الثورة /
في الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام يحتفل أغلب المسلمين بيوم الولاية ، ويحرصون على إحياء هذه المناسبة التي تعتبر محطة إسلامية عقائدية وسياسية تكرس ولاية الله ورسوله والإمام علي كعقيدة وانتماء ديني وسياسي وفي هذا التفصيل نأتي على التسمية والدلالات.
أولاً: حجة الوداع
حجة الوداع هي أول وآخر حجة حجها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم بعد فتح مكة، وقد خطب فيها خطبة الوداع التي تضمنت قيمًا دينية وأخلاقية عديدة أبلغ فيها الدين والحجة والمعالم الإسلامية كلها ، وسُميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم ودّع الناس فيها وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها.
في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن رسول الله محمد عزمه زيارة المسجد الحرام حاجاً، فخرج معه حوالي مئة ألف من المسلمين من الرجال والنساء، وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري، وأحرم للحج ثم لبّى قائلاً: “لبيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك، والملك، لاشريك لك” (صحيح البخاري، كتاب الحج، باب التلبية).
وبقي ملبياً حتى دخل مكة، وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم وشرب من ماء زمزم، ثم سعى بين الصفا والمروة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى فبات فيها، وفي اليوم التاسع توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر، ثم خطب خطبته التي سميت فيما بعد “خُطبة الوداع”. وبعد غروب شمس يوم عرفة نزل الرسول محمد صلى الله وسلم عليه واله، والمسلمون إلى مزدلفة وصلى المغرب والعشاء فيها جمع تأخير، ثم نزل إلى منى وأتم مناسك الحج من رمي الجمار والنحر والحلق وطواف الإفاضة.
وكان صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يعلم الناس جميعا في هذه الحجة معالم الدين وقيمه وكانت هذه الحجة بمثابة البلاغ الشامل والكامل بدين الله تعالى.
عيد الغدير «يوم الولاية»
بعد أن انتهى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة النبوية قفل عائدا من مكة إلى المدينة ومعه الإمام علي عليه السلام الذي التحق برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، عائدا من اليمن ليدرك حجة الوداع مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومعه الهدي، كما رواه مسلم في صحيحه برقم (1281) ، وصلى المصطفى يوم 18 عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في موضع يسمى غدير خم ونزل معه المسلمون بجمع مشهود صحة من المسلمين الذين حجوا تلك الحجة ، وخطب فيهم خطبة شهيرة يُجمع على روايتها كل المسلمين.
لما قضى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم من حجة الوداع ، وخلال عودته صلوات الله عليه وآله من مكة إلى المدينة وصل إلى مكان يعرف بغدير خُم ، وغَديرُ خُم هو: موضع بين مكة والمدينة، وهو واد عند الجحفة به غدير ماء ، يقع شرق رابغ بما يقرب من (26) كيلاً، وخُم اسم رجل صباغ نُسب إليه الغدير، والغدير هو: تجمع كبير من ماء المطر ، وجمع المسلمين الذين بلغ عددهم أكثر من مائة ألف من الرجال والنساء وخطب فيهم خطبة قال فيها «ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى يا رسول الله ، ثم قال فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادي من عاداه، وانصر من نصره» إلخ الحديث المروي بالتواتر والإجماع.
وكان سبب نزوله في هذا المكان، هو نزول القرآن عليه بتنصيب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة وإماماً في الأمة بعده، وكان قد تقدّم الوحي اليه في ذلك من غير توقيت له، فأخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه.
وعلم الله عزّ وجلّ أنّه إنْ تجاوز غدير خم، انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم وأماكنهم وبواديهم، فأراد الله أن يجمعهم لسماع النصّ بخلافة وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وتأكد الحجة عليهم فيه ، فأمَرَ (صلَّى الله عليه وآله) باجتماع الناس ، فَصلَّى بهم ، وبعد ما انتهى من الصلاة ، أمر أن توضع أقتاب الإبل لتكون له منبراً ، ففعلوا له ذلك, فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين ـ فيما يقول المؤرِّخون ـ مِائة ألف ، أو يَزيدونَ على ذلك .
وبعد الصلاة بدأ (صلى الله عليه واله) خطبته بذكر ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية والرق والعبودية ، إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام, كما ذكر ( صلى الله عليه وآله ) لهم جملة من الأحكام الدينية ، وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم ، ثُمّ قال لهم : ( انظُروا كَيفَ تخلفوني في الثقلين ) ، فناداهُ منادٍ من القوم : ما الثقلان يا رسول الله ؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله ) : (الثقل الأكبر: كتاب الله ، طرف بيد الله عزَّ وجلَّ ، وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به لا تضلُّوا ، والآخر الأصغر: عترتي . وإنّ اللطيف الخبير نبأني: أنَّهما لنْ يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فسألتُ ذلك لهما ربي ، فلا تقدَّموهما فتهلكوا ، ولا تقصِّروا عنهما فتهلكوا ), ثُمّ أخذ ( صلَّى الله عليه وآله ) بيد أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ـ ليعلن ولايته على الناس جميعاً ـ حتى بَانَ بَياضُ إِبطَيْهِمَا ، فنظر إليهما القوم, ثُمّ رفع ( صلَّى الله عليه وآله ) صوته قائلاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاس ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ فأجابوه جميعاً : اللهُ ورسولُه أعلم . فقال ( صلَّى الله عليه وآله ) : (إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأولَى بهم من أنفسِهِم ، فَمَن كنتُ مَولاه فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ) قال ذلك ثلاث مرَّات ، ثُمّ قال ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ وَالِ مَن وَالاَهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ ، ، وانصُرْ مَن نَصَرَه واخْذُل مَن خَذَلَهُ ، وَأَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دَار ، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ ) .
وبذلك أنهى ( صلَّى الله عليه وآله ) خطابه الشريف الذي أَدَّى فِيه رسالة الله ، فَنَصَّبَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خليفة ، وأقامه عَلَماً للأمّة ، وقَلَّدَهُ مَنصب الإمامة, فقال ابن عبّاس : «وَجَبَتْ ـ والله ـ في أعناق القوم» ; يعنى بذلك البيعة بالولاية والإمرة والخلافة .
«ثمَّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين علي عليه السلام، وتقدم إليه أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول : بخٍ بخٍ لك يا بن أبى طالب ! أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة».
أما تسميته بيوم الغدير الأغر ؛ فذلك لأنه أشهر من أن يذكر، وأعرف من أن ينكر, حيث سارت حادثته بين الناس مسير الشمس في الأقطار، فهو اليوم الذي امتن الله عز وجل فيه على الناس وأغدق عليهم بأفضل النعم وأعظمها وهي نعمة الولاية والامامة التي قلدها رسول الله (صلى الله عليه واله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ممتثلا بذلك أمر ربه في قوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} يعني في استخلاف عليّ (عليه السلام).
وأما تسميته بعيد الله الاكبر ، فذلك مستوحى من روايات وأحاديث أشارت الى شأن هذا العيد ومنزلته عند الله تعالى وأهل السماء والأرض ، واشتهر يوم الولاية بتسمية عيد الغدير نسبة إلى المكان الذي وقع فيه هذا الحدث الذي يعد بمثابة تنصيب إلهي للولاية على المؤمنين التي حددت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا المكان عرف بـ(غدير خم) وتقيّيد لفظ «الغدير» بإضافته إلى «خُمّ» انما هو للتمييز بينه وبين غدران أُخرى ، وغدير خُمّ يقع في وادي الجحفة ، على يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلى مكّة ، عند مبتدأ وادي الجحفة ، حيث منتهى وادي الخرّار.