إعلام الغرب يصنع “الإسلاموفوبيا” ومنظمات محسوبة على الإسلام تغذيه

 

الثورة / محمد طاهر

في الثاني من أكتوبر ،2020 توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضاحية “لي مورو” الباريسية وألقى خطاباً نارياً اتهم فيه مسلمي بلاده بالسعي إلى “إقامة نظام موازٍ” و”إنكار الجمهورية” و”تطوير تنظيم مختلف للمجتمع”، معتبراً الإسلام “ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم” ما أثار موجة من ردود الأفعال الساخطة الرسمية والشعبية.
خطاب ماكرون، الذي جاء تعقيباً على اعتداء قاتل بالساطور نفذه شاب مسلم في باريس ضد معلم فرنسي، ليس الأول في الغرب ولن يكون الأخير.
ففي يناير 2017م أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب قراراً منع فيه مواطنين من سبع دول ذات غالبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، متخذاً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية مبرراً لذلك، على الرغم من أن تحليل أجراه “معهد كاتو” أظهر في ما بعد أنه بين عامي 1975 و2015 لم يَقتل أحد من رعايا هذه البلدان السبعة، أمريكياً واحداً في أي هجوم إرهابي.
الخوف من الإسلام
ما فتئ تصوير الإسلام والمسلمين بوصفهما مهدِّدين لأمن الغرب وقيمه، أو ما بات يُعرف اختصاراً بـ “الإسلاموفوبيا” ومعناها “الخوف من الإسلام”، يكتسب مناطق ومساحات جديدة في أوروبا والولايات المتحدة بفضل الشحن الإعلامي المرتكز على خطاب الكراهية من لدن مؤسسات بعينها تعمل على تصوير الإسلام على أنه ديانة بربرية وبدائية ومتحيزة وغير عقلانية.
من بين أبرز هذه المؤسسات يأتي موقع “ويكيبيديا” على ذكر “نيوزويك” و”تايم” و”ذا صن”، والشركات التابعة لقطب الإعلام العالمي روبرت مردوخ، وغيرها العديد.
في سياق متصل، يقول ناثان لين، الباحث لدى “جامعة جورج تاون”، إن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت منتجاً سلعياً ينتج بحرفية من قبل بعض المؤسسات الإعلامية، لضمان جذب المشاهدين أو المحافظة عليهم وبالتالي تحقيق قدر مرتفع من الإعلانات وزيادة الدخل المالي.
ولمّح لين إلى أن بعض وسائل الإعلام الغربية تنتهز فرصة تأجيج العواطف لدى وقوع اعتداء ما، لتبث سموم الحقد وتجييش المشاعر ضد الجاليات المسلمة.
وتتجلى خطورة بث خطاب الكراهية “الإسلاموفوبي” في أنه “يمنح عامة الناس الإذن بأن يكونوا تمييزيين تجاه المسلمين، علناً أو خفية” بحسب ما يقول كيفن نادال، الأستاذ المساعد في علم النفس لدى “كلية جون جاي” للعدالة الجنائية في جامعة مدينة نيويورك.
ويصف في ورقة بحثية تتعلق بعلم النفس النوعي نشرها لدى موقع APA، كيف يمكن للأشخاص المتداخلين في الدين والجنس والخصائص الديموغرافية الأخرى أن يصبحوا أهدافاً “لاعتداءات دقيقة متقاطعة”.
ويوضح نادال “تعمل المؤسسات الإعلامية على تصوير المسلمين بوصفهم إرهابيين عنيفين ومجرمين، ما يجعلهم عرضة لأشكال عدة من التمييز، مثل الافتراض بأنهم ليسوا أمريكيين حقيقيين، وأنهم أجانب دائمون على الرغم من أن جذور العديد منهم تمتد لأجيال عدة في البلاد أو يعتبرون أنفسهم أمريكيين تماماً”.
ويستنتج الباحث في علم النفس، أنه يجب على وسائل الإعلام تغيير الطريقة التي تصوّر بها المسلمين للمساعدة في منع جرائم الكراهية وما ينتج منها من ردود أفعال مضادة.
ثلاث تجارب رائدة
دلالة على مدى التأثير الفعال لخطاب الكراهية الإعلامي في الرأي العام، واستخدامه ورقة ضغط غير مباشرة لتنفيذ أجندات معينة تصب في مصلحة بعض اللوبيات السياسية والصناعية، أجرت منيبة سليم، عالمة النفس الاجتماعي والأستاذ المساعد في قسم دراسات الاتصال في جامعة واشنطن، تجربة رائدة بيّنت فيها كيفية تلاعب الإعلام في توجيه جمهور المشاهدين.
تصف سليم في بحث نشرته لدى موقع “كوميونيكيشن ريسيرش” عن دراسة اختبرت ردود فعل الجمهور على الصور النمطية التي تبثها وسائل الإعلام عن المسلمين. وكشفت التجارب الثلاث التي تضمنتها الدراسة أن الأخبار التي يصور فيها المسلمون على أنهم إرهابيون تؤدي إلى دعم الجمهور لأي عمل عسكري يُخطط له ضد بلد مسلم، أو دعم مقترحات سياسية غير دستورية مثل عدم السماح للأمريكيين المسلمين بالتصويت أو امتلاك أسلحة.
تقول سليم “هذا الخطاب يمكن له أن يخلق واقعاً معادياً ويفجر غضب المجموعات غير المسلمة ويُظهر سلوكيات عدوانية”.
استخدمت عالمة النفس الاجتماعي ثلاث تجارب لاختبار الآثار الطويلة والقصيرة المدى للأخبار التي تصوّر المسلمين على أنهم إرهابيون، في التجربة الأولى، سُئل مئات من الطلاب الجامعيين من غير المسلمين، إثر تعريضهم بشكل طويل الأمد لتقارير تصور المسلمين على أنهم إرهابيون، عن آرائهم بشأن عمل عسكري ضد الدول الإسلامية.
أدى تعرض الطلاب المستمر لتقارير الإرهاب إلى دعمهم أي عملية عسكرية في البلدان ذات الغالبية المسلمة.
في التجربة الثانية، تفحصت الدراسة مدى دعم الطلاب فرض قيود مدنية على المسلمين الأمريكيين، مثل: مراقبتهم حكومياً من دون موافقتهم، واستحداث خطوط تفتيش أمنية منفصلة خاصة بهم في المطارات، وتقييد حقهم في التصويت. وكشفت هذه التجربة أن تعرض الطلاب الطويل لتقارير الإرهاب أثمر عن دعمهم فرض قيود مدنية ضد المسلمين الأمريكيين.
في التجربة الثالثة، شاهد الطلاب ثلاثة مقاطع فيديو إخبارية عن المسلمين، أظهر أولها رجالاً مسلمين يخططون لمهاجمة قاعدة عسكرية، فيما عرض مقطع آخر محايد مدرسة ثانوية تغير موعد مباراة كرة قدم لأن طلابها المسلمين كانوا صائمين في رمضان، بينما تضمن المقطع الثالث مشاهد حول تطوّع مسلمين للمساهمة في نشاطات عيد الميلاد.
كشفت هذه التجربة أنه يمكن لمقطع إخباري موجز يمثل المسلمين إيجابياً أو حتى محايداً، أن يقلل من دعم السياسات التي تستهدفهم من خلال تقليص التصورات حول كونهم عدوانيين.
وكان تأثير الفيديو الإيجابي قوياً بشكل خاص بالنسبة إلى المحافظين مقارنة بالليبراليين. “الإعلام في حد ذاته المشكلة” تقول سليم، “فلو كانت ثمة تغطية إخبارية أكثر توازناً لأحوال المسلمين في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم، سنلاحظ انخفاضاً في المواقف والسلوكيات السلبية تجاههم. هذا الأمر مهم للغاية نظراً إلى أن غالبية الأمريكيين يعتمدون على وسائل الإعلام كمصدر رئيس للمعلومات عن المسلمين”.
المسلمون مسؤولون أيضاً
لكن هل يعتبر الغرب، ووسائل إعلامه، مسؤولاً وحيداً عن ظاهرة “الإسلاموفوبيا”؟ ألا يتحمل المسلمون جزءاً من تفشي هذا المصطلح خصوصاً الحركات الإسلامية المتشدّدة جراء فهمها الخاطئ لتراثنا الإسلامي؟
مع نجاح المؤسسات الإعلامية الغربية في غرس الفكرة النمطية عن المسلم، بوصفه ذلك الشخص المتعصّب الذي لا يجد حرجاً في اللجوء إلى الإرهاب بدعوى الجهاد والذي يرفض الالتزام بقيم الغرب، أصبحت التربة الذهنية والنفسية لدى المواطن الغربي مهيأة لاستقبال خطاب “الإسلاموفوبيا” وتصديقه.
وما فتئت هذه المؤسسات تصيب نجاحات كبيرة لدى استغلالها الحوادث الإرهابية التي تقع بين الفينة والأخرى، لتضغط أكثر على مشاعر مخاطبيها ولتكتسب المزيد من الصدقية لادعاءاتها.
كيفَ شوّه التكفيريون صورة الإسلام الأصيل؟
تسبّبتْ الجماعات المتطرّفة التي تدّعي انتماءَها زيفاً للإسلام، بخلق ظاهرة سيئة وصورة نمطية عن المسلمين في ذهنيّة الغربيين، والتي يصطلح عليها بـ (الإسلاموفوبيا)، وهي ليستْ مرضاً نفسياً بل صورة نمطية مسبقة عن الإسلام والمسلمين الذين يواجهون العداء والكراهية بسبب التكفيريين، كما ويتم ترويجها في المجتمعات الغربية من خلال أجهزة الإعلام لغرض الإثارة والتوظيف السياسي وتخويف الناس من زيادة عدد المسلمين فى المجتمع والتأثيرات السلبية الناتجة عنها.

قد يعجبك ايضا