من الوحدة إلى الثورة.. أهم كتاب يتناول التحولات في اليمن خلال ربع قرن من الاستبداد والهيمنة الأجنبية للكاتب/ أنس القاضي

أمين النهمي

 

صدر حديثا عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، كتاب « من الوحدة إلى الثورة: التحولات في اليمن خلال ربع قرن من الاستبداد والهيمنة الأجنبية (1990م _ 2015م)»، للكاتب الصحفي والمحلل السياسي أنس القاضي. ويقع الكتاب في 480 صفحة من القطع المتوسط، طبعة أولى فبراير 2022م.
ويعد الكتاب بحسب وصف عدد من المحللين السياسيين، ” أهم كتاب حتى الآن وثق لثورة ٢١ سبتمبر من بداياتها وخلفياتها التاريخية وصولا إلى التدخل العسكري العدواني في ٢٦ مارس ٢٠١٥م، كما تناول الكتاب المرحلة المحددة وقدم صورة واضحة عن معالمها الأساسية، لافتين إلى الكتاب مثير للاهتمام، وفي العادة فإن عملاً كهذا تقوم به لجنة ما، فالكتاب يجمع ونظرية الثورة، متضمنا عددا من المناهج البحثية التاريخية والتحليلية والوصفية”.
يتناول الكتاب، كما يشير المؤلف فترة تاريخية محددة من العام 90 حتى العام ٢٠١٥م، بالتحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمرحلة المذكورة، والإجابة على سؤال ما هو خط حركة التاريخ اليمني الموضوعي المفترض؟ ولماذا جرت الأحداث بذلك النحو ولم تجر على نحو آخر؟ وما هو المستقبل الذي يجب أن نناضل من أجله أي ما الذي سيخرج اليمن من دوامة الاستبداد والهيمنة الأجنبية؟.
ونوه القاضي إلى أن الكتاب يقدم مساهمته التحليلية بناء على علاقة التدافع والتناقض والصراع ما بين المحرومين والمستضعفين مع المترفين والمستكبرين المحليين، والصراع ما بين الوطنيين اليمنيين وأعداء الوطن الخارجيين، في ظل علاقة الترابط الوثيقة ما بين النخبة الاستبدادية الداخلية ودول الهيمنة الأجنبية (الغربية والخليجية).
ويتألف الكتاب من ستة فصول زائد الملحقات، تناول الكاتب في الفصل الأول البنية الاجتماعية والاقتصاد والدولة في المجتمع اليمني، وهذا الفصل يمثل قاعدة نظرية على ضوئها تفهم تطورات الأحداث، فيما تناول الفصل الثاني المجال السياسي العسكري اليمني ١٩٩٠م ۲۰۱۰م وأهم محطاته وهي (الوحدة اليمنية وحرب 94 وتغلغل الجماعات التكفيرية وأعمالها الإجرامية في اليمن ونهضة السيد حسين الحوثي وحروب صعدة وتداعياتها، ودخول أمريكا اليمن بذريعة «مكافحة الإرهاب» وأزمة الانتقال السياسي السلمي للسلطة بين الحزب الحاكم “المؤتمر الشعبي العام” وأحزاب المعارضة «اللقاء المشترك»).
و تطرق المؤلف في الفصل الثالث إلى «ثورة 11 فبراير ٢٠١١م» والمرحلة الانتقالية المتعثرة، بداية من «الثورة» ومقدماتها السياسية، ثم صراع القوى الانتهازية والقوى الثورية في ساحات الثورة، والالتفاف على الثورة، وإجهاز الولايات المتحدة عليها عبر المبادرة الأمريكية – الخليجية ورسم ملامح الفترة الانتقالية وممارسة التدخلات بصورة مباشرة بوضع اليمن تحت «الفصل السابع» وتنصيب «هادي» رئيساً، وتشكيل حكومة التقاسم «حكومة الوفاق»، وتوجيه مؤتمر الحوار الوطني بعيداً عن التوافق، واستهداف البنية العسكرية اليمنية وإشاعة الفوضى والإرهاب التكفيري خدمة لأهدافها.
أما الفصل الرابع، فقد تناول ثورة ٢١ سبتمبر من الريف إلى العاصمة، بداية من إرهاصاتها في دماج وريف ومديريات محافظة عمران ومدينتها، كما يبين الأهمية الاستراتيجية لهذه المعارك الثورية، وصولاً إلى دعوة قائد الثورة إلى الخروج من أجل «المطالب الثلاثة»، يتضمن الجزء الثاني من الفصل تحليلاً للأوضاع الثورية التي سادت في البلد آنذاك والحراك الثوري مستخلصاً منه الاستراتيجية العامة في الثورة، مبيناً ضرورتها التاريخية، ومشاركة المنظمات الجماهيرية الشعبية ومشاركة القبيلة والمرأة.
وفي الفصل الخامس يقدم الكاتب القاضي تحليلا عن جوهر الثورة الشعبية والمهمة التاريخية التي قامت بها، وماذا يعني انتهاجها للسلم والشراكة، ويستعرض الفصل اتفاق السلم والشراكة وقضاياه، والمواقف اليمنية والدولية منه، وكيف جرت عملية الانقلاب عليه، ويحلل تطور الموقف الأمريكي المعادي من ميدان السياسة إلى العسكرة، فيما ينتهي برصد لأهم الأحداث في تسلسلها التاريخي من ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م حتى التدخل العسكري العدواني في ٢٦ مارس ٢٠١٥م، وهو ما يرسم صورة واضحة للخطوات التمهيدية للتدخل العسكري العدواني.
وتكون الفصل السادس، من قسمين، تناول الأول: التحديات التي تواجهها الثورة الشعبية التقنية أهمها (تحديات التدخل العسكري الأجنبي، التحالفات العدوانية الداخلية والخارجية، الانقسام السياسي، إشكالية الوعي الاجتماعي، الدولة العميقة، الوضع في المحافظات الجنوبية والشرقية)، فيما تناول القسم الثاني من الفصل دور المكون الرئيسي متمثلاً في أنصار الله ودور قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، وانتهى هذا الفصل بالمهام الآنية والمستقبلية للثورة الشعبية، وهي مساهمة نظرية من وجهة نظر الكاتب بمثابة توصيات عملية لمعالجة المشاكل التي تراكمت تاريخياً في ظل التطور الاجتماعي الاقتصادي اليمني المشوه والتي تشكلت في ظل علاقة الاستبداد بالهيمنة الأجنبية.
واختتم الكتاب بالملحقات التي استقى منها الباحث المعلومات واستعان بها عند تحليل الموضوعات، وهي مرتبة بطريقة تصاعدية من العام 1990م حتى العام ٢٠١٥م مرتبطة بالموضوعات الواردة في الكتاب فهي جزء من بنية الكتاب، وفي ذات الوقت توثيق للتطور السياسي الاقتصادي الاجتماعي العسكري خلال ربع قرن، وتعطي صورة لهذه الحقبة من تاريخ بلادنا.
وكما يشير رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، الأستاذ عبدالملك العجري، في تقديمه إلى أن موضوع الكتاب لم يشبع من قبل: فتاريخ اليمن الموحد لم يلق حقه من الدراسة وإن وجدت بعض الإسهامات فهي مشتتة المواضيع وغير مؤتلفة ضمن سياق تحليلي موحدة السلطة واحتكرت الانتاج المعرفي العلمي والسياسي مرسخة خطاب المنتصر وسياسته، فكان أحد أسباب الإشكالية المعرفية أن القوى التي حكمت من بعد عام ١٩٩٤م ظلت مهيمنة على السلطة، واحتكرت الانتاج المعرفي العلمي والسياسي مرسخة خطاب المنتصروسياسته، فكان من الموضوعي ظهور كتاب كهذا بعد ثورة ٢١ سبتمبر لا قبلها، دون التقليل من الكتابات الشجاعة والمعارضة الجادة التي برزت في تلك الفترة، وكان يدفع الكاتب والسياسي كلفتها من حريته وأمنه وخبز أسرته إن لم تكن حياته . هي الثمن.
وأضاف في مقدمته إلى مغامرة الكاتب في الفصل الأول بدراسة بنية الدولة والمجتمع ليجعل منه قاعدة نظرية تفسر على أساسها تطورات الأحداث والمواقف، وهي عملية معرفية شاقة خاصة مع وجود غزارة في انماط الإنتاج القديمة والحديثة وكذلك تداخل في بني الطبقات والفئات الاجتماعية في بلادنا، إلا أن الكاتب استطاع -إلى حد ما- أن يلتقط القضايا الجوهرية استخلص منها تعميمات معينة أكدت الأحداث صوابيتها، ومازالت قضية دراسة البنية الاجتماعية الاقتصادية اليمنية وعلاقتها بنظام العولمة الغربية وتأثيره عليها مسألة ملحة، فعلى أساس هذه المعرفة ستقوم عملية بناء الدولة الوطنية الحرة العادلة.
وأشار أن الكتاب يعالج قضايا معقدة في التاريخ اليمني الحديث، كتجربة الوحدة والديمقراطية وحرب ٩٤ وظهور المسيرة القرآنية والحروب الست على صعدة وثورة 11 فبراير وأحداث دماج وعمران وثورة ٢١ سبتمبر والعدوان الذي يدخل عامه الثامن، وهي قضايا خلافية تتعدد المقاربات التفسيرية لها فمازالت أطرافها الأساسية فاعلة، وقضايا كهذه من الصعوبة الكتابة عنها بتجرد، فلكل كاتب انحيازه السياسي والأيديولوجي، والكاتب حاول جاهداً أن يثبت صوابية ما توصل إليه لهذا فقد حشد أكثر من ٢٠ وثيقة شاهدة على المرحلة وعشرات المصادر في الهوامش الداخلية.
ولفت العجري إلى أن الكتاب مصدر أمين للتعريف بثورة سبتمبر، ويمثل إضافة للمكتبة اليمنية وللقارئ العربي والأجنبي المهتم بما يدور في اليمن، كما أن الباحث قدم مقاربة مقبولة عن أنصار الله وكان واقعيا في قراءة ما بات يعرف «بالظاهرة الحوثية» انطلاقا من قراءته الخاصة للتاريخ والخطاب والممارسة.
وأوضح إلى أن الكاتب اختتم كتابه بتصور عن مهام الثورة الشعبية وهو جدير بالاهتمام، فالمقترحات والتصورات التي يطرحها الكاتب هي بدرجة أساسية مستنبطة من تحليل الواقع اليمني، حيث طرحت لتكون معالجة للمشاكل والقضايا المذكورة في الفصل الأول وفي سياق فصول الكتاب المختلفة كما سيلاحظ القارئ.
ونوه العجري في ختام مقدمته إلى أن انطلاق الكاتب من الديمقراطية الاجتماعية أو الشعبية، التي هي نقيض للديمقراطية الليبرالية الغربية -السائدة في الفكر السياسي والمناهج الدراسية الجامعية- مكنه من طرح حلول واقعية، وهي في ذات الوقت من حيث جوهرها بديهية وتعيد للدولة وظيفتها الاجتماعية إلا أن الفكر السياسي والمعرفي اليمني لفترة طويلة كان مكبلا بالليبرالية وهو ما كان يحول بين المثقف والسياسي والمسؤول الحكومي عن إقرار الحلول العملية العادلة.

قد يعجبك ايضا