من الأصلح ترك المواطنين يديرون شؤونهم المحلية بأنفسهم ويراقبون أداء الأجهزة التي تقدم لهم الخدمات
حوار/عبدالله بخاش –
> يجب إعداد المنظومة التشريعية للدولة بالتوازي مع بناء قدرات الأقاليم
> وجود حكومات محلية في الأقاليم سيضيق الخناق على الفساد وسيخلق حيوية لمحاصرته
> هناك فرق بين النظام الاتحادي ونظام المجالس المحلية ولا وجه للمقارنة بينهما
> المركزية الشديدة باستحواذها على المال والصلاحيات وتعقيد الإدارة هي التي تقود إلى التشظي وليس الدولة الاتحادية
. تتجه اليمن بخطى ثابتة للانتقال إلى نظام الدولة الاتحادية الذي من شأنه أن يجسد الوحدة الوطنية في البلاد ويعكس حالة التنوع والتنافس بين الأقاليم اليمنية المْقرة مؤخراٍ لإحداث التنمية الوطنية الشاملة.
والحديث عن الدولة الاتحادية (الفيدرالية) ومتطلبات التحول لشكل الدولة الجديد والكثير من التساؤلات المرتبطة بذلك كانت محور الحديث مع وكيل وزارة الإدارة المحلية للخطط والموازنات الأستاذ أمين محمد المقطري الذي يعد واحداٍ من الخبراء اليمنيين المهتمين والمتخصصين في قضايا الإدارة المحلية في اليمن فهو حاصل على ماجستير تنفيذي في الإدارة العامة من جامعة صنعاء وعمل متخصصاٍ في التشريعات المتعلقة بالسلطة المحلية منذ العام 1995م وباحثاٍ في القضايا الفيدرالية منذ العام 2011م.
الحديث معه يكتسب نكهته الخاصة خصوصاٍ وأنه ينطلق من ثقافة وخبرة عملية متراكمة وإلمام معرفي تخصصي عميق وهذه هي الحصيلة:
* ما الدواعي أو الضرورات التي اقتضت انتقال البلاد من شكل الدولة البسيطة (الموحدة) إلى الدولة الاتحادية¿
– كما تعلم في البداية كانت هناك أزمة سياسية ثم تحولت إلى ثورة شعبية مطلع عام 2011م يومها كان السياسيون والقوى الوطنية يبحثون عن مخارج عملية للأزمة السياسية في جوانبها المتعددة ومنها شكل الدولة وأتذكر أنه في عام 2009م طرحت أحزاب اللقاء المشترك حينها رؤية للمعالجات وتطرقت حينذاك لشكل الدولة ووضعت ثلاثة سيناريوهات إما حكماٍ محلياٍ (واسع الصلاحيات) وإما تطوير نظام اللامركزية أو الإدارة المحلية المعمول به وفقاٍ لقانون السلطة المحلية واللوائح المنفذة له أو الأخذ بالشكل الاتحادي (الفيدرالي) للدولة. لكن البلاد وصلت مع نهاية 2010م إلى حالة من انسداد الأفق السياسي. وتوترت الأجواء بين القوى السياسية وكان كل طرف يريد إسقاط الطرف الآخر بالضربة القاضية.
وفي أثناء هذه الفترة اشتعلت الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا ووصلت رياح الربيع العربي إلى اليمن .. والجميع يعلم كيف سارت الأحداث والخلاصة …جاءت المبادرة الخليجية ودخلت البلاد في تسوية سياسية وتشكل مؤتمر الحوار الوطني وبدأ الحوار وبحث موضوع شكل الدولة بشكل عميق داخل أروقة مؤتمر الحوار الوطني والفرق التي انبثقت عنه وكان هناك فريقان يبحثان هذا الموضوع بشكل جدي وعميق هما فريق بناء الدولة وفريق القضية الجنوبية.
البعض من السياسيين كان ولا يزال يطرح أن الدولة البسيطة التي تشكلت بقيام الوحدة اليمنية عام 1990م فشلت في المحافظة على الوحدة وفشلت أيضا في المحافظة على النسيج الاجتماعي وبسبب حرب عام 1994م حصلت مشاكل واختلالات عديدة وتوترات اجتماعية وحروب صعدة.
وقد تحدث البعض عن إجهاض اللامركزية المالية والإدارية التي جاء بها قانون السلطة المحلية بسبب بعض الأجهزة المركزية التي قاومت نقل الصلاحيات والسلطات إلى الوحدات المحلية وهذا الوضع أنتج مركزية جديدة وانتقلت الصلاحيات من العاصمة في المركز إلى دواوين المحافظات ثم توقفت. والعديد من المحافظين احتكر الصلاحيات في ديوان المحافظة ولم يتح للمديريات ممارسة صلاحياتها القانونية ولم تبن قدرات أجهزة وموظفي المديريات إلا في مناطق محدودة…وهيمنت لجان المناقصات في المحافظات على كافة إجراءات المناقصات للمشاريع التنموية في المديريات بالمخالفة لقانون السلطة المحلية .. ولم تتمكن أجهزة السلطة المحلية في المديريات من القيام بمهامها وصلاحياتها … وبالتالي اللامركزية الإدارية تم تكبيلها بقيود كثيرة وأظهرت الحكومات المتعاقبة منذ صدور قانون السلطة المحلية مواقف اتسمت بالسلبية وبالفتور والتراخي وعدم الجدية في التعامل مع الاختلالات والعقبات التي زرعتها بعض الأجهزة المركزية في طريق تنفيذ أحكام قانون السلطة المحلية ونجم عن ذلك أحداث تشوهات في عملية التنمية على المستوى المحلي. لأن هدف اللامركزية في الأخير هو التنمية المستدامة.
وبإيجاز…بدأ الحوار في فريق بناء الدولة حول شكل الدولة المزمع الأخذ به وطرحت عدة أفكار منها الأخذ بشكل الدولة البسيطة أو الدولة الاتحادية (الفيدرالية) وبعد نقاشات داخل هذا الفريق وفي فريق القضية الجنوبية تم الاتفاق في وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية على الأخذ بالشكل الاتحادي.
الجهاز الإداري للدولة في الوقت الراهن في مرحلة انتقالية تستوجب التشمير عن السواعد والبدء من الآن وصاعداٍ في بناء الدولة المدنية الاتحادية الحديثة وأن تستغل جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن ليكونوا سنداٍ للجنة صياغة الدستور في إخراج دستور وطني جديد وفقاٍ لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل جسد تطلعات كافة فئات هذا الشعب ويؤسس لدولة جديدة ومرحلة جديدة في ظل الدولة الاتحادية.
النظام الاتحادي أثبت نجاحه في كثير من بلدان العالم فهناك من البلدان الاتحادية مضت عليها قرون من الزمن وهي دول أنظمتها راسخة وشعوبها تنعم بالخيرات وتظللها العزة وتنام في كنف الكرامة. وهي لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالعرق والجهد والدم والعمل الدؤوب وسنوات من النضال الشاق.
وفي تقديري أنه لا تهمنا المسميات كثيراٍ وإنما حجم السلطات والصلاحيات التي ستمنح للوحدات المحلية لكي تدير شئونها بنفسها وأعتقد أن أسس ومقومات الدولة الاتحادية موجودة في نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وسيكون الدستور هو الوعاء الذي سيجمع كل المبادئ الدستورية التي صاغتها فرق مؤتمر الحوار الوطني الشامل ..
وبشكل عام يمكننا القول إن الدولة الفيدرالية هي شكل من أشكال الحكم تكون فيه السلطات مقسمة دستورياٍ بين المركز «الدولة الاتحادية» وبين أقاليم الدولة الاتحادية لكن هذه الأقاليم تتمتع بسلطات واسعة .. لكل أقاليم برلمان محلي (سلطة تشريعية) وحكومة محلية وسلطة قضائية.
الدولة البسيطة أخفقت
* أقصد أستاذ أمين.. هل ثمة إشكاليات أو اختلالات رافقت أداء الدولة البسيطة خلال الفترة الماضية مما يستدعي اليوم الانتقال إلى شكل الدولة الاتحادية¿
– الرأي الذي سأطرحه عليك في هذه اللحظة فيما يتعلق بموضوع الانتقال إلى الشكل الاتحادي من عدمه وهل هناك ضرورة للانتقال إلى هذا الشكل من أشكال الدول لن يقدم ولن يؤخر في الأمر شيئاٍ ..
فالأمر قد قضي واتفق المتحاورون على الأخذ بالشكل الاتحادي للدولة وبكل تأكيد فقد بنوا توافقهم على فهم عميق لأبعاد المشكلة وكلنا سمعنا وشاهدنا النقاشات والمداخلات التي دارت في مؤتمر الحوار الوطني والأوراق التي قدمت وهناك آراء قالت أن نموذج (الدولة البسيطة) في اليمن قد أخفق لأنها لم تصنع تنمية متوازنة على المستوى الوطني ولم تعالج مشكلات خطيرة ظلت تهدد المجتمع ونتج عن تقاعسها في حل المشكلات- بل وإنكار وجود مشكلات أصلا- ظهور مشكلات أكثر تعقيداٍ والدولة عندما تخفق في معالجة مشكلات المجتمع تبحث المجتمعات عن صيغ أخرى توفر لها بيئة مناسبة للتعايش والاستقرار والعيش الكريم ولا يمكن بأي حال من الأحوال القول أن تغيير شكل الدولة إلى الشكل الفيدرالي أو الاتحادي كان مجرد رغبة سياسية وخطوة غير محسوبة بل كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك فالبعض لخص المشكلة بأنها تكمن في السلطة والثروة …لأنه في ظل شكل الدولة البسيطة وفقاٍ لتجارب العالم لا يمكن إلا منح الوحدات المحلية جزءاٍ من سلطات الحكومة فقط بينما الشكل الاتحادي يتيح سلطات أوسع للمجتمعات المحلية لإدارة شؤونها الإدارية والتنموية وحل مشاكلها.
فعلى سبيل المثال هناك صلاحيات ظلت الحكومة المركزية في اليمن متمسكة بها عندما يريد موظف ما تسوية وضعه الوظيفي في محافظة ما يمنحه فرع وزارة الخدمة المدنية بالمحافظة فتوى باستحقاقه للتسوية المالية لكن يقال له أن الاعتماد المالي في العاصمة فيضطر إلى شد الرحال إلى العاصمة ويتكبد خسائر كبيرة. …وبالتالي فمن الأفضل ترك السكان في المحليات يديرون شئونهم بأنفسهم ويراقبون أداء الأجهزة التي تقدم لهم الخدمات بأنفسهم ويومها لن يلقي الناس المسؤولية واللوم على الحكومة الاتحادية بل الحكومة الاتحادية هي من ستلقي اللوم عليهم وستقول لهم: أنتم لم تحسنوا اختيار برلمانكم وحكومتكم المحلية وعندئذ لن تجد مواطناٍ من أي إقليم يسافر إلى عاصمة الدولة الاتحادية كي يشتكي بحكومته المحلية هو يستطيع أن يحاسبها على تقصيرها وإخلالها بمسؤولياتها من خلال برلمان الإقليم ..وبرلمان الإقليم يستطيع سحب الثقة من حكومة الإقليم دون أن يستأذن من أحد في المركز.
شعار سياسي
* في سنوات سابقة جرى الحديث عن نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات وكامل الصلاحيات ما الفرق بين هذه المصطلحات والنظام الاتحادي أو الفيدرالي¿
في الحقيقة إن مصطلح (الحكم المحلي) عندما تضاف له عبارة (واسع الصلاحيات) أو (كامل الصلاحيات) يتحول إلى شعار سياسي وإذا عدنا إلى المراجع القانونية سنجد أن الحكم المحلي بدون إضافة كلمتي (واسع أو كامل) هو عبارة عن نظام الحكم الاتحادي .ومن خلال اهتماماتي البحثية في هذا المجال لم أجد شيئاٍ متعارفاٍ على تسميته بالحكم المحلي واسع الصلاحيات فهذه العبارة «واسع الصلاحيات» غير محددة أو واضحة أو منضبطة. ما مقدار هذا التوسع¿ وأود أن أشير إلى أن الحكم المحلي مصطلح يشير إلى جملة الصلاحيات الممنوحة للأقاليم لإدارة شؤونها بنفسها.
إن مصطلح (الحكم المحلي واسع أو كامل الصلاحيات) كان عبارة عن شعار سياسي استخدمه السياسيون في فترة من الفترات ليقولوا للناس سنعطي صلاحيات كاملة أو واسعة للسلطات المحلية. وكان الغرض من ذلك ربما تهدئة أوضاع معينة تقلق السلطة الحاكمة وهو خطاب تتوجه به عادة الأحزاب والقوى السياسية للناخبين لكي تنال رضاهم وتكسب تعاطفهم … لكن العبرة بعد ذلك في حجم الصلاحيات التي ستعطى. وقد يقول حزب سياسي أو سلطة سياسية سأمنح المحليات حكماٍ محلياٍ كامل الصلاحيات وبعد الفوز في الانتخابات يتراجع عند صياغة التشريع ويعطي فقط صلاحيات إدارية ولا يعطي صلاحيات تشريعية للوحدات المحلية. وهذا الأمر لا يعبر عن مفهوم الحكم الاتحادي لأنه إذا أرادت محافظة ما إعداد وإصدار لائحة أو نظام لحديقة معينة ما أو مرفق من مرافق الخدمات على المستوى المحلي فليس من حقها فعل ذلك لأن التشريع وإعداد القوانين واللوائح من اختصاص المركز أما في النظام الفيدرالي فإن لكل إقليم أن يصيغ تشريعاته في الأمور التي يحددها الدستور الاتحادي ولا يخرج عن إطارها والدستور الاتحادي هو الذي ينظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم واليمن ليست أول دولة تنتقل إلى النظام الاتحادي فهناك عدد من الدول التي سبقتنا إلى الأخذ بالنظام الاتحادي مثل أثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا ودولة الإمارات العربية المتحدة وهناك 28دولة اتحادية في العالم يسكن فيها حوالي 40% من سكان العالم..
وباعتقادي أن من يقول بأن النظام الفيدرالي صعب ومعقد ويحتاج إلى تكلفة كبيرة وهذه التكاليف غير متوفرة حالياٍ بسبب الوضع الاقتصادي في اليمن حتى يقف النظام الاتحادي على أقدامه ربما تقديراته غير دقيقة. لأنه في نهاية الأمر النظام الاتحادي لن يشيد في ليلة وضحاها والانتقال إلى هذا النظام يتطلب خطة مدروسة ومزمنة ومنظومة تشريعية وقانونية ينبغي أن تعد على أساس سليم وفقاٍ لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وهناك بنية أساسية متوفرة قد تفي بالغرض وهناك قوى وظيفية موجودة على المستوى المحلي واعتمادات مالية في حدودها الدنيا موجودة في المحليات.
المركزية لا الفيدرالية
* في ضوء الظروف الراهنة للبلاد هل يمكن اعتبار الفيدرالية الشكل الأنسب للدولة اليمنية الجديدة وللحفاظ على وحدة الوطن وحمايته من التشظي¿
– كثيرون يقولون إن النظام الاتحادي لا يقود إلى التشظي بل نظام المركزية الشديدة باستحواذه على المال وتركيز الصلاحيات بيد السلطة المركزية في العاصمة هو من سيؤدي إلى التشظي أما النظام الاتحادي فهو يجسد الوحدة الوطنية ويوفر تنوعا فريدا داخل الأقاليم لتدير شؤونها بنفسها وأعتقد أنه في بداية تطبيق النظام الاتحادي من الممكن حدوث بعض المشكلات والمصاعب في ظل شحة الموارد المالية وهذه مسألة طبيعية في التجارب العالمية.
وإذا تخوفنا من المشكلات ومن خوض غمار الانتقال إلى الشكل الجديد للدولة وفضلنا التريث لحين توفر الظروف الملائمة والأموال فإن ذلك يعني بقاء الأوضاع الراهنة على حالها وستبرز مشكلات أكثر تعقيدا وحتماٍ ستنهار العملية السياسية برمتها. وسنعود إلى نقطة الصفر وقد ندخل النفق المظلم ودائرة الصراع المسلح.
إن توافق المكونات الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني على اختيار النظام الاتحادي كان هو الخيار الأفضل والأنسب في نظري لضمان وحدة الوطن وإصلاح أوضاعه المختلة أما بالنسبة لشحة الموارد فقد تلجأ الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم لوضع خطط بعيدة المدى وتكافح الفساد المستشري فموارد الدولة مهدرة بسبب ضعف الأجهزة الرقابية المركزية والمحلية أيضا في ظل وجود حكومات في الأقاليم تجسد إرادة المواطنين الذين انتخبوها سيضيق الخناق كثيرا على الفساد داخل الأقاليم وإذا بدأت عملية مكافحة الفساد من المستوى الإقليمي فإنه على مستوى الدولة الاتحادية يمكن أن يسهم تقليص عدد الأجهزة الحكومية الاتحادية في محاصرة وتفكيك منظومات الفساد. لذا يمكن القول إن شكل الدولة الاتحادية يساعد كثيرا في مكافحة الفساد . لأنه عندما تتوزع سلطات الدولة بين المركز والأقاليم ينكشف ظهر الفساد ويصبح تحت مجهر الشعب. وبكل تأكيد سيحدث تنافس كبير بين حكومات الأقاليم لمكافحة الفساد.
تجربة المجالس المحلية
* لكن تجربة السلطة المحلية في اليمن كشفت عن فشلها في إحداث التنمية المحلية المرجوة أو منع استشراء الفساد في أجهزتها¿
– لا شك أن هناك ضعفاٍ في الرقابة سواء على مستوى الأجهزة المركزية أو المحلية على الوحدات الإدارية ولذلك فإن المسؤول في أي جهاز أياٍ كان مستواه عندما يمارس الفساد ولا يجد من يراقبه ويحاسبه فإنه يستمرئ الفساد ويعمل على ابتكار أساليب جديدة للنهب والسرقة.
وكما تعلم أن أعضاء المجالس المحلية ليسوا متفرغين للعمل وبعضهم قدراتهم العلمية لا تمكنهم من أداء دورهم الرقابي بالصورة المطلوبة وفقاٍ لقانون السلطة المحلية .والأجهزة الرقابية عندما تذهب إلى المديريات لفحص أدائها المالي فإن تقاريرها لا تصل إلا بعد عام تقريباٍ أو أكثر من حدوث المخالفات فتأتي تلك التقارير والمسؤولون المعنيون بتلك المخالفات قد تركوا مناصبهم إما لوفاتهم وانتقالهم إلى الدار الآخرة أو تقلدهم لوظائف أخرى وبالتالي فالأجهزة الرقابية والجهات المعنية بما فيها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وزارة الإدارة المحلية ووزارة المالية والجهات الرقابية الأخرى لم تكن فاعلة في متابعة الاختلالات المالية لأنها باختصار تكتب تقارير جيدة وبعضها لا يعلم بالضبط ما يدور في المحافظات والمديريات وكلما أردنا في الوزارة النزول إلى المحليات للتفتيش لا نجد الاعتمادات المالية اللازمة لفرق التفتيش الميداني وهذه تمثل معضلة حقيقية.
وتختلف تجربة الإدارة المحلية تماماٍ عن النظام الاتحادي (الفيدرالي) فالمجالس المحلية الموجودة في بلادنا هي جزء من السلطة المحلية ونشأت أصلاٍ وفق لمبدأ اللامركزية الإدارية ونظام الإدارة المحلية يقوم فقط على توزيع وظيفة السلطة التنفيذية (وظيفة الحكومة) بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية أما السلطتان التشريعية والقضائية فهما من اختصاص المركز أما في ظل الدولة الاتحادية فإنه يجري توزيع وظائف الدولة الثلاث: الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية والوظيفة التشريعية بين الدولة الاتحادية في المركز والوحدات المكونة لها (الأقاليم أو الولايات) وهذا يعني أنه في ظل الدولة البسيطة ليس متاحاٍ للوحدات المحلية ممارسة سلطة التشريع وإعداد قوانين ولوائح لتنظيم العمل الإداري لكن في الدولة الاتحادية (الفيدرالية) بمقدور البرلمان في كل إقليم أن يشرع لنفسه ويعد القوانين التي تنظم شؤونه ويراقب بفعالية حكومته المحلية لأن الحكومة ستكون منبثقة منه.
إعادة النظر
* برأيك هل تعتقد أن الوقت المتبقي من الفترة الانتقالية كاف لتهيئة مختلف الجوانب للانتقال إلى النظام الفيدرالي¿
– بالطبع لا يمكن أن تبنى الدولة الاتحادية أو الفيدرالية في شهر وسيتم البدء بالدستور أولاٍ وهناك لجنة ستشكل لصياغة الدستور الاتحادي وبعد ذلك سيتم البدء بإعداد القوانين ذات الأهمية والأولوية في ضوء متطلبات المرحلة مثل قانون الانتخابات العامة والاستفتاء وقانون الأقاليم وقانون تحديد صلاحيات الأقاليم وغيرها.
وبعد إنجاز الدستور والاستفتاء عليه ستليه إجراء تعديلات وإعادة صياغة للمنظومة التشريعية للدولة لأن المنظومة التشريعية في الدولة البسيطة تختلف كثيراٍ عنها في الدولة الاتحادية وبالتالي فإن الأمر في تقديري يتطلب الكثير من الجهد والوقت. ولابد أن يرافق ذلك بناء قدرات الموظفين على المستويين المركزي والمحلي وتوعيتهم وتدريبهم لاستيعاب التركيبة الجديدة للدولة الاتحادية وطبيعة المهام والاختصاصات الجديدة.
الدستور هو الأهم
* إذن نحن أمام….¿
– (مقاطعاٍ) .. أمام ورشة عمل كبيرة.
* فقط في الجانب التشريعي هناك الكثير من المهام والأولويات التشريعية العاجلة التي تتطلب البدء بها¿
– لكن يظل الدستور هو الأهم الذي سيضع الأسس والقواعد العامة وسيضع العربة على القضبان لتنطلق في تقديري يجب أثناء بدء عمل لجنة إعداد الدستور يلزم أن تباشر لجان قانونية إعداد القوانين ذات الأولوية من وحي مخرجات الحوار الوطني وتعمل ذلك بالتوازي وإلى أن يتم الاستفتاء على الدستور يمكن بعدئذ تعديل بعض المواد القانونية بما يتلاءم مع مواد الدستور الاتحادي للبلاد لكن العجلة ينبغي ألا تتوقف ويجب على الجميع أن يبدأ من الآن بالتفكير فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن نحدد اختصاصات الأقاليم ينبغي أن نبدأ من الآن إلى حين صدور الدستور وإقراره وحينئذ أكمل ما نقص من تلك الاختصاصات أو أجري على ما أعد بعض التعديلات لأن العملية يجب أن تتم بشكل متزامن وبالتوازي مع إعداد الدستور ويجب ألا ننتظر أولاٍ صياغة الدستور وبعدها نبدأ بل يتوجب علينا على الأقل أن نتناقش معاٍ في الجهاز الإداري للدولة حول المسائل المتعلقة بالتحول للنظام الاتحادي وتحديد الاختصاصات وطبيعة العلاقة بين المركز والأقاليم كما ينبغي علينا من الآن الاطلاع على تجارب العالم وتنفيذ الزيارات الاستطلاعية الخارجية للتعرف عن كثب على تلك التجارب لنستفيد من عامل الوقت في إنجاز المنظومة التشريعية واستحقاقات المرحلة.
لا ازدواج
* بالحديث عن الصلاحيات التشريعية للبرلمانات المحلية في الأقاليم ما مدى الحرية المتاحة للمشرع المحلي في وضع تشريعاته الخاصة وضمان عدم تعارضها مع التشريعات الاتحادية للدولة¿
– عادة الدساتير الاتحادية تحدد اختصاصات حصرية للدولة الاتحادية وماعدا ذلك فمن اختصاصات الأقاليم لذلك لن يكون هناك ازدواج في التشريع لأن المشرع على المستوى الإقليمي يعلم أين تبدأ حدود صلاحياته وأين تنتهي وهو مسؤول عن تنظيم كافة شئون التنمية والخدمات في إطار الإقليم والوحدات الإدارية التي يتكون منها والتي تدخل ضمن اختصاصاته.
وفي كل الأحوال برلمان الإقليم لن يشرع من فراغ فلديه سقف محدد بالدستور والتجارب العالمية تقول: إن المحكمة الدستورية العليا التي من مهامها الفصل في الخلافات والمنازعات التي يمكن أن تنشأ بين الأقاليم والدولة الاتحادية أو بين الأقاليم نفسها يمكن في بدايات التحول إلى النظام الفيدرالي أن ينص الدستور الاتحادي على إلزام أي إقليم من الأقاليم أن يعرض على هذه المحكمة أي قانون يضعه البرلمان الإقليمي قبل أن يتم إصداره للنظر فيما إذا كان هذا القانون يحتوي على أحكام تتعارض والدستور الاتحادي أو تلحق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا أو أحد الأقاليم أو كلها لأنه قد يتم صياغة قوانين محلية لا تتعارض مع الدستور الاتحادي لكن قد تتضمن ما يؤدي إلى الإضرار بمصالح المناطق المجاورة أو بالدولة الاتحادية أو بالأقاليم المجاورة والدولة الاتحادية معاٍ وبالتالي هناك تجارب في العالم توجب أن يعرض أي قانون إقليمي قبل إصداره من رئيس حكومة الإقليم أولاٍ: على المحكمة الدستورية العليا لمراجعته خلال مدة زمنية معينة وتعرض هذه المحكمة نتيجة المراجعة على برلمان الإقليم ومن ثم يصدر القانون بصيغته النهائية من قبل رئيس وزراء الإقليم.
المحكمة الدستورية
* هذا الإجراء يْطبق في الحالات الاستثنائية المتعلقة بالتشريعات الإقليمية المثيرة للنزاعات فقط أم أنه إجراء عام على كل التشريعات الإقليمية¿
– المحكمة الدستورية العليا تنظر في كل قضايا الخلاف والنزاع بين الأقاليم ذاتها أو بين الأقاليم والمركز وتفصل فيها كما أنها تنظر في التشريعات القانونية التي قد تعدها السلطة التشريعية لأي إقليم وفيها ما قد يلحق أضراراٍ بمصالح الأقاليم الأخرى أو الدولة الاتحادية أو كليهما في حال تطبيقها على أرض الواقع فمثلاٍ إذا أقر إقليم من الأقاليم تشريعاٍ ينص على فرض رسوم جمركية على البضائع التي تمر عبر أراضيه في طريقها إلى أقاليم أخرى فهذه عملية غير مشروعة في دساتير الدول الفيدرالية وفي هذه الحالة كما ان الأقاليم قد تعترض لدى المحكمة الدستورية العليا على قانون أصدرته السلطة التشريعية الاتحادية وترى فيه ما يلحق الضرر بمصالحها وتفصل المحكمة الدستورية في مثل هذه القضايا ويمكن أن تبطل القانون أو النصوص المعترض عليها وقرارها نهائي لا يقبل النقض ويجب تنفيذه.
وضع مختلف
* كيف سيعالج النظام الفيدرالي مسألة ازدواج القرارات وتبعية الأجهزة التنفيذية في الأقاليم للحكومة الاتحادية في المركز أو الحكومة المحلية في الإقليم¿
– ما تتحدث عنه هو وضع آخر تماماٍ وهو وضع السلطة المحلية في ظل الدولة المركزية البسيطة ونظام السلطة المحلية حيث عانت الأجهزة الأمنية على سبيل المثال من ازدواج في تبعيتها بين السلطة المحلية بالمحافظات والمديريات ووزارة الداخلية رغم أن قانون السلطة المحلية قد أكد على تبعية هذه الأجهزة للمحافظ ومدير عام المديرية وقد صدر قرار رئاسي عام 2002م قضى بتبعية الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية في المركز وليس للسلطة المحلية لكن الأمر يختلف تماماٍ في ظل الدولة الفيدرالية حيث ستكون هناك قوات للشرطة أو الأمن اتحادية وهناك شرطة محلية تابعة للإقليم بحيث تتحدد مهام واختصاصات كل منهما فمثلاٍ إذا ارتكب شخص ما جريمة في إقليم ما وهرب إلى إقليم آخر لابد أن يكون هناك تنسيق أمني بين الأقاليم لملاحقة المجرمين والقبض عليهم وضبط المطلوبين في مثل هذه الحالات من صلاحيات الشرطة الاتحادية التي تتولى القبض عليه وتقديمه للقضاء في المكان الذي ارتكب فيه الجريمة والشرطة المحلية ستكون في كل إقليم مستقلة ولكن ينظمها قانون وهي معنية بالأمن والحوادث الأمنية التي تقع في نطاق الإقليم لأن سلطاتها لا تمتد إلى الأقاليم المجاورة الأخرى.
مسؤولية الأقاليم
* هذا بالنسبة للجانب الأمني فقط لكن ماذا بشأن الجوانب الخدمية والتنفيذية الأخرى كالصحة والتعليم والتوظيف والابتعاث وغيرها¿
– سيكون لكل إقليم حكومة مسؤولة عن كافة الخدمات :التربية والتعليم والصحة والتعليم الفني والشئون الاجتماعية والطرقات والمالية والتخطيط الإقليمي وسيكون على رأس كل جهاز يقدم خدمة من الخدمات المشار إليها وزير أو مسئول تنفيذي فمثلاٍ سيكون هناك وزير للتعليم في الإقليم (قد يسمى وزيراٍ أو المسؤول التنفيذي عن التعليم في الإقليم ) لكنه لا يتدخل في مسألة تأليف المناهج الدراسية لأنها من اختصاصات الحكومة المركزية هو فقط مسؤول عن تسيير العملية التعليمية في الإقليم وعن المعلمين في الإقليم وعن أوضاعهم ومرتباتهم وترقياتهم وتوزيعهم وجميع تلك المهام والمسؤوليات تخضع بشكل مباشر لسلطة الإقليم ولا علاقة للحكومة الاتحادية في المركز في مهامه وهو مسئول أمام برلمان الإقليم عن تنفيذ المهام المناطة به كما أن رئيس حكومة الإقليم لا تختاره الحكومة الاتحادية بل يختاره الحزب الفائز بالأغلبية أو الأحزاب المؤتلفة الفائزة بأغلبية مقاعد البرلمان الإقليمي وتحصل حكومة الإقليم على الثقة من برلمان الإقليم وهو من يحجب الثقة عنها عند إخلالها بواجباتها.
الموارد
* ماذا بشأن الموارد المالية والثروات في إطار الأقاليم¿
– بالنسبة للموارد المالية تحتاج إلى مساحة كبيرة وحلقة أخرى مستقلة في عدد قادم من صحيفة الثورة …
وبإيجاز ستكون هناك رسوم وضرائب وعائدات أخرى خاصة بكل إقليم وهناك رسوم وضرائب خاصة بالحكومة الاتحادية ولكن تلك الموارد ليست ملكاٍ للحكومة الاتحادية وحدها وإنما يعاد توزيعها وفق آلية معينة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والموارد السيادية المتأتية من النفط والغاز والمعادن يعاد توزيعها أيضاٍ بين الحكومة الاتحادية والأقاليم وفق آلية معينة وأعدك بتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام والحيوي في حلقة أخرى.
* شكراٍ لك..
– شكراٍ لكم على إتاحة هذه الفرصة والاهتمام بالجوانب التوعوية التي تتطلبها هذه المرحلة الهامة للانتقال إلى النظام الاتحادي.