هكذا هو الشاب اليمني، مبدع ومتفوق أولا على ذاته وثانيا على ظروفه الصعبة وثالثا على كل ما يخطر ببالكم من المعوقات، التي ليست كفيلة فقط بتكوين الإحباط، بل بدفن أي موهبة.
ما يحققه الناشئون على الملاعب الجزائرية، قد يراه الأشقاء غريبا (قياسا بما نمر به خلال 8 سنوات من حرب على اليمن واليمنيين) بينما لا نراه كذلك، كون اليمني جبل في زمن الحرب على تسلق الجبال الوعرة، بينما خط الإسفلت لا يبعد عنه سوى عشرات الأمتار .
الناشئون ليسوا استثناء كما يرى البعض، بل هم يمثلون النموذج الذي يعيشه كل اليمنيين، وينقلون ذلك للعالم، لعله يحس إن كان ما زال لديه بعض الإحساس، فالرياضي الذي عليه أن يقطع في السفر من الوقت و الجهد ما يفوق بكثير أوقاته في التمارين، يستطيع ايصال رسالتنا للعالم بأننا الأفضل الآن رغم ما فينا، فكيف هو الحال ان تركنا العالم نستقر وننعم بالأمن والسكينة .
الكلمات الجميلة التي نسمعها من هذا المعلق أو ذاك في هذه القناة أو تلك، لا تمثل شيئا مضافا لنا، بل تمثل واقعا مؤلما ظن العالم أنه سينهي كل شيء ، بما فيها الرياضة، بينما يصنع اليمني من مأساته صفحات إنجاز، هي بمثابة الطوق الذي يخنق من أراد خنق اليمنيين .
الناشئون هم هم، لم يطرأ عليهم شيء، يلعبون، يبدعون، ثم يعودون لرحلة الشقاء والكدح مع ذويهم، هي ذات الرحلة التي تنتظرهم عقب كل مشاركة، فلا نريد أن نقارنهم بلاعبي بقية المنتخبات، بل نقارنهم ببني جلدتهم من المسؤولين على القطاع الرياضي والكروي، الذين أصابتهم التخمة من التصفيق، فوق الكراسي المريحة، ويتقاضون بصورة مستمرة، ما قد يلقى على اللاعبين بصورة حوافز تشجيعية، وتعطى على طريق المنة والهبة.
هؤلاء الناشئون هم من يبيضون وجوه مسؤولي القطاع الرياضي، الذين لولا إبداع اللاعبين لظهر سواد الوجه، والذي دائما يردونه في حالة الإخفاق إلى سوء الأوضاع، فما الذي تغير؟ ألم يصنع اللاعبون الإنجاز في نفس الظروف القاهرة .
يتوحد اليمنيون خلف منتخب بلادهم، وتصنع أقدام الناشئين الفرحة، لتمسح دموع ما صنعته أيادي القادة والساسة، كل فواصل التشطير المصطنعة تذوب أمام عزف النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، ويركل اللاعبون كل الظروف القاهرة التي لو كانت في بلد آخر لما وجد فيه من يتنفس، فما بالنا بمن يبدع.
الجماهير اليمنية في الجزائر الحبيبة، عم مجموعة من الطلاب الدارسين وذويهم، ممن تعطيهم الجزائر كدولة شقيقة، ما لا يعطيهم بلدهم، وقد لمسنا ذلك خلال دراستنا في الجزائر، فلها كل الشكر والامتنان، هل يعرف الساسة بأن هؤلاء الطلاب الذين يتنقلون بين ولاية وأخرى لتشجيع منتخب بلادهم غالبيتهم منحهم متوقفة وينتظرون وصولها بفارغ الصبر، بينما من يعيشون في معظم البلدان يتقاضون في شهر واحد ما يتقاضاه الطالب في عام كامل.
عودا للمباراة التي ربحها منتخبنا أمام نظيره السوداني، فقد كان متوهجا خاصة في الشوط الأول، واستطاع فرض أسلوبه على الأشقاء، وواصلوا بذلك مشوارهم الجميل في البطولة، وهم بانتظار الفائز من لقاء الشقيقين مصر والمغرب، وكلنا استمتع باللعب الجميل والمنظم، والذي من النادر مشاهدته، خاصة عندما تنصفنا الكرة لعبا ونتيجة.. مبارك لناشئينا تفوقهم على ذاتهم وظروفهم وإسعاد كل اليمنيين بعروضهم الجميلة .
مبادرات شبابية رائعة ….
في الوقت الذي يسعد فيه لاعبونا جمهورهم العريض، نجد في أشد المناطق احتياجا وعوزا من يسعد غيره، أعني بذلك المبادرات الشبابية التي قوم بها مجموعة من الشباب الرائعين، من خلال تزويج الأسد فقرا واحتياجا، ذلك ما نجده في حارتي الهنود والحوك بمدينة الحديدة، فهذا هو العرس الثالث، والجميل تجاوب الجميع والتفافهم مع هذه المبادرة المجتمعية، التي لا دخل لي جهة رسمية أو منظمة بها، وهذا سر نجاحها، فما كان لله تم، ولا أود ذكر بعض الأسماء حتى لا يجير العمل، ويكون ذلك باب لإفساد الود بين كل من يقومون بهذه المبادرات الخيرية الرائعة، فجزاهم الله كل خير.