“بايدن” وعمى الألوان ..

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي


كل شيء في الحياة بات واضحاً ومكشوفاً، يتضح لكل ذي بصيرة، إلا أن العمى أحياناً يضع على الأعين غشاوة فلا ترى الأشياء بما هي عليه، وهذا هو حال بعض الزعماء الذين يحاولون أن يتقمصوا شخصية المصلحين القادرين على فك عقد الزمن وهم في الأساس ملوثون بعمى الألوان ونزعات المصالح الذاتية، كما هو شأن الرئيس الأمريكي بايدن .
منذ أن بدأ التحشضير لزيارته الحالية للشرق الأوسط وهو يتحدث عن إزالة المنطقة الرمادية وتوضيح الصورة أكثر بأن تظهر للعيان بيضاء أو سوداء، رغم أن السماء معتمة والضباب يغطي كل مساحات الأرض، ضباب داكن يصدر روائح نتنة كلها نتيجة أنهار الدم التي تسيل هنا وهناك بفعل غطرسة وغلو وتطرف الأدوات الحاكمة في هذه الدول وبالذات في السعودية ودولة الكيان الصهيوني، من يسميهم بايدن للأسف بالشركاء الاستراتيجيين، لا أدري عن أي شراكة يتحدث، مع أنه بمجرد التدقيق في الصورة تتضح ملامح هذه الشراكة وتبدو واضحة للعيان بأنها شراكة في الدم وفي التعذيب والتنكيل، والصورة أصبحت واضحة كما قلنا لكل ذي بصيرة ، إلا أنه يبدو أن الرئيس الأمريكي مصاب بعمى الألوان، لا يشاهد البقع الرمادية والسحب الداكنة في سماء نجد والحجاز وفلسطين المحتلة نتيجة ما تمارسه الأنظمة في هذه الأماكن من قهر وسحل وتعذيب وتنكيل وقتل في معظم الحالات للمواطنين ولأبناء الدول المجاورة ، هذه الألوان للأسف تغيب عن بايدن ويُردد أكثر من مرة أنه سيأتي إلى الشرق الأوسط ليُزيل السحب الرمادية ويجعل الصورة إما بيضاء أو سوداء، لأنه لا يؤمن بتداخل الألوان كما قيل عنه ، ورغم أن هذه النظرة تُخالف سنة الحياة، فالألوان لا بد أن تتداخل وتفرض نفسها على الواقع بفعل نزوات البشر ، إلا أن الرجل يتغاضى عن ذلك ويتحدث عن لونين لا بديل لهما، إما الأسود أو الأبيض، يبدو أن الرجل أكثر عنصرية وأكثر إجرام من سابقه ترامب ، فهو الذي تربى في أروقة البيت الأبيض وقضى أكثر من 10سنوات، عرف كيف تُدار أعمال التعذيب في الغرف المغلقة، لذلك يباركها ويعتبرها أعمالاً بطولية في نطاق الدفاع عن الذات، كما يحدث في دولة الكيان الصهيوني، بينما يعتبر الفلسطينيين المدافعين عن حقهم المسلوب إرهابيين، وتمتد الصورة إلى اليمن وشعبه الذي يدافع عن عرضه وأرضه وكرامته، فهو وإن كان قد رفع أنصار الله من قائمة الإرهاب التي كان قج حشرهم فيها سابقه ترامب ، إلا أنه ربما يمارس في الخفاء ما هو أعظم ، وهذا هو ديدنه اليوم وهو يُبشّر لزيارته الحالية .
الإشكالية أن الرجل يتحدث بأشياء سرعان ما يتلقفها عتاولة الكيان الصهيوني فيكونون أكثر حماساً لإطلاق تصريحات نارية توحي بأن الكيان الصهيوني بات فعلاً هو رمز السيادة في المنطقة، ثم يتحدث عن شراكة فعلية مع دول ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي، وسيلتقي بهم في ختام زيارته لنجد والحجاز المسماة ظلماً وعدواناً بالسعودية، وهذا ولو من باب التذكير للرئيس الأمريكي الذي يقول ما لا يفعل، نذكره بتلك المواقف التي أعلنها وهو في مرحلة الدعاية الانتخابية، فقد وعد بإنهاء الصراع في اليمن حسب وصفه، ووعد أيضاً بحل القضية الفلسطينية ووعد ووعد، وكل هذه الوعود تبخَّرت وذهبت أدراج الرياح، لتوحي للقارئ والمستمع والمشاهد أن الجميع يمارسون الكذب كما يمارسون الصلاة، وأن الكذب سلاحهم الوحيد للوصول إلى المواقع القيادية في الدول، هذا ليس شان بايدن فقط، بل هو شأن كل الزعماء في دول الغطرسة والعدوان، ولا عزاء لـ”جنسون” ذلك الرجل الغر المتغطرس الذي أعتقد أنه سيمارس الكذب على شعبه حتى النهاية ، لكنه سقط في الوحل ولفظه الزمن إلى خارج التاريخ، وهذا إن شاء الله سيكون حال كل الزعماء الذين يمارسون الكذب على شعوبهم وعلى الآخرين ويعتبرونه وسيلة لتحقيق الغايات والنوايا المبيتة .. والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا