الرواتب أولاً!
افتتاحية الثورة
ما إن ارتفعت الأصوات الوطنية المطالبة بصرف المرتبات حتى ثارت ثائرة العدوان ومرتزقته، إنكاراً واستنكاراً للمطالبة بهذا الحق الأصيل لكل يمني موظف في الخدمة العامة، بل ذهب المرتزق معمر الإرياني إلى اعتبار تلك المطالبات شروطا مستحيلة يضعها “أنصار الله” في طريق الهدنة، وهنا الفارق يظهر بين من يصطف إلى جانب شعبه وأهله وبلاده حاملا قضايا الناس ومدافعا عن حقوقهم المنهوبة، وبين من يجند نفسه بوقا رخيصا لتحالف العدوان واللصوص مقابل فتات من المال يحصل عليه، كما هو حال الإرياني وآلاف أمثاله.
قطعت دول العدوان ومرتزقتها مرتبات الموظفين حين قامت بنقل البنك المركزي إلى عدن، وحين استأنفت عملية تصدير النفط فتحت حسابا خاصا بالعائدات في البنك الأهلي السعودي بمدينة جدة السعودية، يتم إيداع موارد النفط الخام في هذا الحساب، وخصصت منه الفتات لأكابر المرتزقة والعملاء الذين يتقاسمون 20% من العائدات بينهم كمخصصات شهرية يتوزعونها شهريا بالعملة الأجنبية.
يصل المباع من النفط يوميا إلى 17 مليون دولار، ماذا لو ذهبت هذه الملايين يوميا إلى بنك يمني في عدن أو في صنعاء، ستصرف المرتبات حتما، وستعزز قيمة العملة الوطنية، وستخفض أسعار السلع والخدمات، وستنتج وضعا مريحا للشعب اليمني الذي يعاني الجوع والأمراض والحرب، وبدلا عن ذلك يقومون بتوريد هذه المبالغ إلى بنك سعودي في جدة!.
أدار تحالف العدوان – بما فيه الإدارة الأمريكية – فصول حرب التجويع والإفقار للسكان المدنيين في اليمن بشكل مباشر، عمدت الرباعية إلى دفع الأوضاع المعيشية إلى الانهيار وخططت لاختراق البنك المركزي ونقل عملياته وسهلت السطو على احتياطاته من النقد الأجنبي في البنوك الخارجية، ودفعت بالوضع إلى الانهيار متسببة في قطع رواتب الموظفين وفي ارتفاع الأسعار وفي انهيار الوضع الاقتصادي برمته.
أشرفت الولايات المتحدة على إحداث الأزمة الاقتصادية في اليمن، ولقد قال السفير الأمريكي بوضوح، مخاطبا رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام أثناء مفاوضات الكويت “وقعوا على ورقة الاستسلام، أو سننقل البنك، ونرفع سعر الدولار إلى ألف ريال”، وأشرفت كذلك على تعاظم أضرار الحرب الاقتصادية على اليمنيين، ووضعت أمام كل المحاولات التي بذلتها اللجنة الاقتصادية الوطنية – للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي، ووضعت أمام كل مسار حاولت اللجنة الاقتصادية أن تعزز من خلاله أوضاع الاقتصاد – خطة مواجهة لإفشاله وتقويضه، وشنت حربا شعواء على الاقتصاد من خلال شبكة معقدة من القرارات والإجراءات هدفت من خلالها إلى إحداث المجاعة الشاملة في أوساط اليمنيين.
حتى الأمس القريب كانت محاولات اللجنة الاقتصادية في صنعاء تهدف إلى تحصين الموقف الدفاعي والصمود أمام استراتيجية التجويع الأمريكية التي انساق لتنفيذها المرتزقة والعملاء طوعا وقسرا، تمكنت اللجنة الاقتصادية من الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في المناطق الحرة، لكننا اليوم أمام معادلة مختلفة تضع الإدارة الأمريكية ودول العدوان أمام خيارين : الهدنة ودفع المرتبات، وبالتالي ضمان أمن الطاقة التي تحتاج إليها، أو عدم دفع المرتبات وبالتالي لن يتم التجديد للهدنة ولا تأمين الطاقة أيضا، وستدفع الثمن أمريكا قبل غيرها.
حينما ذهبت القيادة الوطنية في صنعاء إلى الموافقة على الهدنة الإنسانية كان الهدف هو تخفيف معاناة الشعب اليمني المحاصر، وحينما وافقت على تمديد مدتها كانت تنشد تلك الغاية النبيلة، وحينما ترفض تجديد الهدنة إلا بدفع مرتبات موظفي الدولة فإنها إنما تحمل قضايا وحقوق هذا الشعب، على خلاف العدوان ومرتزقته حين يمعنون في التنكيل باليمنيين وحياتهم المعيشية، ومثلما هي حريصة على السلام واستمرار الهدنة هي حريصة كذلك على حقوق اليمنيين وأول تلك الحقوق دفع المرتبات.