من حين لآخر يظهر السيد الأمريكي وهو في ثياب الواعظ الأمين والوسيط النزيه ومن يتقطّع قلبه حزنا ووجعا على ما آلت إليه أوضاع ملايين اليمنيين في ظل الحرب المتواصلة منذ ثماني سنوات، محاولا بذلك نفي حقيقة كونه رأس الحربة والمحرّك الرئيسي للعدوان وأنه مبتدأ الجريمة وخبرها وخاتمتها المأساوية.
-الخارجية الأمريكية في بيانها الأخير الصادر مطلع هذا الأسبوع- متزامنا مع ختام زيارة مبعوث إدارة بايدن إلى اليمن تيم ليندر كينج إلى عدد من بلدان المنطقة، لبحث تمديد وتوسيع الهدنة الأممية- بدت إنسانية أكثر من المعهود، وهي تتحدث بمرارة عن معاناة عشرات الآلاف من المعلمين والممرضين، وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية الذين عملوا لفترة طويلة بدون أجر، وآن الوقت لأن تصلهم الأموال. لكن البيان ذاته أكد على ضرورة أن يتوقّف من أسمتهم «الحوثيين» عن الإجراءات التي تعرّض الهدنة للخطر، في إشارة إلى العروض العسكرية التي نفذتها وحدات من الجيش والأمن اليمني خلال الفترة الماضية، والتي أزعجت كثيرا حلفاءها في الرياض وتل أبيب وغيرهما من الأنظمة المتماهية مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة. كما حثّت جميع الأطراف على التعاون مع الأمم المتحدة لدعم اتفاقية هدنة موسعة، تضمن تحقيق الأهداف الإنسانية في بنودها، ومنها بطبيعة الحال دفع مرتبات موظفي الدولة وتحسين حريّة الحركة من خلال فتح الطرق، ونقل الوقود بسرعة عبر الموانئ، وتوسيع الرحلات التجارية من مطار صنعاء لتشمل وجهات جديدة.
-دعت الخارجية الأمريكية جميع الأطراف إلى أن تكون على استعداد لتقديم تنازلات وإعطاء الأولوية لمستقبل أكثر إشراقا لليمن، مجددة التزام واشنطن بتعزيز الجهود لتأمين اتفاق سلام دائم وشامل لجميع اليمنيين، بما في ذلك مطالباتهم بتحقيق العدالة والمساءلة، إلى آخر ما ورد في ذلك البيان المرصّع بمفردات منمّقة تفيض بالمشاعر والأحاسيس لكنها على جمالياتها الشكلية لم تلامس مشاعر الشعب اليمني المقهور والعارف بخفايا وأهداف دموع التمساح الأمريكي، الذي لو أراد وقف الحرب ووضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، لما تطلّب منه الأمر- كما يقول محلل سياسي بريطاني- أكثر من مكالمة هاتفية واحدة مع أذنابه في المنطقة وسينتهي كل شيء.
-يبدو من هذه المراوغة الأمريكية التي يعرفها اليمنيون جيدا- فقد خَبروا سياستها خلال السنوات الماضية- أن الهدنة الأممية التي تم تجديدها مرتين ظاهرها الحرص على السلام لكن باطنها شيء آخر، كما هو واضح من خلال الانتهاكات المتواصلة لبنودها وعدم التزام الطرف الآخر بأي من التزاماته حتى وهي مسائل إنسانية صرفة وحقوق أساسية للشعب اليمني.
– نعيد التأكيد على الوفد الوطني في المفاوضات ومن خلفه قيادتنا الوطنية، التحلّي بكثير من اليقظة والحذر، وعدم الانسياق وراء الوعود الجوفاء أو التوقيع على تمديد جديد دون حصول الشعب على أدنى حقوقه، وخصوصا ما يتعلق بملف مرتبات الموظفين، التي يجب أن تُصرف عاجلا غير آجل وقبل حلول الـ 2 من أكتوبر، فإن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين.