تراث اليمن غير المادي.. في مهب الريح


تحدثنا مطولاٍ عن التراث ومشاكله وأبرز ما يعانيه في بلد يوصف بأنه من أغنى البلدان حول العالم حضارة وتراثا ومع أن هذا البلد يمتلك هذه القيمة الحضارية وهذا الثراء إلا أنه في المقابل يفتقر إلى أساليب الحماية والحفاظ لهذا الكنز الحضاري الكبير فاليمن توصف بأنها مهد الحضارات العربية وأصل كل العرب تراثها وموروثها الحضاري يتعرض للعبث والتخريب على مرأى ومسمع من الجميع ولكن لعل كلامنا تركز في جانب واحد من هذا التراث يتمثل بالتراث المادي حيث يصنف عباقرة ومختصو التاريخ والتراث أن التراث ينقسم إلى قسمين أساسيين هما التراث المادي معالم أثرية وقلاع وحصون ومخطوطات ومدن تاريخية وغيرها

وتراث آخر غير مادي مثل الأهازيج والحكايات الشعبية والأغاني التراثية والحرف والأزياء التقليدية والفلكلور الشعبي بكل أنواعه وغيرها من الجوانب حتى المأكولات الشعبية والعادات والتقاليد كلها تندرج تحت هذا النوع من التراث.
ومع أن التراث اللا مادي يشكل جانباٍ هاماٍ من حضارتنا وتاريخنا إلا أننا لم نوليه الأهمية التي يستحقها صحيح أن التراث المادي هو الآخر يعاني الإهمال إلا أنه قد تجد هنا وهناك أصواتاٍ تتعالى للحفاظ عليه والاهتمام به ووسائل الإعلام أيضاٍ توليه جانباٍ أو حيزاٍ ولو بسيط إلا أن التراث غير المادي من النادر جداٍ أن تلتفت إليه وسائل الإعلام وحتى الأصوات التي تتعالى في الجهة الأخرى لا نراها تتعالى في التراث غير المادي والدليل أن هذا النوع من التراث ومع الثراء الذي تتميز به اليمن وتنوع وغزارة هذا التراث وأصالته كل هذا لم يشفع له في لفت الانتباه والحيلولة دون اندثار الكثير منه وضياعه بل وسرقته من قبل دول أخرى رأت فيه مطمعا لتدلل من خلالها عن أصالتها الزائفة.
إهمال رسمي وشعبي
تقول الأخت هدى أبلان نائب وزير الثقافة إن التراث اللامادي يعد مصدراٍ للثراء الحقيقي وتعبيراٍ وتجسيداٍ حقيقياٍ لعمق الحضارة اليمنية ودورها المحوري في المنطقة والعالم ولكن مع الأسف الشديد هذا التراث العظيم لا يلتفت إليه رغم أهميته.
وأكدت أن الكثير من هذا التراث اندثر بفعل هذا الإهمال الرسمي والشعبي بدليل أن جيلين الآن لم يعودا مرتبطين بما كان قبل 50 عاماٍ من موروث شفهي فعدم وجود التحفيز والمواهب والقدرات التي تعمل على إنتاج بعض مظاهر هذا التراث كان له بالغ الأثر في حالة الضياع لهذا التراث.
وأشارت إلى أن الاهتمام بالباحثين والمهتمين بهذا النوع من التراث وتشجيعهم وإعطاءهم الإمكانات لعمل تسجيل أو حصر وتوثيق لهذا التراث بحيث نضمن له البقاء على الأقل في الأوراق والصور.
وحول مسؤولية وزارة الثقافة عن ما حدث لهذا التراث من ضياع واندثار أوضحت أن وزارة الثقافة تستقبل أي مبادرات تصب في خدمة هذا التراث وتدعمها لترى النور ولكن للأسف أن المبادرات في هذا المجال محدودة من قبل المجتمع والمنظمات ولهذا عملت وزارة الثقافة مؤخراٍ على إنشاء قطاع مستقل للتراث اللا مادي إدراكاٍ منها بأهمية هذا النوع الأمر الذي سيدعم ويوفر الكثير من الإمكانات والاهتمام لهذا التراث وربما يأتي التوثيق والتسجيل على رأس اهتمامات الوكيل القادم لهذا القطاع.
وأخيراٍ أدركت وزارة الثقافة أهمية التراث غير المادي والتفتت إليه وخصصت قطاعاٍ خاصاٍ ومستقلاٍ يعنى به ولكن هل سيصلح هذا القطاع ما أفسده الدهر¿¿ ويعمل على الالتفات إلى تلك الجوانب التي توشك على الاندثار ومحاولة توثيق ما اندثر إذا أمكن أم أنه سيكون قطاعاٍ لا يعمل سوى في المكاتب ولا يستطيع تجاوزها¿¿!!
تراث شفهي
وتقسم أمة الرزاق جحاف الباحثة في مجال التراث غير المادي هذا النوع من التراث إلى قسمين تراث غير مادي شفهي مثل الأغاني والأهازيج والمغارد والأمثال والحكايات والأساطير الشعبية وغيرها من التراث الذي ينقل شفاهة من جيل إلى آخر ولكن للأسف فقد ضاع هذا التسلسل مؤخراٍ بين الأجيال ولم يعد هناك تواصل الأمر الذي أدى إلى ضياع واندثار جزء كبير من هذا التراث الشفهي, وأوردت مثلاٍ أن مركز التراث العالمي اليونسكو وجه رسالة يطلب فيها ترشيح بعض الرواة للسير الشعبية اليمنية ليتم تكريمهم في مهرجان الشارقة ولكن لم يتم العثور على أحد ممن كانوا يروون هذه القصص والحكايات الشعبية.
الشق الثاني من هذا التراث كما تراه أمة الرزاق جحاف يتمثل بالتراث غير المادي المنقول الملموس والذي يتمثل بالحرف اليدوية والأزياء والرقصات الشعبية.
وقالت: كثير من الشعوب لا تمتلك نصف ما لليمن من تراث غير مادي ومع ذلك تراها تهتم به إلى أبعد مدى وتعمل على استثماره اقتصادياٍ من خلال الترويج السياحي له ولكن في اليمن نحن حتى الآن لا نمتلك سجلاٍ وطنياٍ لتسجيل مفردات تراثنا ومع الأسف لم نسجل في قائمة التراث العالمي سوى الأغنية الصنعانية وهذا بجهود الباحث الألماني لامبير ومن المعيب بحقنا في اليمن ومع ما نمتلكه من تراث غير مادي عظيم جداٍ أن نسجل فقط عنصراٍ واحداٍ من هذا التراث ففي الصدد الفني لدينا الكثير منها مثلاٍ الدان الحضرمي والموشح الصنعاني والمواويل التهامية والمزمار اليمني الفريد الذي يتميز عن المزامير الأخرى في كل العالم بأنه يستخدم فتحتين بينما المزمار في كل الوطن العربي فتحة واحدة فقط فمن المعيب والمخزي علينا أن نسجل فقط الأغنية الصنعانية حتى العود اليمني الأصيل والشهير سجل لدى اليونسكو من قبل دولة أخرى على أنه تراث خاص بها.
وأشارت إلى أن التراث الشفهي موجود في أذهان الناس وذاكرتهم بالذات لدى كبار السن والذين لا يكاد يمر يوم دون أن نفقد أحدهم ورحيل هؤلاء دون أن يتم توثيق ما يملكون من تراث يعد خسارة لا يمكن أبداٍ تعويضها.
وأرجعت جحاف الأسباب التي أوصلت تراث اليمن غير المادي إلى ما وصل إليه إلى أسباب عدة منها الإهمال وعدم الاهتمام من قبل الأجهزة الرسمية وتنبري إلى الواجهة وزارة الثقافة والتي تفتقد حالياٍ إلى أبسط الإمكانات وأضحت موازنتها هي الأقل بين الوزارات كذلك من الأسباب انشغال الناس ورجال الدولة بالسياسة أيضاٍ وجود الفتوى الدينية المتطرفة التي حرمت عناصر من هذا التراث لاسيما في الموسيقى والفنون ومنها مثلاٍ المزمار ولاشك أن دخول التكنولوجيا أسهم سلباٍ في التأثير على هذا التراث فضلاٍ عن تقاعس وسائل الإعلام وعدم اهتمامها بهذا النوع من التراث بجهل أو بدون جهل.
تلاشُ واندثار
ويرى محمد القعود رئيس منتدى سبأ للتراث الثقافي حديث النشأة أن اليمن تمتاز بتراث غير مادي لا تمتلكه بلدان أخرى وفي مختلف مجالات الحياة ولكن عدم الاهتمام بهذا التراث أدى إلى تلاشي الكثير من عناصره واختفاء ملامحه وتواصله للأجيال اللاحقة ولعل جانباٍ كبيراٍ من التراث الشفهي اندثر بفعل ثورة الاتصالات وإهمال المؤسسات الثقافية وعدم إدراك فئات المجتمع الأخرى لما يمثله هذا التراث ولذلك أهمل توثيقه وتسجيله.
وعبر عن أسفه الشديد أن تراثاٍ كتراث اليمن بثرائه وتنوعه لا يسجل منه لدى اليونسكو سوى عنصر واحد “الأغنية الصنعانية” بينما دول أخرى حديثة لديها تسجيلات عديدة لا تضاهي في أهميتها جانباٍ يسيراٍ من ما تمتلكه اليمن.
وحمل المسؤولية لفئات المجتمع ولكن بدرجة أساسية تقع على وزارة الثقافة التي لا يوجد في هيكلها إدارة تعنى بهذا الجانب من تراثنا الهام نتيجة لقصر الوعي والفهم وإدراك البعض أن التراث فقط ينحصر في الآثار والمدن التاريخية والمخطوطات.
وقال: إن منتدى سبأ سيعمل على تنظيم العديد من الفعاليات منها معرض للتراث غير المادي وهو أيضاٍ بصدد جمع الوثائق والقوانين والتعريفات الخاصة بهذا المجال وإصداره في كتاب عن طريق وزارة الثقافة.

قد يعجبك ايضا