاراً من طلبات المزارعين، الآن يتم التعاقد على توفير احتياجات أكثر من 250 هكتارا من بذور القمح المحسن.
لدينا خطا إنتاج؛ خط إنتاج مزارع الدولة، وخط التعاقدات مع المزارعين، ونوفر للأخير المستطاع وهو البذور بالإضافة إلى خدمات المتابعة والإشراف، ونحاول توفير الديزل حسب المتاح، ونوفر لهم الأسمدة بحسب المتوفر من الإمكانيات، ولدينا الاستعداد للتعاقد مع أكبر عدد من المزارعين الراغبين في التعاقد مع المؤسسة لإنتاج البذور، والمؤسسة على استعداد لتوفير البذور الأساس لجميع محاصيل الحبوب والبقوليات، مع التزام المؤسسة بشراء 75 % من إنتاج المزارع و24 % تعاد له بذور والشراء كاش (نقدا).
في الذرة الشامية وصلنا إلى تحسين بذور تصل طاقة إنتاجيتها إلى 8 أطنان في الهتكار، كما أدخلت خطوط إنتاج جديدة لم تكن تتدخل فيها كالقطن، وكانت النتائج مشجعة بشكل كبير، وكذلك أدخلت خطوط إنتاج بذور البقوليات بقوة، وأخيراً خط إنتاج بذور فول الصويا، لكن الإنتاج لم يصل إلى المستوى، لأن البداية غالبا ما تكون بسنبلة يتم العمل على تكاثرها تدريجيا حتى يصير الإنتاج تجاريا.. اجرينا تجارب في تهامة حيث تم زراعة 21 صنفاً من محصول القمح، والحمد لله هناك حوالي 10 أصناف مبشرة، سيتم متابعة زراعتها إلى أن نصل إلى أعلى نسبة إنتاج لـ 3-4 أصناف يتم انتخابها لتبقي صالحة للزراعة في مناطق تهامة والمناطق الساحلية.
وتوصلنا من خلال التجارب أن القمح في المناطق التهامية يمتاز بفترة نمو لا تزيد عن 90 – 95 يوما، عنها في المناطق الجبلية التي تصل إلى 120 يوما، كما أن الذرة الشامية تمتاز في تهامة بنسب إنتاج عالية جدا، ومن المحتمل أن نتمكن من تغطية 50 % من احتياجات السوق من بذور الذرة الشامية، والقمح في حدود 20 % خلال العام الحالي 1444هـ، والعمل مستمر رغم وجود الكثير من المعوقات، وفي زحمة «من لا يعمل لا يخطئ»؟
كثيرا ما نسمع عن وجود آفات يتم انتقالها عبر البذور المحسنة، كيف تفسرون هذه الظاهرة؟
– البذور لا تعتبر المصدر الوحيد للآفات الزراعية، الزراعة تتعامل مع الطبيعة بكل تكويناتها من تربة وأسمدة ومبيدات وماء وهواء وأدوات ومعدات وعمليات زراعية، والنبات كائنات حية تتأثر بمجمل عوامل ومتغيرات ما حولها من ظروف مناخية وتضاريس جغرافية، تماما كالإنسان، بل أن الإنسان يمكنه أن يحافظ على نفسه بالوقاية من الإصابة بنزلة برد أو أي مرض فيروسي وإذا أصيب فالعلاج، بينما النبات عرضة للإصابة بعوامل المتغيرات، كزيادة الأمطار التي قد تؤدي إلى التعفن، ونمو بعض الحشرات الضارة، كما أنها عرضة لهجمات الحشرات الآكلة كالجراد والجيش الأفريقي والـحشد الأمريكي وغيرها من آفات التسوس والتفحم والتعفن.
بذور تتكيف مع مختلف الظروف
وأمام حالة في هذه الظروف.. استسلام أم مقاومة؟
– الله سبحانه وتعالى لم يخلق عسرا إلا ويجعل بالجوار منه يسرا يزيله أو يخفف من شدة أثره في أضعف الأحوال.. وهناك إدارة خاصة في وزارة الزراعة والري هي من تقوم بالوقاية من هذه الآفات، ومكافحتها، ونحن في مؤسسة إكثار البذور المحسنة تقع على عاتقنا مسؤولية إنتاج بذور ومحاصيل ذات مقاومة عالية، وهو الإجراء الأفضل، خاصة وأننا في اليمن نمتلك أصول من البذور البلدية المتأقلمة مع البيئات والمياه المحلية، فهي تمتلك قدرا كافيا من الوقاية ضد الأمراض وتقاوم الجفاف وتتكيف مع الظروف الجوية، وجار العمل في المؤسسة- وعبر خبراء متخصصين- على إجراء عمليات تحديث علمية وبحيث تصل إلى المزارع بأقل تكلفة حرصا على استمرارية المزارع في الزراعة، لأن الخسائر تجعل المزارع يعزف عن زراعة الأصناف ذات الهامش الربحي غير المجزي إلى أصناف لها مدخلات رخيصة وهامش ربحي مريح.
وكيف تتم معالجة إشكالية الهامش الربحي في الدول المصدرة؟
الهامش الربحي للقمح إن لم يكن صفرا، فهو لا يتعدى 5 – 10 %، لذا لزم دعم عملية إنتاج بذرة القمح في اقتصادات كل دول العالم المنتجة للقمح عدا في الدولة العربية من المحيط إلى الخليج، فلا يوجد أي تشجيع صرف عن أن يكون هناك دعم.
قد نجزم أن هذا الحكم كان نافذا ولا يزال في الدولة العربية، لكن ألا ترون أن الوضع في اليمن- وفي مرحلة ما بعد ثورة 21 سبتمبر- صار يختلف عما كان عليه إبان حكومات العقود الـ5 السابقة؟
– كان صندوق التشجيع الزراعي يدعم عملية بيع البذور المحسنة إلى المزارع بنسبة 50 %، ومنذ عام 2018م توقف الدعم في ظروف غامضة، ومعه زادت وزارة المالية من معاناة المؤسسة بإيقاف ميزانيتها التشغيلية، عدا ما يتحصل عليه العاملون من نصف راتب مع موظفي الدولة كل 3 – 4 أشهر، ومع ذلك المؤسسة مستمرة في تقديم خدماتها للمزارعين بجهود طوعية من الكادر ووفر ذاتي.
وماذا عن بنك البذور وإيراداته؟
– لدينا مشروع تقدمنا به إلى الجهات المعنية إلا أنه لم ير النور، لأسباب لا داعي لتناولها هنا، ومع ذلك تسعى المؤسسة، وفي حدود المتاح، إلى إنشاء مزارع أو بالأصح التعاقد مع مزارعين في جميع مديريات الجمهورية، بحيث يمكننا فتح بنك أو حتى صراف آلي للبذور، من خلاله يتم إنتاج بذرة لكل مديرية بما يتناسب مع خصوصية ما تزرع من محاصيل كأن تكون مديرية تشتهر بزراعة 20 طناً من محصول الذرة، نتعاقد مع أفضل مزارعي المنطقة وأقوى إمكانية وخبرة لإنتاج الكمية المطلوبة من البذور ونعيد بيعها لمزارعي المنطقة بما يحفظ للمديرية خصوصية بذورها في التأقلم والتكيف، خاصة مع بذور الذرة التي لا تقبل عملية الانتقال من بيئة إلى أخرى.
مدى متوسط
ماذا عن كمية البذور التي يحتاج المزارع اليمني لزراعة ما يحقق الاكتفاء الذاتي، وكم الفترة التي يمكن لمؤسسة إنتاجها؟
– الاكتفاء الذاتي في الأمد القصير يتعذر تحقيقه، وإنما على المدى المتوسط ولا نقول على المدى الطويل يمكننا الوصول إلى فائض الإنتاج وتعزيز الأمن الغذائي، وعشر سنوات ليست كثيرة لتحقيق الهدف إذا قيست بـ 5 عقود من فرض سياسة تجريم الحديث عن الاكتفاء الذاتي.
هل يوجد تعارض بين وحدة البذور التي أنشئت مؤخرا، ومؤسسة إكثار البذور المحسنة؟
– لا يوجد أي تعارض في صلاحيات الجهتين على الإطلاق.. وحدة البذور إجراء طارئ اللجنة الزراعية العليا ومهمتها القيام بما لا يحق للمؤسسة في قانون إنشائها كمؤسسة لإنتاج وإكثار البذور المحسنة من توفير البذور بوسائل الشراء المباشر من الأسواق أو الاستعانة بمخزون الهيئة العامة للزكاة أو كبار تجار الحبوب والمزارعين.. لذا، جاءت فكرة إنشاء هذه الوحدة كحل طارئ وضرورة لمواكبة زيادة الطلب على البذور نتيجة الإقبال الكبير للمزارعين نحو الزراعة، وبذلك تكون الوحدة امتداداً للمؤسسة وليس عائقا لها..
الثورة الزراعية بإشراف اللجنة الزراعية والسمكية العليا وحدت مسار كل الفعاليات الرسمية والشعبية نحو هدف واحد، هو تحقيق الاكتفاء الذاتي، والمؤمل من الجميع استيعاب ظروف المرحلة، وكما قلنا سابقا، يجب ان يبتعد الجميع عن ساحات صراع تحقيق الانتصارات الشخصية وأن نضع اليمن ومصلحتها العليا فوق كل الاعتبارات الشخصية والفئوية والمناطقية حتى لا نعيد إنتاج أخطاء الماضي في استبعاد وتهميش الجهود لذات الأسباب من حيث لا نعلم.
تصوير/ جميل الصيصي

قد يعجبك ايضا