استثمار أم احتلال يا توتال؟

م/ وليد الحدي*


كَمَن يطلُب الاستثمار بقطعة أرض لأحدِهِم ويُوافق له على ذلك مُقابل أجور تم الاتفاق عليها، ليتفاجأ بعدها أن المُستثمر قد تجاوزَ المساحة المحدَّدة له دون إذنِه، رافضاً إعطاءهِ سوى جُزء يَسير من الأجر المُتّفق عليه..!!
وعند طلبِه إلغاء تلك الاتفاقية وتسليم الأرض كونه قد أخَل بما اتُّفِقَ عليه، إذا به يَتجاهل طلبه، وكأنَّ تلك الأرض لم تَعُد ملك صاحبها بل أصبحت حقاً خاصاً به، وصاحبها ليس سوى أجير يعمل لديه!!
ألا يُعَد ذلك احتلالاً بصريح العبارة لا استثمار؟
ووقاحة تَستحِق الرّد عليها بكُل صرامة؟
هذا هو مُلخَّص ما تعاملت به شركة توتال الفرنسية مع الجمهورية اليمنية والشعب اليمني، فبعد الاتفاق معها كشركة لها ما لأي مُستثمر من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات، بعُقود وقوانين نافذة وأحكام تسري على الجميع تَستوجِب احترامها، إلا أنها تعامَلَت مع اليمن وحكومتِه وبرلمانِه وسلطاتِه القضائيَّة والرقابيِة كمُستعمرة أفريقية ممن استمرأت التعامل معها باستخفاف واللا مبالاة ظناً بوجود فاسد هنا أو هناك سيُوفِّر لها الحماية.
ففي عام ٢٠١٣م تقدم فريق الحكم الرَّشيد بمُؤتمر الحوار الوطني الشامل (كمُمثِّل للهيئة الاجتماعية للشَّعب اليمني) بِبَلاغ للنائب العام لثُبوت كل المُخالفات والانتهاكات المنسوبة لها في قَرار الاتهام وما ترتَّب عليه من أضرار اقتصاديَّة جسيمة كارثيَّة في حق اليمن مسَّت معيشة كل مُواطن، المواطن الذي عانى ولا زال يعاني الأمرَّين نتيجة الظُّروف السياسية والاقتصادية التي مرَّت بها البلاد منذُ أكثر من 10 سنوات سيما السنوات السبع الأخيرة التي قضاها في ظل العُدوان والحصار. الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال (توتال) رغم الإجراءات المتَّخذة ضدَّها من جهة قضائية مُستقلَّة، إلا أنها أصرَّت على موقفها في استهداف كمية إضافية لمشروع الغاز قدرُها ( تريليونا قدم مكعب ) بقيمة 24 مليار دولار بالمخالفة لما توجِبُه نصوص الاتفاقيات النافذة من إجراءات ومن خلال التزوير لأرقام الاحتياطيات في محرَّراتها الرسمية، ومُحررات وزارة النفط بعد أن قامت نيابة الأموال العامة الابتدائية الثانية التابعة للهيئة الوطنية العليا لمُكافحة الفساد والمُختصَّة بقضايا الفساد بالتَّحقيق في 13 سبتمبر 2013م وحصلت على ما ينبغي من وثائق وعقود واتفاقيات من مجلسي النواب والوزراء ووزارة النفط وشركة صافر (المشغل السيادي للقطاع 18 من 15 نوفمبر 2005م ) عقب انتهاء امتياز شركة هنت في 14 نوفمبر 2005م، حيث انتهت النيابة من التحقيقات في 1 يونيو 2014م، وبناءً على نتائج التَّحقيقات وتقارير الخُبراء النفطيين وتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم 1631 بتاريخ 1 يونيو 2005م، رفعت النيابة العامة مُقرَّراتها إلى معالى وزير النفط بالمُذكرة رقم 193 بتاريخ 4 يونيو 2014م كونها الجهة المعنيَّة بالتخاطب َمع الشركة اليمنية للغاز الطبيعي لإلزامها بكميات الاحتياطيات المخصّصة للمشروع في اتفاقية تطوير الغاز وعدم تجاوزها، وبحث آلية تعويض اليمن عن فوارق الأسعار ورسوم منشآت المنبع وفواقد النفط والغاز، حيث قدَّمت شركة توتال من جديد رُدوداً لنيابة الأموال العامة على تقرير الخبير النفطي في مذكرتها المؤرخة 10 أغسطس 2014م لتدَّعي من جديد بُطلان عمل الخبير النفطي مُؤكِّدةً موقفها وإصرارها على أنه تم التَّشهيد على وفرة احتياطيات غازية مُؤكَّدة للمشروع والاستهلاك المحلي في يناير 2005م قدره (10.2 تريليون قدم مكعب ) لغرض إحياء فتوى شركة كلايد اند كوا البريطانية الصادرة في 12 فبراير 2014م بمنح المشروع كمية غاز إضافية قدرُها ( تريليونا قدم مكعب)، بشرط صِحة الاحتياطيات الغازية في مُحرر الشركة المؤرخ 17 يونيو 2005م وتوافقها مع الاتفاقيات النافذة، وهنا وقعت شركة توتال في التزوير والتضليل من جديد أمام القضاء برغم ثبوت التَّزوير عليها من قبل النيابة وبطلان الفتوى في مقرارات النيابة المرفوعة لمعالى وزير النفط في 4 يونيو 2014م برقم (193)، لتَلجأ بعد ذلك إلى سياسة العصا والجزرة في استهتار واضح بالأجهزة القضائية والرقابية مُمثّلةً بنيابة الأموال العامة وهيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والشَّعب اليمني ممثلاً بمجلس النواب وفريق الحكم الرشيد بمؤتمر الحوار الوطني، حيث قامت بتنصيب نفسها نيابةً عن الدولة بدفع الأتعاب ونقل الخُبراء إلى مدينة دبي مبديةً استعدادها دفع مبالغ مالية، وهي في حَقيقة الأمر لا تعدو عن (رشاوي) مُقابل إغلاق هذا الملف !! فما كان من نيابة الأموال العامة إلا إنهاء القضية ورفع مشروع التصرف للنائب العام في تاريخ 30 سبتمبر 2014م موثقةً فيه جميع الأدلة المستندية وأقوال الشهود والخُبراء، وتوجيه التهمة لشركة توتال بالتَّزوير في المُحرَّرات الرسمية، وانتهاك نُصوص الاتفاقيات، وتقديم بيانات غير صحيحه وأخرى غير مكتملة، والتَّغرير بالحُكومة ومجلس النواب الذي سبق وأوضح بالمذكرة رقم (675) في تاريخ 12 يوليو 2005م بمنع الحكومة من الموافقة على عقود بيع الغاز إلا بعد التأكُّد من كفاية الإحتياطيات الغازية والحصول على أسعار بيع عادلة وفقاً للأسعار الآسيوية الفعلية، ليَصدُر بعدها حكم من محكمة الأموال العامة يقضي بإيقاف نشاط شركة توتال.
ما يُثير السُّخرية هو أن المدير العام التنفيذي لشركة توتال السيد باتريك – رغم صُدور أحكام شرعية تقضي يإيقاف نشاط شركتِهِ في اليمن – يقوم قبل شهرين تقريباً بالتَّصريح عن عزْم الشركة استئناف نشاطها وتصدير 7 مليون طن سنوياً مع نهاية العام 2022م من مُنشآت بلحاف في اليمن إذا استمر وقف إطلاق النار ( هدنة المبعوث الأممي)، ضارباً بالسلطة القضائية وأحكامها الشرعية عُرض الحائط، وكأنَّه يَستثمِر في بلد آخر وليس في اليمن، كما يُبدي قَلقاً كبيراً من تجاوُز سعر بيع المليون وحدة حرارية بريطانية (20 دولاراً) لأنه يخشى حد تعبيره من تباطُؤ الطلب على الغاز عالمياً، واحتمالية بحث العملاء عن مصادر وقود أُخرى وكأن أملاك وثروات الشعب اليمني أصبحت مُجرَّد تفاصيل خاصَّة بهذا الرجل وشركته، وليست مُلك شعب فقير مُحاصر يَنتظر نصف مُرتب كل عدة أشهر لا تكاد تكفي لسداد ديون محل خُضار !!
ألا يُعَد ذلك تطاوُلاً على البلد وسيادتِه،ِ واستخفافاً بأحكام القضاء، في حين يُفتَرض أن يحترم المُستمثر المؤسَّسات السياديّة والقوانين والإجراءات المُتعارف عليها التي جاءت به إلى هذا البلد؟!
ألا يدفعُنا ذلك كيمنيين مُتضرّرين بلا استثناء أن نجتمع على كلمة سواء لإيقاف هذه المَهزلة، والعمل بكل ما أوتينا من جُهد لإلغاء تلك الاتفاقية المُجحِفة، واستعادة الأموال المنهوبة أو على الأقل إعادة النَّظر باتفاقيّة قيَّدت أسعار بيع الغاز اليمنى ما بين 3 إلى 4.38 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما ترواحت أسعار البيع الفعليّة ما بين 9 إلى 14 دولاراً في الفترة من 2009 إلى 2013م، وتفصيل مُعادلة مُحاصَصة أرباح المشروع بين الحكومة والشُّركاء وفقاً لهذه الأسعار المقيَّدة، الأمر الذي تَرتَّب عليه إلحاق أضرار اقتصادية جسمية على اليمن في الفترة من 2009 إلى 2014م وفقاً لما وثَّقهُ تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم 1631 بتاريخ 1 يونيو 2014م؟
مع التَّنويه إلى أن ما تبقّى من عُمر هذا المشروع سيكون أكثر ضرراً، حيث أن الاستمرار في هذه الاتفاقية وعدم تنفيذ حكم محكمة الأموال يُعتبر كارثة حقيقية ستُحرِم البلد ما يقارب ٩٨ مليار دولار خلال ١٤ سنة قادمة متبقية من عُمر المشروع اذا تم التقييم بناءً على سعر ١١.٦ دولار للمليون وحدة حرارية، أما إذا أُخِذَت الأسعار بناءً على ٢٠ دولاراً للمليون وحدة حرارية بحسب تصريح مدير توتال الأخير، فإن اليمن سيُحرَم من ١٤٦ مليار دولار، وهذا المبلغ كفيل بِبناء يمن جديد وحل جميع مشاكله من أرباح المُدّة المتبقية من عمر هذا المشروع.
وحتى لا يُحاول فاسِد مُستفيد من بقاء هذه الشَّركة إضفاء بُعد سياسي على هذه القضية أو على الأحكام الشرعية الصادرة للتَّشويش على الرأي العام وحرف الأنظار عن حجم ما يُنهب، فإنه يلزم التَّوضيح أن عمر هذه القضية يمتد إلى ما قبل مرحلة شن العدوان، أي من عام ٢٠١٣م خلال اجتماعات مؤتمر الحوار الوطني، عندما اجتمع ممثلو الشعب اليمني بمُختلف مُكوناتِه وأطيافِه واتخذوا قراراً جاداً للحَدْ من فساد هذه الشَّركة وشركائِها.
اليوم لا نُريد أكثر من تنفيذ الحكم القضائي الصادر من محكمة الأموال العامة بإنهاء الامتياز لشركة توتال، ووقف ذلك العبث بمُقدَّرات الشَّعب اليمني، وعلى شركة توتال ومن يدور في فلكها احترام السلطة القضائية وأحكامِها النافذة كسُلطة مُستقلَّة، ما لم فستكون للشعب اليمني حينها كلمة أخرى ضد كل من تُسوِّل له نفسه التّلاعب بأموال وثروة شعب، والاستهتار بسُلطاته السياديَّة.
رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي.
ملاحظة/الثورة تحتفظ بالوثائق والأحكام الصادرة ضد شركة توتال.

قد يعجبك ايضا