اليمن وفلسطين .. وحدة النضال والمظلومية

يكتبها اليوم / عباس السيد


ربما يستغرب البعض من الحماس والتفاعل المستمر لليمنيين مع القضية الفلسطينية، هذا التفاعل والارتباط يأخذ أشكالا متعددة، ولا يقتصر على إحياء المناسبات الموسمية كيوم القدس العالمي الذي شهدناه يوم أمس، وجسده ملايين اليمنيين في أكثر من 60 ساحة بالعاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية، وهو مشهد لا نظير له في بقية الدول العربية والإسلامية .
فما هو السر وراء هذا الارتباط اليمني بفلسطين، وما الذي دفع السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للإعلان بأن اليمن جزء من المعادلة الإقليمية لحماية الأقصى والمقدسات الإسلامية في فلسطين، على الرغم من الظروف التي تعيشها اليمن بسبب العدوان والحصار؟!.
هل يعود هذا الموقف إلى تهور غير محسوب العواقب، أو عن عدم خبرة سياسية، أم أنه مجرد موقف إعلامي للاستهلاك المحلي؟!
لا تحتاج هذه الأسئلة إلى جهد وعناء للإجابة عليها إذا ما عملنا مقاربة للمشهدين الراهنين في فلسطين واليمن. فمن خلالها يمكن التوصل إلى كثير من الحقائق والروابط وعلى أكثر من صعيد، وسيتبين لنا أن اليمن وفلسطين يقفان في الجبهة ذاتها، وفي خط الدفاع الأول لمواجهة المشاريع الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة، ويواجهان عدوّاً واحداً، ويخوضان معركة صمود وتحدٍّ من أجل الانعتاق من كل الوصايات الأمريكية وأشكال الاحتلال الإسرائيلية .
وإذا تأملنا منظومة العدوان والحصار للشعبين اليمني والفلسطيني سنجد أنها منظومة واحدة، وهو ما يدلّل على جوهر الصراع الدائر وحقيقته، انطلاقاً من وحدة قيادته ضد اليمن وفلسطين. فالمنظومة واحدة، أمريكية إسرائيلية، لكن الأدوات تتباين، من جبهة إلى أخرى، ففي اليمن يقودها التحالف السعودي بقيادة السعودية والإمارات، وفي فلسطين تقودها «إسرائيل» بصورة مباشرة .
إذاً اليمن وفلسطين يقفان في الجبهة ذاتها، ويواجهان عدوّاً واحداً، ويخوضان معركة صمود وتحدٍّ من أجل الانعتاق من كل الوصايات الأمريكية وأشكال الاحتلال الإسرائيلية .. وإذ ما انتقلنا إلى مقاربة حالة الصمود في المشهدين، الفلسطيني واليمني، سنجد أن اليمن الذي دخل العدوان عليه عامه الثمن يبدي مقاومة أسطورية، ورفضاً للخنوع أو الخضوع لدول العدوان التي كانت تتوقع تحقيق أهدافها في اليمن في غضون أسابيع أو أشهر .
تماما كما هو حال الشعب الفلسطيني، الذي فشلت «إسرائيل» في تركيعه طوال أكثر من سبعين عاماً، وهذا يؤكد أن اليمن وفلسطين – اللَّذين تعرَّضا للظلم والقتل – ما هما إلا توأم في المعاناة والمواجهة والصمود، أمام عدو الأمة المشترك، «إسرائيل» وأمريكا، وكل من يخوض حروباً عنهما بالوكالة، أو حتى يدور في الفلك ذاته، من دول المنطقة.
وفي جانب آخر، تكشف لنا الأحداث والتحولات التي شهدتها اليمن – خلال السبعة الأعوام الماضية من العدوان – تشابها حد التطابق بين السلوك السعودي في اليمن والسلوك الإسرائيلي في فلسطين. ففي حربها ضد الشعب الفلسطيني، نسّقت «إسرائيل» مع أمريكا بصورة كبيرة، في حين أن السعودية أخذت الأوامر المباشرة والضوء الأخضر في حربها على اليمن أيضاً من أمريكا. وكما استخدمت السعودية في حربها على اليمن ترسانة عسكرية وأسلحة محظورة ضد المدنيين، استخدمتها «إسرائيل» أيضاً في حروبها على قطاع غزة، ناهيك بالأساليب وطبيعة الضحايا والأهداف المحدَّدة في كل ساحة من ساحات المواجهة.
التنسيق المشترك لتحالف قوى العدوان، فرض على اليمنيين والفلسطينيين أن يوحدا جهودهما ومواقفهما في إطار محور المقاومة، فكلاهما شعبان يرزحان تحت العدوان والحصار، ويقفان معاً في خط الدفاع الأول في مواجهة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وباتا يدركان طبيعة الصراع مع أعداء الأمة.
ولذلك، فإن الأوضاع الصعبة التي تعيشها اليمن لم تثنِ اليمنيين عن تبنّي قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، والعكس صحيح، من خلال رفض الفلسطينيين العدوان على اليمن .
الصمت الدولي إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم وانتهاكات على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي طوال سبعين عاما، هو نفسه الصمت على كل جرائم تحالف العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن منذ أكثر من سبع سنوات، وهو يعكس حقيقة ممارسة العالم سياسة المعايير المزدوجة تجاه الأحداث في المنطقة، في تعاطيه مع بلدين يعانيان حصاراً وعدواناً غاشمين طوال أعوام، أمام ما تشهده الساحة الدولية الآن من الاهتمام العالمي بما يجري بين روسيا وأوكرانيا .. وبعد أقل من ثلاثة أشهر من حرب موسكو – كييف، هاهو الأمين العام للأمم المتحدة يزور بوتشا الأوكرانية ويلوح بمحكمة الجنايات الدولية ضد روسيا .
بعد سبعين عاما، لم تحصد «إسرائيل» أياً من أهدافها أو إنجازاتها أمام قوة المقاومة الفلسطينية التي برزت مؤخراً في معركة «سيف القدس»، وباتت – بحسب اعترافات إسرائيلية – دولة مهددة بالزوال .. وفي نفس الوقت، لم تحصد السعودية وتحالفها في اليمن سوى المزيد من الفشل .

قد يعجبك ايضا