المقاطعة الاقتصادية لأعداء الله جهاد في سبيله
المقاطعة لأعداء الله ورسوله وأعداء البشرية باتت ضرورة حتمية للتخلص من سيطرتهم
المقاطعة الاقتصادية هي امتناع طوعي عن التبادل الاقتصادي مع العدو كما أنها ترجمة فعلية لعدائنا لأعداء الله أمريكا وإسرائيل ومن لف لفهم، وموالاتنا لأولياء الله، والتزامنا بها دليل على وعينا وتعبير عن مصداقية إيماننا بما فرضه الله علينا من ضرورة المواجهة لأعداء الله وقد ركّز الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بشكل كبير في مشروعه القرآني الجهادي على تحريض الأمة على مقاطعة البضائع الأَمريكية والإسْرَائيْلية لما تمثله من أَهَميّة كبيرة جداً في مواجهة أَمريكا وإسْرَائيْل، اللتان تعتمدان بشكل مباشر في قوتهما الاقتصادية على ثروات الأمة الإسلامية وشعوبها التي صيراها سوقا استهلاكية كبرى لمنتجاتهما.
وهذا المشروع القرآني المتميز بالصرخة في وجه المستكبرين والمقاطعة الشاملة لهم، هو مشروع نحتاج إليه كمسلمين، لأن بقاءنا بلا مشروع يعني البقاء في حالة من الاستسلام والصمت الذي يخدم الأعداء.
كما أنه مشروع تنويري لأنه منبثق من الثقافة القرآنية التي تتضمن رؤية شاملة متكاملة، تتناول الواقع، وتتناول مشاكل الأمة وتتناول الأحداث وطبيعة الصراع وما تحتاج إليه الأمة في صراعها مع أعداء الله.
ولذلك فالمقاطعة لأعداء الله ورسوله وأعداء البشرية باتت ضرورة حتمية للتخلص من سيطرتهم ولتصحيح وضعيتنا وواقعنا المخزي، كما أنها استجابة لله ولرسوله ولأعلام الهدى وهذه الاستجابة سيكتب الله لنا بها أجر الدنيا وثواب الآخرة.
حتمية المقاطعة كسلاح مؤثر على العدو
نظرا للفارق الكبير الخارج عن نطاق المقارنة بين طرفي الصراع من حيث الإمكانات المادية والتسلح في المجال العسكري وما وصل إليه أعداء الأمة من السبق في إعداد القوة وامتلاك الخبرات وابتكار الوسائل والأساليب المتطورة والغير مألوفة لدى الكثير من أبناء الأمة ونظراً أيضا لعمق الخيانة والفشل الذي تميزت به أنظمة العمالة وحكام الجور الذين سيطروا على واقع الأمة فزادوها ضعفا فوق ضعفها وفشلا على فشلها صارت المقاطعة الشاملة لأعداء الله بدءً من المقاطعة الاقتصادية لهم هي أهم سلاح يمكننا من خلاله التأثير الفعلي والمباشر عليهم وإلحاق الضرر والنكاية بهم إلى عقر دورهم ومن هنا باتت المقاطعة ضرورة حتمية تقتضيها الظروف ويفرضها الواقع.
مشروعية المقاطعة الاقتصادية
أطلق الشهيد القائد (رضوان الله عليه) دعوته لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية معتبرا ذلك جهادا في سبيل الله، مستمدا لمشروعيتها من القرآن الكريم الذي ألزم المؤمنين بمقاطعة كلمة واحدة مثلت دعما لليهود ضد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[البقرة104] وفي هذا السياق يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): (هذه الآية تعتبر شهادة فيما يتعلق بالمقاطعة الاقتصادية ألم يحصل هنا مقاطعة لكلمة راعنا؟ قاطع المسلمون في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الكلمة؛ لأن استخدامها يمثل ماذا؟ دعماً لليهود، إذاً فأنت قاطع بضائعهم؛ لأن بضائعهم تشكل دعماً مادياً كبيراً لهم وتفتح عليك مجالا لأن تتقبل كل ما يريدون أن يوصلوه إلى بدنك إلى جسمك من سموم أو من أشياء لتعقيمك حتى لا تعد تنجب أو تورث لكي يكون عندك أمراضاً مستعصية وأشياء كثيرة جداً مع تقدمهم العلمي يعتبرون خطيرين جداً، سيطرتهم على الشركات التي تعتبر متطورة في صناعات أشياء خطيرة من المواد السامة عناصر كثيرة تستخدم قد أصبحوا يستخدمون عناصر تؤثر نفسياً تقتل عندك الاهتمام تصبح إنساناً بارداً لا تهتم ولا تبالي.) (الدرس السادس من دروس رمضان) .
مميزات المقاطعة الاقتصادية
تعتبر المقاطعة سلاحا فعالا ذا جدوائية كبيرة يصل تأثيرها إلى عمق العدو مع سهولة تطبيقها بشكل سلس ومستمر من قبل الجميع تحت أي ظرف ومن دون تدريب أو خبرة مسبقة، بل أقصى ما تحتاج له هو الإرادة الصادقة والالتزام العملي، كما تمتاز بسرعة التأثير على نفسية العدو ومقدراته واستدامة أضرارها النفسية والمادية فتشل حركته، وتلحق به خسائرا فادحة وكبيرة على كل المستويات من دون أن تخسر أنت شيئا، وهي في نفس الوقت عمل حضاري تطبيقي واقعي تحقق تأثيرا فعليا وملموسا، كما أنها عملٌ مُجدٍ ونافعٌ لتفريغ سخطك على عدوك بدلا من الشتائم والأعمال التي لا نفع منها.
تأثير المقاطعة على أعداء الأمة ومنافقيها
يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): (الإنسان الذي يعتبر مجاهداً يجب أن يبذل جهده في سبيل الله، ويعرف ماذا ينبغي أن يعمل، وأعتقد فعلا رفع الشعار، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية، تعتبر من الجهاد في سبيل الله، ولها أثرها المهم فعلاً، بل قد يكون هذا الجهاد أشد على الأمريكيين مما لو كنا عصابات نتلقى لهم ونقتلهم، فهو يؤثر عليهم بشكل كبير من الناحية المعنوية والنفسية بالشكل الذي لا يستطيعون أن يواجهوه بأي مقولة من مقولاتهم، وفي نفس الوقت يعرفون أنه يضربهم ضربات نفسية ومعنوية رهيبة). (دروس رمضان/ الثاني والعشرون).
ومن هنا فإن المقاطعة الفعلية لها تأثيرها الحقيقي على العدو ولها نتائجها الملموسة على كافة المستويات، ومن ذلك المستوى السياسي حيث تعتبر عملية ردع للعدو تقلص من سياسته ضدك وتدفعه إلى التخلي عنها ولو بشكل تدريجي، كما أنها تدفع بالعدو إلى مراجعة حساباته مع أي قرار يتبناه ضدك، فتساهم في تلاشي سياسة الهيمنة والاستعلاء، وترفع من شأنك وقيمتك في نظر عدوك بحيث تصبح عنده محترم العرض والأرض، لأن العدو لا يؤمن إلا بلغة القوة.
أما تأثيراتها على الجانب الاقتصادي فهي أعظم بكثير حيث تستطيع من قريتك أو مدينتك بالتزامك بالمقاطعة المستمرة والشاملة أن تضرب عدوك اقتصاديا وتكبده خسائر فادحة يدخل بسببها في أزمات ومشاكل اقتصادية، تسبب له تدهورا اقتصاديا قد يصل إلى حد الإفلاس، ولأن أعداءنا من الأمريكيين والإسرائيليين يعتمدون بشكل أساسي على مواردنا وثرواتنا وعلينا كسوق استهلاكية لإنعاش صناعتهم وتجارتهم وزراعتهم، فإن تفعيلنا للمقاطعة الاقتصادية بشقيها الاستيرادي والتصديري ضدهم؛ ولولم يكن إلا في مجال النفط كفيل بأن نضربهم ونؤثر عليهم، لأنهم لن يستطيعوا أن يتحركوا من دون المال.
كما أن للمقاطعة تأثيرها على الجانب الاجتماعي أيضا فالفقر والأزمات الاقتصادية وتدني المعيشة يثير المجتمعات، ويشعل الثورات، وينشر الكراهية والحقد ما بين الحاكم والمحكوم، وهذا يؤدي إلى تفكك تلك القوى وانهيار تلك الإمبراطوريات وتفتتها، خاصة مجتمعات اعتادت الرفاهية ورغد العيش كالمجتمع الأمريكي والإسرائيلي.
أما تأثيرها على المنافقين فيقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه) حول قوله تعالى: ({وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} مقاطعة لهم في حياتهم ومقاطعة لهم حتى مع مماتهم {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} لا تصلِّ عليه صلاة الجنازة {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}؛ لأن في ذلك تشريفاً أو تكريماً أو احتراماً له وهذا سلاح المقاطعة من أهم ما يجب أن يُفعَّل في مواجهة فئات الشر والناس السيئين جداً الذين يكون لهم دور أساسي في التثبيط عن الجهاد في سبيل الله، أو في مواجهة المجاهدين في سبيل الله، ومواجهة دين الله.
تفعيل هذا السلاح مهم؛ لأن من أسوأ ما يتحاشاه المنافقون هي المقاطعة لهم، وأن يتحولوا إلى منبوذين مكروهين مرفوضين، لا قابلية لهم، ولا تأثير لهم في واقع المجتمع أبداً، هذه مسألة كبيرة عليهم ويمثل عذابا لهم، عندما يشعرون أن المجتمع قد نبذهم وقاطعهم وتركهم وأصبحوا لا قيمة لهم ولا أهمية لهم ولا تأثير لهم يعذبون عذاباً نفسياً ويشعرون بالخزي، وهذا من أسوء ما يحرصون على تحاشيه، ولذلك يسعون إلى استرضاء المجتمع بكل الوسائل والأساليب من ذلك الحلف بالأيمان الفاجرة، والخداع والأكاذيب، ويطلقون الكثير من الدعايات لهذا الغرض).(سورة التوبة/ الدرس السادس).
فوائد المقاطعة الاقتصادية
للمقاطعة فوائدها الكبيرة والكثيرة ليس على مستوى ضرب العدو فحسب بل وعلى مستوى واقع الأمة يمكن إيجازها فيما يلي:
تساعد على إصلاح الوضع الداخلي للأمة بتوجيه عدائها وغضبها نحو عدوها الحقيقي فتقل في داخلها المشاكل والمماحكات ويتعزز التآخي والتعاون.
تثير السخط ضد العدو بما يوفر حالة من المنعة الداخلية تحمي الأمة من العمالة والارتزاق.
تعمل على ترشيد الاستهلاك الزائد للمواطنين خاصة فيما يتعلق بالكماليات.
تحمينا من الاستهداف بالأوبئة والأمراض والسموم والعقم.
تشجع الصناعات والمنتجات المحلية بما يحقق الاكتفاء الذاتي بحيث نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.
تحد من استنزاف العملات الصعبة وتحد من تراكم الديون الخارجية.
توظف أسواقنا في خدمة شعوبنا ودولنا.
التزامك بها يكسبك رضى الله ومعيّته والأجر والثواب في الدنيا والأخرة لأنها من الجهاد في سبيل الله.
المقاطعة تساهم في توجهنا نحو بناء واقعنا وتصحيحه وترميمه.
أمثلة وشواهد من الواقع على جدوى المقاطعة الاقتصادية:
لم نكن نحن أول من يستخدم المقاطعة كسلاح ضد عدوه، بل لقد استخدمها البشر منذ القدم، وذلك لما لمسوه من تأثيراتها المادية والنفسية الكبيرة على العدو، ومن تلك المقاطعات.
مقاطعة قريش لبني هاشم ومن التحق بهم في شعب أبي طالب: التي تضمنت قطع كل المعاملات والمقابلات مع بني هاشم ومن معهم فلا بيع ولا شراء ولا تزاوج، حتى يتخلوا عن محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) والتي كادت أن تودي بحياتهم وحياة أسرهم لولا تدخل الله (سبحانه وتعالى) ورعايته حدت من فاعليتها وحالت دون استمرارها، حيث سلط الله الأرضة على وثيقة المقاطعة فأكلتها ولم تبقي منها غير [باسمك اللهم]، ومن هنا سقطت مشروعية هذه المقاطعة.
مقاطعة الهند لبريطانيا: بقيادة [غاندي] إبان احتلالها لبلدهم عندما احتكرت شراء القطن الهندي الطبيعي بثمن بخس، لتعيده ملابساً وقطعاً قطنيةً، وتبيعه للهنود بأغلى الأثمان، فقرروا مقاطعة الملابس البريطانية، وغزلوا ملابسهم بأيديهم، ومرة أخرى عندما كانت بريطانيا تمنع الشعب الهندي من استخراج الملح، لتبيعه إياهم بأثمان باهظة، فاستخرجوا ملحهم بأنفسهم، وأخيرا قرروا مقاطعة كل ما هو بريطاني، فواجهت بريطانيا خسائرَ مادية فادحة كانت سبباً هاما في انسحابها من الهند.
مقاطعة الأمريكيين السود للمواصلات: لم يكن يسمح للأمريكيين السود، أن يركبوا في الحافلات، وإنما كان يجب عليهم الوقوف طوال فترة الرحلة، أو الجلوس في مؤخرة الباص إمعاناً في إذلالهم. رغم محاولاتهم لتغيير هذا الواقع إلا أنه ظل قائماً حتى واتتهم فكرة المقاطعة. قرروا عدم استخدام الحافلات والسير على أقدامهم أو استخدام الدراجات الهوائية أو أي وسيلة مواصلات أخرى، وكانت النتيجة خسائر فادحة في قطاع المواصلات، تم بسببها إلغاء النظام الجائر بحقهم.
مقاطعة اليابانيين لأمريكا: وذلك عندما رفضوا شراء السلع والبضائع الأمريكية، وأعلنوا رفضهم القاطع للاحتلال والسيطرة الأمريكية على مقدراتهم الاقتصادية والعلمية، وشجعوا صناعتهم الوطنية وإنتاجهم الزراعي والخدماتي، وبهذه الإجراءات التي بدأوها بالمقاطعة استطاعوا التقدم بخطوات ثابتة في جميع المجالات وفرضوا سيطرتهم الاقتصادية حتى على الأسوق الأمريكية نفسها، واستطاع الاقتصاد الياباني أن يسجل لصالحه فائضا كبيرا في الميزان التجاري وصل إلى حد وقوع نزاعات تجارية عديدة بين البلدين.