مساعٍ لإيجاد الحلول.. والمواطن يتحمل الأعباء والمشاكل

مشكلة تتكرر كل عام مع اقتراب العيد: الأسواق العشوائية.. احتلال الشوارع وإعاقة حركة المرور

اعدها اليوم/ خليل المعلمي
تمثل المناسبات الدينية موسماً للحركة التجارية داخل المدن الرئيسية والثانوية وفي أريافها، ويعتبر حلول شهر رمضان المبارك إحدى المناسبات الهامة التي تزدهر خلالها عمليات البيع والشراء، ويزداد إقبال المواطنين بمختلف فئاتهم على التسوق وارتياد الأسواق في مختلف الأوقات.
وفي هذه المواسم تنتشر التجمعات العشوائية بجانب الأسواق الكبيرة وعلى الأرصفة وتحتل أجزاء واسعة من الشوارع، ويقوم أصحاب البسطات بالتوسع والتمدد من الأرصفة إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من الشوارع الرئيسية ويتسببون بإغلاقها في بعض الأماكن، وتمتد أيضاً إلى الشوارع الفرعية محدثة بذلك إرباكاً وإزعاجاً للسكان وتضييقاً لحركة المشاة، وتكون بذلك سبباً رئيسياً للازدحام الحاصل في مرور السيارات والمركبات، فارضة واقعاً غير مقبول، حيث تظهر آثاره من خلال تشويه معالم المدينة حضارياً وإعاقة للسلطات المحلية في أداء واجباتها والقيام بوظائفها المختلفة مثل أعمال النظافة وتنظيم حركة المرور.
من خلال الأسطر التالية ونحن نعيش أجواء الشهر الفضيل والمبارك نتعرف على المشكلة وإمكانية إيجاد حلول ممكنة بتعاون السلطات المحلية والقطاع الخاص.

عشوائيات
توصف هذه التجمعات بالعشوائيات لخرقها القانون وانتشارها في أماكن غير قانونية فهي تنتشر بالقرب من الأسواق العامة وتحتل أرصفة الشوارع الرئيسية خاصة منها الشوارع التجارية وسط أمانة العاصمة مثل شارع هايل وشارع جمال ومنطقة التحرير وشميلة والصافية وباب اليمن وحتى أمام المحلات الكبيرة في شارع الستين وغيرها من المناطق الأخرى، ولا يقتصر تواجدها أيام المواسم المختلفة مثل حلول شهر رمضان واستقبال عيدي الفطر والأضحى، حيث تمتد هذه التجمعات إلى الشوارع الفرعية وحتى أبواب المساكن وتحتل المساحات الضيقة سواء بالعربيات أم بالبسطات، ولكنها تنتشر بهذا الشكل على مدار العام.
ونظراً للإقبال الشديد من قبل المستهلكين على هذه التجمعات لشراء حاجياتهم من متطلبات الموسم سواء كانت مواداً غذائية في شهر رمضان أم كانت احتياجات العيد من ملابس و”جعالة العيد” وغيرها من المتطلبات والاحتياجات التي يحتاجها الناس مع العيد فإن كل هذه من الأسباب التي تسهم في انتشارها وتحقيق أرباح ترضي أصحابها.

فرص عمل
تساعد هذه التجمعات على توفير فرص عمل لعدد كبير من العاطلين والشباب الذين يبحثون عن عمل مؤقت في مثل هذه المواسم، فرمزي مهيوب مثلا وهو طالب جامعي، يستغل أيام شهر رمضان المبارك في بيع العطور خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، حيث يزداد الطلب على هذه السلعة قبل حلول العيد.. يأخذ رمزي كمية معينة من العطور من أحد أقاربه وهو تاجر جملة وتجزئة، ويقوم ببيعها بواسطة صندوق يضعها فيه ويحتل مكاناً معيناً في الشارع.
يقول رمزي: في مثل هذه المواسم نحن الطلاب نجد في هذه الأسواق فرص عمل مؤقتة حيث نحصل على ربح مناسب نقوم بتوفيره لأيام الدراسة، فأهلي يقيمون في الريف ولا يوجد من يعيلني، ويضيف: هناك الكثير من الطلاب ومن الشباب العاطلين ممن يستغلون هذا الموسم للعمل ليس في العطور فقط ولكن في مختلف أنواع الملابس.
ويؤكد مثنى حيدر وهو بائع في أحد هذه الأسواق أو التجمعات العشوائية وقد تجاوز عمره الخمسين عاماً بأنه لم يستطع توفير مبلغ كافٍ لكي يستأجر محلاً تجارياً فكل ما يحصل عليه من ربح بالكاد يكفيه لإعالة أسرته.. مشيراً إلى أن هذه التجمعات تعتبر ملاذاً للعاطلين الباحثين عن أعمال، فهم بالكاد يحصلون على رأسمال بسيط سواء بالاستدانة أم ببيع قطعة ذهب ليبدأوا مشوارهم ولا يجدون إلاّ الشارع كمكان أفضل لعرض بضائعهم، وأوضح أنه يعمل في هذا المكان منذ سنوات ويحمد الله على ما يهبه له كل يوم من ربح بسيط يعيل به أسرته التي يكبر أبناؤها وتزداد طلباتهم يوماً عن يوم.

منافع متبادلة
يرى أصحاب محلات المواد الغذائية والبقالات أن وجود هذه التجمعات في المواسم التجارية يساعد في ارتفاع المبيعات لديهم بما يحقق لهم مكاسب أكثر يقول فؤاد الشميري وهو عامل في أحد محلات المواد الغذائية: نحن لا نتذمر من وجود هؤلاء الباعة أمام محلاتنا طالما أنهم على مسافة كافية تسمح بدخول وخروج الزبائن، لكنه يؤكد على أن وجود الكثير من الناس سواء كانوا باعة أم متسوقين له تأثير على حركة الشراء داخل المحل.
ويضيف: هذا هو موسم يأتي كل عام ولا تستطيع الجهات المعنية إلا التعامل مع هذا الواقع والقيام بعملية التنظيم والتنظيف تباعاً حتى آخر يوم فتقوم برفع جميع المخلفات الناتجة عن السوق.

تشويه المنظر العام
فيما يرى عدد من أصحاب المحلات الخاصة ببيع الملابس ومحتاجات المستهلكين من أغراض العيد المختلفة ضرورة تطبيق القانون وإخلاء الشوارع من هذه التجمعات وإيجاد الحلول المناسبة لأصحابها فهي تعمل على تشويه المنظر العام للشارع وللمدينة كما تؤثر بشكل أو بآخر على تجار التجزئة لأن بعض المستهلكين يتجهون إلى هذه التجمعات لشراء حاجياتهم، فيتعرض أصحاب المحلات لخسائر كبيرة بينما يواجهون ارتفاع الإيجارات ويتحملون العديد من الالتزامات كدفع الضرائب ورسوم رخص مزاولة المهنة وغيرها.. ويطالبون بضرورة إيجاد حلول مناسبة لهذه التجمعات ولأصحابها.

إعاقة المرور
ولأن معظم التجمعات العشوائية لا تجد أمامها إلا الشوارع والجزر الوسطية والأرصفة، بل احتلال جزء كبير من الشارع كما يحدث في شارع هايل بأمانة العاصمة مع كل موسم قدوم اقتراب العيد، فإنها بذلك تخالف القانون وتعمل على مضايقة المواطنين العابرين وتسبب في ازدحام وعرقلة حركة السيارات في هذه الشوارع، لأن هذه الأماكن ليست مخصصة للباعة وإنما للسيارات وللمارة.
ويضطر بعض سائقي الباصات في خط شارع هايل نتيجة ذلك أن يسلكوا الشوارع الفرعية داخل الحارات، مما يسبب أزمة مرور خانقة داخل الحارات ينزعج لها السكان وتؤثر على سير الحياة الطبيعية.
ويشكو يونس حسن وهو أحد سائقي هذه الباصات وزملاؤه من عدم وجود حيلة لديهم في مقاومة هذا التوسع فالشارع يضيق تدريجياً ويزداد ازدحاماً مع قدوم العيد ونضطر في الكثير من الأحيان إلى تحويل مسار الطريق بالدخول إلى الحارات حتى نصل إلى نهاية الشارع.
وفي ظل هذا الوضع العشوائي يعاني رجال المرور من عدم التزام أصحاب المركبات والسيارات بالوقوف الصحيح الموازي للرصيف وفي الأماكن الخالية، بل على العكس من ذلك فهم يقفون بسياراتهم في أي مكان المهم أن يكون أمام الأماكن التي يريدون التسوق منها، حيث يقول المساعد إبراهيم المحاقري أحد أفراد شرطة المرور بأن المكان يصبح في حالة فوضى مزعجة للجميع فأصحاب السيارات يقفون بسياراتهم بجانب هذه التجمعات العشوائية التي تحتل المكان المخصص لوقوف السيارات وبالتالي تضيق المساحة المخصصة لمرور السيارات فتسبب بذلك زحاماً شديداً، مشيراً إلى أن رجال المرور يقومون بواجبهم ويحاولون توعية السائقين بعدم الوقوف إلا في الأماكن الخالية والمناسبة، ولكن عشوائية المكان تجعل من الجميع في حالة فوضى عارمة، نحاول من خلالها التخفيف من حدة الاختناقات المرورية.
ويؤكد أحد زملائه أن رجال المرور يتحملون عبء هذه العشوائيات، فليس من صلاحيتهم منع هذه الظاهرة ولكن يقتصر دورهم على تنظيم سير المركبات على الطريق وتسجيل أي مخالفات تقوم بها هذه المركبات.. مشيراً إلى أن مكاتب الأشغال هي من تتحمل المسؤولية إزاء هذه الظاهرة.

تنظيم وإعادة تأهيل
ويؤكد المسؤولون في مكتب الأشغال بأمانة العاصمة أن ظاهرة التجمعات العشوائية هي قديمة جديدة تعاني منها أمانة العاصمة منذ زمن طويل، وتحاول الجهات المختصة تنظيم وإعادة تأهيل هذه التجمعات من خلال نقل البساطين من الشوارع الرئيسية والعامة إلى الأسواق المخصصة لهم أو تنظيمهم حتى لا يتحول الشارع العام إلى سوق مركزي يمنع المواطنين من العبور واستخدام الطريق.
وقد شهدت مديريات العاصمة العديد من الحملات التنظيمية لهذه التجمعات العشوائية لإعادة تنظيمها، ونقل البعض منهم إلى أسواق جديدة.

اتساع مستمر
وتعترف الجهة الرقابية على هذه الأسواق بأن دائرة التجمعات العشوائية في اتساع مستمر، خاصة مع تعاون الجهة الرقابية ممثلة في مكاتب الأشغال العامة مع أصحاب البسطات بسبب العدوان والحصار وتتساهل في إلزامهم نتيجة الظروف الاقتصادية والحرب التي يمر بها معظم أبناء الوطن وخاصة الوافدين من الريف.
وتنتشر في أمانة العاصمة المئات من الأسواق الكبيرة والمتعددة الأغراض إضافة إلى الكثير من التجمعات العشوائية التي تتواجد قريباً من هذه الأسواق وفي الكثير من الشوارع الرئيسية في العاصمة.

حلول ممكنة
وإضافة إلى إعادة وتأهيل وتنظيم هذه التجمعات العشوائية هناك العديد من الحلول الممكنة والمتمثلة في جذب استثمارات القطاع الخاص وتسهيل الإجراءات أمامه لإنشاء أسواق جديدة ترافق التوسع العمراني الذي تشهده أمانة العاصمة وإلزام هؤلاء الباعة في الدخول إلى هذه الأسواق.
وهناك إمكانية أيضاً لتنظيم أسواق مؤقتة في أحواش مثلاً أو في أراضٍ مسورة بحيث تبتعد عن الشوارع ويمكن أيضاً تنظيمها في أحواش بعض المدارس أيام العطلة الصيفية ويتم تأجيرها للمستفيدين ويعود ريعها لترميم تلك المدارس، ويمكن أيضاً استخدام صالات الأفراح أيام شهر رمضان كذلك في تنظيم أسواق مؤقتة.

أضرار شاملة
كما أن هذه التجمعات العشوائية تؤثر سلباً على الحياة العامة وتشوه المظهر العام للشارع والمدينة، فإنها أيضاً تلقي بأضرارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية أيضاً على المجتمع وأفراده، فالسكان ينزعجون من انتشارها داخل الأحياء السكنية وتعرقل حركتهم وتعطل وتمنع وصول سيارات الإسعاف إلى المنازل، وبالتالي وقد تسبب في مضاعفات لدى المرضى وتخلق ثقافة خرق القانون واحتلال الشوارع وإزعاج المواطنين وتكون بمثابة بؤر لتصريف البضائع المهربة والمنتهية الصلاحية.
ويبقى الدور على السلطة المحلية في أمانة العاصمة في العمل على إيجاد حلول حقيقية وواقعية لمشكلة الأسواق العشوائية وتوفير البنية التحتية وإيجاد الظروف المناسبة لمشاركة القطاع الخاص في إنشاء المزيد من الأسواق الاستهلاكية لاستيعاب البائعين في هذه التجمعات والمؤمل أن يتحقق ذلك.

 

قد يعجبك ايضا