الثورة / خليل المعلمي
لم يقتصر الاهتمام بالعمارة والفنون الإسلامية في اليمن على الباحثين اليمنيين بل تعدى ذلك إلى الباحثين العرب والأجانب الذين وجدوا في هذا الجانب مادة ثرية بالآثار والتاريخ والحضارة والإبداع، وشرعوا في الكتابة والتأليف عن اسهامات اليمنيين في تطوير العمارة والفنون الإسلامية وتواجدها في الكثير من المدن اليمنية ومنها كتاب “مدخل إلى العمارة والفنون الإسلامية في الجمهورية اليمنية” الذي قام بتأليفه الدكتور مصطفى عبدالله وهو أستاذ مساعد الآثار الإسلامية بجامعتي القاهرة وصنعاء.
ويؤكد المؤلف في تصديره للكتاب إن العمائر اليمنية الدينية والمدنية والحربية وكذلك الفنون الإسلامية تشير تماماً إلى أهمية الإنسان اليمني في هذا المجال من قدرة وابتكار وفي مقاومة الطبيعة والتغلب على تضاريسها، حيث المدن اليمنية، بكل ما يتوافر فيها من مقومات المدينة تشهد لليمني بأصالة الفن الإسلامي الذي لازال باقياً إلى اليوم في اليمن.
ويضيف أن مواكبة اليمن للفنون الإسلاميةـ بمجاليها العمارة والفنون الزخرفية، لم يأت من فراغ وانما هو امتداد للمسيرة الحضارية في عصور ما قبل الإسلام، مع اختلاف الشكل والمضمون ذلك أنه من المعروف العمق الحضاري لليمن في عصور ما قبل الإسلام، خاصة في ميدان الزراعة والاستقرار، وما بقاء اطلال سد مأرب القديم إلى اليوم إلا رمز لهذا العمق والاستقرار وهندسة البناء.
تفرد وتنوع
ومع غزارة التراث المعماري المتواجد في اليمن، فإن أهميتها كما يقول المؤلف يعود إلى تنوع الدويلات الإسلامية العديدة التي ظهرت في اليمن، ويصعب حصر هذه العمائر والإشارة إليها في كتاب واحد، لذلك فإننا نشير فقط إلى بعض الأمثلة من العمائر الدينية كالجوامع والمساجد والمدارس، على اعتبار أنها نماذج قابلة للدراسة والتقصي من جديد عنها، ومحاولة ربطها مع النماذج من العمائر الإسلامية الأخرى خارج اليمن.
ويعطي الكتاب من خلال بابين رئيسيين فكرة عامة عن الآثار الهامة الدينية كالمساجد والمدارس، على اعتبار أنها نماذج معمارية أثرية هامة، وكذلك عن المعادن والأخشاب التي استخدمت في هذه المباني.
المساجد والمدارس
لقد تنوعت وتعددت المنشآت المعمارية خلال العصر الإسلامي في اليمن تبعاً لأغراضها الدينية والمدنية والحربية، ورغم تعدد هذه الآثار الإسلامية وتنوعها في اليمن، فإن ما كتب عنها قليل للغاية، ولا يفي بجزء قليل من التعريف بحجم الآثار الإسلامية في اليمن، لذلك فقد استعرض المؤلف في الباب الأول بعض أمثلة العمائر الدينية كالمساجد والمدارس فقط نظراً لكثرتها، وذلك من خلال الوصف العماري بوضع تواريخها المتتابعة، خاصة ما يشمل الإضافات التي لحقت بها على مر العصور.
ومن المعروف أن العمائر الإسلامية تشمل أبنية عديدة تخدم أغراضاً مختلفة منها ما هو ديني كالجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والتكايا والمشاهد والأضرحة، والأسبلة والكتاتيب، والأربطة، ومنها ما هو مدني كالقصور والمنازل والخانات والوكالات، وقد تبقى في اليمن بعضها خاصة في مدينة صنعاء القديمة، ويطلق عليها “السماسر”، والبيمارستانات “المستشفيات” والأسواق والقياصر والحمامات، وغيرها من المنشآت ذات الأغراض المدنية، أما المنشآت الحربية والدفاعية فقد تفوق في بنائها المعمار اليمني خلال العصر الإسلامي وكان لليمن في هذا النوع من المنشآت إسهام واضح، فلا تزال القلاع اليمنية باقية أعلى قمم الجبال وقد وهبتها طبيعة التضاريس في بلاد اليمن خاصة دفاعية قل أن توجد في بلاد إسلامية أخرى.
وقد أشار المؤلف إلى بعض الملامح العامة عن الآثار والفنون الإسلامية في اليمن منها:
إن هناك تسلسلاً في بناء المساجد منذ عهد الرسول وفي فترة الخلفاء الراشدين، وتتابع بناء المساجد بكثرة خلال حكم الدويلات الإسلامية العديدة المختلفة في بلاد اليمن، وقد احتفظ تخطيط المسجد أو الجامع في اليمن لفترة طويلة بالنظام المعماري المعروف والقائم على الصحن أو الفناء المحاط بأربعة أروقة أعمقها رواق القبلة، والملاحظ حجب الأروقة عن الصحن في فترات متأخرة بحيث يبدو الفناء وكأنه معزول عن مساحات الأروقة.
ويظهر في مناطق الانتقال استخدام الحنايا الركنية الواسعة والعميقة، واستخدام المثلثات الكروية أيضاً على نطاق واسع، ولعل الشكل المميز أن يلاحظ وجود عقود صماء أو تجاويف تزخرف المساحات بين مناطق الانتقال في توافق معماري بديع.
اختلفت أشكال الأعمدة والدعائم إلى حد كبير داخل العمائر الدينية الإسلامية اليمنية، بعضها يكون على شكل مستدير ذي محيط كبير، كما في الجامع الكبير في صنعاء، حيث ترتكز عليها العقود وبعض الأعمدة ذات ارتفاعات كبيرة وتحمل تيجاناً يرتكز عليها السقف مباشرة كما في جامع شبام، وبعض الأعمدة قصيرة ترتكز على قاعد أو ربما ترتكز مباشرة على مستوى الأرض.
إن هذه المنشآت الدينية في اليمن تزدان بالكتابات الأثرية والزخارف بدرجة لافتة للنظر والحق أن الفنان اليمني كان له دوره الكبير في هذا المجال، إذ تمتلئ مساحة الجامع أو المسجد والمدرسة والقبة والضريح بأشرطة لا حصر لها من الآيات القرآنية الكريمة وبعض الأدعية المعينة وأسماء المؤسسين والمجددين فضلاً عن ذكر ألقابهم الكثيرة في خطوط متنوعة، كوفية ونسخية وبخط الثلث وعلى مهاد من الزخارف النباتية والهندسية.
تم استخدام الأحجار المختلفة في البناء خاصة نوع الحجر المعروف بحجر الحبش الأسود، وبالنسبة للعناصر المعمارية في تخطيط الجامع والمسجد في اليمن فإنها تبدو واضحة تماماً داخل المبنى وذلك باستثناء بعض العناصر المعمارية التي تعطي تصوراً حقيقياً عن جودة الأسلوب الفني والعناصر الزخرفية.
وما يلفت النظر في المآذن اليمنية التي بنيت خلال الفترة العثمانية في اليمن احتفاظها بالطابع المحلي وخاصة زخرفتها بالزخارف اليمنية التي يغلب عليها الطابع الهندسي المؤلف من الطابوق (الآجر) والجص، مما يجعلها تختلف عن أشكال المآذن العثمانية والمعروفة في المنشآت الدينية في العالم الإسلامي، فضلاً عن اختلاف وتعدد طوابقها.
مساجد نموذجية
وقد تضمن الفصل الأول من الباب الأول دراسة موجزة لبعض الجوامع والمساجد في بعض المدن اليمنية كصنعاء وشبام وثلا وجبلة وإب وتعز وزبيد واعتمد المؤلف في هذه الدراسة في المقام الأول على الزيارات الميدانية لمواقع هذه الآثار بالإضافة إلى بعض ما كُتب ونشر عنها في بعض المصادر العلمية، بقصد الإشارة والالمام لوصفها وبعض عناصرها المعمارية والزخرفية، وهي كالتالي: الجامع الكبير بصنعاء، جامع الجند بالقرب من مدينة تعز، الجامع الكبير بمدينة شبام كوكبان، الجامع الكبير بزبيد، جامع الأشاعر بزبيد، الجامع الكبير بذمار، الجامع الكبير في مدينة إب، مسجد السيدة أروى بنت أحمد الصليحي في مدينة جبلة، مسجد ذي أشرق بالقرب من مدينة إب، الجامع الكبير بثلا، جامع المدرسة بثلا، قبة الإمام الهادي بثلا، مسجد صلاح الدين بصنعاء.
مدارس نموذجية
فيما تضمن الفصل الثاني دراسة عن المدارس التي بدأت بالانتشار منذ وجود الدولة الأيوبية في اليمن، حيث شرع الملك المعز اسماعيل بن طغتيكين بن أيوب في بناء أول مدرسة في زبيد عام 594هـ، وسماها بالمدرسة المعزية (مدرسة الميلين) وأعقب ذلك انتشار سريع لنظام المدارس في اليمن، خاصة في عصر الدولة الرسولية، إذ أنه ما من ملك من ملوكهم المشهورين إلا وقد بنى له مدرسة أو مدرستين ومنهم من بنى أكثر من ذلك.
واستعرض المؤلف في هذا الفصل تسع مدارس يمنية من حيث تخطيطها المعماري كنماذج للمدارس اليمنية خلال العصر الإسلامي، مع توضيح أوجه الشبه والخلاف بينها حتى تتضح الصورة العامة عن تخطيط المدرسة اليمنية وعناصرها الزخرفية، والمدارس التي تم استعراضها هي:
المدرسة العامرية برداع، وثلاث مدارس بمدينة تعز وهي الأشرفية والمظفرية والمعتبية، وأربع مدارس في مدينة زبيد هي المدرسة الكمالية، المدرسة السكندرية، المدرسة الفرحانية، والمدرسة البكيرية بصنعاء.
الفنون الزخرفية
لقد واكبت اليمن البلدان الإسلامية الأخرى في مجال الفنون الزخرفية منذ بداية انتشار الفن الإسلامي، وتعطي التحف الأثرية فكرة أو تصوراً عاماً عن طبيعة المواد المختلفة التي انتجبت في اليمن وفق الأسلوب الصناعي والزخرفي المحلي، وتحتفظ متاحف اليمن ببعض الأمثلة الهامة من التحف الأثرية التي توضح دراية الصانع اليمني بما هو معروف ومتبع في الأساليب الصناعية والزخرفية لكثير من المواد، وإن كانت هذه الأمثلة من التحف قليلة للغاية لا تتفق وحجم التراث المعماري الكبير في اليمن وإقبال الصانع اليمني على مادتي المعدن والخشب في هاتين الفئتين، فقد خصص المؤلف الباب الثاني لمادتي المعدن والخشب، حيث استعرض الطرق التي كانت تتم لاستخراج المعادن، وطريقة تشكيلها لصناعة الكثير من الأدوات التي كانت تستخدم في بناء المدارس، وكذلك طرق تشكيل الخشب والمصندقات التي كانت تستخدم في سقوف المساجد والمدارس.
وتكمن أهمية الكتاب باعتباره مرجعاً للباحثين في مجال التراث والآثار حيث يمكن الاستفادة منه عند الترميم لهذه المواقع الأثرية، وكذا يضعنا أمام صورة ناصعة للصانع اليمني الذي أبدع واتقن في عملية البناء، وساهم أيضاً في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.
تصوير/حامد فؤاد