يخبرني الوالد أطال الله في عمره ونحن نحيي الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس صالح علي الصماد رضوان الله عليه أن حالة الحزن التي شهدها اليمن عشية الإعلان عن استشهاد الرئيس الصماد في الحديدة تذكرّه بذات المشاعر والأجواء التي شهدها اليمن في ١١نوفمبر1977م غداة الإعلان عن استشهاد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي ، مؤكدا على أن السعودية لا تريد لليمن واليمنيين الخير ومن أجل ذلك وفي سبيل تحقيق هذه الغاية ذهبت لاغتيال الشهيدين الرئيسين إبراهيم الحمدي وصالح الصماد لأنهما كانا يحملان مشروعا وطنيا يتضمن في طياته الكثير من البرامج والمشاريع النهضوية والتنموية والخدمية في مختلف المجالات التي تكفل بناء اليمن الأرض والإنسان، اليمن الحر المستقل ، المعتمد على ثرواته ومقدراته ، المعتز بنفسه ، والذي لا يحتاج إلى مد يده والتسول من أحد ، أو يستجدي العون والمساعدة من أحد مقابل التنازل عن السيادة والاستقلال والعزة والكرامة .
وهي مشاعر تكاد تكون متطابقة مع السواد الأعظم من اليمنيين الشرفاء الأحرار الذين لا تخلوا منازلهم من صور الشهيد الرئيس صالح علي الصماد رضوان الله عليه ، ولا تخلوا هواتفهم من كلماته وخطاباته ومحاضراته القيمة التي تمثل مصدر فخرهم واعتزازهم وإعجابهم، ودائما ما تذكرهم به وبإرثه الثقافي والوطني الذي سيظل خالدا ما تعاقب الليل والنهار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، حتى صغار السن بات الشهيد الصماد ملهما وقدوة لهم ، يتسابقون على اقتناء صوره الشخصية ولصقها في منازلهم ، ومن أراد أن يعرف حجم المحبة التي يكنها أبناء اليمن الأحرار للرئيس الصماد فما عليه سوى زيارة ضريحه ورفاقه بميدان السبعين بالعاصمة صنعاء والذي تحول إلى مزار لا تتوقف أفواج الزائرين له على مدار الساعة ، الكل يأتون للسلام عليه ورفاقه وقراءة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة والتقاط الصور الفوتغرافية والتي يستلهمون منها روح البذل والعطاء والتضحية والفداء ، ويشعرون من خلالها بالعظمة والسمو والرفعة وهم في حضرة صاحب المقام الكبير الشهيد الرئيس صالح علي الصماد رحمة الله تغشاه .
ظن مهفوف السعودية ومتصهين الإمارات وسيدهم الأمريكي بأنهم بقتل الرئيس الصماد سيحجبوا عن اليمنيين شمس الحرية والعزة والكرامة، وسيسلبوا منهم المشروع الرائد لبناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي كان يحمله الرئيس الصماد، ولكنهم بعد أربع سنوات من استشهاده وجدوا أنفسهم أمام شعب بأكمله يحمل روحية الصماد الوطنية، وينهل من فيض ثقافته القرآنية، الكل في مهمة وواجب وطني وديني وأخلاقي يتمثل في الوفاء له ولعظيم التضحيات التي قدمها في سبيل الله دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة والسيادة.
ما يزال الشهيد الصماد يرعبهم حتى بعد استشهاده ، اسمه ما يزال يلاحقهم ويطاردهم كالكابوس المرعب من خلال طائرات صماد المسيرة التابعة لسلاح الجو المسير والتي اشتقت اسمها من لقبه وفاء له وتخليدا لمآثره وسفره النضالي الذي سيظل محط فخرنا ونموذجا نحتذي به ونستلهم منه القدوة والمثل الأعلى ، وها هو مشروعه الوطني الرائد الذي لطالما سعى من أجل تنفيذه على أرض الواقع ، والمتمثل في بناء الدولة اليمنية الحديثة يسير نحو التنفيذ بفضل الله وتأييده من خلال الرؤية الوطنية التي تحمل شعار ( يد تحمي ويد تبني ) هذا المشروع الذي أعلن عنه في كلمته المعبرة بمناسبة الذكرى الثالثة للصمود اليمني .
وما يزال الشهيد الرئيس صالح الصماد بالنسبة لنا كيمنيين العنوان الأبرز للتضحية والفداء والبذل والجود والعطاء، جاد بنفسه في سبيل الله دفاعا عن السيادة الوطنية وذودا عن الكرامة والعزة والشرف، كان السباق في خوض معركة الصمود والمواجهة والتحدي، وكان السباق في التحشيد والتعبئة العامة ورفع الروح المعنوية للمجاهدين والمواطنين، كان بحق رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة، وكان رجلا للمسؤولية بكل المقاييس، ومهما كتبنا ومهما قلنا عنه فلن نفيه حقه.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وجعلنا الله وإياكم في هذا الشهر الفضيل من الفائزين بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.