التعاون على البر والتقوى يرسم للأمة الإسلامية مسؤوليتها الجماعية وينظم حركتها ويحفظ كرامتها الإنسانية
قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في محاضرته الرمضانية الخامسة عشرة
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
يقول الله «سبحانه وتعالى» في القرآن الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: من الآية2]، صدق الله العلي العظيم.
تضمَّن قوله «سبحانه وتعالى»: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، مخاطباً الذين آمنوا، مخاطباً لنا نحن المسلمين كافة، مبدأً إسلامياً عظيماً ومهماً، تحتاج إليه الأمة لدينها، ولصلاح دنياها.
الإسلام هو دينٌ جامع، يبني الأمة، ويجمعها على أعظم وأقدس وأسمى المبادئ والقيم والأخلاقي والأهداف، ويرسم للأمة مسؤولياتها الجماعية التي تتعاون فيها جميعاً، ويَنظِم لها حركتها في مسيرة حياتها بما ينسجم مع انتمائها الإيماني، ويحفظ لها كرامتها الإنسانية، ويثمر- في نهاية المطاف- الثمرة الطيِّبة، الثمرة العظيمة التي هي البر والتقوى، وبذلك صلاح حياة الأمة.
عندما نأتي إلى عنوان التعاون بشكلٍ عام، فهو يعني: تجميع الجهد على نحوٍ جماعي لإنجاز هدفٍ معين، أو للقيام بعملٍ معين، أو لتنفيذ مسؤوليةٍ معينة، ومن المعلوم لدى البشر قاطبةً: أنَّ الجهد الجماعي هو من حيث مستوى الإنجاز، ومستوى التكامل، ومستوى تخفيف الكلفة عن الشخص، عن الفرد، ومستوى القدرة والإمكانيات، هو أعظم بكثير، وهو ضروريٌ أساساً لإنجاز أكثر المهمات والمسؤوليات والأعمال الكبرى، التي لابدَّ فيها من الجهد الجماعي.
الجهد الفردي يبقى بحدود إمكانيات وقدرات الفرد نفسه، على مستوى الشخص الواحد، وتتفاوت هذه القدرات، سواءً على المستوى المعرفي والمادي، وعلى مستوى التفكير، على مستوى الفعل، على مستوى الإمكانيات والوسائل، تختلف من شخصٍ إلى آخر، ويبقى في كل حال مستوى الجهد الفردي محدوداً، باستطاعة الإنسان أن ينجز فيه أعمالاً إلى مستوى معين، أو أن يقوم أيضاً بمهام وأعمال إلى مستوى معين، ولكن هناك في الواقع البشري؛ لأن الحياة حياة المجتمع البشري هي حياةٌ مترابطة، وهناك فيها مصالح عامة، مصالح مشتركة، وهناك أيضاً مسؤوليات عامة، مسؤوليات مشتركة، وأهداف كبيرة، لا يمكن أن تنجز بجهدٍ فردي، يستحيل في بعضها أن تنجز بجهدٍ فردي، ولابدَّ فيها من التعاون، وهذه مسألة واقعية وقائمة في حياة المجتمعات البشرية.
المجتمعات البشرية منظَّمة ومؤطرة بشكل دول، كيانات، مجتمعات تحت عناوين معينة، أو بشكل قبلي… أو غير ذلك، ويجمعها على مستوى كل كيانٍ معين، أو إطارٍ معين، تجمعها أهداف مشتركة، حياةٌ مشتركة، مصالح مشتركة، جهود جماعية، اهتمامات جماعية، تنسِّق حتى الجهد الفردي، فيكون في إطار سياسة جماعية، توجه جماعي، وهكذا هي الحالة القائمة في الواقع البشري، وتختلف في مستوى تفعيل هذا الأمر، ومستوى الاستفادة منه من مجتمعٍ إلى آخر.
فالمجتمعات أكثر نجاحاً، والأكثر قوةً، والأكثر إنجازاً، هي المجتمعات التي تمكَّنت من رفع مستوى التعاون، وتوجيه حالة التعاون داخلها على مستوى أفضل، وعلى مستوى أقوى، وعلى مستوى أكبر، ووفق رؤيةٍ صحيحة، كلما كانت هناك رؤية صحيحة في جانب معين، وظِّفت فيها الجهود الجماعية، ونسِّقت فيها الأنشطة العامة لتخدم هدفاً مشتركاً، في نهاية المطاف تتحقق نتائج كبيرة، وهذه مسألة معروفة في الواقع البشري، وقائمة- كما قلنا- في عصرنا وفي كل زمنٍ مضى.
الحالة السلبية هي في واقع مجتمعنا المسلم، الأقل تعاوناً في كل شيء، على مستوى ما يفيده لدنياه، وما ينسجم مع دينه، وما يحقق له أيضاً المصالح الكبيرة في كل المجالات، حالة البعثرة للأمة، والتجزئة للأمة، والتفريق للأمة، وترسيخ التوجه الفردي والأنانية، والسعي لإبعاد الأمة عن روابطها الجماعية، وعن مشاعرها وتوجهاتها ومواقفها الجماعية، ومسؤولياتها الجماعية، وهمها الجماعي، ساعد إلى حدٍ كبير أن تتعزز النظرة الفردية والتوجه الفردي لدى الكثير من أبناء الأمة، وهذا ما أضعف المسلمين في عصرٍ كان بالإمكان أن يكونوا من أقوى الأمم، إن لم يكونوا أقوى الأمم؛ لأن لديهم من الإمكانيات، والقدرات، والثروات، والعدد الكبير، ولديهم أيضاً نور الله وهديه، الذي هو خير ما يمكن أن تجتمع عليه أمة، وأحكم، وأرقى، وأسمى، وأهدى، ما يمكن أن تجتمع عليه أمة، فتحقق لنفسها الخير في الدنيا والآخرة، ويكون لها دورها البناء، والمثمر، والإيجابي، والصالح، في قيادة المجتمعات البشرية الأخرى، وفي التأثير فيها.
المجتمعات الغربية على سبيل المثال في أوروبا، وفي أمريكا، والمجتمعات في بعض المناطق الأخرى، في بعض القارات الأخرى، مثل بعض المجتمعات الأسيوية، كالصين مثلاً، ترسخ عندها مفهوم: التعاون، والهم الواحد، والتوجه الواحد، والموقف الواحد، والمصالح المشتركة، مع أنهم في الغرب توجههم رأس مالي، مبنيٌ في أصل المسألة على الفرد، ومصلحة الفرد، وينطلق من مصلحة الفرد، مع ذلك ولديهم هذه العقيدة، وهذا المبدأ: المبدأ الرأسمالي الذي يركز بشكلٍ كبير على الفرد، وينطلق من الفرد في مصالحه، ولا يرعى المصالح العامة، إلا كتبع لمصالح الفرد، لكنهم أدركوا أنه حتى بحساب المصلحة الشخصية، والمصلحة الفردية، وما يعود من فوائد على الفرد الواحد، أنه من خلال التوجه الجماعي، الاهتمام الجماعي، التعاون الجماعي، سيتحقق للفرد من المكاسب، من المصالح، من المنافع، ما لا يمكن أن يحققه في توجهٍ منعزل ومنفصل عن التوجه الجماعي، وأدركوا ترابط المصالح لكل المجتمعات، المصالح بكل أشكالها، يعني: الاقتصادية، السياسية، الأمنية، الاجتماعية، أنها مترابطة في الواقع البشري، ولذلك من الواضح أنه يمكن تنسيق مسألة التعاون، وتنظيم الجهد الجماعي بما لا يلغي الخصوصية الفردية، وبما لا يلغي أيضاً الاعتبارات عندنا مثلاً في التوجه الإسلامي الأسرية، {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}.
هم أدركوا ذلك، واستفادوا كثيراً من ذلك، قامة كياناتهم العملاقة، وتجمعت قدراتهم وطاقاتهم؛ فأنتجت على نحوٍ كبير، ولديهم دائماً الكثير من الشركات والمؤسسات في كل المجالات، حتى على المستوى البحثي، مؤسسات تتظافر فيها الجهود، جهود المفكرين، جهود المنظرين، النشاط الاقتصادي، كذلك مؤسسات، شركات، الأنشطة في مختلف شؤون الحياة كثيرٌ منها تعتمد على مؤسسات، على شركات، على هكذا تجمعات تجمع فيها الإمكانيات والقدرات والمواهب، وتتكامل فيها القدرات، فيكون لذلك النتيجة الأكبر والأفضل.
على العكس منا في واقعنا في المجتمع الإسلامي، بعثرة، وتوجه فردي إلى أبعد الحدود، فقدنا الهم الواحد، القضية الواحدة كهمٍ يتجه عليه الجميع، يرتبط به الجميع، المسؤولية التي ندرك أنها تقع على عاتقنا جميعاً، فنتحرك فيها كما ينبغي.
الآن في المجتمع الغربي حتى على مستوى المشاريع العملاقة، تتعاون فيها الدول، لاحظ مثلاً: الأنشطة المتعلقة بالفضاء، والمحطة الدولية، كم دول تعاونت فيها؛ لأجل موضوع الفضاء، والأقمار الصناعية، ورصد الواقع، والأنشطة، والمتغيرات الجغرافية في الأرض، والبيئية… وما شاكل، أشياء كثيرة يتعاونون عليها، بالرغم من إمكانيات كل دولةٍ منهم، أصبحت لديها إمكانيات ضخمة، لكنها ترغب في كثيرٍ من الأمور المكلفة أن تتعاون مع دول أخرى مثلاً، ولهذا أهميته الكبيرة: في أن تخفف الكلفة، لا تكون مرهقة على دولة معينة؛ فتؤثر على بقية مصالحها واهتماماتها.
فعلى كل حال إن بقية الدول، بقية المجتمعات، بقية الكيانات في العالم نجحت بالاستفادة من مبدأ التعاون فيما بينها، في مصالح دنياها، وحتى في مؤامراتها على أمتنا، وحتى في تعاونها على الإثم والعدوان، نجحت في ذلك إلى حدٍ كبير، وبما لا يقارن مع ما عليه أمتنا من عدم التعاون على البر والتقوى، على الخير لها في دينها ودنياها، وهذا مؤسف مؤسف! وراءه أشياء كثيرة جداً أضرَّت بالأمة، وأوصلتها إلى ما وصلت إليه، من التفكك، والتبعثر، والضياع، والتشتت، والفوارق والحواجز والعوائق، التي عززت حالة الفصل لأبناء الأمة عن بعضهم البعض، ولجهودهم، وما إلى ذلك، فالكافرون استفادوا- كما قلنا- في كل شيء.
أمَّا في واقعنا كأمةٍ مسلمة، نحن الذين يخاطبنا الله، ويقول لنا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: من الآية2]، نحن الذين هيأ الله لنا أعظم المبادئ، وقدَّم لنا أعظم المبادئ التي هي خير ما تجتمع عليه أمة، خير ما يجتمع عليه البشر، المبادئ العظيمة، الأهداف المقدسة، القيم والأخلاق الكريمة والعظيمة، أيضاً قدَّم لنا ما يساعدنا تربوياً على تحقيق حالة التآخي، والتعاون، والانسجام، والتفاهم، والتقارب، ويحقق لنا بالتالي التعاون على أرقى مستوى، الأمة التي قال لها الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: من الآية103]، الأمة التي لديها هذه المسؤولية: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية104]، مسؤوليات جماعية، لم ينفع فينا هذا، مبادئ جامعة، لم ينفع فينا ذلك، وهكذا، توجيهات كثيرة تبين لنا ثمرة هذا الجهد الجماعي، هذا التعاون، وما ينتج عنه، وما يفيدنا به ويعود به علينا من الخير في الدنيا والآخرة.
لكن لعمل المفرقين بكل الوسائل، بكل العناوين: على المستوى الفكري، على المستوى الثقافي، على المستوى السياسي… على كافة المستويات، عمل كبير جداً، وترك أثره البالغ في واقع الأمة، حتى أصبح مجتمعنا الإسلامي يختلف عن بقية المجتمعات في ذلك، لم يستفد من مسألة التعاون في أي شيء، أمة ضخمة، المسلمون أكثر من مليار مسلم، قدراتهم، إمكانياتهم، ثرواتهم هائلة، ليسوا أمةً لم يجعل الله في أرضها ثروات ولا خيرات، وتركها بدون شيء، أمة تركها الله صفراً، فلم يعطها شيئاً، ولم يمدها بشيء، شملها عطاء الله، {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء: الآية20]، شملها عطاء الله، بل أعطاها الله الخير الكثير، لديها الإمكانيات الكثيرة، لديها الثروة البشرية والمادية، ولديها ما لو عادت إليها الرؤية الصحيحة، نور الله وهديه العظيم والمبارك، الذي كان يمكن أن يرتقي بالأمة إلى أرقى المستويات.
نجد مدى خسارة الأمة الإسلامية لتضييعها هذا المبدأ، وإزاحتها هذا المبدأ من واقعها:
على المستوى العسكري: بدت الأمة الإسلامية ضعيفة عسكرياً أمام أعدائها، حتى في معالجة القضية الفلسطينية، كلنا يعلم أنه لو تظافرت جهود المسلمين، وإمكاناتهم، بنيةٍ صادقة، وتوجهٍ جاد، واعتمادٍ على الله «سبحانه وتعالى»؛ لما كانت فلسطين مغتصبة، لما كان الأعداء يدنِّسون المسجد الأقصى المبارك، الذي هو من مقدَّسات المسلمين، لما كان الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من المسلمين، جزءٌ من الأمة، جزءٌ من العرب، يعاني الاضطهاد، والظلم، والقهر، ويعاني مما يمارس بحقه من الإجراءات الظالمة، والتعسفات من جانب أعدائه وأعداء الأمة كل يوم، معاناة يومية، اضطهاد يومي بكل أشكاله: من القتل، والجرح، والسجن، والتدمير، والانتهاك للأعراض، واقتلاع أشجار الزيتون والمزارع…. إلى غير ذلك، واغتصاب الأرض، ونهب الممتلكات، والتعدي بالضرب… كل أشكال الاضطهاد موجودة وتمارس بحق شعب فلسطين منذ عقودٍ من الزمن.
والأمة تقف وكأنها عاجزة، كأنها أمة لا تقدر على أن تنهي هذا الظلم، تنقذ ذلك الشعب، تستعيد جزءاً منها، جزءاً من مقدساتها، جزءاً من أرضها ووطنها، وتنقذ جزءاً منها، من كيانها، من شعبها، من أبنائها، ما الذي حصل في مقابل تعاون كبير مع العدو الإسرائيلي، التعاون الغربي برز مع العدو الإسرائيلي أكثر بكثير على كافة المستويات من تعاون المسلمين فيما بينهم، هذا كمثال واحد، أمام بقية التحديات والأخطار، كلنا يعلم لو تظافرت جهود المسلمين، وتعاونوا لدفع الخطر عنهم جميعاً؛ لكانوا اليوم قوةً كبرى في الساحة العالمية، لما كان حالهم على ما هو عليه.
على المستوى الاقتصادي: ليس لدى المسلمين عملة موحَّدة، الأوروبيون عملوا لهم عملةً موحَّدة (اليورو)، فأصبحت عملة ذات وزن كبير، وقيمة كبيرة، وأهمية عالمية، المجتمع الغربي إلى حدٍ كبير اعتمد على الدولار، فأتى العرب وأتت الدول العربية المنتجة للنفط لتعتمد على الدولار، فجعلته عملةً عالمية، حوَّلوا اللغة الإنجليزية إلى لغة عالمية، حوَّلوا سياساتهم وتوجهاتهم إلى توجهات عالمية، بفعل ما عليه المسلمون من التفرق، من توجه بعض الأنظمة معهم، مع أعداء الأمة في كل شيء، دخلت فيما هم عليه، تتعاون معهم، بدلاً من أن تتعاون مع أمتها.
لا يوجد للمسلمين سوق مشتركة، ليس لهم سوق مشتركة، الوضع الاقتصادي فيما بينهم في العلاقات الاقتصادية، والتبادل التجاري، تحت سقف ما تريده أمريكا، ويستجيب تماماً لأي توجهات أمريكية، أو عقوبات أمريكية، أو حصار أمريكي على شعبٍ من شعوب الأمة الإسلامية، فخسر المسلمون الكثير، ما يمكن أن يحصلوا عليه لو تعاونوا، لو تفاهموا على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري، على المستوى السياسي، أمة ليس لها نفوذ سياسي بحجمها، بحجم إمكاناتها، بحجم قدراتها، على كل المستويات، على المستوى الخيري، لما انتشر البؤس في أي بلدٍ من بلدان هذه الأمة، لو بقي التعاون فيما بينهم على المستوى الخيري… وهكذا في كل مجالٍ من المجالات، كانت خسارة المسلمين كبيرةً؛ لأنهم أضاعوا هذا المبدأ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.
بدلاً عن ذلك، اتجهت أنظمةٌ منهم، دولٌ منهم، كياناتٌ منهم، لتتعاون مع أعدائهم، ولتسخِّر طاقاتها، إمكاناتها، ثرواتها مع مواقفها وتوجهاتها لخدمة أعداء الأمة، وهذا أمرٌ واضح فيما عليه بعض الأنظمة، في ذوبانهم التام مع أمريكا، وخدمة أمريكا، وخدمة الغرب، وفي الأخير مع الإسرائيلي، مع العدو الإسرائيلي، دخلوا في علاقات معلنة، وما يسمونه بالتطبيع في علاقات ألغوا فيها الكثير من القيود التي يتخذونها ضد بقية شعوبهم الإسلامية، وبلدانهم العربية، وفتحوا مجالاً لتجنيس الإسرائيليين، وإلغاء الجمارك في التعامل معهم، وفتح الأبواب للدخول والخروج والحركة إلى بلدانهم بدون أي قيود، وبكل التسهيلات، وكل التسهيلات للأنشطة التجارية… وغير ذلك، واتجهوا للنشاط الاستثماري لدعمهم… وهكذا، ففعلوا معهم ما لا يفعلونه أبداً مع شعوب أمتهم، مع بلدان العالم الإسلامي، هذه حالة واضحة من الانحراف الكبير، وبات الحديث اليوم مثلاً عن مسألة تعاون المسلمين جميعاً، أو تعليق شيءٍ من الأمور عليه، تعليقٌ بما هو أشبه بالمستحيل، يعني: لم يعد من المؤمل فيما عليه المسلمون اليوم من إشكالات، من عوائق، من فرقة، من شتات، من توسيعٍ للفجوة، من بعثرة وتجزئة، من عوائق وحواجز بفعل الأنظمة والحكومات، التي تؤدِّي هذا الدور بشكلٍ كبير، ومن معها من المضلين والمفسدين، الذين يشتغلون في هذا الاتجاه السلبي لضرب الأمة من الداخل، لم يعد ينبغي أن يعلِّق الإنسان أي عملٍ عظيم، أو مهم، أو موقفٍ مهم، ويرهنه إلى مسألة اجتماع المسلمين جميعاً، أو توحِّدهم جميعاً، أو اتفاقهم جميعاً؛ لأن هذا صار أشبه شيءٍ بالمستحيل.
الذي يعوَّل عليه، ويمكنه أن يثمر، هو: ما يقوم به الأحرار، الواعون من أبناء الأمة، والمسألة تتطلب في بداية الأمر نشر هذا الوعي بين أوساط الأمة، ترسيخ الانتماء الإسلامي للمسلمين، وأنَّ هذا جامعٌ لهم كأمةٍ واحدة، لديها مسؤولياتها الجماعية، مصيرها الواحد، همها الواحد، ثم ما يجري من التعاون والتنسيق والتفاهم على أبرز القضايا، على أبرز العناوين، وأي مستوى يمكن أن يتحقق من التعاون في ذلك، في ظل الظروف الراهنة، فهو مستوى مهم، فهو مطلوب، فهو مطلوبٌ على كل حال، على مستوى الأخيار الذين يحسون بمسؤوليتهم من أبناء الأمة، الصالحين من أبناء الأمة، على مستوى الواعين من أبناء الأمة، الذين يحملون همّ الأمة، واقع الأمة، معاناة الأمة، مصير هذه الأمة، مستقبل هذه الأمة، ولديهم ثقة بالله «سبحانه وتعالى»، وإدراك وإيمان بعظمة المبادئ الإسلامية والقرآنية، فما تحقق بينهم من التعاون في كل المجالات، في إطار القضايا الكبرى للأمة، والمسؤوليات الجماعية للأمة، فهو مطلوب، وهو مناسب، وهو قائمٌ الآن بعد أن أصبحت حالة الفرز، الفرز والتمييز من الله بين أبناء الأمة، بين المنافقين وبين الصالحين من أبناء الأمة، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، في ظل ما يجري مؤخراً في موضوع التطبيع مع العدو الإسرائيلي وغير ذلك.
على كلٍّ على مستوى الواعين من أبناء الأمة، يمكن أن تعزز حالة التعاون، على مستوى الأخيار، على مستوى الدول، على مستوى الجهات الفاعلة من أبناء الأمة، التي لديها هذا التوجه الواعي، المبدئي، الأخلاقي، الإنساني، الذي هو توجهٌ راشد، توجهٌ صحيح، توجهٌ سليم، هو التوجه الطبيعي الذي ينبغي أن يتوجه به أبناء الأمة.
ثم على المستوى الداخلي، على مستوى كل شعب، فمثلاً في واقعنا في شعبنا اليمني، نحن مجتمعٌ مسلم، هويتنا إيمانية، (الإيمان يمان، والحكمة يمانية)، مجتمعنا- بحمد الله- لا يزال محافظاً على مبادئه، وقيمه، وأخلاقه إلى حد جيد، يتفاعل مع هدى الله «سبحانه وتعالى»، يعي عظمة توجيهات الله «سبحانه وتعالى»، وعلى مستوى متفاوتٍ فيما بين الناس، ليسوا سواءً في إدراكهم لهذه الأمور، في تفاعلهم معها.
ونحن اليوم ضمن توجهنا المبدئي والأخلاقي والقيمي، القائم على الاستقلال، على عدم التبعية لأعداء الأمة، عدم التبعية للكافرين، ومن معهم من المنافقين، توجهنا القائم على الاستقلال، على إدراك أننا أمة لها مبادئها، لها قيمها، لها أخلاقها، لها مشروعها الحضاري، الذي ينبغي أن تتحرك على أساسه، يجب أن ندرك جيداً، ونحن رأينا وعشنا ثمرة التعاون في مواجهة التحديات، التحدي الكبير الذي هو العدوان، عدوان تحالف الإثم والعدوان، الأمريكي السعودي على بلدنا، تحالف دولي إقليمي، التحق به المنافقون والخونة من أبناء شعبنا، وقام بحملته وعدوانه الكبير على بلدنا، بأهداف واضحة، يريد أن يحتل كل بلدنا، وأن يسيطر عليه بشكلٍ تام، وأن يسيطر على كل شعبنا، واستخدم في عدوانه على بلدنا كل وسائل التدمير، وحرص على أن يكسر إرادة هذا الشعب، من خلال ارتكابه لأبشع الجرائم بحق هذا الشعب، ومن خلال الحصار الخانق والشديد ضد هذا الشعب، مع ذلك ما الذي أسهم بعد الاعتماد على الله «سبحانه وتعالى»، والتوكل على الله «سبحانه وتعالى»، ما الذي أسهم في صمود وتماسك شعبنا إلى اليوم؟ سبع سنوات وصل فيها تحالف العدوان إلى اليأس، وصل فيها إلى العجز، إلى الإخفاق، إلى الفشل المعترف به، الفشل الذي تحدثت عنه الدول بمختلفها، والكيانات حتى الراعية لهذا العدوان، وأصبح شيئاً معروفاً، أنهم قد فشلوا في عدوانهم، في تحقيق أهدافهم، ثمرة التعاون بين أبناء هذا الشعب، عندما تعاونوا في النهوض بمسؤوليتهم الجماعية في الجهاد في سبيل الله والتصدي لهذا العدوان.
على المستوى العسكري: ثمرة هذا العدوان عندما كان هناك تحركٌ واسع من أحرار وأبطال شعبنا من مختلف المحافظات، من مختلف القبائل، وانطلقوا إلى الميدان، ونهضوا بمسؤوليتهم، فكان لهذا التعاون ثمرته العظيمة.
عندما تعاونوا على مستوى الأنشطة الخيرية، كان لهذا التعاون ثمرته الكبيرة، عندما كان هناك تعاون في حلِّ المشاكل الاجتماعية، كان هناك ثمرة طيِّبة، في كل المجالات التي حصل فيها تعاون، كان هناك ثمرة إيجابية، وثمرة طيِّبة.
الإسلام هو يدفع نحو التعاون إلى حد أن يرسم مسؤولياتٍ جماعية، قائمة على التعاون، الجهاد في سبيل الله مسؤولية تعتمد على التعاون، وهي مسؤولية جماعية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية جماعية، تعتمد على التعاون، فعل الخير فيه مسؤوليات أساسية جماعية، تعتمد على التعاون، فالتعاون هو مثمر، ثمرته عظيمة، فكيف إذا كان التعاون على مستوى أكبر، على مستوى أوسع، وشمل كل المجالات، بالإضافة إلى ما هو ضمن مسؤولياتنا الجماعية: كالجهاد في سبيل الله، الذي يعتمد على التعاون، والذي كلما تحقق مبدأ التعاون داخله على نحوٍ أفضل؛ كانت الثمرة أكبر، وهذا شيءٌ مهم يجب أن نعيه، أن نستوعبه، البركة هي في الجهد الجماعي، في التعاون، كلما كان التعاون على مستوى أعمق، أكبر، أوسع؛ كلما كانت ثمرته أعظم.
ولذلك علينا في شعبنا العزيز- مع ما ننصح به في واقع أمتنا بشكلٍ عام- أن نلحظ أهمية هذا المبدأ: التعاون على البر والتقوى، فإذا جئنا إلى مستوى النهوض بمسؤولياتنا الجماعية، فلندرك أنها قائمة على التعاون، ولنسع في تحقيق ذلك.
إذا جئنا إلى مختلف المجالات: إلى المجال الاقتصادي، المجال الاقتصادي أصبح ميداناً من ميادين الصراع، من ميادين المواجهة، وأصبح التحرك فيه بنيةٍ صادقةٍ، بنيةٍ واعية، بتوجهٍ صالحٍ، وواعٍ، وإيمانيٍ، يصبح التحرك فيه من الجهاد في سبيل الله؛ لأن الأعداء يشنون حربهم الشاملة على شعبنا وعلى أمتنا بشكلٍ عام، والجانب الاقتصادي من الميادين والمجالات الأساسية التي يشنون حربهم فيها، عن طريق الحصار، وأكثر ما يفيدهم في الحصار، هو: اعتماد الناس على الاستيراد من الخارج، فيواجهون المشكلة ابتداءً في مسألة العملة في الحصول على الدولار، مما يضرب العملة المحلية، مما يضعف قيمتها، مما يتسبب برفع الأسعار، وأيضاً في إيصال المواد التي تأتي من الخارج، إضافة ما يترتب على اضطراب الوضع الدولي والإقليمي ومشاكله من ارتفاع إضافي في الأسعار، فتكبر المعاناة، ما الذي يمكن أن نقوِّي به وضعنا الاقتصادي في بلدنا؟ ما الذي يمكن أن ننهض به اقتصادياً في بلدنا؟ اعتمادنا على الله، ثقتنا بالله «سبحانه وتعالى»، وتعاوننا؛ لأن الجهد الفردي ضعيف، على مستوى رؤوس الأموال، أكثر أبناء شعبنا من الفقراء، وكثيرٌ من أبناء شعبنا من ذوي الدخل المحدود، ما يمتلكه من أموال قد لا يفي بالاحتياجات الضرورية لأسرته، فكيف يتحرك به في نشاط تجاري أو استثماري يعالج به مشكلته الاقتصادية، ما الذي يمكن أن يساعد على معالجة هذه المشكلة؟ هو تجميع رؤوس أموال، عن طريق التعاون، النشاط التعاوني في المجال الاقتصادي من أهم ما يمكن أن يفيد على مستوى النهضة الاقتصادية، وعلى مستوى مواجهة المشكلة المعيشية، التي هي همّ، همّ وغم لدى الكثير من الأسر، لدى الكثير من الذين يعولون أسرهم، يفكر كيف يجلب احتياجات أسرته، كيف يعمل عملاً يدرُّ له الدخل الذي يغطي به الاحتياجات الضرورية لأسرته.
في العالم ماذا يفعل الناس؟ ينشئون مؤسسات تجارية استثمارية اقتصادية، شركات قائمة على المساهمات، يمكن جمع رأس مال مثلاً من مليون مواطن، أو من خمسمائة ألف مواطن، من خمسين ألف مواطن، من… على أي مستوى كان، فيصبح رأس مال ضخم، لنشاط استثماري فاعل، يساعد على معالجة الوضع الاقتصادي من جهة، على تقوية الإنتاج الداخلي، على معالجة مشكلة البطالة، وتشغيل اليد العاملة.
في بعض عمليات النصب في بلدنا، في بعض عمليات النصب والاحتيال، تمكَّن بعضهم من جمع مليارات، في واحدةٍ من حالات النصب قيل لنا أن المجموع بلغ أكثر أربعين مليار ريال، جمعت تحت عنوان نشاط استثماري وتجاري، ولكن بطريقة فيها نصب واحتيال ومخادعة، جمعت من ذوي الدخل المحدود، هذا ساهم، وهذا ساهم، البعض من خمسة آلاف ريال، وهكذا جمعت مبالغ ضخمة جداً.
لكن عندما نأتي إلى النشاط الاستثماري الذي يقوم على إنشاء شركات، ومؤسسات، وأنشطة استثمارية، يجب أن يكون على أساسٍ صحيح، وأن يكون أيضاً برعاية رسمية، أو مبادرات من جهات معروفة، مأمونة، موثوقة من أبناء الشعب؛ حتى لا يكون الإنسان ضحيةً لذوي النصب والاحتيال، لا يستجيب لأي شخص قد يكون شخصاً مغموراً مجهولاً، أو غير معروف، نصاباً ومحتالاً، ينادي بنشاط استثماري ونشاط تعاوني تساهمي.
النشاط التعاوني التساهمي يمكن أن يعالج لنا مشكلة الفقر في بلدنا إلى حدٍ كبير، وأن ينهض بوضعنا الاقتصادي، وأن يقوي عملية الإنتاج في الداخل، وتجتمع رؤوس أموال كثيرة حتى بالنسبة لذوي الدخل المحدود، هذه طريقة ميسَّرة لهم، وهم يفعلون في الخارج كذلك.
هناك أيضاً في بعض المجالات إمكانية أن تتعاون الدولة من جانبها، والتجار من جانبهم، وبقية المساهمين من المواطنين، تبقى مساحة ضخمة لمساهمة المواطنين في مجالات استثمارية ذات دخل كبير في واقع الشعب، وتنشيط الحركة التجارية من خلالها، هذا ما ينبغي أن يتشغل عليه الجانب الرسمي، وخارج الجانب الرسمي، ليبادر، هناك الكثير من الناس الذين فيهم خير، لديهم همة عالية، لديهم اهتمام كبير، لديهم وعي بأهمية هذه الأمور، وبأننا لابدَّ لنا من العمل، لابدَّ لنا من التحرك، أنَّ الذي يضرُّ بالناس هو تكاسلهم، شعوبنا مهما كانت لديها من الخيرات تصيح دائماً من الفقر، وكأنها لا تمتلك أي خيرات، لاحظ الوضع عندنا في اليمن، لاحظ الوضع مثلاً في السودان، من أحسن البلدان فيما يتعلق بالثروة الزراعية، وإمكانية الإنتاج الزراعي، وبالإمكان أن يتصدر كل الشعوب العربية في الإنتاج الزراعي، يعاني أشد المعاناة، ليس هناك من يرعى نظاماً صالحاً، يرعى مصالح ذلك الشعب ضمن مصالح وأنشطة صحيحة.
عندنا أتى العدوان ليمثل عامل ضغط كبير جداً، ولكن أصبح الميدان الاقتصادي من ميادين الصراع، لابدَّ فيه من التحرك، مع الاعتماد على الله، مع اللجوء إلى الله «سبحانه وتعالى» ليمُنّ بالغيث، مع الاستقامة وفق توجيهاته وأمره، وهذا ما يمكن أن يهيئ للناس الحصول على البركات من الله «سبحانه وتعالى»، والرعاية من الله.
كذلك على مستوى التوجهات والسياسيات، مثلاً: من أهم ما نحتاج إليه فيما يتعلق بالإنتاج الداخلي، هو: السعي لتقليل الكلفة، وتحسين الجودة، المزارع بحاجة أن يعي ذلك، الشركات والمؤسسات الإنتاجية التي يمكن أن تنشأ، لتحرص على ذلك: كيف تسعى لتكون الكلفة أقل، والجودة تكون على مستوى جيد، لتنافس المنتج الخارجي.
ثم أيضاً السياسات التي يلزم بها التجار في أن يتجهوا إلى العناية بالمنتج الداخلي وتسويقه، وألَّا يضربوه بالمنتج الخارجي، فتصبح حالة التعاون، المدعومة بالسياسات، والتوجهات، والإجراءات، على المستوى الرسمي، وعلى المستوى الشعبي، تصبح مثمرة، مجدية، لها بركتها، تعالج الكثير من المشاكل على المستوى الاقتصادي، تعالج حالة البؤس والحرمان، تحد من مستوى البطالة، وتعالج حتى ظاهرة التسول، مع الاهتمام بالزكاة، مع الاهتمام بالصدقات، مع الاهتمام بالإنفاق، كل ذلك يحتاج إلى عمل، يحتاج إلى إنتاج، يحتاج إلى تحرك اقتصادي استثماري، فالجانب الاقتصادي إذا فُعِّلَ فيه مبدأ التعاون وفق توجيهات الله «سبحانه وتعالى»، سيكون لذلك ثمرة عظيمة، ونتيجة كبيرة جداً.
على مستوى الجانب الخدمي، وعلى مستوى المشاريع الخدمية، من أهم ما نحتاج إليه هو التعاون، والتعاون سيحل مشكلة كبيرة جداً في هذا الجانب، كم من القرى التي هي بحاجة إلى الطرق، ليس لها طرق إليها؟ في بعض المناطق كيف حُلَّت هذه المشكلة؟ بالمبادرات الاجتماعية، المبادرات الاجتماعية التي يتعاون فيها الأهالي، فيشتغلون معاً، يتعاونون معاً، يتحركون معاً، على مستوى التمويل يعاونون ويساهمون بقدر ما يستطيعون، ثم يأتي من يعينهم رسمياً، أو خيرياً، ثم تنجح مشاريع مهمة جداً، ويحقق الناس معالجات مهمة جداً، لمشاكل حقيقية على المستوى الخدمي، يمكن تنشيط هذا الجانب، وتقوية التعاون فيه، ليكون مثلاً في بعض المناطق على مستوى أوسع من القرية، على مستوى القبيلة، على مستوى المديرية، في بعض الأمور على مستوى المحافظة، في بعض الأمور كذلك على مستوى أوسع مثلاً من تعاون التجار الخيرين والصالحين مع الجهات الرسمية، تعاون يخفف الكلفة، ويرفع مستوى الإنتاج، ويحقق النتائج الكبيرة، والنتائج العظيمة، والنتائج المهمة.
المبادرات الاجتماعية هي طريقة ناجحة، يجب أن تتعزز، وأن تتقوى، وأن تتوسع، وأن تنظم بشكلٍ أفضل، وأن تدعم بشكلٍ أقوى، وأن يلتفت الجميع على ضوء مبدأ التعاون؛ لأهميته الكبيرة، ونتيجته المهمة.
على مستوى الجانب الاجتماعي في المشاكل الاجتماعية، التعاون لابدَّ منه، التعاون مثمر في حل المشاكل الاجتماعية، التعاون أيضاً على تقوى الله «سبحانه وتعالى» في الحد من الظواهر السلبية، والسلوكيات التي قد تكون أحياناً بهدف إفساد المجتمع، عندما يكون هناك وعي مجتمعي لنبذها، لمحاربتها، لمنعها، للحد منها، بتعاون من أبناء المجتمع، بتفاهم من أبناء المجتمع، هذا تحصين للمجتمع من الاختراق المعادي.
مجتمعنا المسلم في هذا العصر مستهدف، في أخلاقه، في قيمه، في عفته، في طهارته، في صلاحه، مستهدف بشكلٍ كبير، والاستهداف عبر مختلف الوسائل، بما فيها الإنترنت، بما فيها مواقع التواصل، بما فيها وسائل كثيرة جداً، فإذا كان المجتمع نفسه مجتمعاً يتعاون على البر والتقوى، فهو سيحد بتعاونه وتفاهمه من الفساد، ومن الظواهر السلبية، وَسَيُحَصِّن نفسه بهذه الطريقة.
أيضاً بالحفاظ على القيم الأصيلة في المجتمع، والعادات الحسنة في المجتمع، ولدى مجتمعنا- بحمد الله- موروث عظيم من القيم الأصيلة، التي هي قيم قبلية إسلامية فطرية، إذا حافظ عليها المجتمع تصونه، تحصنه، تحميه من الاختراق، تحافظ على هويته، على قوته، على تماسكه، على انتمائه الإيماني.
أيضاً فيما يتعلق بتيسير الزواج، هو من التعاون على البر والتقوى، يحتاج إلى تعاون، التزام بسقف معين لا يتم تجاوزه في هذا الجانب، وإعانة الفقراء المتزوجين، التعاون على المستوى القبلي هو عادة راسخة في مجتمعنا اليمني، وهناك قواعد لكل قبيلة تلزمها بالتعاون والغرم الواحد، ويحل مشاكل كثيرة، وله إيجابيات مهمة، وكثيرٌ منه يجب الحفاظ عليه؛ لانسجامه مع التعليمات الإسلامية، وتعديل ما لا ينسجم مع شرع الله، ومنهج الله، وتعاليم الله «سبحانه وتعالى».
التعاون يعبِّر عن قيم عظيمة، مثل: الرحمة، مثل: إرادة الخير للآخرين، مثل: خلاص الإنسان من الأنانية، والتعاون يعبِّر عن وعي؛ لأنه فعلاً الإنسان الذي يعي أهمية التعاون، يدرك جيداً أنه بكل الاعتبارات هو ربح للمجتمع، حتى الذي يفكر تفكيراً شخصياً، حتى الأناني، الذي لا يهمه إلا نفسه، ليدرك أن التعاون سيفيده لنفسه، سيفيده لمصلحته، والتعاون أصلاً لا يلغي خصوصية الفرد، ولا يلغي ملكية الفرد لأملاكه الشخصية، التعاون ليس مثل الاشتراكية الشيوعية التي كانت زمان قائمة تلغي ملكية الفرد، التعاون هو لمصلحة الفرد، ولمصلحة المجتمع، التعاون منه ما هو إسهام مباشر، وما هو تنسيق للجهود، لتصب في مصبٍ واحد، فالتعاون له ثمرته، وأهميته، وقيمته في كل شيء، في كل شيء، التعاون على البر والتقوى.
أيضاً قال الله تعالى بعد ذلك: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: من الآية2]، بقدر ما للتعاون على البر والتقوى من أهمية، من قيمة إنسانية وأخلاقية، ومن أثرٍ إيجابيٍ عظيم، من ثمرةٍ طيبة، من نتائج عظيمة ومباركة، بقدر ما له من تأثيرٍ إيجابي لصالح المجتمع في دينه ودنياه، هناك في المقابل خطورة كبيرة، وسلبية كبيرة، ونتائج سيئة جداً للتعاون على الإثم والعدوان.
الإثم: مختلف أنواع المعاصي والذنوب.
والعدوان: العدوان على العباد بغير حق.
حالة التعاون على الإثم، لنشر جريمة معينة، أو منكر معين، أو فساد معين، بأي أسلوب، بأي طريقة: مادياً، أو إعلامياً، أو بالممارسة والنشاط المباشر بأي شكل، يضاعف من الجرم، يضاعف من الإثم، يضاعف من الوزر، وفي نفس الوقت يمثل خطورةً أكبر، قد تكون هناك مثلاً أحياناً ممارسات فردية، محاربتها والحد منها أيسر، لكن ما الذي يعمم الفساد؟ ما الذي يعمم المنكر؟ ما الذي ينشره أكثر؟ هو التعاون عليه، الترويج له، الإسهام فيه بنشاط جماعي، وجهد جماعي، وتنسيق جماعي، فلذلك يعتبر فظيعاً وشنيعاً وخطيراً جداً.
العدوان كذلك نرى دولاً بأكملها تتعاون على العدوان في واقع أمتنا، في واقع شعبنا، دول وكيانات تعاونت في العدوان على شعبنا، فكان الجرم عظيماً، والظلم كبيراً؛ فكان لذلك آثار كبيرة بالغة الضرر، وفظيعة في مستوى الإجرام، كذلك نرى دولاً كثيرة من الكافرين والمنافقين وكيانات كثيرة تتعاون في ظلم الشعب الفلسطيني، والكثير من الأنظمة العربية هي تساهم في ظلم الشعب الفلسطيني بشكلٍ أو بآخر، أمَّا الذين دخلوا في التطبيع فأصبحوا يتعاونون بشكلٍ مباشر في العدوان على الشعب الفلسطيني، وبالإضرار بالشعب الفلسطيني.
التعاون في الإثم والعدوان على أي مستوى: مستوى دول، كيانات، مجتمعات، وإلى أي مستوى يصل: على مستوى قبيلة معينة، مجتمع معين، محرمٌ شرعاً، ولا يجوز أبداً، لا بدافع عصبية، ولا بدافع أطماع وأهواء، ولا بدافع روابط بأي شكلٍ من الأشكال، التعاون على الإثم وزره كبير وضرره كبير، والتعاون على العدوان وزره كبير وضرره كبير.
على الناس أن يتعاونوا على تقوى الله، للالتزام بتوجيهات الله، لتنفيذ تعليمات الله «سبحانه وتعالى»، في أي أمة، في أي مستوى، في أي كيان، في أي مجال، في أي عمل، يكون هذا المبدأ هو المبدأ الأساسي الذي يضبط جهدك مع الآخرين، تعاونك مع الآخرين، علاقتك مع الآخرين، أن تكون في إطار البر والتقوى.
وألَّا تتعاون معهم أياً كانوا، أصحابك، حزبك، جماعتك، قبيلتك، أمتك، بأي مستوى كان، أصدقاؤك، أن يضبط تعاونك معهم هذا الضابط: على البر والتقوى، وألَّا تتعاون معهم على الإثم والعدوان، وأياً كان الذي تتعاون معه، بأي اسم، بأي صفة، لا تتعاون مع أحد على الإثم والعدوان، اتسعت حالة التعاون أو قصرت، هي خطيرة عندما تكون على الإثم والعدوان.
هي مهمة، ومثمرة، ومباركة، وإيجابية، وأجرها عظيم، وفضلها كبير، ونتائجها عظيمة، ويد الله مع الجماعة، عندما تكون في البر وعلى البر والتقوى؛ لأن الجرم كبير في التعاون على الإثم والعدوان.
ختمت الآية المباركة بقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: من الآية2]، الله شديد العقاب، إذا كان التعاون على الإثم والعدوان يجعل من يتعاونون عليه أشداء في جبروتهم، في بطشهم، ويجعل التعاون على الإثم فاعلاً أكثر، منتشراً أكثر، فشدة العقاب من الله «سبحانه وتعالى» هي الجزاء، هي الجزاء، ولذلك يجب علينا أن نتنبه لخطورة التعاون على الإثم والعدوان في كل شيء، في كل المجالات.
حتى في مواقع التواصل، ما أكثر ما يحصل التعاون فيها على الإثم وعلى العدوان، يأتي من يغرد ليهاجم شخصاً معيناً، قد يفتري عليه، قد يفرط في موقفه منه، فتأتي تباعاً لذلك الكثير من التغريدات المؤيدة، أو كذلك في إثم معين، فيأتي من يؤيد، ويشترك ويساهم، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر ما يحصل فيه التعاون على الإثم والعدوان، ويتحمل الكثير من خلال ذلك من الأوزار والذنوب، التي تبطل أعمالهم، وتحبط أعمالهم الصالحة، قد يحبط الإنسان حتى صلاته، وصيامه، وأعماله الصالحة، وأصبحت أيضاً من الميادين التي لابدَّ فيها من التعاون على البر والتقوى، وتنسيق هذا التعاون؛ حتى يكون الحضور فيه حضوراً أقوى، وحضوراً فاعلاً، وإيجابياً، ومؤثراً، ونافعاً.
الحديث عن تطبيقات ما يتعلق بالتعاون على البر والتقوى واسعٌ جداً، واسعٌ جداً بسعة حياتنا ومجالات أعمالنا، والحديث عن سلبيات ومخاطر وتطبيقات التعاون على الإثم والعدوان واسعٌ جداً، يدخل في كل مجال، يصل إلى كل تفصيل، هذه إشارات، هذه تنبيهات، هذا هو لفت نظر إلى أهمية الموضوع.
نسأل الله «سبحانه وتعالى» أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛