رمضان كريم.. ورمضان رحمة وتأمل..

طه العامري

 

 

لحكم كثيرة منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي فرض الله سبحانه وتعالى ( الصوم) في شهر رمضان فقال سبحانه وتعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان).. ويقول سبحانه ( يَأَيُّهَا لَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .. صدق الله العظيم.
وقد جعل الله صوم رمضان الركن الخامس من أركان الإسلام بعد الشهادتين والزكاة والحج، وشهر رمضان هو شهر تهذيب النفوس وتمرينها وتدريبها وتأهليها على حياة الزهد والتقوى والقيام بكل ما هو صالح وأخلاقي ونموذجي في سلوك الإنسان المؤمن وهو السلوك الذي يفترض أن يكون عليه المؤمن طيلة العام والعمر وفي كل الأوقات وليس في رمضان فقط..!!
لكن ثمة عادات وتقاليد أدُخلت تزامناً مع حلول شهر رمضان المبارك في كل عام، هذا الشهر الذي يصفه المسلمون بالمبارك وهو مبارك في عبادته وبزهده وبتقوى يتحلى بها الصائم _ افتراضا _ للتقرب من ربه وفي سبيل التكفير والتطهر من أدران العام وشوائبه ومع ذلك فرضت على هذا الشهر الكريم أنماط استهلاكية وتقاليد سلوكية وثقافية تناقض حكمة الله من فرض شهر رمضان على عباده الذين اتخذوا منه شهراً للتفاخر والاستهلاك والتباهي بدءاً من تجديد الأثاث إلى تحديث الأجهزة والأدوات المنزلية لدى الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية إلى مضاعفة المواد الاستهلاكية وتعدد أطباق الماكولات وبالتالي تحظى الأنماط الاستهلاكية بنسبة 90 ? من اهتمام الصائمين مقابل 10 ? فقط من الاهتمام بالعبادات وبهذا يفتقد رمضان لرسالته الحقيقية حاله بذلك حال الدين بمجمله..!!
إن الله فرض شهر رمضان ليس لكي يشعر الأغنياء بحاجة الفقراء فحسب، بل لكي ينقي المخلوق روحه ويصفيها من شوائب الدنيا ويعيش فترة زمنية مدتها 30 يوما ناسكاً مخلصاً لربه متفرغاً لعبادته متقرباً إليه بكل الأعمال الصالحة التي يشعر القائم بها بقربه ليس من الله بل من تعاليم الله وسيرة رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، أما التقرب من الله فهذه مكرمة ومكانة لا يصل إليها إلا من بلغ مراحل الإيمان واليقين ثم الإحسان وهي أعلى مرتبة إيمانية لا أعتقد أننا في زمن يمكن أن نجد فيه أمثال هؤلاء المؤمنين إلا من رحم ربي وهو وحده العالم بأعمال ووجود أمثال هؤلاء من عباده في زمن كزماننا هذا الذي فيه حتى الصدقات توثق بالصوت والصورة والإنفاق للتفاخر والتباهي ولدرء شبهات سلوكية حتى يخيل إليّ أن غالبية المنفقين إنما ينفقون أموالهم رياءً أمام الناس كما وصفهم الله وحذرنا من أمثال هؤلاء..؟!!
ولكل ما سلف فإن الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بعباده وبسبب أعمالنا أوصلنا إلى مرحلة مزرية كجزاء أو كعقاب لنا على ما نحن فيه من سلوكيات وقيم ثقافية تتعارض مع كل قيم الإسلام وتعاليمه، بعد أن صارت كل عباداتنا مجرد طقوس ليس إلا، نمارسها كعادة روتينية يومية وسنوية لا فرق في ذلك بين تأديتنا للصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج، فالصلاة طقوس يومية نؤديها دون أن نكون على مستوى القيم الربانية التي تمثلها والغاية المرجوة منها فالله سبحانه وتعالى يقول ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) إذاً فالصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لا جدوى منها، الزكاة هي الأخرى تخضع لعملية احتيال وتحايل وفي هذا يمكن لمن يريد أن يحدث وبدون حرج، الصيام هو الآخر أصبح مجرد طقوس شكلية يتباهي بها الناس، فيما الحج تحول إلى مجرد مزار سياحي ومصدر جذب سياحي بعد أن أفرغت المشاعر المقدسة من كل معلم مقدس وطغت على كل معالم المشاعر المقدسة الأنماط والأدوات الغربية بأطيافها الرأسمالية الحديثة وبالتالي لم يعد هناك فرق بين زائر مكة والمدينة وزائر إهرامات الجيزة في مصر أو صهاريج عدن و عرش بلقيس في اليمن..؟!
لذلك فعندما تركت الأمة لبّ الدين والإسلام وتمسكت بالقشور أصبحت أمة لا قيمة ولا وزن لها أمام العالم وأصبحت تعيش هذا الانكسار الحضاري والقيمي والأخلاقي.. ولا يمكن أن تتغير إلا إذا غيرت ما أصابها من خلل في دينها وأخلاقها وقيمها وسلوكها قال الله تعالى (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
جعلنا الله وأياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

قد يعجبك ايضا