وعي الدرس من الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة ، هو أنه عندما تعجز عن مقاومة الباطل وأهل الباطل لا تستسلم له ولا لأهله ، بل ابحث عن أساليب وأدوات وجماهير جديدة ، وابدأ من جديد ، فالحق لا يحتاج خططا ولا خرائط ولا بوصلات لتتبعه، يحتاج ثقة بالله وتوكلاً على الله وصدقا وشغفا بقيم وأخلاق ومبادئ الحق بلا حدود ، وإحياء الاحتفالات بالمناسبات الدينية هي بالأساس عملية فكرية لاستعادة الدروس والتجارب والعبر، لأن الاحتفال بما تحبه وتؤمن به وتنتمي إليه، يكون بالعمل على إحيائه ، وتحقيق آماله وأهدافه ، وليس بالرقص والغناء في لافتات الشوارع أو تبادل التهاني على ناصية مواقع التواصل الاجتماعي..
الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية يعني فيما يعنيه بالمقام الأول هو الإدراك أن الرسالة المحمدية نزلت في وقت حاجة البشرية لها، وكانت البشرية تنتظر منقذا لها ، نتيجة تراكم الفساد والإفساد والضلال والباطل ، ومن هنا كانت النعمة على المجتمع العربي بنزول رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله منهم وفيهم ، وهي نعمة تحويل أميتهم إلى معرفة ووعي ، لينتقل بهم عليه وآله الصلاة والسلام من حضيض الأمية والجاهلية إلى مصاف الأمم العظيمة السامية سموا روحيا ونفسيا عظيما، فكانت الرسالة بوعي هداها ومعرفة وعلم كتابها شرفا كبيرا للامة، نعمة وشرف كبير لمن يتبعها ، فمن اتبعها هو موعود بحتمية الانتصار والغلبة ، لكن مع كل هذه النعمة والشرف الكبير كان موقف المجتمع القرشي من الرسالة المحمدية موقف سلبي ، فكان منهم الإعراض والتنكر لهذه النعمة..
في ذكرى الهجرة النبوية العام الماضي ذكر السيد القائد – عليه السلام – أن هناك عدداً من العوامل السلبية التي أدت إلى إعراض المجتمع القرشي عن الرسالة المحمدية ، ولهذه الأسباب والعوامل دروس مهمة، فالعامل السلبي الأول كان موقف الاستكبار من المجتمع القرشي تجاه من جاء لتحويل أميتهم إلى معرفة ، وحالة الاستكبار هذه هي حالة الجهل وتمثل درساً مهماً في كل زمان ومكان ، والعامل السلبي الثاني هو عامل الطمع والتوجه المادي، فقد كان إيمان المجتمع بقوة المال والثروة ، وهذه النظرة المادية كانت من العوامل السلبية للإيمان بالرسالة والاتباع لها، لأن المعايير المادية تجعل الإنسان يرتبط بمن لديهم قوة المال والثروة والابتعاد عن هدى الله ، والعامل السلبي الثالث هو عامل المخاوف، وهذه المخاوف أنستهم نصائح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حتى تطور الخوف إلى محاربة الرسول، ووصل الأمر إلى حالة من الابتعاد كليا عن الإيمان بالرسالة، وهي حالة سيئة جدا من العناد والكفر والباطل والضلال الذي يصل بالإنسان إلى فقدان كل شيء إيجابي فيه، وتفسد نفسيته، وهذا درس كبير وعبرة عظيمة في كل زمان ومكان..
في مقابل الثلاثة العوامل السلبية في المجتمع القريشي ، هناك ثلاثة عوامل إيجابية اكتسبها مجتمع الأنصار الذي استقبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالتحرك معه على أساس الوعي بهدى الله ، ومعرفة الله، العامل الأول هو عامل القلوب السليمة والمحبة، وصفاء القلوب الذي يجمع الكل بعيدا عن المطامع الشخصية يعمل على التخلص من كل الآثار السيئة، والعامل الإيجابي الثاني هو عامل العطاء وإرادة الخير، وهذا العامل المساعد أدى إلى تحرك الأمة بفاعلية وبمجهود وعمل جماعي مؤثر وموحد ، وبدون هذا العامل ينتج الخلل وتتزايد الأنانيات، ويضعف مستوى الموقف، والعامل الإيجابي الثالث هو الإيثار في كل شيء ، وهذا العامل خلق روح الألفة والود والإحسان، وهذه هي الدروس المهمة جدا في ذكرى الهجرة النبوية من حيث تجنب العوامل السلبية التي كانت لدى قريش و الإقبال على العوامل الإيجابية التي لدى الأنصار والتحرك من خلالها..