حب الوطن أمر فطري وعاطفة إنسانية أصيلة يشترك فيها جميع الناس على تنوع أعراقهم واختلاف مشاربهم, والإسلام الذي هو دين الفطرة لم يقف في وجه هذا الميل الطبيعي بل أقر ذلك وعززه وجعل منه سبيلا للعمل الصالح وفعل الخير, وضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأكبر في حب الوطن في موقف بالغ التأثير والروعة عندما وقف ليلة الهجرة على مشارف مكة والتفت ليبثها كلمات الوداع قائلا: ما أطيبك من بلد وأحبك إلي, لولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت… هكذا رأينا كيف راعى رسولنا صلى الله عليه وسلم هذا الشعور وهذه العاطفة من تعلق المرء بوطنه وحبه له, لكن لا بد من التنبيه أن الانتماء للوطن ليس مجرد عاطفة غامرة أو مشاعر جياشة فحسب بل هو مع ذلك إحساس بالمسؤولية وقيام بالواجبات.. الوطن أيها الأحباب شراكة بين أبنائه شراكة في المكتسبات والمنجزات شراكة في الحياة والمصير شراكة في الحقوق والواجبات, ومثلنا في الوطن كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
وأن من واجبنا نحو مجتمعنا أولا الحفاظ على أمن المجتمع إن هذا الوطن الذي نعمنا بالأمن فيه والطمأنينة في أكنافه وعشنا على خيراته وثمراته ليحتم على كل فرد منا أن ينهض بواجباته تجاه وطنه فالمواطن أخذ وعطاء, أخذ للحقوق وأداء للواجبات لو شئنا أن نختصرها لقلنا الأمن والبناء فأما الأمن في الأوطان فمن نعم الله العظمى على عباده, ولهذا أقسم الله عز وجل على أهل مكة في قوله تعالى: ” إöيلافöهöم رöحلة الشöتاء والصيفö فليعبدوا رب هذا البيتö الذöي أطعمهم مöن جوع وآمنهم مöن خوف” وسأل نبي الله إبراهيم عليه السلام رب أجعل هذا البلد آمنا, وقد دعانا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن نكون من أهل هذا الصنف من الناس حينما قال :”أفشوا السلام بينكم وأطعموا الطعام” فبذل السلام وإفشاؤه ليس بأن يقول المرء لمن حوله السلام عليكم فحسب بل أن يكف الأذى عن الناس وأن يسلم الناس من إساءته وأذاه كما قال في حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: “المسلم من سلم الناس من إساءته وأذاه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمؤمن من أمن الناس على دمائهم وأموالهم” وواجب الأمن يتحقق أيضا بأن نكون حملة خير ومصدر أمن وسلام لمن حولنا ولو ببسمة صادقة أو نيات خير أو كلمة طيبة أو بشارة حسنة فكل هذا من المعروف الذي لا ينبغي أن نحقöره مهما كان يسيرا إن تحقيق الأمن هو أن ندرأ الفتنة ونمنع قيامها وأن نئد الشائعات الكاذبة والإرجافات المزعزعة وأن نبتعد عن ترويع الآمنين وتخويف الأبرياء المسالمين.
الحق الثاني هو البناء, وبناء الوطن امتثالا لمهمة الاستخلاف في الأرض وإعمارها قال تعالى: ” هو أنشأكم مöن الأرضö واستعمركم فöيها” فكل فرد منا في موقعه مستخلف ومطالب بالبناء على قدر وسعه وقدراته يتجلى بناء الوطن في الحفاظ على الممتلكات والمرافق العامة في الحفاظ على خيرات الوطن وثرواته وبيئته في إماطة الأذى عن الطريق من الكف عن الإسراف واستنزاف الموارد مهما قلت أو كثرت في كل ذلك بناء للوطن أن بناء الوطن يتجلى في إتقان العمل النافع المفيد وفي حسن المعاملة فيما بيننا ومع الأجنبي الغريب كما يتجلى بناء الأوطان في نشر العفة والفضيلة وإقصاء الفاحشة والرذيلة ليكون مجتمعنا ناهضا بالقيم الفاضلة لا منغمسا بأدناس التحلل والفجور ومن بناء الوطن أيضا بناء الإنسان لأن الإنسان هو الثروة الكبرى والعامل الأهم في التقدم والتأخر, وقد عرفت الأمم المتقدمة قيم الإنسان فاعتنت به عناية كبيرة لأنه أساس التقدم والرقي.
هذا هو حبنا نحو وطننا وغيره الكثير, وكان هذا هو الأهم لأن الوطن في هذه الظروف يحتاج منا الكثير والكثير في هذا المنعطف الخطر التي تمر به الأمة, فعلينا الحفاظ على أمن المجتمع والعمل على بنائه لكي نحقق المهمة التي أوكلنا الله إياها وهي الاستخلاف في الأرض والتعمير كما قال الله عز وجل : ” هو أنشأكم مöن الأرضö واستعمركم فöيها “
عضو البعثة الأزهرية
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا