قصر الرناد التاريخي بتريم .. جوهرة العمارة الحضرمية وبريقها الساطع


كتب / هشام المحيا –

على مقربة من وادي تريم وجبالها الراسية يقع قصر الرناد الذي يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل الإسلام هناك يقف الزائر يرنو إلى القصر الذي يغلب فيه طابع البناء المعماري اليمني القديم والمْشيد بكامله بطوب من الطين باستثناء الأساس من الحجر وكأن الزائر أمام لوحة فنية فريدة خطها فنان ماهر … في عام 2006م تم ترميم القصر بمبلغ 193مليون ريال وتم افتتاحه عام 2010م بهدف تحويله إلى متحف تاريخي ومركز ثقافي للمدينة إلا أن هذا الهدف تاه بين زحمة المشاريع الصغيرة فتحول بين ليلة وضحاها وبجرة قلم إلى مقر للمجلس المحلي بالمديرية وبعض المكاتب الأخرى .. هيئة الآثار والمتاحف استنكرت ما أقدم عليه المجلس المحلي فيما حملة شعبية من أبناء تريم ترمي لتحويل القصر إلى مركز إشعاع ثقافي وسياحي… التفاصيل في التحقيق التالي:

جمال لا يصدق
أثناء زيارتنا إلى تريم انبهرت بقصر الرناد شامخاٍ أمامي ومن خلفه الوادي العتيق وفوقه الهضاب الراسية حاولنا أن نمتع أعيننا ببهائه عن بعد إلا أن عبق التاريخ وروح الحضارة في القصر أبى إلا أن يشدنا نحوه لنسبح ـ هناك ـ في قراءة تفصيلية لجمالياته وعظمته .
المنظر الجمالي للقصر من الخارج يهمس في أذنيك قائلاٍ: “هذا فقط غيض من فيض “بالداخل- وتحديداٍ في فناء القصر- تتضح الصورة أكثر وتتبين ملامح أداء الأنامل اليمنية الحضرمية في بناء القصر بصورة تتقارب مع صور البناء النيوكلاسيكي الأوروبي حتى أن الناظر يتخيل وهو أمام القصر أنه يقف أمام أحد قصور روما القديمة فهو شيد بالطوب والحجر وتبرز في الواجهة الخارجية له- الأعمدة المربعة الشكل ومن فوقها أقواس نصف دائرية مكحلة باللون الأخضر الفاتح ويبرز في وسط الفناء الخارجي البوابة الرئيسية ذات المنظر الجمالي الأخاذ وفوقها مباشرة تقع نوبة مربعة الشكل ذات تصميم هندسي فريد تتولى مهمة سحر أعين الزوار وشدهم إلى القصر (ومما يزيد القصر جمالا في أعين ناظريه أنه جمع بين فن العمارة اليمنية الحضرمية والطابع المعماري الأوروبي وروح العمارة الصينية القديمة الأمر الذي لا يخفى على المتأمل).
القصر الذي يتكون من ستة طوابق يتميز بمميزات عدة فمن حيث التصميم يتميز بتلك الممرات المتعددة والفضاءات المتتالية والرسومات التشكيلية على جدران غرفه الواسعة الأمر الذي يجعل من القصر قيمة تاريخية نادرة في منطقة الشرق الأوسط بل وفي المنطقة العربية كلها .
أما تميز القصر من الناحية التاريخية فيذكر بعض المؤرخين أن تاريخ بناء القصر يعود إلى ما قبل الإسلام والبعض يرجع تاريخ بنائه إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام ولأن مدينة تريم كانت تمتلك المقومات الأساسية لقيام الدول والممالك فقد تعاقبت عليها الكثير من الدول والممالك على مر الأزمان متخذة من قصر الرناد المقر الرئيسي لمزاولة الحكم حتى عهد قريب.
حلم لم يكتمل
بعد الترميم كان أهالي تريم يترقبون أن يظهر القصر بالصورة التي صورت لهم بأن يتحول إلى متحف دائم للموروث الشعبي ومركز ثقافي وتاريخي وسياحي وفي عام 2010م وبمناسبة تتويج تريم عاصمة للثقافة الإسلامية كان قد تحقق الجزء الأكبر من الحلم المنتظر وذلك بافتتاح القصر بحلته الجديدة وبين ليلة وضحاها من ذلك العام تبخرت كل الأحلام فالقصر تحول إلى مقر للمجلس المحلي بمديرية تريم وبعض المكاتب الأخرى ومن ذلك الحين وحتى اللحظة والناس هناك في دوامة ـ مع المجلس المحلي ـ لا تكاد تهدأ حتى تشتعل مرة أخرى محاولين استرجاع حلمهم المسلوب ـ حد تعبير بعض الأهالي ـ ولأجل ذلك قام عدد كبير من الناشطين الحقوقيين والشباب وطلاب الجامعة بحملة موسعة لحماية المقومات التاريخية في مدينتهم وعلى رأسها الرناد مما أسموه طوفان المشاريع الصغيرة التي لا تقدر تاريخ وتراث البلد.
الحملة التي استوحت اسمها من هدفها “حملة كفاية لحماية تراث تريم” اتهمت المجلس المحلي بالسطو على حلمهم في تحويل القصر من مركز ثقافي وسياحي إلى مقر رسمي للمجلس وبعض المكاتب الأخرى كما أكدت الحملة أن المجلس المحلي يحمل نوايا غير طيبة تجاه القصر تتمثل في تحويله إلى مجمع دوائر حكومية ونيته هدم الجزء الغربي للقصر وبناء مدرسة بدلا منه الأمر الذي اعتبرته الحملة بمثابة طمس للهوية ومسح لثقافة وتاريخ المدينة العريقة وطالبتهم بتحمل مسئولياتهم تجاه تراث المدينة عموما والرناد خصوصا وأوضحت أنها ستعمل كل ما بوسعها لتحقيق هدف الحملة.
استنكار
مهند السياني القائم بأعمال -رئيس هيئة الآثار والمتاحف- استنكر العمل الذي أقدم عليه المجلس الملحي باتخاذ الرناد مقرا له مؤكداٍ في الوقت ذاته أنه في حال لم يتراجع المجلس عن قراره ستقوم الهيئة برفع القضية إلى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية وأشاد السياني بمستوى الوعي التي يتمتع به أهالي تريم برفضهم القاطع تحويل تراثهم وتاريخهم إلى مجمع للدوائر الحكومية.
مواعيد عرقوب
علي صبيح -عضو المجلس المحلي بتريم رئيس لجنة التخطيط والتنمية- عزا وجود المجلس بالقصر إلى أنه مجرد امتداد تاريخي فكل الدول المتعاقبة على تريم اتخذت من القصر مقرا رسميا للحكم ـ حد وصفه ــ نافيا في الوقت ذاته ما قالته “حملة كفاية لحماية الآثار” عن نية المجلس تحويل القصر إلى مجمع للدوائر الحكومية وما ساقته الحملة من تهم أخرى وأضاف: “لا توجد أي نية لدى المجلس لتحويل القصر إلى مجمع دوائر حكومية والدليل أنه لا يوجد فيه سوى المجلس المحلي ومكتب الثقافة ومكتب السياحة وتأكيداٍ على صدق نوايا المجلس سنقوم بإخلاء القصر حال تم الانتهاء من بناء المجمع الحكومي” مؤكدا حرص المجلس المحلي على الحفاظ على الآثار والمواقع التاريخية بالمديرية وعلى رأسها قصر الرناد .

قد يعجبك ايضا