تشكّل السياحة محرّكا أساسيا للاقتصاد العالمي، وتستأثر بما يقارب الـ 7 % من التجارة الدولية على الصعيد العالمي ويولد قطاع السياحة بشكل مباشر أو غير مباشر فرصة عمل واحدة من بين كل 10 فرص عمل .
لكن القطاع السياحي في اليمن تكبَّد خلال أكثر من سبع سنوات خسائر بمليارات الدولارات، جراء العدوان السعودي الأمريكي والحصار وتداعياته، وما تعرضت له مناطق ومواقع السياحة في مختلف المحافظات من قصف ممنهج من قبل طيران تحالف العدوان، إلى جانب الأضرار المادية المباشرة وغير المباشرة والتي توقفت على إثرها إيرادات ومنشآت وخدمات السياحة وأثرت سلباً على إيرادات الاقتصاد الوطني بشكل عام، ونجم عن ذلك تداعيات غير مسبوقة على الوظائف والمؤسسات، وكانت السياحة من أوائل القطاعات التي تضررت بشدة جراء هذا العدوان الغاشم .
فمنذ الوهلة الأولى للعدوان على اليمن بقيادة الشيطان الأكبر (أمريكا) في 26 مارس 2015م، والمنشآت السياحية والمواقع والمعالم الأثرية والتاريخية اليمنية على رأس قائمة الاستهداف، حيث قُدّر حجم الخسائر الأولية بأكثر من (7 مليارات دولار) من خلال استهداف 473 موقعا ومعلما أثريا وتاريخيا ومنشأة سياحية شملت 25 مدينة تاريخية و42 معلما أثريا، و25 ضريحا، 252 فندقا، و81 مطعما، و12 قاعة مناسبات، و28 منتزها وحديقة وثمانية مقاهي وكافيهات، وتسبب هذا العدوان أيضا بإغلاق أكثر من 543 وكالة سياحية بلغت خسائرها نحو مليار دولار وتسريح ما نسبته 95 % من العاملين في قطاع السياحة يعولون أكثر من 500 الف نسمة على مستوى المحافظات اليمنية، حيث يعول الفرد منهم بمتوسط أربعة أفراد بينما يتراوح متوسط دخل الفرد ما بين 200 إلى 250 دولاراً .
ناهيك عن حجم خسائر الفنادق السياحية المقدر بحوالي مليار دولار بينما تكبد مجلس الترويج السياحي خسائر قدرت بأكثر من (10 ملايين دولار)، بالإضافة إلى الخسائر التي لحقت بالسياحة الداخلية جراء استهداف طيران العدوان للمنشآت السياحية والمواقع التاريخية والأثرية، وتعمده قصف الطرق والجسور، والحصار الذي فرضه تحالف العدوان على المنافذ والموانئ البرية والبحرية والجوية اليمنية، ما أدى إلى منع حوالي 500 الف من السياح اليمنيين (المغتربون في الخارج) الوافدين سنويا من الوصول إلى اليمن، وحال هذا العدوان الهمجي دون تمكن غالبية المواطنين في الداخل من القدرة على التنقل وممارسة حقهم في السفر بهدف الترفيه أو التطبيب أو التعرف على ما يزخر به الوطن من مقومات سياحية.
كما أدى العدوان السعودي الأمريكي إلى تعطيل إقامة المهرجانات والمؤتمرات والملتقيات العلمية والاقتصادية والثقافية والطبية، وفقدان اليمن عائدات مادية من سياحة المؤتمرات والمهرجانات تقدر بحوالي مليون دولار سنويا، ناهيك عن إيقاف استثمارات سياحية وطنية وعربية ودولية تقدر بمليارات الدولارات تشمل مختلف المجالات السياحية في كامل التراب الوطني.
ومع استمرار هذا العدوان والحصار على اليمن أرضاً وإنساناً، وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى إجراءات فعالة ومنسقة لإنعاش القطاع السياحي انطلاقا من توجيهات قائد الثورة / السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- والقيادة السياسية ممثلة بفخامة المشير / مهدي المشاط ودولة رئيس الوزراء الدكتور/ عبدالعزيز بن حبتور وضمن الخطة التنفيذية للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وضمن مشروع الرئيس الشهيد صالح الصماد (يد تحمي ويد تبني)، حيث يمثل إنعاش القطاع السياحي أحد عوامل الصمود والبناء وفرصة لإعادة النظر في خطط التنمية السياحية وضرورة أن تشتمل عملية الانعاش على تغيير مفهوم المقاصد السياحية والمؤسسات السياحية ، وإعادة بناء المنظومة السياحية، والابتكار والاستثمار في السياحة المستدامة .
ولزاما لا بد من تعزيز التعاون المتعدد الأطراف وتوفير الدعم الفعال لإعادة تنشيط السياحة من خلال إشراك جميع مستويات الحكومة القطاع الخاص والمجتمع المدني في خطة عملية قابلة للتنفيذ لإعادة تنشيط قطاع السياحة، بما يساهم في تعزيز دوره في رفد الاقتصاد الوطني والإسهام في دفع عجلة التنمية، كما يعد هذا التعاون بمثابة الخطوات التمهيدية الضرورية التي من شأنها أن تسمح للسياحة الداخلية بإعادة الانطلاق، وتسريع عملية الانتعاش الاقتصادي، من خلال برنامج تطوير المنشآت السياحية الوطنية المتوقفة، وتشجيع الاستثمار في قطاع السياحة، وضرورة وجود إعلام سياحي متخصص يُكرَّس ويساند هذا التوجه العام للدولة .
ومن هنا يأتي دور الإعلام السياحي المتخصص والذي يكتسب أهمية من قوة الإعلام وهيمنته في عصرنا الحاضر وتأثيره في الرأي العام، وترقية الوعي السياحي المجتمعي وبناء صورة ذهنية وحضارية عن قطاع السياحية داخليا وخارجيا، والإعلام السياحي يمثل اللبنة الأولى في بناء السياحة وتقديم الصورة المعبّرة للآخر عن عراقة وحضارة وثقافة الشعب اليمني ومدى اهتمامه بقطاع السياحة والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال هذا القطاع وإيصال رسالة بمظلومية الشعب اليمني وما تعرض له من عدوان غاشم استهدف اليمن كل اليمن أرضا وإنسانا .
يحتل الإعلام السياحي أهمية قصوى في إطار الجهود التي تبذل من أجل النهوض بواقع صناعة السياحة في اليمن، في وقت تواجه فيه هذه الصناعة إشكالية تدنى مستوى الثقافة، بسبب العدوان والحصار والأحداث والتطورات السلبية المتلاحقة، وبسبب تدني كفاءة المنتج السياحي في جانب المرافق والخدمات .
وتتزايد لذلك الحاجة إلى إعلام سياحي بالكفاءة المهنية وبالإمكانيات اللازمة، ليقوم بممارسة دوره في إذكاء دوافع السفر وتنشيط السياحة الداخلية.
ونتيجة لذلك تدشن اليوم عودة صدور مجلة السياحة اليمنية وهي الإصدار السياحي المتخصص الأول من نوعه وصوت السياحة اليمنية بعد انقطاع طويل، والتي سنسعى من خلالها لنشر جرائم العدوان على القطاع السياحي اليمني، وكذلك القيام بالدور التوعوي والترويجي لتقديم اليمن كوجهه المشرق والمضيء وبُعده الحضاري والتاريخي والثقافي والإنساني والديني من خلال التعريف بالمعالم الدينية اليمنية كنشاط سياحي يعرف بالسياحة الدينية ولتعزيز الهوية الإيمانية الراسخة لدى اليمنيين والهوية الإسلامية المتأصلة التي تعود إلى تاريخ أصيل، فعلاقة اليمن بالإسلام وارتباطه بالإسلام وإقباله على الإسلام، منذ فجره الأول، كانت على نحو متميز وعلى نحو عظيم منذ بزوغ فجر الإسلام، فكان هناك ممن هم من أصول يمنية وممن هم من اليمن، من تميزوا كنجوم لامعة في سماء تاريخ الإسلام، حيث كان لليمن الدور الريادي والكبير في نشر الدين الإسلامي وكان لليمن واليمنيين فضيلة السبق والالتحاق والانتماء للإسلام منذ أيامه الأولى.
وفي ظل الهجمة الإعلامية الشرسة التي تشنها بعض وسائل الإعلام المغرضة ضد اليمن أرضا وإنسانا بمحاولتها القفز فوق الكثير من الحقائق التاريخية والثقافية والحضارية والمعرفية الثابتة لحضارة بلاد اليمن السعيد وما أسهمت به من إنجاز على قدر عالٍ من الأهمية والريادة في التاريخ الإنساني، فإننا ندرك أهمية وقيمة الخطاب الإعلامي في زمن انتشار وتعدد الوسائط الإعلامية والمعرفية بإيقاعه المتسارع، ودوره المؤثر في تسليط الضوء على الكثير من تلك الحقائق، التي لا يزال الكثير منها مغيباً ومجهولاً، وربما بعيداً عن متناول واهتمامات الكثير من وسائلنا الإعلامية وكذا دوره في إبراز كل ما يزخر به اليمن من رصيد وارث حضاري وثقافي وإنساني ومعرفي وسياحي وأثري حي ووفير وفريد من نوعه على مستوى منطقة الجزيرة العربية، وأهميته كذلك في مواجهة الحملات الإعلامية المضادة المبنية على معلومات ومعطيات مغلوطة ومضللة..
لا شك أن الغاية النهائية والإطار العام، والأسس للرؤية والمنهجية التي ننشدها في هذا السياق ونحن نطرحه بين أيديكم وكلنا أمل أن ينال رضاكم ويحظى باهتمامكم، بنفس القدر الذي نعول عليه لتحقيقنا هذه الغاية من خلال ملاحظاتكم ومقترحاتكم.
* وزير السياحة- رئيس مجلس الترويج السياحي