الهدنة في مهبّ انتهاكات تحالف العدوان
محاولات غرودنبرغ لن تصلح ما أفسدته مطامع السعودية وأمريكا
عشرون ألف خرق حتى الآن وبنود لم تر نور الهدنة
الثورة / وديع العبسي
ثلاثة أشهر من هدنة مزعومة وخروقات لا تتوقف وتحركات وتحشيدات عسكرية مفضوحة لقوى التحالف السعودي الأمريكي العدواني استعدادا لجولات جديدة من التصعيد بعد إعادة ترتيب أدواتها وإيجاد البدائل للمهزومين والقوى الخائرة التي انهكتها بنادق رجال الله وصلابة الشعب اليمني الشجاع.
منذ اللحظات الأولى لدخول الهدنة حيز التنفيذ، بدأ تحالف العدوان عبثه غير المسؤول بالاتفاق الذي جرى تحت مظلة الأمم المتحدة.
فظلت طائرات الاستطلاعية والتجسسية المسلحة تحلق في سماء المحافظات الحرة، وفي أحايين كثير كانت تقصف منازل المواطنين كما حدث في الحديدة والضالع غير مرة، فيما استمر حرس الحدود السعودي في استهداف المواطنين في المناطق الحدودية وعلى إثر ذلك سقط العديد من المواطنين ضحية هذه الانتهاكات وآخرها يوم الأحد الماضي، حيث سقط 17 مواطنا بين شهيد وجريح في صعدة، ليصل عدد من سقطوا ضحايا حرس السعودي منذ بداية الهدنة في أبريل الماضي إلى 387 مواطن بين شهيد وجريح.. وطوال شهور الهدنة حضر العدوان بكل أشكاله، فيما غابت فقط الطائرات الحربية، ليستمر في: القصف المدفعي المكثف على منازل المواطنين ومواقع الجيش واللجان الشعبية، وتحليق الطيران الحربي الأباتشي، والطيران التجسسي والاستطلاعي، إلى جانب استمراره في الزحوفات وعمليات تسلل، استحداثه للتحصينات العسكرية، ووصل عدد خروقات عدوان التحالف السعودي منذ بداية الهدنة الإنسانية والعسكرية حتى ما بعد الشهر الثالث من عمرها إلى ما يقارب الـ ٢٠ ألف خرق.
في الأثناء استمر قراصنة العدوان في التقطّع لسفن المشتقات النفطية واحتجازها رغم حصولها على كل التصاريح اللازمة من الهيئات المُكلّفة من قبل الأمم المتحدة.
وبالنظر إلى ما تم تنفيذه، نجد أنه قد اقتصر على بعض الرحلات من والى مطار صنعاء، لم تستوف عدد الرحلات المتفق عليها في اتفاقية الهدنة، أو وجهتيها الأردن – القاهرة، باستثناء رحلة يتيمة إلى مطار القاهرة.. هذا التعاطي غير المسؤول من قبل السعودية وأتباعها، كان من الطبيعي أن يدفع الجانب الوطني لأن يعلن للأمم المتحدة والمجتمع الدولي موقفه الرافض بشدة لهذا الاستخفاف الذي جعله التحالف السعودي الأمريكي عنوانا بارزا لسلوكه تجاه الهدنة، ولتعامي الأمم المتحدة عن كل ذلك.
مع التمديد الأول للهدنة قدم المجلس السياسي الأعلى مبرراته للشعب اليمني الذي كان قد بدأ يضيق ذرعا من هدنة لم ترتدّ عليه بأية فائدة، فأكد السياسي الأعلى أن طبيعة المسؤولية تُملي عليه مراعاة المصلحة العامة التي كانت تفترض إعطاء التحالف فرصة ثانية مع توسعة استحقاقات الهدنة من أجل التخفيف من معاناة الناس، والتي في حقيقتها لم تكن توسعة بقدر ما هي مطالب بتنفيذ الهدنة وفق ما نصت عليه الاتفاقية، والتي تقاعس تحالف العدوان عن الوفاء بكل بنودها، ولذلك اكد السياسي الأعلى حينها على أن قرار تمديد الهدنة لفترة جديدة مرهون بتنفيذ كامل التزامات الفترة الماضية والتعويض عنها سواء فيما يخص رحلات الطيران أو سفن المشتقات النفطية والالتزام ببحث القضايا الإنسانية وعلى رأسها قضية المرتبات والخدمات الأساسية والسياسة النقدية.
حينها أيضا شدد رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط على أن قبول المجلس وتعاطيه الإيجابي مع الاتصالات والدعوات التي تمت، ومع رسالة المبعوث الأممي لتمديد الهدنة إنما كانت من أجل التخفيف من معاناة المواطنين وإتاحة المزيد من الوقت لتحقيق إنفراجة حقيقية في فتح الطرق وفي استدامة الرحلات الجوية وانسيابية وصول السفن والالتزام الفعلي ببنود الهدنة وعدم افتعال العراقيل ووقف الخروقات العسكرية.. مؤكدا بأن كل ذلك سيظل تحت المراقبة والرصد الدقيق خلال الفترة القادمة.
غير أنه في النسخة الثانية للهدنة كان واضحا أن تحالف العدوان قد استسهل الاستمرار في انتهاكاته للهدنة وعدم الوفاء بباقي الالتزامات.
ومن ثم، كانت الهدنة الحاضر الأبرز في الكلمات التي كان يلقيها الرئيس المشير الركن مهدي المشّاط، وبالتزامن في رسائل فعاليات التخرج للدُفَع العسكرية من كتائب الدعم والإسناد في مختلف المحافظات.
ليؤكد الرئيس المشّاط في خطاب عبد الأضحى المبارك قبل أيام أنّ «خروقات العدوان ومرتزقته المستمرة والمتواصلة وضعت الهدنة في مفترق طرق»، وزاد على ذلك بالتحذير بأن الأمر «قد يتطوّر إلى العودة للعمليات العسكرية إزاء تنصّل العدوان من تنفيذ كثير من بنود الهدنة»، وأنّ «أبواب الهدنة لن تظلّ مشرَّعة»، حسب الرئيس المشّاط، وهي الإشارات الواضحة التي جاءت بعد تأكيد المجلس السياسي الأعلى في اجتماع له في الـ6 من شهر يوليو الجاري بأن عدم التزام تحالف العدوان بتنفيذ جميع بنود الهدنة يعد مؤشرا سلبيا لا يشجع على استمرار النقاش لبحث أي تجديد للهدنة.
قبلها كشفت صنعاء صراحة بأن الحديث عن أي تمديد للهدنة للمرة الثالثة أمر لم يعد واردا.
وهو الذي جاء على لسان نائب وزير الخارجية حسين العزي الذي أكد أنه لن يكون هناك مجال لأي تمديدات زائفة دون اتفاق موثوق وصادق يشمل جميع الجوانب، وقال العزي في تدوينة له.. إذا لم تتحقق اتفاقات صادقة وواسعة وموثوقة وملموسة الأثر تشمل كل الجوانب الإنسانية والاقتصادية بما في ذلك الإيرادات النفطية والغازية والمرتبات، فأعتقد أنه لن يكون هناك مجال لأي تمديدات زائفة وبإذن الله سيكون الجميع مع الجيش واللجان لاستئناف معارك التحرير والتحرر دفعة واحدة ودون أي توقف.
حسين العزي أيضا، كان أعلن منتصف الشهر الماضي بأن الحكومة قبلت بتمديد الهدنة في اليمن بناءً على «وعود جدية» بزيادة عدد الرحلات وإحراز تقدّم في موضوع المرتّبات.
وقال العزي في تغريدة في «تويتر»: «يا للأسف، حتى الآن لم يجرِ الوفاء بعدد الرحلات السابقة، أي رحلات ما قبل تمديد الهدنة».
وأوضح العزي أنّ هناك «إخلالاً واضحاً وكبيراً في الهدنة»، معرباً عن اعتقاده بأنّ عدم المسارعة إلى تصحيح هذا الخلل «سيعطي صنعاء الحق كله في مراجعة موقفها».
هذا الطرح الواضح، جاء بعد معطيات أثبتت فيها السعودية وأعوانها عدم الوفاء بالتزاماتهم.
ففي الهدنة الأولى تعامل التحالف باستخفاف واضح بكل متطلبات الهدنة فبلغت خروقاته الآلاف، وواصل احتجاز سفن المشتقات النفطية ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، كما تقاعس عن تسيير الرحلات من والى مطار صنعاء وفق المتفق عليه، فضلا عن البقاء على حالة الحصار والتضييق وعدم صرف المرتبات، الأمر الذي انعكس على تعاطي الشارع مع هذه الهدنة الكسيحة أو كما سماها حسين العزي «الزائفة»، إذ لم يشعروا بأي إيجابية تنعكس على مستوى الانفراج في الوضع الاقتصادي.
وعندما استند تمديد الهدنة إلى شهرين متاليين على سد هذه الثغرات والتزام المنافقين بتنفيذ بقية عناصرها بشكل كامل، عاد النظام السعودي ليمارس لعبة المراوغة بكثير من العبثية التي أدركها اليمنيون وباتوا يهددون بإمكانية كسرها.
منتصف الشهر الماضي أكد المبعوث الأممي غروندبرغ في إحاطة أمام مجلس الأمن أنه لا تزال هناك حاجة لاتخاذ إجراءات بشأن تنفيذ الهدنة بشكل كامل، وأوضح غروندبرغ لمجلس الأمن خططه خلال الفترة المقبلة بما في ذلك العمل مع الأطراف لدعم وتنفيذ جميع عناصر الهدنة، وكان في هذا القول، الاعتراف الحاسم بان الهدنة لا تزال تراوح في نفس المكان من عدم الالتزام من قبل السعودية وأعوانها.
وفي «منتدى اليمن الدولي» الذي انعقد في العاصمة السويدية ستوكهولم الشهر الماضي قال المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ إن الجميع يتفق بشدة على أن الهدنة لا تعالج الأسباب الجذرية للحرب في اليمن، وإن الجميع قلق من إمكانية التراجع عن الهدنة الهشة.
وعلى إثر ذلك جاءت تصريحات المسؤولين والقيادات العسكرية في صنعاء مشككة في إمكانية استمرار هدنة لم يستفد منها المواطن، إذ أكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان أن تمديد الهدنة مرهون برفع المعاناة عن الشعب اليمني، وقال «من غير المنطقي الحديث عن هدنة و25 مليون إنسان في اليمن محاصرون».
وهذا الطرح ربما عكسته الحالة التي استقبل بها اليمنيون عيد الأضحى المبارك، ففيما كان المؤمّل أن تظهر الآثار الإيجابية على معيشة الناس كنتيجة لهذه الهدنة الزائفة، اطلّ عيد الأضحى المبارك على اليمنيين في ظل أزمة إنسانية متصاعدة وضعف للقدرة الشرائية في توفير أضحية العيد والالتزامات المختلفة لهذه المناسبة الدينية نتيجة استمرار انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار وغياب الأعمال.. وعلقت مواقع بان «كل ذلك استمر تحت مظلة هدنة إنسانية معلنة وتحت رعاية أممية لم تخفف من واقع اليمنيين الإنساني في شيء».
الإعلام الأجنبي أيضا شعر بهذه الهشاشة التي اتسمت بها الهدنة في نسختها الأولى وحتى انتهاء الشهر الأول من الهدنة الثانية ووصفتها صحيفة ”لا فينير“ الإيطالية بـ «الهدنة هشة».
وفي الأثناء وخلال أسابيع الهدنة تأكد لصنعاء تحركات القوى المعادية لحملة تصعيد قادمة من قبل تحالف العدوان، تعززت بقدوم أمريكا بمخططاتها إلى البحر الأحمر ومحاولة حصار المنطقة برمتها إلى جانب تضييق الخناق أكثر على اليمنيين، في مقابل ذلك سارت القوات المسلحة اليمنية من جيش ولجان شعبية في اتجاه رفع مستوى الجهوزية استعدادا لأي طارئ.