قطع المرتبات !

 

يكتبها اليوم / عباس السيد


بات واضحاً أن سلطات المرتزقة المعينة من قبل تحالف العدوان، تتعامل مع نحو 80 بالمائة من اليمنيين كأعداء يجب قتلهم، حصارهم، تجويعهم بوسائل شتى، بما في ذلك قطع المرتبات عنهم.
لا يوجد أي مبرر لاستمرار قطع مرتبات حوالي مليون موظف حكومي سوى أن هؤلاء الموظفين مصنفون كأعداء لتحالف العدوان ومرتزقته الذين يسيطرون على نحو 90 في المائة من الموارد السيادية للجمهورية اليمنية.
قطع المرتبات تم في إطار سياسة تجويع ممنهجة ومتعمدة، بدأت بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن في سبتمبر 2016م، قبل ذلك كانت حكومة صنعاء ملتزمة بدفع مرتبات الموظفين في كافة محافظات الجمهورية طوال الـثمانية عشر شهرا الأولى من العدوان .
لم تف سلطة الخائن هادي بوعدها باستمرار دفع المرتبات، ولم تتدخل الأمم المتحدة لوقف هذه الجريمة التي تورطت هي نفسها في حدوثها، من خلال ضمانها لوعد سلطة هادي التي نكثت بوعدها، واستثنت فقط “الموظفون الذين يثبتون أنهم نازحون من المحافظات الحرة”، وقد كانت تعتقد أنها بهذا الشرط، ستفرغ المؤسسات الحكومية في محافظات الشمال من موظفيها، وبالتالي انهيار سلطة حكومة صنعاء.
لكن النتيجة جاءت عكسية، صمد الموظفون في المحافظات الحرة رغم صعوبة الأوضاع المعيشية في ظل انقطاع المرتبات، واستمر النزوح باتجاه العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، وليس العكس، لأن نسيم الحرية كان أكثر تأثيرا من جزرة الراتب التي رفعتها سلطة المرتزقة .
المرتب حق دستوري للموظف، لا ينبغي استخدامه كسلاح للتجويع أو جزرة لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة، وعلى الرغم من الآثار الكارثية لقطع المرتبات عن الموظفين، يبدو أن سلطات المرتزقة لا تدرك حجم الجريمة التي تقترفها بحق الملايين، فقطع المرتبات يعني حرمانك من الحصول على الغذاء والدواء والسكن …إلخ، وهي جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، ولا تسقط بالتقادم .
يعتبر البعض أن مطالبة سلطة المرتزقة بالرواتب، وتحميلها المسؤولية القانونية عن ذلك، هو اعتراف بشرعيتها، وأن عدم قدرة حكومة صنعاء على دفع المرتبات للموظفين في المحافظات الحرة يفقدها الشرعية، وهذا استنتاج خاطئ ينم عن جهل بالحقوق والمسؤوليات، تعززه الفوضى السياسية والأمنية التي خلقها التدخل السافر لدول العدوان في اليمن .
فمطالبة أدوات العدوان بدفع المرتبات، لا تعني اعترافا بشرعيتهم، فهم أشبه بمجموعة لصوص سيطروا بدعم خارجي على جزء كبير من جغرافية اليمن وثرواته، إنهم أداة احتلال خارجي، وبموجب القوانين الدولية، يجب على الاحتلال أو وكلائه مراعاة الحقوق الأساسية للمواطنين في الدولة الواقعة تحت سيطرته، بما فيها دفع المرتبات.
قد يقول قائل: إذاً، هم مسؤولون عن الموظفين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم فقط، وهذا استنتاج خاطئ أيضا، لأن تحالف العدوان الداعم لسلطة المرتزقة يسيطر على اليمن كله، من خلال الحصار البري والبحري والجوي، ومن خلال التمثيل السياسي في المحافل الدولية، هذا أولا .
ثانيا، لأن سلطة المرتزقة وعدت بدفع مرتبات كافة الموظفين عند نقل البنك المركزي إلى عدن، وثالثا، لأنها تسيطر على نحو 90 في المائة من الموارد الاقتصادية .
وإذا كانت مسؤوليتهم تنحصر في النطاق الجغرافي لسيطرتهم المباشرة – كما يبرر لهم البعض من الأغبياء والعملاء – فهذا يعني أنهم يمارسون سياسة تشطيرية بأقنعة وحدوية، وهذه جريمة أكبر.
أما بالنسبة للطرف الآخر ـ حكومة صنعاء ـ فعلى الرغم من تمتعها بشرعية شعبية واسعة، ينطبق عليها وصف “حركة تحرر وطني” ويصعب تحميلها مسؤولية دفع المرتبات قبل أن تستكمل مشروعها في التحرير والاستقلال الكامل، وهذا لا يعني أن تتنصل عن واجبها في تخفيف معاناة الناس والبحث عن بدائل وحلول .
وكمتابع، لا كمطبل، أثبتت صنعاء بقيادة أنصار الله والمكونات الوطنية الأخرى، في أكثر من موقف، سعيها الجاد لحل قضية المرتبات، بداية من التزامها بالدفع قبل نقل البنك، ثم من خلال التزامها بما اتفق عليه في مفاوضات ستوكهولم عام 2018م، بتوريد عائدات ميناء الحديدة إلى حساب خاص بالمرتبات، لكن الطرف الآخر لم يف بالتزامه بتغطية العجز ..
وكذلك من خلال تبني صنعاء لقضية المرتبات باستمرار، خلافا للطرف الآخر الذي لا يأتي على ذكرها إلا في سياق تبرير جريمته بالتضليل والكذب والتسويف .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا