ثقافة المحبة والتسامح
التسامح من أجمل الخصال الحميدة التي دعت إليها كل الأديان وشدد عليه الإسلام لما يخلفه من آثار عميقة في النفوس من الغل والحقد ويزرع محلها المحبة والوئام والصفاء…فثقافة التسامح و المحبة تزرع الأمن والأمان في الأوطان وتقوي الأواصر والعلاقات…وأما ثقافة الكراهية فتزرع الخوف والقلق التأزْم والاضطراب وتفتت الأواصر العلاقات…ولكي ننشر ثقافة التسامح الصادقة يجب أن ننشر في حياتنا ثقافة الصدق والطْهر والنِقاء والصِفاء وليس ثقافة الكذب والدِجل والنفاق…بل إننا إذا أردنا الخير لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن فيجب أن ننشر خطاب التسامح والمحبة لا خطاب الكراهية والانتقام..
فعند المنعطفات الصعبة بكل تعقيداتها وانفعالاتها وتداعياتها تختلط الرؤى وتتأزم المواقف وتتشنِج الخطابات هنا تتأكد الحاجة إلى ضبط لغة الخطاب ومضمون الخطاب ولهجة الخطاب… يقول الله سبحانه وتعالى”… ادúفِعú بالِتي هيِ أِحúسِنْ فِإذِا الِذي بِيúنِكِ وِبِيúنِهْ عِدِاوِةَ كِأِنِهْ وِليَ حِميمَ * وِمِا يْلِقِاهِا إلا الِذينِ صِبِرْوا وِمِا يْلِقِاهِا إلا ذْو حِظُ عِظيمُ” فالمؤمن سليم الصدر لا يحسد ولا يحقد. وهو قادر على الانتقام ويتسامح وهو صاحب الحق لا يشغل نفسه بالخصام والعداوات فالعمر لا يتسع لمثل هذا العداء والدنيا لا تستحق عنده هذا العناء. فكيف يْسلم قلبه للعداوة والأحقاد فتنهشه أفاعيها السامة¿
لذا فإن أدنى ثمرات المحبة التي يغرسها الإيمان في قلب المؤمن هي سلامته من الغل والحسد وإن أنوار الإيمان كفيلة أن تْبدد دياجير الحسد من قلبه وبذلك يْمسى ويْصبح سليم الصدر نقي الفؤاد يدعو بما دعا به الصالحون “رِبِنِا اغúفرú لِنِا وِلإخúوِاننِا الِذينِ سِبِقْونِا بالإيمِان وِلا تِجúعِلú في قْلْوبنِا غلا للِذينِ آمِنْوا رِبِنِا إنِكِ رِءْوفَ ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تْعرضْ الأعمال كل يوم اثنين وخميس فيغفر اللهْ عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يْشرك بالله شيئاٍ إلا امرءاٍ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا”.مما يؤكد أن الخطابات على الساحة الوطنية اليوم في حاجة إلى مراجعة والقناعات في حاجة إلى محاسبة ولن يتم ذلك إلا إذا سادت ثقافة المحبة والتسامح أما إذا تحكِمت ثقافة الكراهية والانتقام فلن تتوفِر فرص المراجعة والمحاسبة.. إنِ خطاب المحبِة والتسامح يفتح الفرص الكبيرة للتصحيح والتغيير والإصلاح دون اللجوء إلى أعمال القتل و التقطع والفوضى والتخريب فدائماٍ تعد لغة العنف والتحريض والتشكيك والقذف والسب لغة مقيتة وسيئة ومرفوضة ولا تقود إلا إلى مزيد من الصراع والعداوة والتعقيد والتأزيم ويتحول الوطن إلى ساحة عنف وتطرف وعندها لن يكون هناك رابح في هذا الوطنº لا السلطة ولا المعارضة وواهمون كلِ الوهم أولئك الذين يمارسون خطاب التحريض والتخوين والانتقام مهما حاولوا أن يْقنعوا أنفسهم أنِهم الأكثر ولاءٍ وانتماءٍ وحباٍ لهذا الوطن…
ويجب أن ندرك في هذه المرحلة أنه لا يخدم الوطن أن تعلو أصوات المزايدة حيث من النِافع أن يتنافس المخلصون في خدمة قضايا الوطن وفي إصلاح أوضاع الوطن وفي الدفاع عن هموم أبناء الوطن أمِا المزايدات الرِخيصة القائمة على تدمير الوطن فهي خطيرة وضارة ومدمرة جدٍا ولن نجني منها سوى خسارة ما أنجزناه.
وفي الأخير فإن المحبة والتسامح اليوم ليست فضيلة فحسب بل هي ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية وذلك من أجل تحصين واقعنا أمام كل المخاطر الزاحفة إلينا والتي تستهدفنا في وجودنا ومكاسبنا وتطلعاتنا.. ولا شك أن تعميم وغرس هذه القيمة في فضائنا الاجتماعي بحاجة إلى سياج قانوني وإجرائي يحمي هذه القيمة ويوفر لها الإمكانية الحقيقية لكي تستنبت في تربتنا الاجتماعية.
وهذا يتطلب منا العناية والالتزام بالأمور التالية:
1- ضرورة تجريم كل أشكال بث الكراهية والحقد والبغضاء بين أبناء الوطن والمجتمع الواحد..فاللحظة التاريخية تتطلب منا جميعا القبض على وحدتنا واستقرارنا وهذا بطبيعة الحال يتطلب الوقوف بحزم ضد كل محاولات بث الفرقة والكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد..
2-أن تعتني وسائل الإعلام والتثقيف والتوعية في مجتمعنا بهذه القيمة وتعمل على تكريسها في خطابها الثقافي والإعلامي حتى يتوفر المناخ المناسب لكي تكون هذه القيمة جزءاٍ من نسيجها الثقافي والاجتماعي.
3- إن وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة والأوقاف والإرشاد والمجالس المحلية تتحمل مسؤولية كبرى على هذا الصعيد, وهي معنية اليوم بضرورة إشاعة وتعميق متطلبات المحبة والتسامح في واقعنا الاجتماعي والثقافي والسياسي..
فالمطلوب من هذه المؤسسات والجهات ليس تبرير وتسويغ أشكال وممارسات الكراهية في المجتمع بل محاربتها ورفع الغطاء الشرعي عنها والعمل من مختلف المواقع وعبر مختلف الوسائل لتعميق قيم الحوار والتسامح وصيانة حقوق الإنسان في المجتمع..
والله الموفق