التعامل مع المستجدات
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
تحت سماء اليمن ثمة شيء قد تغير اليوم، وفَهْم أبعاد التغير والتبدل يجعلنا على أعتاب الصناعة، وبُعدنا عن فهم مجريات الأحداث يجعلنا في ذات الدائرة دون الوصول إلى غاية، لذلك فالمرحلة تتطلب فهم التداعيات والإبعاد من كل جانب حتى نتمكن من صناعة التوازن لتحقيق المصالح العامة والمرسلة .
السياسة صناعة نستطيع توفير خاماتها من الفرص التي تتركها بين أيدينا، ونحن فيها أمام خيارين: إما الاقتناص واستغلال اللحظات، أو التفويت، ومن فاتته الفرص ولم يستغلها ترمد في ميدان السياسة .
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله، فالذي حدث خلال الأشهر القليلة الماضية كان تحولا كبيرا في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار الدولي فكلا المسارين يتكاملان ويتركان أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقيل .
في المسار الدولي اكتشف العالم أن أمريكا كانت تديره بالمعامل البيولوجية التي تصنع الجائحات ثم تصدرها لشعوب العالم حتى تتحرك شركات الأدوية، وبالخلايا الاستخبارية والجامعات الأصولية الاستخبارية التي كانت تقلق السكينة العامة ويقوم الإعلام بصناعة هالة لها حتى كادت أن تكون تهديدا حقيقيا يقلق العالم فتتحرك شركات الأسلحة لتجد رواجا لها في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، فالخوف يجعلك توظف الإمكانات كلها لتسلم منه ومن عواقبه .
حين تفرد النظام الرأسمالي بحكم العالم والتحكم بمصالحه سعى جاهدا إلى القضاء على حركات التحرر أو ذات النزعة الاستقلالية في العالم أو في الوطن العربي، وبالرغم من جهوده الحثيثة في هذا الاتجاه إلا أنه لم يتوقع أو لم يدر في بال قادة النظام العالمي الرأسمالي أن ثمة صانعاً وثمة قوة خفية عظمى تدير العالم وتحفظ مصالح العباد بقدر كاف من التدافع خوف الفساد في الأرض، وهو الأمر الذي نشأ بالتوازي مع حالة التفرد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي .
حاولت أمريكا ومن شايعها القضاء على الحركات القومية وتفكيك النزعة الاستقلالية وعلى هدم المثاليات وهدم الإسلام من داخله من خلال الحركات الأصولية التي تصنع في الجامعة الإسلامية في إسرائيل والتي تتبع الموساد مباشرة فيكون أفرادها قادرين على السيطرة على الوجدان العام من خلال خطاب العصبية الدينية الذي تنتهجه وتسيطر به على عامة المسلمين، وقد رأينا كيف سيطروا على موجهات الإخوان وما تناسل عن الإخوان من جماعات مثل الجهادية والقطبية وغيرهما من الجماعات الذين نشطوا في اغتيال الكثير من رموز التنوير في الوطن العربي خوف الوعي واليقظة، فالنظام الرأسمالي يعتبر التظليل وتسطيح الوعي بالقضايا المصيرية للأمم طريقا للوصول إلى غاياته .
ومن الملاحظ منذ سقط المعسكر الشرقي بيد الغرب سقطت في المقابل المدارس النقدية والفكرية والفلسفية والثقافية فالصراع المحموم الذي شهده العالم وكانت من نتائجه الكثير من المدارس الفكرية والفلسفية والأدبية والثقافية اختفى فجأة مع رغبة الرأسمالية في تسطيح الوعي، ولذلك خلقوا بدائل تلامس القشور وتلهي العالم وفي ذات اللحظة تدر مالا كثيرا مثل البرامج والمسابقات التي يسمح بتعميم تجاربها في الفضائيات مثل مسابقات الشعر ومسابقات الصوت أو مسابقات المعلومات وهي أعمال تديرها في الوطن العربي قنوات mbc)) ويمكن مراجعة قائمة البرامج التي تبثها أو بثتها ومقارنتها مع مماثل لها يخرج أو خرج من غرف الاستخبارات العالمية والقيام بدراسة ولو محدودة ليكتشف المرء الدور الذي يقوم به النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا في استغلال الشعوب وتسطيح وعيها واستغلال مقدراتها دون أن تدرك حجم الكارثة .
اليوم التطبيقات الاجتماعية في عالمنا المعاصر تقوم بأدوار مزدوجة فهي تسيطر على الوعي الجمعي العالمي وفي السياق تعمل على تسطيحه وتخلق مناخات مناسبة تفصل الفرد عن قيمه ومبادئه وتعولمه بحيث يصبح فردا طيعا قابلا لكل جديد تراه الرأسمالية مفيدا لبقائها ولو حاولنا القيام بمسح عشوائي لمشاهير تلك التطبيقات وللمحتوى الذي يقدم من خلالها لوجدنا بدون عناء فراغا قاتلا ومدمرا، فالمحتوى المقدم من قبل المشاهير غير ذي قيمة ثقافية أو فكرية بل هزلي وغث وحجم التفاعل معه كبير يفوق الخيال قد يصل إلى الملايين في حين تجد المحتوى الفكري الرصين بدون تفاعل ولا يكاد أحد يلتفت اليه، ولذلك ينفقون الفتات من المال على المحتوى الهش والغث والهزيل والمدمر لقيم المجتمعات من أجل استمراره وبقائه وفاعليته في حين يعاني صاحب المحتوى القيم والرصين من شظف العيش ومن الهامشية، فحركة الانهيار الأخلاقي قائمة وحجم التفاعل معها كبير وحركة التشكيك في المعتقدات قائمة وحجم التفاعل معها كبير، والذين يقدمون محتوى يهدم النظم الطبيعية والقانون العام يتم الترويج لهم بشكل مبالغ فيه إلى درجة شيوعه ووصوله إلى كل فرد والأمر ليس عفويا ولكنه يأتي وفق خطط واستراتيجيات للوصول إلى حالة الضياع والتيه، فالمرء حين يصبح بدون قيود وبلا لا مفاهيم وتأخذه الليبرالية – أي الحريات الفردية – إلى مربعات تذوب فيها المعاني والمفاهيم والمصطلحات يصبح عدما، وتصبح حركة السيطرة عليه ممكنة وبسهولة قد لا تخطر على بال أحد .
بالمختصر المفيد، ما وصل إليه العرب والمسلمون اليوم من ذبول وهوان وانكسار كان بسبب التيه والضياع وتفكك النظام العام والطبيعي والتباس المفاهيم والمصطلحات وبسبب حالة الاستغلال والغبن التي مارستها أمريكا ونظامها الرأسمالي القذر الذي خدع الناس بالقيم والمبادئ وبالحقوق والحريات فكان أبشع وأفظع من انتهكها، ومع التداعيات الجديدة التي سوف تسفر عن واقع جديد في العالم لابد من الانتباه إلى فكرة الصناعة فهي الأقدر على التحكم بمقاليد المستقبل وقبل كل ذلك نحن بحاجة إلى بناء المؤسسة الثقافية حتى تواكب المرحلة وتعيد تعريف كل شيء تعرض للهدم والتأسيس للبناء الذي يكون قادراً على فرض وجوده في عالم تسوده الفوضى واللا انتظام .